يشهد العالم تطورات تكنولوجية غير مسبوقة في جميع القطاعات الاقتصادية والمجالات الحياتية، امتدت إلى القطاعين النقدي والمالي، مما أدى إلى ظهور منتجات وخدمات مالية جديدة ومبتكرة تلائم طبيعة العصر وتجارب المستخدمين التي يسيطر عليها الهواتف الذكية وتطبيقات المحمول والإنترنت، خاصة مع انتشار جائحة كورونا والتي فرضت تفاعلات مباشرة للعملاء مع التكنولوجيا وسرّعت من عمليات التحول الرقمي خاصة في عملية السباق لطرح خدمات مالية مبتكرة وزيادة المعاملات الرقمية، ما يؤكد على أن التكنولوجيا المالية FinTech ستكون جزءًا لا يتجزأ من مستقبل العالم أو يمكن القول أنها ستحدد كثيرا من الملامح الرئيسية لهذا المستقبل.
وعلى التوازي وفي إطار من التكامل مع التوجه العالمي، اتجهت مصر نحو تبني استراتيجية وطنية موحدة للشمول المالي، والتوسع في الأنشطة المالية غير المصرفية، وتعزيز كفاءتها وتقليل تكلفة استخدامها، لضمان توسيع قاعدة المستفيدين منها على كافة أنحاء الجمهورية، لتتنوع المجالات المقدمة لتشمل «التمويل الاستهلاكى» و«التخصيم» و«التأجير التمويلى» و«تمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر»، والتي تشهد نموا كبيرا خلال الفترة الماضية ما جعلها عنصرا بارزا في المعادلة الاقتصادية لمصر، وأيضا جذب العشرات من الشركات والمستثمرين لإطلاق أذرع استثمارية في هذه الأنشطة وتحديدا في المجالات المرتبطة بالمستهلك بشكل مباشر.
وكانت هناك حاجة ماسة لتحديد الإطار القانوني الذي يحكم هذه الأنشطة لضمان أنظمة مالية مبتكرة وموثوقة، تضمن حماية حقوق المستثمرين، وترسي أسس المعاملات المالية السليمة، وتعزز بيئة استثمارية جاذبة، ومع تغلل التكنولوجيا في هذه الأنشطة لتسيطر على تعاملاتها وأيضا توسعاتها في السوق سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات، جاء مشروع قانون “تنظيم وتعزيز التكنولوجيا المالية في القطاع المالي غير المصرفي” والذي وافق عليه مجلس النواب، خلال جلسة عامة أمس الإثنين، من حيث المبدأ على مشروع القانون المقدم من الحكومة بهدف دعم سياسة الشمول المالي، وزيادة عدد المستفيدين من الخدمات المالية غير المصرفية، وأيضا خفض تكلفة الخدمات المالية غير المصرفية باستخدام تلك الخدمات والأنشطة وتحفيز الابتكار وريادة الأعمال، وتعزز التنمية المالية والنمو الاقتصادي.
نشرة «FollowICT» استطلعت آراء قيادات قطاع التكنولوجيا المالية في مصر، للوقوف على أهمية القانون، خاصة في ظل اتجاه الدولة المصرية للرقمنة وإحلال التعاملات الإلكترونية محل الورقية لمواكبة الاتجاه العالمي في هذا الصدد.
الشمول المالي
أشاد شريف سامي رئيس مجلس إدارة البنك التجاري الدولي ورئيس الجمعية المصرية للتكنولوجيا المالية، بالقانون الجديد، مشيرًا إلى أن هذا يأتي فى إطار تعزيز الشمول المالي، والعمل على توسيع قاعدة المستفيدين من الأنشطة المالية غير المصرفية.
وأوضح أن القانون سينشط التطبيقات التكنولوجية والرقمية التي تقدم الخدمات المالية للمستهلكين، لافتًا إلى أن إصدار هذا القانون والذي يعبر عن اهتمام وإرادة الرقيب المالي غير المصرفي بهذا المجال، والذي سبقه صدور قانون البنوك الجديد في سبتمبر 2020، والذي خصص بابًا كاملاً لتنظيم وسائل الدفع والتكنولوجيا المالية، فضلاً عن قانون جرائم تكنولوجيا المعلومات الذي صدر منذ نحو عامين لأول مرة في مصر لحماية بيانات العملاء، وهو ما يعطي ثقة للعملاء في استخدام القنوات الرقمية.
التشريعات الثلاثة المذكورة إلى جانب قانون حماية البيانات الشخصية الذي تم التصديق عليه في مجلس النواب، جميعها قوانين تساهم في زيادة المعاملات المالية من خلال النظم الرقمية المختلفة، وهو ما يشير أيضًا إلى التكامل بين كافة جهات الدولة لخلق قاعدة صلبة تمكن من تقديم المزيد من الخدمات المبتكرة سواء من الشركات الكبرى أو حتى الشركات الناشئة ورواد الأعمال، على غرار الشركات العالمية، بحسب رئيس مجلس إدارة البنك التجاري الدولي.
