عادل الأنصاري يكتب: الحوسبة الطرفية.. مفهوم مختلف لكل قطاع وأساليب متفاوتة للتعامل معها والاستفادة منها
قد تعتقد في عدم وجود شيء مشترك بين سيارة إسعاف تسرع على الطريق لنقل مريض في حالة حرجة إلى المستشفى، وبين موظف في متجر مزدحم يساعد المتسوقين للعثور على احتياجاتهم، وبين طائرة تحلق بسرعة تزيد عن 800 كم في الساعة وعلى ارتفاع أعلى من 9000 متر، وبين مصنع يعمل على إنتاج المعدات، لكن ثمة شيء مشترك كبير بين هذه الحالات جميعا، إنها البيانات!
في السيناريوهات سابقة الذكر، تنشأ بيانات عديدة وقيّمة، وبناء على التعامل الفوري مع تلك البيانات، يتم اتخاذ القرارات المتعددة، ويمكن لهذه البيانات، إذا ما استخدمت بطريقة سريعة وصحيحة، أن تحقق قيمة عظيمة مباشرة وتؤثر تأثيرًا إيجابيًا، ليس فقط على مستوى نتائج الأنشطة والأعمال التجارية، ولكن أيضا فيما يتعلق بنتائج الصحة وتدابير السلامة.
في مثل هذه الحالات، حيث يتعامل الناس مع البيانات بالقرب من مصدرها، نطلق مصطلح “الطرفية”.
ما هي الحوسبة الطرفية؟
الحوسبة الطرفية موجودة حولنا في كل مكان، ومع ذلك يصعب تعريفها. الأمثلة المذكورة أعلاه توضح أن الحوسبة الطرفية قد تتواجد في أي مكان، سواء كان ذلك في قاع مركز البيانات الخاص بك، أو أنها تحلق حول العالم على متن طائرة ضخمة.
إن معظم تعريفات الحوسبة الطرفية تتفق على أنها القدرة على تقريب الحوسبة قوية الأداء من مصادر البيانات، وهذا التعريف لا ينفي أن التفاصيل يمكن أن تختلف على نطاق واسع بين حوسبة طرفية وأخرى.
ويعد أسلوب التعامل الأمثل مع الحوسبة الطرفية مرهونا بسمات القطاع الصناعي الذي تتخصص فيه أو المنظمة التي تعمل بها، بغض النظر عن الاسم الذي تطلقه عليها أو الموقع الذي تستخدمها فيه.
وعندما تُعد إستراتيجية الحوسبة الطرفية إعدادًا صحيحًا، وتطبق تطبيقًا صحيحًا، ستعزز بدورها أعمالك وتحسن من نتائجها.
على سبيل المثال، قد ترغب مؤسسات الرعاية الصحية في تشييد عيادات في بعض الأماكن لخدمة العملاء في المناطق الريفية، ويتطلب ذلك القدرة على معالجة البيانات بالقرب من المصدر لتزويد الأطباء بمعلومات شبه فورية عن المريض، والامتثال في ذات الوقت لإرشادات الرعاية الصحية.
فالحوسبة الطرفية المخصصة للرعاية الصحية بإمكانها استيعاب أنظمة تحليلية قادرة على معالجة البيانات الواردة من أنظمة أو حلول رصد وتقييم حالة المرضى بما يعزز القدرة على توفير المؤشرات اللازمة لتتبع الحالة الصحية للسكان.
ويجب أن تكون حلول الحوسبة الطرفية التي تُطبق في الأماكن النائية – حيث هناك ندرة في موظفي تكنولوجيا المعلومات – مبسطة ومحكمة بحيث يسهل نشرها وتشغيلها، وفي نفس الوقت يجب أن تكون تلك الحلول قادرة على حفظ أمن البيانات، كما وتتميز بإمكانيات أتمتة متطورة، وإمكانيات الخضوع للإدارة عن بُعد.
