فكرت كثيرا قبل أن أقحم نفسي في كتابة هذا المقال، والذي أتمناه رقيقا وخفيفا على القارئ الكريم، بخفة فقاعة الصابون!
يصعب، حتى على مؤلفي قصص الأطفال، أن يصفوا شعور الطفل عندما يأتي وقت اللعب بفقاعات الصابون، هذه اللعبة التي لا تسقط بالتقادم، ويأبى الزمن أن يتجاوزها.
سنوات مضت، وأخرى ستمضي، وتستمر رحلة عشق فقاعات الصابون، إحدى معشوقات الأطفال وحتى الكبار، الذين عادة ما يعول عليهم الأطفال كأدوات للنفخ، فيما هم يركضون خلف الفقاعات المتطايرة بألوانها الزاهية في كل مكان للوصول لأكبر قدر منها، في مشهد من مشاهد البراءة المتناهية والفرحة العارمة لدى الجميع، مشاركين ومشاهدين.
إن الفارق شتان بين هذه الفقاعة الطفولية وفقاعة وسائل التواصل الاجتماعي، التي تنهش في كيان المجتمع كسرطان لا شفاء منه حتى بموت المريض.
إنه السرطان الوحيد الذي يلهث المريض خلفه، وليس هربا منه، سعيا في شهرة زائفة، ومكسب لا يأتي –غالبا- إلا بالانعزال التام، وكشف أدق تفاصيل الحياة اليومية للباحثين عن الشهرة السريعة، والتي تأتي بزيادة أعداد المتابعين والمهتمين بمشاهدة ماذا شرب فلان، وماذا كانت ترتدي فلانة في آخر مقاطع الفيديو المنشورة على حسابها.
كل هذا وأكثر من المحتمل تقبله لدى الكثيرين، بل والدفاع عنه من عديدين، وسوف تظل جملة “إن لم يعجبك هذا فلا تتابعه” هي الجملة السحرية التي يستخدمها من يفقه ما يقول، ومن يردد عبارات رنانة لا يفهمها.
ليس الدافع من وراء هذا المقال إطلاق الأحكام، فلست بحاكم، ولا حتى النقد، فلست بناقد، وإنما مجرد رأى بسيط في إحدى الشركات الناشئة، التي قرأت عنها في الأيام القليلة الماضية، التي يقف خلفها العديد من المبدعين في مجالاتهم، والذين احترم العديد منهم بصفة شخصية.
تقوم فكرة إنشاء الشركة، وكما يقول أحد مؤسسيها، على تغيير مفهوم الدعاية على وسائل التواصل الاجتماعي إلى الأبد، كما تضمن للمشاركين فيها المكسب السريع دون تغير النمط اليومي لهم!
الفكرة ببساطة هي أن يقوم مشتركو الخدمة بتصوير طبق الإفطار أو فنجان القهوة أو ماركة القميص أو الحذاء الذي اشتراه، ومشاركة الحدث مع دائرة الأصدقاء والعائلة علي وسائل التواصل الاجتماعي.
فكرة، ربما تحقق النجاح كما يدعي مؤسسوها إن صدقوا، لكنه نجاح لا يعود إلى إبداع الفكرة، فهي بعيدة كل البعد عن هذا، وإنما لأنها تعظم من دور الفقاعة السرطانية والتوغل فيها أكثر فأكثر، لتحول المجتمع أو جزء ليس بالقليل منه إلى مجموعة من المصورين الراكضين خلف البحث عن المكسب السريع، وإن لم يقصد المؤسسون هذا، فإنهم ولا بد فاعلون.
على النقيض، لا يقتصر إبداع النجم محمد صلاح على الملعب فقط، ففي أحدث إعلان تلفزيوني له، نجح فخر مصرنا والعرب، والمثل الأعلى لكثير من الأطفال والشباب من الجنسين، وفي إطار إعلاني درامي تثقيفي من الدرجة الرفيعة، توعية المجتمع والتنويه عن مدى أهمية الخروج من فقاعات السوشيال ميديا “الشريرة”.
تحليل كتبه: محمد عابدين
الشريك المؤسس لكوربوريت ستاك والمدير الإقليمي