شركات الاتصالات تخضع بثقة لـ«اختبار التضخم».. والقوة التشغيلية وولاء العملاء يقلصان الاحتمالات السلبية
في الأشهر المتبقية من عام 2022 وما سيتبعها، ستواجه صناعة الاتصالات في مصر فرصًا وتحديات جديدة تفرضها التغيرات الاقتصادية الحالية والبيئة التنظيمية والتنافسية، ففي ظل الانتقال السريع من أسواق النطاق العريض وخدمات الداتا الأكثر تنافسية إلى الأمن السيبراني والحوسبة السحابية وتكنولوجيا انترنت الاشياء واتجاه الشركات لتغيير طبيعة عملها من مشغلي اتصالات لشركات فاعلة في القطاع التكنولوجي والتحول الرقمي، يبدو أن “الطبيعة الاقتصادية” في الوقت الحالي “لن ترحم من يتجاهلها” في ظل موجة من ارتفاع التضخم والتي استودرها السوق المصري من الخارج نتيجة النزاعات في شرق أوروبا واستمرار تداعيات كورونا، والتي لاحقتها أمواج تتمثل في ارتفاع أسعار الفائدة وتغير في أنماط الاستهلاك وفقا لنظرية “الأولويات”.
فهل ستكون خدمات الاتصالات أولوية في ظل هذه الظروف وما سيلحقها والتي سيكثر فيها “الشك” في المستقبل، “ببداهة” وفقا للمحللين المسألة محسومة في بعضها باعتبار أنها أصبحت خدمات من أساسيات الحياة وليست رفاهية يمكن الاستغناء عنها، لكن البعض الأخر يغلبه انطباعات رقمية تتعلق بتكلفة الخدمات على الشركات بعد رفع أسعار الفائدة وتساؤلات حول اتجاه الشركات لبحث مسألة رفع أسعار بعض الخدمات بالتشاور مع الجهات التنظيمية، وسلوكيات المستهلك الذي يبدو أنه ليس على استعداد أن يخسر الكثير مقابل هذه الخدمات.
فمما لا شك فيه فإن قطاع الاتصالات المصري شهد انتعاشة قوية خلال الفترة الماضية، مدفوعا بالتداعيات التي فرضتها جائحة كورونا خلال العامين الماضين والتوسع الذي قامت به الشركات على مستوى التنوع في استثماراتها في ظل الاستراتيجية الشاملة للدولة المصرية للتحول الرقمي، حيث بلغ معدل نمو ناتج قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بالأسعار الثابتة، خلال النصف الأول من العام المالي الحالي 2021/2022 نحو 16.5% و17.1% في الربع الثاني من العام ذاته.
وهو ما مثّل “قوة” للقطاع مقارنة بالقطاعات الاقتصادية الأخرى وشكّل رهانا ناجحا بكل المقاييس للقيادة السياسية، ما دفع الرئيس عبد الفتاح السيسي في الكثير من المناسبات للتأكيد على ضرورة الاستمرار في تطوير قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وبنيته الأساسية، باعتباره أحد ركائز النمو الاقتصادي والاجتماعي في الدولة، فضلاً عن دوره المهم في توفير أفضل الخدمات للمواطنين.
وعندما ننظر إلى الوراء في هذه الفترة على المستوى العالمي وأيضا المحلي، فإن قصة التضخم الكبيرة ستكون “التنين الذي لم ينفث ناره الكبرى بعد”، ففي حين ارتفعت أسعار السلع التقليدية مثل الطاقة والغذاء والسيارات، ظل تضخم الاقتصاد الرقمي شبه معدوم في عوالم التكنولوجيا والنطاق العريض والتجارة الإلكترونية – بما في ذلك هوامش التجارة الإلكترونية – وهو ما يشكل ظاهرة تستحق اهتمامًا أكبر بكثير مما تحصل عليه، لماذا تمسك هذه الشركات بالحد من التضخم في حين أن الصناعات القديمة تنهمك في زيادات في الأسعار من رقمين وثلاثة؟
النظر إلى سوق الاتصالات المصري، يجب أن يأخذ في الاعتبار شموله 4 شركات من كبار المشغلين في المنطقة والعالم، إحداهم الشركة المصرية للاتصالات (المشغل المحلي) و3 شركات عالمية (فودافون – اورنج – اتصالات) ينتمون لمجموعات أم مختلفين، ومن قراءة لمستهدفات الشركات نجد مستهدفات الشركات تتركز على التحول من خلال وضع الشبكات وتحسينها كأساس تمكيني لعروض الأعمال الرقمية، وأتمتة الشبكات وتصنيعها في شكل منصات قابلة للتطوير لجذب شركاء تكنولوجيا المعلومات والمطورين لتحسين تجارب العملاء سواءا كانوا أفراد أو مؤسسات.