أما بالنسبة للقطاع الصناعي، فيمكن للمصنعين استخدام أجهزة استشعار وكاميرات لمراقبة كفاءة المعدات في المصنع وجودة المنتجات الصادرة عن خط التجميع. في هذه الحالة، تشتبك الحوسبة الطرفية مع المصادر المختلفة للبيانات وتحللها لتوفير نظرة عامة لسير الأمور، ومن ثم التوصل إلى “رؤى” أو شرح عميق لحالة المصنع.
ويمكن استخدام رؤى البيانات تلك لتعزيز جودة الإنتاج وتسريع النظام وتعزيز كفاءته إلى الحد الأقصى، وقد تحاول الشركة المصنّعة نقل بياناتها إلى مركز بيانات ومن ثم تحليلها، لكن ذلك سيتطلب وقتًا طويلاً للغاية.
فباستخدام استراتيجية حوسبة طرفية، يتم تحليل البيانات في المصنع حيث يمكن تقديم أفضل رؤى ممكنة للبيانات للشركة المصنعة كي تتمكن من اتخاذ القرارات على أفضل وجه.
وفي قطاع مبيعات التجزئة، قد يهدف بائع التجزئة إلى تعزيز تجربة التسوق من خلال تتبع كيفية نقل المنتجات في جميع أنحاء المتجر لإدارة المخزون والتوريد أو مساعدة العملاء بشكل أفضل.
وباستخدام الحوسبة الطرفية الممزوجة مع الذكاء الاصطناعي في موقع البيع بالتجزئة، يمكن لتجار التجزئة تتبع المخزون الذي يتم دفع ثمنه أو التأكد من وجود الموظفين في الجزء من المتجر حيث تشتد الحاجة إليهم.
هذه الأمثلة المتعددة على استخدامات الحوسبة الطرفية، تختلف للغاية من حيث التصميم، وتتضح الاختلافات نتيجة عدة عوامل على رأسها بصمة البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات، والشبكات، ومصادر المدخلات، والأمن، وتخزين البيانات، وحماية البيانات، فضلا عن تفاوت اعتبارات الترتيب الهندسي لتلك التقنيات.
وتشمل تلك العوامل خصائص البيانات التي يجب تحليلها على الحوسبة الطرفية، ومدى سرعة استخلاص الرؤى لتتماشى مع نتائج الأعمال، وأي جزء من تلك البيانات أو البيانات الوصفية ستحتاج إلى إرسالها مرة أخرى إلى نظام مركزي.
كيف تتعامل مع البيانات الطرفية؟
إن عملية تطبيق وتشغيل الحوسبة الطرفية ليست دائمًا عملية مباشرة. غالبًا ما يكون لمبادرات الحوسبة الطرفية أهداف غير واضحة، وتنطوي على تقنيات جديدة، وتكشف عن عمليات متضاربة بين أنظمة تكنولوجيا المعلومات التقليدية (IT) وأنظمة التكنولوجيا التشغيلية OT.
وفيما يلي أهم ثلاثة نصائح لمساعدتك على إعداد استراتيجيتك الطرفية:
1. تصميم الحوسبة الطرفية للتركيز على نتائج الأعمال.
مشاريع الحوسبة الطرفية الناجحة تبدأ من التركيز على الهدف الأهم- نتائج الأعمال. عليك تحديد أهداف أنشطتك التجارية قبل أن تفكر في التكنولوجيا. على سبيل المثال إذا كنت تعمل في مجال التصنيع، فقد تتساءل عما إذا كنت ترغب في تحسين عائدات الإنتاج أو تقليل التكاليف عن طريق الحد من أعطال الماكينات بشكل استباقي.
إذا كان مشروعك سيتطلب استثمارًا كبيرًا بعائد أولي محدود، عليك بتوثيق اعتبارات العمل والإعلان عنها بوضوح. ويمكنك تحديد أهداف محددة من عبر إدارة التوقعات، وقياس نتائجك أثناء التقدم في العمل، والقيام بأية تصحيحات ضرورية أثناء سير العملية.
