منذ عام أو أقل كانت شركة Builder.ai حديث السوق وينظر إليها كواحدة من الشركات التي ستغير شكل التطبيقات في العالم. كانت الرؤية طموحة جدا، وهي أنك تبني تطبيقا بدون كتابة كود، من خلال الذكاء الاصطناعي. كثيرون كانوا يرون أن ذلك بمثابة حلما، وبالفعل استطاعت الشركة جمع أكثر من 250 مليون دولار تمويلات من مستثمرين كبار.
لكن في لحظة وبطريقة شبه مفاجئة أصبحت تعاني من مشاكل مالية حادة، وأصبحت أقرب للإفلاس من أي وقت مضى.
فالسؤال هنا الذي يجب أن نسأله: كيف وقعت شركة لديها فكره قوية وفريق يعمل وملايين الدولارات بهذا الشكل؟
الإجابة باختصار هي غياب الحوكمة.
ولكن ما الذي حدث؟ في التقارير التي خرجت مؤخرا عن المشاكل التي واجهتها الشركة كان نوع المشاكل:
صرف مبالغ ضخمة بدون رقابة مالية واضحة.
توسعات سريعة جدا بدون دراسة جدوى حقيقية.
غياب الشفافية فى اتخاذ القرارات.
تجاهل آراء أصحاب المصلحة سواء مستثمرين أو موظفين.
النتيجة؟ اهتزاز ثقة المستثمرين، والمستخدمون أصبح لديهم شك في قدرة الشركة والتي كانت ستكون واحدة من ايقونات الابتكار في العالم.
لكي نفهم أكثر يجب أن نفهم معنى الحوكمة المؤسسية؟
من يعمل في البزنس يعلم أن الحوكمة المؤسسية ليست مجرد اجتماعات مجلس إدارة أو سياسات مكتوبة..
الحوكمة هي العقل الذي يدير المنظومة، وهي التي تضع القواعد وتحدد من مسئول عن ماذا، وتراجع كل قرار قبل اتخاذه من زاوية المخاطر ومن زاوية الشفافية ومن جدوى اتخاذ القرار و العائد المتوقع منه.
عندما يكون لديك شركة ناشئة ومازالت في أول الطريق ومعك تمويل كبير ولديك رؤية واعدة وفكرة رائعة يصبح أكثر شيء تحتاجه مع الشغف هو نظام يحكم هذا الشغف، ويضمن لك ألا يتحول الحماس إلى فوضى.
هناك عدة أرقام يجب أن نتوقف عندها لكي نفهم أن الشغف وحده لا يكفي..
– 7 شركات من كل 10 شركات ناشئة تفشل خلال أول 10 سنوات رغم أن الفكرة كانت جيدة والتمويل كان موجودا.
– الشركات التي تطبق الحوكمة بشكل فعال فرص نجاحها تزيد من 30-40% حسب تقارير البنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي.
ببساطة الحوكمة هى التي تحدد هل ستستمر الشركة أم لا.
ولكن كيف كانت الحوكمة هي المنقذ لشركة Builder.ai ؟
– مجلس إدارة أو مجلس استشاري فعال: وجود شخصيات من خارج الشركة ولديهم خبرة حقيقية كان يمكن أن يساعدوا المؤسس التنفيذي في اتخاذ قرارات متوازنة مبنية على البيانات والتحليلات وبعيدة عن التهور.
– إدارات مراجعة ومخاطر: كانت ستراجع المصروفات وتوقف النزيف المالي على مشروعات غير مدروسة.
– سياسات إفصاح واضحة: تقارير دورية للمستثمرين فيها شفافية كانت ستجعل أي مشكلة تظهر في وقت مبكر ويكون هناك حلول للانقاذ بدلا من اكتشاف المشاكل بعد فوات الاوان
– تحليل مخاطر حقيقي: التوسع في أي سوق جديد أو إطلاق منتج يجب أن يكون مبنيا على تحليل مخاطرة للاستعداد، حتى إذا كان القرار أن تأخذ الشركة المخاطرة نتيجة أن العائد كبير على الأقل يكون لدى الشركة خطة لتقليل وتحجيم المخاطر لو حصلت، والحوكمة تجعل ذلك شرطا أساسيا وليس رفاهية
ولكن هل هذا يحدث كثيرا؟
للأسف نعم. شركات ناشئة كثيرة تبدأ بفكرة قوية جدا بمؤسسين أكفاء وتمويل ضخم، لكن بدون نظام فتقع، لأن الإبداع بدون إدارة هو مجرد كارثة مؤجلة.
من هذا الكلام يجب على كل مؤسس شركة أن يحصل على درس مهم..
لو كنت مؤسسا وتجري وراء الابتكار والفكرة التي ستغير العالم وتحل مشكلة أزلية يجب أن تقف أولا وتسأل نفسك
هل هناك مجلس استشاري يسألك ويوجهك في القرارات؟
هل هناك من يراجع الأرقام؟
هل المستثمرون الذين معك يفهمون كل خطوة تقوم بها وتشركهم فيها بشفافية؟
هل تقيس المخاطر المحتملة وتفكر إذا حدثت هل لديّ خطط لمواجهتها أم لا؟
هل الموظفون معك أمامهم سياسات واضحة يسيرون عليها بدون توهان أو أن يكون كل فرد لا يعرف دوره ومسئوليته؟
إذا كانت الإجابة لا فيجب أن تقف وتفكر في الحوكمة وفي نظام يحميك ويحمي الشركة ويجعلك تستمر وليس نظاما يوقفك ويعطلك
شركة Builder.ai ليست أول شركة تقع ولن تكون الأخيرة.. في عالم الشركات الناشئة السريع المليء بالأفكار السريعة والتنفيذ الأسرع من يضع نظاما به هو الذي سيستمر.
تحليل كتبه: مصطفى ناصف
الخبير الدولي في مجال المراجعة والحوكمة