مما لا شك فيه، أن الحرب التكنولوجية بين الصين والولايات المتحدة مستعرة، وآخذة في الاتساع، وسط جدل وشكوك واتهامات متبادلة. ومؤخراً، أثبتت شركة هواوي الصينية، قدرتها على الالتفاف على العقوبات الأمريكية ضدها، من خلال إطلاق هواتف ذكية متطورة، في المؤتمر العالمي للهواتف المحمولة، الذي عقد في برشلونة. وبسبب تكهنات بأن الصين قد حققت قفزات في تكنولوجيا صناعة الرقائق، ارتفعت أسهم معظم الشركات الصينية العاملة في قطاع التكنولوجيات الدقيقة.
غير أن ذلك المنجز لم يكن عملاً صينياً صرفاً، وإنما اعتمد جزئياً على الرقائق والتكنولوجيات الكورية الجنوبية (أعلنت شركة أبحاث كندية مستقلة في مطلع سبتمبر الجاري، أن وحدة المعالجة المركزية لأجهزة هواوي الصينية الأخيرة، تم تصنيعها من قبل شركة SMIC، الشركة الكورية الرائدة عالمياً في صناعة الرقائق)، الأمر الذي دفع بعض المعلقين الصينيين إلى التحذير من الترويج والمبالغة في الانتصار، خوفاً من عقوبات اقتصادية أمريكية قمعية مضاعفة، على نحو ما فعله أستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة رنمين الصينية، في مقال نشره يوم 4 سبتمبر، وجاء فيه: «لقد قامت الولايات المتحدة بفحص الهواتف المحمولة الجديدة من هواوي بدقة، خلال اليومين الماضيين، والغرض من ذلك واضح جداً، لأنها تريد اكتشاف الثغرات، وفرض عقوبات أكثر صرامة على الشركة».
وعلى المنوال نفسه، كتب كاتب العمود المتخصص في القضايا التكنولوجية «وانغ شين شي»، أنه يجب على الصينيين وشركة هواوي تجنب (بنغ شا)، والبقاء صامتين، مع الاستمرار في تعزيز القدرات الذاتية، لأن كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، بدأتا التحقيق في سلسلة التوريدات الخاصة بشركة هواوي.
ومصطلح (بنج شا) وترجمته الحرفية هي «الثناء والقتل»، هو إشارة إلى واقعة صينية قديمة، حدثت زمن أسرة هان الإمبراطورية، وملخصها أن أحد القادة كان فخوراً بحصانه القوي، فأخذ يجهده في الاستعراضات والسباقات، وسط تصفيق الناس وتشجيعه على الجري، إلى أن مات من الإرهاق. وبعبارة أخرى، فإن الكاتب أراد أن يطالب مواطنيه بالكف عن التلويح والتصفيق والحماس لشركة هواوي، كيلا ينهك تحت وطأة العقوبات الأمريكية، فينهار مثل ذلك الحصان.
أما البعض الآخر من المعلقين، فقد أشار إلى مخاوف من احتمال تعطيل أو إرباك الإنتاج، خصوصاً أن كوريا الجنوبية تتعرض لضغوط أمريكية قوية، كي تضاعف تشددها لجهة منع تعامل شركاتها التكنولوجية مع نظيراتها في الصين. وبحسب هؤلاء، فإنه إذا ما عجزت شركة هواوي عن استخدام شرائح كورية في هواتفها الجديدة، فإنها ستحتاج إلى وقت طويل للعثور على موردين جدد.
والحقيقة أن ما حذر منه المعلقون الصينيون، كان قد حدث بالفعل، حيث نجحت الضغوط الأمريكية في إيقاف شركات تصنيع الرقائق الكورية الجنوبية، مثل (SMIC)، (SK Hynix)، و(Samsung) عن تزويد هواوي بشرائح الذاكرة ومعالجة التطبيقات، اعتباراً من 15 سبتمبر 2020، لكن يبدو أن هواوي استطاعت أن تحصل على حاجتها من الشرائح الكورية من خلال أطراف ثالثة، لا سيما الشرائح التي تنتجها شركة SK Hynix، وهي شرائح تقرأ وتكتب بسرعات أعلى بخمسين في المئة من الشرائح التي تنتجها الشركات الصينية، ولها ذاكرة استيعابية أعلى بكثير.
من ناحية أخرى، وضمن الجهود الأمريكية في ملاحقة الإنجازات الصينية وفك أسرارها، تم التأكد من أن لدى شركة هواوي مخزوناً من رقائق هايسيليكون (HiSilicon)، ورقائق كيرين (Kirin)، التي تنتجها شركة TSMC التايوانية، ويعتقد أنها جمعتها من الأسواق العالمية قبل أسبوع واحد من توقف الشركة التايوانية عن تصنيع تلك الرقائق في منتصف سبتمبر عام 2020، بناء على طلب أمريكي. غير أن أحد التقارير أشار إلى أنه قبل ذلك التاريخ، قامت TSMC التايوانية بتسليم حوالي 10 ملايين وحدة من شرائح Kirin 9000e غير المعبأة إلى شركة هواوي، بالإضافة إلى نحو 5 ملايين وحدة معبأة من شرائح Kirin 9000s.
الدكتور عبدالله المدني
كاتب متخصص في العلاقات الدولية