وحول نسبة تمثيل الأنشطة المالية غير المصرفية في عملية التمويل، أشار «سامي» إلى أن حصة الشركات في التمويل لا تقارن بالبنوك، إلا أنها تنمو بمعدل أسرع من نمو البنوك سواء في قطاعات التأجير التمويلي أو التمويل متناهي الصغر أو التمويل الاستهلاكي أو التخصيم.
جذب الشركات الكبرى
من جانبها، قالت ريحان البشاري، الشريك المؤسس لمكتب فينشرز باي شهيد، إن قانون التكنولوجيا المالية الجديد يعد خطوة هامة للغاية في مستقبل القطاع، مشيرة إلى التطلع بوجود تركيز أكبر على طبيعة عمل القطاع بدلاً من الخطوات الإجرائية.
وأكدت أن القانون سيساهم بشكل رئيسي في جذب الشركات الأجنبية الكبيرة العاملة في هذا المجال للعمل في السوق المصري، إلى جانب إتاحة فرص كبيرة لشركات التمويل الاستهلاكي في تقديم خدماتها بيسر وأيضا أمان، خاصة في ظل وجود مشروع ورقيب ممثل في الهيئة العامة للرقابة المالية والتي تمتلك كافة الأدوات لمراقبة السوق وحمايته من الممارسات السلبية وحماية المستخدمين.
ووفقًا لبيانات الهيئة العامة للرقابة المالية الخاصة بالشركات العاملة في مجال الأنشطة المالية غير المصرفية، وصل عدد الشركات التي حصلت على رخص في نشاط التمويل الاستهلاكي حوالي 27 فيما يبلغ عدد اللاعبين في مجال التخصيم حوالي 19 كيانا، وبنظيره التأجير التمويلي 34 شركة، أما على صعيد متناهي الصغر، فهناك حوالي 13 شركة تعمل بالنشاط، وعدد كبير جدًا من الجمعيات بنحو 19 جمعية بالمجموعة “أ” و 15 جمعية بالمجموعة “ب” وما يقرب من 963 جمعية بالمجموعة «ج» وفيما يتعلق بنشاط التمويل العقاري فهناك حوالي 14 شركة في السوق المحلية خاضعة لرقابة الهيئة العامة.
وتعد أبرز التحركات الأخيرة للتوسع في هذه المجالات، تحرك بنوك الاستثمار وعلى رأسها مجموعة برايم القابضة التي أطلقت منصة تضم التمويل الاستهلاكي والتأجير التمويلي والتخصيم، وأطلقت مؤخرا شركة “سيمبل” لتقديم خدمة اشتري، كما بدأت شركة الأهلي تمكين للتمويل متناهي الصغر في تقديم خدمتها بالسوق خلال أبريل الماضي، كما أعلن بنك الاستثمار “إن آى كابيتال” نيته في تأسيس كيان بالتمويل الاستهلاكي.
تنظيم السوق
من جانبه، قال وليد حسونة، الرئيس التنفيذي لقطاع التمويل غير المصرفي بالمجموعة المالية هيرميس، إن قانون تنظيم وتنمية استخدام التكنولوجيا المالية في الأنشطة المالية غير المصرفية، سيعزز في المقام الأول تنظيم السوق بشكل يضمن عمله ونشاطه، في ظل وجود رقيب حيوي كالهيئة العامة للرقابة المالية، وهو ما يشكل للشركات العاملة في هذه المجال للتوسع ووضع خطط استراتيجية ومستدامة وهو ما يوسع فرص نمو شركات التمويل الاستهلاكي ويخلق مناخ من المنافسة تصب في صالح المستهلك سواء من حيث الجودة أو التكلفة.
ولفت إلى أن القانون سيحمي المستهلك بشكل رئيسي ويعزز من أنماط تعامل الشركات حيث ستكون علاقة مبنية على الثقة وستكون هيئة الرقابة المالية حاضرة في حال حدوث أي خلل وتشمل تقديم المستهلك شكوى مثلا ضد بعض الممارسات التي قد تحدث من قبل الشركات، إلى جانب السماح للشركات العاملة في قطاع التمويل الاستهلاكي بتقديم خدماتها للمستهلكين بسهولة.
فيما قال بول أنطاكي، رئيس مجلس إدارة شركة بريميوم إنترناشيونال، إن قانون التكنولوجيا المالية الجديد لابد أن يركز على أن شركات الخدمات المالية غير المصرفية التي تتعامل مع قاعدة بيانات هامة جدًا، والشركات الناشئة بحاجة للحماية والتقييم.
وذكر أن قانون تكنولوجيا المالية لابد أن يحمي مقدمي الخدمة والمستهلكين، ويضمن بناء التطبيقات وفقًا للمواصفات العالمية المطلوبة في حماية قاعدة البيانات.
العقد الرقمي
ولفت بول أنطاكي، إلى أن القانون يتناول ما يسمى بالعقد الرقمي الذي يشير إلى التعامل مع العميل عن طريق التطبيق ولكن لا يتطرق للتوقيع الإلكتروني للعميل، وهو ما يلغي مفهوم الرقمنة بشكلها المعروف، حيث تضطر الشركات للبحث عن توقيع ورقي للعميل على أوراق الضمانات، وهو ما يتطلب ضرورة نظر البنوك لتطبيق التوقيع الإلكتروني.
