يعيش العالم زمنا يتسم بالتحول التكنولوجي السريع، ويحقق في كل لحظة تطورا كبيرا في التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي، والتي نجحت في أن تكون جزءا أساسيا من حياتنا اليومية.
تنطوي هذه التطورات على تحديات هائلة، وتثير انقساما ملحوظا ومؤثرا بين طرفي معسكرين، أحدهما يعتقد القدرة على السيطرة على الذكاء الاصطناعي، بينما يقر الآخر بفقدان البشر لمكانتهم لصالح هيمنة الذكاء الاصطناعي، وقد ظهر هذا الانقسام مؤخرا بين الأفراد الذين يتقنون هندسة البرمجيات والمهتمين بما يحدث، وبين الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها في محاولة منهم لاثبات حقيقة من أطل علينا، هل هو محمد صلاح الحقيقي أم النسخة المصطنعة منه، وذلك في حديثة المقتضب عما يحدث في غزة.
ففي عالم الذكاء والابتكار، هناك معركة هائلة تشتعل ببطء، طرفاها ذكاء اصطناعي مستمر التطور، وعقول بشرية تمتلك تاريخا من التألق والإبداع. صراع عمالقة ومبارزة في الذكاء، والعالم يراقب لمعرفة من سيخرج منتصرا!
ويشهد الذكاء الاصطناعي تطورا خارقا في قدراته، بفضل الخوارزميات التي يمكنها تحليل كميات هائلة من البيانات في ثوان معدودة، والتقنيات التي يمكنها التعرف على الأنماط والسلوك والتعلم منها، وروبوتات الدردشة التي يمكنها تبادل الحديث معك كما أصدقاءك ومعارفك، وقد أصبح من الواضح أن الذكاء الاصطناعي يمتلك تأثيرا عميقا على حياتنا الشخصية والعملية، وأن التكنولوجيا المتطورة للآلة تواجه اليوم العضو البشري الأكثر تعقيدا وإبداعا وتكيفا.. المخ البشري.
تثير هذه المواجهة قلقًا حقيقيًا بشأن مستقبل العمل والقدرات البشرية، ومن الواضح أن المدافعين عن التقدم التكنولوجي في العالم الغربي يسعون وراء تحقيق المكاسب المادية، ويثير هذا الأمر تساؤلات حول دور الإنسان في هذا العصر الرقمي.
على الجانب الآخر، يتساءل البعض عما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيكون إضافة إيجابية أم أنه سيؤدي إلى تقليل دور الإنسان، ويبدو أننا نفقد قدرتنا على فهم الأمور الأساسية وكيفية استخدام التكنولوجيا بما يعود بالنفع على الجميع. هل نحن أكثر استهلاكًا واعتمادًا، أم أننا نستفيق لاكتشاف أنفسنا تحت سيطرة التكنولوجيا؟
لقد أثبت الذكاء الاصطناعي نفسه أمام العبقرية البشرية على جبهات مختلفة، ففي جبهة الإبداع، تركت اللوحات والموسيقى والأبيات الشعرية التي أنشأها الذكاء الاصطناعي الجماهير في حالة ذهول، كما أثبت قدرته على معالجة الأرقام وتحليل البيانات والتعامل مع المشكلات المعقدة بشكل لا مثيل له، كما حقق خطوات واسعة في تعلم الكثير من الذكاء العاطفي الذي يتميز به البشر، وربما نكتشف قدرته على التعامل مع العواطف والتعاطف والتفاعلات الاجتماعية والعلاقات، والتي يخلقها الله بشكل فطري في البشر.
يميل آخرون إلى نصرة وجهة النظر التي تقول بأن المعركة بين الذكاء الاصطناعي والعبقرية البشرية يجب ألا تكون بهدف السعي إلى التفوق، بل من أجل استكشاف كيفية تكاملهما، فقد يترك البشر للذكاء الاصطناعي التعامل مع المهام المتكررة ومعالجة البيانات الضخمة، بينما يستغل البشر عبقريتهم وإبداعهم وعمقهم العاطفي والأخلاقي في السيطرة عليه، وهي المميزات التي لا يستطيع الذكاء الاصطناعي محاكاتها.
يجب ألا نقع أسرى لوجهة نظر الغرب، التي تنظر للذكاء الاصطناعي كهدف ذاتي، ربما لتعظيم الجهل والكسل فينا كمستهلكين، وتعكس اعتمادنا اللا متناهي على الاستهلاك بدلًا من الإبداع.
أفيقوا، يرحمني ويرحمكم الله.
تحليل كتبه: محمد عابدين
الشريك المؤسس لكوربوريت ستاك والمدير الإقليمي