امتصاص موجة التضخم
عمرو الألفي رئيس قطاع البحوث في شركة برايم، أكد أن شركات الاتصالات ستمتص هذه الموجة التضخمية والتغيرات التي حدثت في رهان على الاستهلاك لتعويض الارتفاعات التي ستشهدها الشركات في ارتفاع أسعار المكونات الخاصة بشبكتها والارتفاعات المحتملة في أسعار الوقود والتي تعتمد عليه جزئيا في عمليات تشغيل الشبكة، مستبعدا حدوث ارتفاعات في أسعار الخدمات الرئيسية من جانب الشركات على المدى القصير إلا أنه من الوارد أن ترتفع بعض أسعار الخدمات غير الرئيسية.
وأشار إلى أن أحد الاحتمالات الحقيقية هو أن الابتكار والاستثمار في القطاع الرقمي قد يكون لهما تأثير مثبط على التضخم، حيث يخبرنا علم الاقتصاد الأساسي أنه عندما تنفق شركات الاتصالات عشرات المليارات لإنشاء قدرات جديدة ونشر تكنولوجيا جديدة، سيكون من الصعب على أي شخص رفع الأسعار، بما في ذلك الشركات نفسها، لعدم الصدام مع المستهلك وأيضا الحفاظ على معدل النمو، خاصة وأن المستهلك في الوقت الحالي متحفز جدا تجاه أي ارتفاعات في الأسعار لأي خدمة أو منتج يعتقد أنها بعيدة عن الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية حتى وإن كانت متأثرة بها بشكل ما، فهو لن يقتنع وسيتعبرها تحايلا من الشركات لرفع الأسعار، وهذا السلوك يجب أن تعيه شركات الاتصالات كمدخل رئيسي في سياساتها المالية والتشغيلية خلال الفترة المقبلة.
ولفت الألفي إلى أن ظهور تداعيات الموجة التضخمية على نتائج أعمال الشركات لن يحدث بشكل واضح قبل الربع الثالث من العام الجاري على الأقل، خاصة وأن الشركات تمتلك السيولة الكافية لتنفيذ عملياتها خلال العام الجاري مع إعلان الشركات الأربعة ( المصرية للاتصالات وفودافون وأورنج واتصالات) من ضخ استثمارات تتخطى الـ 20 مليار جنيه، متوقعا حدوث بعض الضغوطات على بعض هذه الشركات في حالة القروض الدولارية التي حصلت عليها وهي محدودة جدا وفقا لحجم سيولة الشركات، وأيضا فيما يتعلق بأسعار الخدمات حيث أنه وفقا للتغير في أسعار الفائدة وتحرك الدولار أمام الجنيه فإن هذه الأسعار قد شهدت انخفاضا نسبيا.
ولفت الألفي إلى أن شركات الاتصالات في مصر بدأت التحول إلى شركات تقنية تقدم العديد من الخدمات، والتركيز على قطاعات تكنولوجية واعدة، كحلول المدن الذكية ورقمنة الصحة والتعليم إلى جانب النمو المطرد وتوغل شركات الاتصالات في قطاع التكنولوجيا المالية وتوسع دائرة الشراكات مع البنوك وشركات الدفع الإلكتروني وإنشاء المحافظ الإلكترونية وغيرها من المجالات المتعلقة بالخدمات المالية الرقمية، وهو ما سيعزز المحافظ الاستثمارية لشركات الاتصالات على المدى القصير.
وأشار الألفي، إلى أن أنشطة الاستثمار للشركات سنشهد فيها مزيدا من التغير خلال الفترة المقبلة سواء في نوعية الاستثمار أو وجهته بما يتناسب مع التحولات الجديدة التي تشهدها مصر والعالم من تحولات تتعلق بالسياسات المالية والتحول الرقمي ومعدلات التضخم وغيرها من المؤشرات الرئيسية الحاكمة لحركة الاقتصاد.
