شهد العالم الكثير من التغيرات والأحداث غير المسبوقة في عام 2020، ليتبعه عام التعافي والمرونة في 2021، إلا أن العام 2022 كان الحقبة الأهم بالنسبة للجميع، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط وتركيا وإفريقيا، إذ شهدنا خلاله إرساء أسسٍ جديدة لتعزيز الحوار حول قضية التغير المناخي، وتطوير قدرات البشرية في مجال استكشاف الفضاء، وتألق المنطقة بفضل استضافتها لأهم فعاليات رياضية عالمية.
وأكثر ما تميزت به هذه الأحداث والإنجازات الضخمة كان التقنيات الناشئة، والتي ساهمت بتعزيز تطلعات البشرية نحو مستقبل أفضل، وتركت تأثيرات كبيرة على الاقتصادات والأعمال وحتى الحياة اليومية.
ونحن نتوقع ألا تقل أهمية عام 2023 عن العام الذي سبقه، إذ أننا نستشرف فيه خمسة تحولات في مجال التكنولوجيا، نعتقد بأنها ستعمل على إعادة تشكيل اقتصاداتنا، وتعزز مساهمة منطقتنا في مجال الاقتصاد والعلوم والإبداع على الساحة العالمية، وهذه التحولات الخمسة ستكون السحابة جزءاً أساسياً من متطلبات الأعمال، دون المساومة على إمكانية التوسع.
تشير دراسة، أجرتها شركة “Forrester Consulting” بتكليف من دِل تكنولوجيز، إلى أن 83% من الشركات ستكون قد نفذت شبكات سحابة متعددة بحلول عام 2023، بينما تحتاج ثلاث من كل أربع شركات حالياً إلى المرونة في مزيج بنيتها التحتية السحابية. وستصبح السحابة خلال العام الجاري عاملاً بالغ الأهمية لاستمرار أي مؤسسة، وسيتوجب على قادة الأعمال بناء منظومة خدمات متنوعة لتلبية احتياجاتهم. كما سيعمل قادة الأعمال المتبصرون على تقييم الخيارات الجديدة للسحابة لتحقيق كفاءة التكلفة، وسيقومون بتوزيع قدرات تكنولوجيا المعلومات عبر مزودي سحابة متعددين، وتطوير استراتيجية سحابية للحفاظ على أمن البيانات، والحوكمة الرشيدة، وتحقيق القيمة لأصحاب المؤسسات.
سيصبح التعافي الإلكتروني شريان الحياة لأي مؤسسة، وسيكون عنصراً رئيسياً لتحديد كل خطوة تخطيها المؤسسة.
كلما أصبحت الشركة أكثر مرونة، ازدادت أهمية التعافي السيبراني بالنسبة لها. ولهذا سيكون على المؤسسات أن تقوم بإنشاء إدارة موثوقة للهوية، وللسياسات، وإطار عمل لإدارة التهديدات لضمان أن تتمتع بهوية وسياسة وقدرات استعادة متسقة.
ولا شك بأننا سنواصل رؤية المزيد من القطاعات التي تسعى خلف أطر عمل تتبنى نهج الثقة المعدومة، حيث أنها ستصبح أفضل الممارسات العالمية لبنية الأمن السيبراني. وسوف يتوجب على الأمن في السحابة المتعددة، أكثر من أي مجال آخر، أن يكون متسقاً ومتوافراً على الدوام. كما سيمثل النهج الانعزالي للبيانات العدو الحقيقي لنهج أمن الثقة المعدومة.
الحوسبة الكمية ستكون الواجهة الجديدة للتحول الرقمي
كانت الحوسبة الكمية، ولعقود مضت، متاحة فقط للمؤسسات البحثية العالمية والوكالات الحكومية في العالم، إلا أنها في عام 2023 ستصبح واقعاً معاشاً، وينبغي الآن على الشركات تحديد وتكريس فريق العمل الخاص بهذه الحوسبة والأدوات والمهام التي يجب التعامل معها، والبدء بتجريب هذه التكنولوجيا الجديدة أو المخاطرة بالتخلف عن هذه الموجة التكنولوجية.
ونظراً لأنها تمثل واجهة جديدة للتحول الرقمي، ستبدأ الشركات في تجريب استخدام الحوسبة الكمية وتسخير قدراتها المتقدمة لتسريع عملية الابتكار، ومن أول القطاعات التي سنلمس فيها تأثير هذه الحوسبة، قطاع الرعاية الصحية وقطاع الخدمات المالية.
ويعد الاستثمار في المحاكاة الكمية وتمكين فرق عمل خاصة في مجال علوم البيانات والذكاء الاصطناعي، لتعلم اللغات والقدرات الجديدة للحوسبة الكمية أمراً بالغ الأهمية في عام 2023.
سوف تطلق الحوسبة الطرفية حقبة جديدة من الابتكارات في الأعمال
في عالمنا اليوم، والذي يقوم على البيانات، تتسم عملية نقل كميات كبيرة من البيانات من مصدرها إلى مركز بيانات مركزي أو إلى السحابة بأنها مكلفة جداً، وغير فعالة في الوقت نفسه، وفي السياق ذاته، يمكن للشركة تحقيق قيمة حقيقية عندما يتم نقل موارد الحوسبة إلى نقطة أقرب إلى تلك التي يتم فيها توليد البيانات واستهلاكها.
وستواصل الحوسبة الطرفية نموها المتسارع جداً في عام 2023، وسرعان ما ستصبح أداة تميز رئيسية للمؤسسات التي تتبناها، كما أنها ستطلق العنان لحقبة جديدة من التحول في الأعمال. وستعمل الحوسبة الطرفية على تمكين حالات استخدام جديدة عبر العديد من القطاعات والأسواق.
سيصبح الذكاء الاصطناعي محرك الابتكار في كل مؤسسة
تبدأ الرحلة لتحقيق نتائج ذكية ومميكنة وفعالة للشركات مع تبني الذكاء الاصطناعي، والذي نتوقع له أن يبلغ نقطة تحول مهمة في العام المقبل، حيث سنشهد تبنيه في كل مؤسسة، بغض النظر عن حجمها.
ويسعى قادة الأعمال حالياً بشكل متزايد خلف الطرق والوسائل التي يمكنهم من خلالها تسخير قيمة البيانات، ولهذا يلجؤون إلى الذكاء الاصطناعي لمواكبة الاتجاهات المتغيرة، والتمتع بأسبقية عن منافسيهم. وسيصبح الذكاء الاصطناعي المحرك الرئيسي للابتكار في عام 2023، كما سيشهد العالم كله حجم التأثير الذي ستلعبه الشراكات بين الإنسان والآلة.
أما بالنسبة للشركات في منطقتنا، فلا شك بأن العام الجديد مليء بالوعود البراقة، لا سيما وأن تسارع وتيرة التحول الرقمي في المنطقة سيؤدي إلى بروز دور التقنيات الناشئة في قيادة التطور المستقبلي للاقتصادات الرقمية في جميع أنحاء منطقتنا. وستعتمد اقتصادات المستقبل الرقمية على نواة رقمية تمكنها من تشييد المدن الذكية التي تعتمد على الطاقة المستدامة، وتحقيق المشاركة السلسة بين المجتمع والحكومة.
واستناداً إلى كل ما سبق، أدعوكم إلى مرافقتنا في هذه الرحلة المثيرة لمشاهد كيف ستواصل التكنولوجيا تسريع الابتكار ودفعنا نحو المستقبل الرقمي، والذي سيتوجب علينا جميعاً أن نكون مستعدين للتكيف معه.
تحليل كتبه: محمد أمين
النائب الأول للرئيس لمنطقة الشرق الأوسط وتركيا وإفريقيا لدى دِل تكنولوجيز