وأوضح «أنطاكي»، أن وجود قانون يدعم أي نوع من الصناعات يساعد على نموه، مشيراً إلى أن قانون التكنولوجيا المالية سيعمل على تطوير الصناعة بشكل كبير وسيساعد على تنظيمها مما يخلق نمو كبير في القطاع.
وفي نفس السياق، قال إيهاب رشاد نائب رئيس مجلس إدارة شركة مباشر كابيتال، إن تطور قطاع التكنولوجيا المالية سينعكس على السوق المصري بشكل إيجابى، لافتًا إلى أن جائحة كورونا تسببت في قفزات كبيرة لأسهم الشركات العاملة في التكنولوجيا المالية المدرجة بسوق المال.
وأوضح أن التكنولوجيا المالية قطاع مهم ويتميز بفرص كبيرة للتوسع، والإحصائيات تشير إلى أن عدد مستخدمى الإنترنت فى مصر 59 مليون مستخدم، و95 مليون مستخدم للموبايل و16% نموًا فى استخدام الإنترنت.
واتفق معه أحمد عاطف، رئيس قطاع تطوير الأسواق في شركة «فيزا»، والذي أشار إلى أن السوق المصري انتقل من 10% نسبة الشمول المالي في فترات سابقة إلى 32.5%، مؤكدًا دور التكنولوجيا في تحقيق تلك النسب من النمو، حيث تتيح الأدوات الرقمية للمستخدمين الحصول على الخدمات اللحظية مع معدل انتشار محمول 100%.
وأشار إلى أن تعاون البنوك مع مقدمي الخدمات المالية من الشركات، ساعد البنوك على الوصول لأماكن جغرافية صعب الوصول إليها، لافتًا إلى أن قانون التكنولوجيا المالية الجديد سيساعد على تعزيز وصول الخدمات المالية إلى شريحة أكبر من غير المشمولين ماليًا.
الهدف من مشروع القانون
واستعرض النائب أحمد بدوي رئيس لجنة الاتصالات بمجلس النواب، تقرير اللجنة بشأن مشروع القانون، لافتًا إلى أن الفلسفة والهدف من مشروع القانون ترتكز حول تعزيز استخدام الهيئة العامة للرقابة المالية باعتبارها الجهة الرقابية على الجهات التي تزاول الأنشطة المالية غير المصرفية للتكنولوجيا الحديثة والمبتكرة بهدف تيسير قيامها بدورها الرقابي على الجهات الخاضعة لها فيما يتعلق بالالتزام بمعايير الشفافية والحوكمة، وحماية المتعاملين في الأسواق المالية غير المصرفية واعتماد أدوات تكنولوجية حديثة ومبتكرة لتيسر التعامل مع القطاع المالي غير المصرفي في مجال استخدام التكنولوجيا المالية.
وأشار «بدوي» إلى أبرز الأهداف التي تناولها مشروع القانون وهي النص على أن الهيئة العامة للرقابة المالية هي الجهة الإدارية المختصة دون غيرها بتطبيق أحكام هذا القانون واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتنمية استخدام نظم التكنولوجيا المالية الحديثة والمبتكرة في مجالات الأنشطة المالية غير المصرفية وتقديم الاستشارات المالية المرتبطة بها، واتخاذ إجراءات تأسيس الشركات الخاضعة لأحكام هذا القانون ومنح التراخيص والموافقات اللازمة لمزاولة الأنشطة المنصوص عليها بهذا القانون.
من جانبه، قال النائب محمد أبو العينين وكيل مجلس النواب، إن استخدام التكنولوجيـا الماليـة فـي الأنشطة الماليـة غيـر المصرفية، هو المستقبل الذي يبني المركز المالي الإقليمي لمصر، مؤكدًا أن القانون في غاية الأهمية لما يقوم به من دور في مساعدة الخدمات المصرفية التي تتسارع كل يوم.
وينص مشروع القانون أيضاً على أنه يتعين على مقدمي الخدمات المالية غير المصرفية الراغبين في مزاولة الأنشطة الخاصة بالتكنولوجيا المالية التقدم بطلبات التأسيس لهيئة الرقابة المالية، إلى جانب شهادة إيداع بنكية بما يفيد سداد رأسمال الشركة.
ووفقاً للقانون، تنشئ هيئة الرقابة المالية مختبرا تنظيميا لاختبار منتجات التكنولوجيا المالية الجديدة، كما ينص على أن تصدر الهيئة ضوابط التحقق من الهوية الرقمية، وضوابط إصدار العقود الرقمية.
ويتضمن القانون بنوداً تغطي التمويل الجماعي، والاستشارات الآلية، والتمويل المصغر، وتكنولوجيا التأمين، كما نصت المادة 18 من القانون، أنه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وغرامة لا تقل عن 200 ألف جنيه ولا تزيد على مليون جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من زاول وأدار أحد الأنشطة الواردة بهذا القانون دون الحصول على ترخيص أو موافقة من الجهات المختصة.