استقرار أسعار الخدمات
من جانبه قال أحمد أنس المحلل المالي، أن الحقائق تشير إلى إنه كلما كانت السلع تريفيهية فإنه من الصعب تمرير زيادة تكلفة الإنتاج للمستهلك النهائي، وهو ما يتمثل جزئيا في خدمات الاتصالات لو اعتبرناها حاليا أحد الخدمات الرئيسية فإن بعضها مازال ترفيهيا لحد كبير، وهو ما يشير إلى أن الشركات ستتحمل جزءا من هذه التكلفة وستتأثر ربحيتها سلبا على المدى المتوسط ، لافتا إلى أن شركات الاتصالات تبحث دائما عن الاستقرار في أسعار الخدمات بعيدا عن أي ضغوط لضمان تنفيذ سياساتها المالية والتشغيلية بشكل سلس خاصة في ظل المنافسة وأيضا الاحتفاظ بولاء العميل الذي يعد ركنا رئيسيا في أعمالها.
وأشار إلى أن الحراك الذي شهده القطاع خلال الفترة الماضية سواء من ناحية الاستهلاك المتزايد بسبب كورونا وتداعيات الإغلاق ونمو الوعي بأهمية خدمات الاتصالات سواء من الأفراد أو المؤسسات سيعزز صمود القطاع أمام أي تحديات اقتصادية خلال الفترة الحالية، حيث ينمو القطاع بوتيرة سريعة، وله فرص كبيرة بسبب تداخلاته المتعددة في العديد من القطاعات الاقتصادية والنمو الكبير في حجم الشركات الناشئة التي تعمل في مجال التكنولوجيا والتطبيقات الذكية خاصة في مجال التكنولوجيا المالية والتي تعد “صيدا ثمينا” لشركات الاتصالات في تعزيز تواجدها التكنولوجي والانسلاخ من الشكل التقليدي لمشغلي الاتصالات، هذا إلى جانب انخفاض توافر الموارد البشرية العاملة في هذا القطاع في كافة التخصصات التشغيلية التي يحتاجها.
ولفت أنس إلى أن الشركات التي تستطيع تمرير الزيادات السعرية للمستهلكين هي التي تستطيع الاستفادة من ارتفاع معدلات التضخم أو التواكب معها، وهي الشركات التي تنتج سلعا أساسية أو مرونتها السعرية منخفضة، فقطاع الصناعات الغذائية وإنتاج الأجهزة الإلكترونية المهمة كالسلع المعمرة ستكون مستفيدة على المدى القصير والمتوسط لأن الطلب عليها لا يتأثر بشكل كبير.
مواكبة الشبكات والتطبيقات الجديدة
ونوه إلى أن قطاع الاتصالات يواصل إحراز تقدم في زيادة سعة شبكته من خلال عمليات نشر الألياف والتوسع الجغرافي في الشبكات لتلبية الطلب المستمر على تكنولوجيا الجيل الرابع، ومع بداية العام الجاري نرى مجموعة ناشئة من المشكلات والفرص المقدمة من خلال بيئة تنظيمية وتكنولوجية وتنافسية ديناميكية قد تؤثر على تقدم القطاع في العام المقبل، وسيستمتع المستهلكون بمرونة معززة في شراء الخدمات واستهلاكها، ومع ذلك قد تؤدي هذه الاتجاهات أيضًا إلى بيئة أكثر تنافسية في عام 2022.
من جانبه قال هشام حمدي، محلل قطاع الاتصالات ببحوث شركة النعيم القابضة، إن تأثير الأوضاع الحالية على الطلب الخاص بخدمات الاتصالات، سواء خدمات البيانات والإنترنت أو مكالمات الموبايل- محدود، لافتًا إلى أن خدمات قطاع الاتصالات حاليًا أصبحت من الضروريات وليست نوعا من الرفاهية.
ويرى «حمدي» أن قطاع الاتصالات والتكنولوجيا في مصر أحد القطاعات الدفاعية، بعيدة التأثير عن الأزمات من ناحية الطلب، مشيرًا إلى أن القطاع استفاد بقوة من أزمة كورونا، كما أنه يستفيد أكثر في الوقت الحالي بسبب توجه الدولة لرقمنة المؤسسات والشركات والاعتماد على التكنولوجيا في شتى مناحي الحياة.
وتوقع أن ينمو قطاع تكنولوجيا المعلومات بنحو 15% خلال 2022، مدعومًا بنمو خدمات استهلاك البيانات والإنترنت، بالإضافة إلى الاستثمار في البنية التحتية للاتصالات، وتنفيذ العديد من المشروعات وعلى رأسها مبادرة «حياة كريمة»، والاتجاه للرقمنة بشكل عام.
