لقد أطلق التقدم السريع في الذكاء الاصطناعي في الأشهر الأخيرة العنان لموجة عارمة من مشاعر القلق. هل ستؤدي هذه التكنولوجيا الجديدة إلى تقليل التوظيف بشكل كبير وذلك من خلال القضاء على الحاجة إلى معظم العاملين من البشر؟ هل سوف تقوض الديمقراطية؟ هل ستشكل تهديدا وجوديا؟
إن القلق بشأن التغيير التكنولوجي ليس بالأمر الجديد، لكنه يتعلق عادةً بما قد يصفه الاقتصاديون بأنه تأثيرات هامشية: سواء ما إذا كانت نسبة أكبر من العمال بدون شهادات جامعية سيجدون صعوبة طفيفة في الحصول على وظائف أو ما إذا كان عدم المساواة في الدخل سيزداد إلى حد ما، ومن ناحية أخرى فإن القلق بشأن الذكاء الاصطناعي يختلف من حيث حجم التأثير حيث يتوقع بعض الخبراء أنه يمكن أن يقوض الحضارة أو حتى القضاء على تلك الحضارة برمتها. لقد جادل قادة التكنولوجيا بأن هناك أنظمة محددة للذكاء الاصطناعي “تشكل مخاطر جسيمة على المجتمع والإنسانية”، وهو شعور ردده علماء الذكاء الاصطناعي البارزون.
لقد أظهر استطلاع حديث للرأي أجراه موقع يوجوف بأن ما يقرب من نصف المشاركين بالاستطلاع قلقون “بشأن احتمال أن يتسبب الذكاء الاصطناعي في نهاية الجنس البشري على الأرض”. يدعم أكثر من الثلثين التوقف المؤقت لبعض أنواع تطوير الذكاء الاصطناعي. إن هذه النظرة متشائمة على نحو يثير الدهشة. دعونا نبدأ بالحقيقة الأساسية – التي يبدو أنه قد تم التغاضي عنها – وهي أن التقدم التكنولوجي يحسن من رفاهية الإنسان. في عام 1800، توفي 43٪ من الأطفال قبل سن الخامسة.
ولكن في القرون التالية، أدى التقدم التكنولوجي إلى تطوير الأدوية والعلاجات بالإضافة الى طرق جديدة لعلاج الأمراض وزيادة الإنتاجية والأجور. بحلول عام 1900 مات حوالي ثلث الأطفال في سنوات حياتهم الأولى وفي عام 2017 انخفضت وفيات الأطفال العالمية إلى 4٪. علاوة على ذلك، عززت التقنيات الزراعية من إنتاج الغذاء والحفاظ عليه والحد من الجوع كما أدى التقدم في تكنولوجيا الطاقة مثل الكهرباء إلى تحسين حياة المليارات من البشر، وبشكل عام أدى الابتكار التكنولوجي إلى الحد من الفقر وذلك من خلال جني الثروات.
إن من المؤكد أن عملية “التدمير الإبداعي” التي أطلقها الذكاء الاصطناعي التوليدي ستلغي الحاجة إلى العمالة البشرية فيما يتعلق بالعديد من مهامها الحالية. لكن على المتشائمين أن يتذكروا أن التدمير الخلاق يقوم بالإنتاج مثلما يقوم بالتدمير.
لم يكن بإمكان الاقتصاديين وغيرهم من الخبراء في أوائل القرن التاسع عشر توقع أنواع المهام التي يؤديها العمال في عالم اليوم. كيف كان يمكن لجون ستيوارت ميل أن يتوقع بإن التقدم التكنولوجي سيؤدي في يوم من الأيام إلى وظائف مثل محلل الأنظمة، ومصمم تخطيط الدوائر بالإضافة الى عالم مختص بالألياف؟ تخيل محاولة شرح وظيفة بروس سبرينغستين لديفيد ريكاردو.
ليست هناك حاجة لإن نعود بالزمان إلى هذا الحد، فلقد وجد الاقتصادي بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ديفيد وتور وزملاؤه من المؤلفين بأن غالبية الوظائف الحالية هي وظائف تم استحداثها بعد سنة 1940.
وبالمثل، فإن المخاوف من أن الذكاء الاصطناعي يشكل تهديدًا للديمقراطية تعكس تشاؤمًا لا داعي له. بينما يمكن استخدام “التزييف العميق” – وهي الصور ومقاطع الفيديو التي يتم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي والتي تكون اصطناعية ولكنها تبدو حقيقية – للقادة السياسيين والمرشحين بأساليب شريرة، فإن التقنيات الجديدة يمكنها أيضًا التحقق من صحة مقاطع الفيديو والصور. يتم بالفعل تطوير مثل هذه الأدوات، وستضمن المكاسب المالية من تلبية الطلب عليها بأن تظل موثوقة.
في واقع الأمر، يمكن تعزيز الديمقراطية من خلال التقدم الحاصل في الذكاء الاصطناعي. تكمن أكثر الفرص الواعدة للتكنولوجيا في التعليم حيث يمكن أن تعمل تطبيقات الذكاء الاصطناعي كمعلمين خاصين لكل طالب، ومن المفترض أن يؤدي هذا الى تحسين فرص بقاء الديمقراطية على المدى الطويل، وكما كتب جيمس ماديسون، “المعرفة ستحكم الجهل إلى الأبد: والشعب الذي يريد أن يحكم نفسه بنفسه، يجب أن يسلح نفسه بالقوة التي تمنحها المعرفة”.
هل سوف يقضي الذكاء الاصطناعي على البشرية؟ يبدو أنه من المرجح ان يفعل العكس حيث يتم استخدام الذكاء الاصطناعي بالفعل في تطوير الأدوية بما في ذلك من أجل لقاحات كوفيد-19. ان من الممكن التصدي لأي جائحة مستقبلية – ربما واحدة تكون أكثر فتكًا بكثير من كوفيد-19- من خلال دواء يتم تطويره بفضل الذكاء الاصطناعي. يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي العلماء أيضًا على أن يكون لديهم فهم أفضل للنشاط البركاني والذي تسبب بانقراض جماعي واكتشاف خطر اصطدام كويكب بالأرض والقضاء عليه.
تبدو هذه السيناريوهات المتفائلة أكثر قابلية للحدوث مقارنة بوجهة نظر المتشائمين بأن الذكاء الاصطناعي يمكنه بطريقة أو بأخرى استخدام أسلحتنا النووية ضدنا. إن هذا لا يعني أن الطريق أمامنا سيكون ممهدًا. سيؤدي التطور السريع للذكاء الاصطناعي التوليدي إلى تعطيل أسواق العمل، وسيكون الاضطراب الاقتصادي الناتج عن ذلك مؤلمًا لكثير من العمال، وقد يستغرق الأمر بعض الوقت قبل أن يتعلم القادة من السياسيين ووسائل الإعلام كيفية فضح وإغلاق تقنية التزييف العميق.
لا ينبغي لصانعي السياسات أن يكون لديهم ثقة زائدة بالنفس، وبالمقارنة مع موجات الأتمتة السابقة، ينبغي عمل المزيد لمساعدة العمال الذين يواجهون التعطيل المرتبط بالذكاء الاصطناعي. في بعض البلدان، قد يكون من الضروري تعزيز شبكة الأمان الاجتماعي، ومثل أي تقنية قوية، يجب تنظيم الذكاء الاصطناعي التوليدي بشكل مناسب مع الحرص على ضمان عدم تعطيل تطوره بلا داع.
مدير دراسات السياسة الاقتصادية في معهد أمريكان إنتربرايز