2. الدمج والتكامل
دمج التطبيقات في بنية أساسية واحدة تساعد مؤسستك على تحقيق وفورات مجزية. لا تعتبر الحوسبة الطرفية على أنها مجموعة من الأجهزة والتطبيقات غير المتصلة، ولكنها نظام شامل يقوم بعمليات فعالة. وتعد المحاكاة الافتراضية والتطبيقات والبنية التحتية المعرفة بالبرمجيات عوامل أساسية لتمكين الدمج.
كما يقدم دمج أنظمة الحوسبة الطرفية أكبر قدر من المرونة. حيث يمكنك بسهولة إعادة تخصيص الموارد أو نقل أعباء العمل لتلبية احتياجات عملك. كما يؤدي أيضًا إلى إتاحة الفرص لمشاركة البيانات ودمجها عبر تدفقات البيانات والتطبيقات المختلفة. سيمكن ذلك التطبيقات الجديدة من الاستفادة بسهولة من بيانات الحوسبة الطرفية الحالية.
بينما تقوم بالدمج، تأكد من أن المنهجية المطبقة للحوسبة الطرفية تستخدم واجهات برمجة التطبيقات المفتوحة والمعايير والتقنيات التي لا تقيدك بنظام واحد أو إطار عمل واحد للحوسبة السحابية. يتسم النظام المفتوح بالمرونة فيما يتعلق بحالات الاستخدام الجديدة والتطبيقات الجديدة ودمج النظم الجديدة لتلبية تغيرات متطلبات العمل.
ولا يتعلق الدمج بالتكنولوجيا فقط. فيمكنك المقارنة بين أنظمة تكنولوجيا المعلومات التقليدية وأنظمة التكنولوجيا التشغيلية لإيجاد أفضل الممارسات وتعزيز تطوير إستراتيجيتك.
شجع موظفي تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا التشغيلية على التعاون وإيجاد القواسم المشتركة بينهم. قم بدمجخبرات قسم تكنولوجيا المعلومات مع قسم التكنولوجيا التشغيلية، حيث يمكنك الاستفادة من المعايير والممارسات المشتركة والهدف أو النتيجة المشتركة. لقد قامت المنظمات الضخمة ببناء هذه الجسور لتحقيق أفضل نتائج ممكنة.
3. خَطط للنمو والمرونة
ألق نظرة على المستقبل. خطط لنتائج أعمالك الأولية، وضع في الاعتبار المستقبل وخطط النمو والمرونة في المستقبل. فكر في الإمكانات الجديدة التي قد تحتاجها وحالات الاستخدام الجديدة التي قد ترغب في تنفيذها لتحقيق النمو.
على سبيل المثال، العملية البسيطة التي تقوم بها اليوم، قد ترغب في استخدام التعلم المتعمق deep learning من أجلها في المستقبل. إذا كنت ترغب في ذلك ، فتأكد من أن البنية التحتية الخاصة بالحوسبة الطرفية يمكن توسيع نطاقها لتشمل سعة الشبكة والتخزين والحوسبة السريعة لتكون قادرًا على القيام بتدريب نموذجي. يُمكَن اتباع نهج كخدمة للتحكم في نظم تكنولوجيا المعلومات وتسهيل تعزيز موارد تكنولوجيا المعلومات حيث يمكنها جني مكاسب أكبر.
اغتنم الفرصة
يمكن أن تتواجد الحوسبة الطرفية في أي مكان، والبيانات التي يمكن تجميعها وتحليلها من خلال الحوسبة الطرفية يمكن أن تغير نتائج الأعمال والحياة بأكملها. فابحث عن شريك يمكنه مساعدتك في تحديد استراتيجية الحوسبة الطرفية، وتبسيطها من خلال الدمج والتكامل، والتخطيط للنمو باستخدام إستراتيجية صممت خصيصأ لتحقيق الفوائد المستندة إلى النتائج. فقد حان الوقت لتعظيم قيمة بيانات أعمالك وتعزيز تقدم عملك. اغتنم تلك الفرصة الفريدة الآن.
تحليل كتبه: عادل الأنصاري
المدير الأول لشركة دل تكنولوجيز في مصر وليبيا وبلاد الشام