وحول تأثير التضخم على قطاع الاتصالات، أشار إلى أن التأثير محدود، موضحًا أن حجم ما ينفقه الفرد على خدمات الاتصالات في مصر لا يمثل جزءً كبيرًا من إجمالي دخل الفرد، إلا أن التضخم وارتفاع معدلات الفائدة قد يؤثران على تكلفة تمويل الشركات في مصر، وهو ما قد يدفع بعض الشركات إلى زيادة أجور الموظفين والعاملين.
وأشار إلى احتمالية زيادة أسعار خدمات الاتصالات على المدي المتوسط، خاصة في ظل ارتفاع تكلفة مد الكابلات وبناء الأبراج ووزيادة أسعار معدات الاتصالات والتي تستوردها الشركات من الخارج.
وفيما يخص قدرة الشركات على التوسع في ظل الأوضاع الحالية، لفت «حمدي» إلى أن شركات الاتصالات لديها ملاءة مالية قوية لتنفيذ توسعاتها، مضيفًا «على سبيل المثال فإن رصيد النقدية لدى فودافون مصر أكبر من رصيد الدين»، كما أن المصرية للاتصالات وقعت مؤخرًا اتفاقية قرض بقيمة 150 مليون يورو لتنفيذ وبناء أبراج المحمول.
وقالت مريم وائل محللة قطاع الاتصالات بشركة فاروس، إن ارتفاع معدلات التضخم لن تؤثر بشكل كبير على قطاع الاتصالات خلال الفترة الراهنة، في ظل ثبات تكلفة خدمات شركات المحمول للمستهلك، متوقعة أن تظل أسعار الخدمات كما هي دون زيادة خلال الفترة المقبلة.
وحول تأثير أسعار الفائدة على قطاع الاتصالات، قالت «مريم» إن ارتفاع أسعار الفائدة تؤثر بصورة مباشرة على الشركات المقترضة سواء قروض بالجنيه المصري أو بالدولار، لافتةً إلى أن التأثير سيختلف من شركة إلى أخرى، متوقعة نمو قطاع الاتصالات بنسبة تترواح بين 20 و30% لعوائد البيانات على أساس سنوي، ومن الممكن أن تتأثر هوامش الربحية بصورة طفيفة بارتفاع التكلفة نتيجة لاضطراب سلاسل الإمداد.
وترى محللة قطاع الاتصالات بفاروس، أن توسعات الشركات خلال العام الجاري يتم بحسب السياسة الاستثمارية لكل شركة، والتى تحدده آليات العرض والطلب على خدماتها في السوق، مشيرة إلى أن شركات الاتصالات في العادة تتنافس، وتلك المنافسة تصب في مصلحة المستهلك النهائي، متوقعة أن تستمر التكنولوجيا المالية في النمو والتطور في مصر على الرغم من التحديات المختلفة التي يواجهها العالم، مع الأخذ في الاعتبار مبادرات البنك المركزي المصري ووزارة المالية ورؤية مصر 2030 ، والتي تركز على زيادة القيمة الإجمالية لجميع الخدمات.
وأضافت أن المبادرات التي أطلقها البنك المركزي ووزارة المالية خلال الفترة الماضية لتعزيز الشمول المالي والتحول الرقمي، تعتبر محفز رئيسي لنمو الشركات في عام 2022، مدعومًا بزيادة ثقة المستهلك في المعاملات غير النقدية منوهة ، بأن الحكومة تخطط لفرض رقمنة الجمارك والضرائب والخدمات الحكومية الأخرى، والتي تعتبر بمثابة محرك رئيسي نحو اقتصاد غير نقدي وزيادة عدد المعاملات الإلكترونية.
وذكرت أنه وفقًا لتقديرات فاروس، فإنه تم تحويل نحو 40% من الإيرادات الحكومية -الضرائب والتأمينات الاجتماعية- بشكل رقمي في عام 2021، ومن المتوقع أن تزداد بنحو 10-15 نقطة مئوية لتصل إلى نحو 50-55% بنهاية 2022 و تعتزم الحكومة رقمنة خدمات النقل (بدءًا من رقمنة السكك الحديدية)، فضلاً عن خطط لرقمنة خدمات قطاع الرعاية الصحية، مما يشكل حافزًا رئيسيًا لنمو القطاع في 2022 ومواجة أي موجات حالية من التضخم.