لا أحد ينكر أن القطاع المالي في منطقة الشرق الأوسط يمر بمرحلة من التحول الجذري ليتلائم مع الأوضاع التي فرضتها جائحة كورونا وأيضا التغيرات العالمية على مستوى الاقتصاد والأوضاع الاجتماعية، وسيشهد عام 2022 قدراً جديدا من التطورات الجديدة التي ستكمل سلسة التغيرات التي يشهدها هذا القطاع الحيوي والتي يسيطر عليها الرقمنة بشكل خاص وتؤثر فيه بشكل رئيسي.
فمن المتوقع أن تشهد المدفوعات لدى شريحة واسعة من الخدمات المصرفية القائمة والمؤسسات المبتكرة في قطاع التكنولوجيا المالية والبنوك المركزية اهتماماً كبيراً، ويستند هذا بشكل رئيسي على مجموعة من العوامل، التي تتمثل أولا في تفوق المدفوعات من الناحية الاقتصادية ومن ناحية العائد على رأس المال المستثمر.
وثانيا في كون المدفوعات بمثابة بوابة نحو إقامة علاقات بنكية كاملة ولذلك تطمح تلك المؤسسات المبتكرة إلى توظيفها كمنصة للتفوق على الخدمات المصرفية الراهنة، وفي إطار مواز، تسعى البنوك للمحافظة على الوضع القائم.
وثالثا وأخيرا، تُشكل المدفوعات أحد الركائز الأساسية للخدمات الحكومية المعززة والرقابة التنظيمية. وتتعاون الإمارات والسعودية، على سبيل المثال، في مجال العملات المشفرة وتقنية دفتر الأستاذ الموزع من خلال مشروع “عابر”، في خطوة قد تعيد رسم ملامح قطاع التعاملات بين البنوك وإدارة الاحتياطي، وتفتح الباب لتغيرات كبيرة على مستوى المنطقة.
من جهة أخرى، من المتوقع ازدياد الاعتماد على العملات المشفرة وتحركاً أوسع نطاقاً نحو العملات الرقمية للبنوك المركزية، علاوة على الاعتماد الأكبر على تطبيقات تقنية البلوك تشين للتعاملات الرقمية.
وعلى سبيل المثال، وقعت بينانس، المنصة الرائدة عالمياً لتبادل العملات الرقمية المشفرة، مذكرة تفاهم مع مركز دبي التجاري العالمي في ديسمبر 2021 لتطوير أكبر منظومة أصول افتراضية داخل دولة الإمارات؛ كما مُنِحت منصةُ بينانس موافقة مبدئية للعمل بمثابة مزود لخدمات الأصول المشفرة في مملكة البحرين.
وتتغيّر أيضا ملامح قطاع الخدمات المصرفية في الوقت الراهن بوتيرة غير مسبوقة، حيث ما زالت الخدمات المالية تشهد تحولات رقمية في قطاعات الخدمات المصرفية والتأمين وإدارة الأصول، حيث نُقدم خدمات الدعم للبنوك وشركات التأمين الرائدة في مسيرتها نحو والتحول إلى المعاملات المصرفية كخدمة وبناء منظوماتها.
وتنشأ المنظومات المالية وتظهر في صورة العديد من الشراكات، على غرار دخول سترايب للسوق الإماراتية في عام 2021 عندما أبدى نحو 13 تاجرا رغبتهم في الانضمام إلى منصتها للمدفوعات والخدمات الأخرى. في سياق متصل، نشهد عمليات توحيد الأصول التي تظهر في صفقات الاندماج الكبرى (كاندماج مجموعة سامبا مع البنك الأهلي التجاري، وبنك أبو ظبي التجاري مع بنك الاتحاد الوطني ومصرف الهلال، والمصرف السعودي البريطاني “ساب” مع بنك الأول، وغيرها من عمليات الاندماج)، علاوة على عمليات إعادة الهيكلة في غالبية الأسواق.
ويُسلط التوحيد المتسارع لنماذج الخدمات المالية الضوء على ضرورة تكامل البنوك الرائدة مع بقية شركات التكنولوجيا المالية القائمة والتعاون معها، حيث شهد قطاع التكنولوجيا المالية تحولاً كبيراً مع دخول شركات جديدة إليه.
ومن المتوقع أيضا أن يشهد عام 2022 تصحيحا في أوضاع المالية العامة على المستوى الوطني للدول وبدأت الإدارات المالية والامتثال الضريبي بالمنطقة بتوظيف تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والتحليلات المتقدمة والخوارزميات التنبؤية والاعتماد عليها. وسيُسهم إطلاق منصة فاتورة، للفوترة الإلكترونية، في تبسيط مزاولة الأعمال أمام الشركات وتعزيز الامتثال الضريبي، فضلاً عمّا سيُوفره من تحليلات اقتصادية وبيانات الناتج المحلي الإجمالي في الوقت الفعلي على مستوى جميع التعاملات.
وتُشير دراسة تابعة لنا إلى أن عام 2022 سيشهد اعتماد نماذج تمويل حكومية أكثر تنوعاً، بالتزامن مع الإصدار المتطور للديون، بما في ذلك السندات الخضراء والإدارة المعززة للاحتياطي مع تركيز أكبر على إدارة الثروات السيادية وتوزيعها بشكل أكثر كفاءة. كما نتوقع زيادة التركيز على الاستثمار والسياسات الحكومية المتوافقة مع الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية على مستوى صناديق الثروة السيادية والإقراض المصرفي على حد سواء. ويرافق ذلك إعادة التركيز على أولويات الميزانية من أجل تعزيز المرونة والنمو على المدى البعيد.
الشريك بأوليفر ورئيس قسم الخدمات المالية في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا