في مثل هذا اليوم، الثالث من أغسطس عام 1977، دخلت شركة “راديو شاك” التاريخ التقني بإطلاق أول جهاز كمبيوتر شخصي لها (TRS-80)، الذي شكّل نقطة تحول في مسار الحوسبة المنزلية.
جاء هذا الطرح في وقت كانت فيه أجهزة الكمبيوتر تُعتبر أدوات نخبوية مخصصة للباحثين أو الشركات الكبرى، لكن TRS-80 غيّر هذه المعادلة، ليصبح أحد أوائل الأجهزة التي أتاحت للمستخدم العادي فرصة امتلاك كمبيوتر في منزله.
قام بتطوير الجهاز المهندس ستيف لينينجر، بتكليف من دون فرينش، أحد مديري المشتريات في سلسلة متاجر “راديو شاك”، التابعة لشركة “تاندي كوربوريشن”، وطُرح الجهاز بسعر 599.95 دولارًا أمريكيًا، وهو سعر يُعد منخفضًا نسبيًا مقارنة بالأجهزة المنافسة آنذاك، ما جعله في متناول شريحة واسعة من الجمهور.
اعتمد جهاز TRS-80 على معالج Zilog Z80 بسرعة 1.774 ميجاهرتز، واحتوى على ذاكرة تتراوح بين 4 و48 كيلوبايت، بالإضافة إلى شاشة CRT أحادية اللون ولوحة مفاتيح كاملة، وكان مزودًا بمسجل كاسيت لحفظ البرامج، ويعمل بنظام تشغيل TRSDOS أو LDOS.
رغم أن الشركة توقعت مبيعات محدودة لا تتجاوز 5,000 وحدة سنويًا، إلا أن الإقبال فاق كل التوقعات، حيث تم بيع أكثر من 10,000 وحدة خلال أول شهر ونصف فقط من إطلاقه، لتصل المبيعات الإجمالية إلى نحو 200,000 وحدة على مدار عمره الإنتاجي.
وساهم في هذا النجاح الانتشار الواسع لسلسلة متاجر “راديو شاك”، التي بلغ عددها أكثر من 3,500 متجر في الولايات المتحدة، ما أتاح للجهاز وصولًا مباشرًا إلى المستهلكين في مختلف المناطق.
لم يكن TRS-80 مجرد منتج ناجح تجاريًا، بل كان أيضًا أحد ركائز ما يُعرف بـ”ثالوث 1977″، إلى جانب Apple II وCommodore PET، وهي الأجهزة التي أرست قواعد الحوسبة الشخصية الحديثة.
بحلول عام 1979، أصبح TRS-80 يمتلك أكبر مكتبة برمجيات في سوق الحواسيب الصغيرة، متفوقًا على منافسيه، ومكرّسًا مكانته كأداة تعليمية وترفيهية ومهنية في آنٍ واحد.
ورغم توقف إنتاجه عام 1981، إلا أن اسم TRS-80 استُخدم لاحقًا في عدة نماذج أخرى، مثل Model II وColor Computer وPocket Computer، ليبقى إرثه حاضرًا في ذاكرة التطور الرقمي.
لقد مثّل جهاز الكمبيوتر TRS-80 لحظة فارقة في تاريخ التكنولوجيا، حين انتقلت الحوسبة من المختبرات والمكاتب إلى غرف المعيشة، وبدأت رحلة التحول الرقمي التي نعيش فصولها اليوم.
وفي مصل هذا اليوم من عام 1993، كشفت شركة آبل عن جهاز Newton MessagePad، الذي يُعد من أوائل أجهزة المساعد الرقمي الشخصي (PDA) في العالم، وذلك خلال معرض Macworld في مدينة بوسطن.
مثّل هذا الجهاز خطوة جريئة نحو مستقبل الحوسبة المحمولة، حيث كان أول نظام يعتمد على واجهة القلم الإلكتروني ونظام تشغيل Newton OS، مع ميزات متقدمة مثل التعرف على الكتابة اليدوية ومحاولة ربط المعلومات بشكل ذكي، وهي خصائص كانت تُعتبر ثورية في ذلك الوقت.
واستخدم مصطلح “المساعد الرقمي الشخصي” أو PDA لأول مرة على يد الرئيس التنفيذي لشركة آبل آنذاك، جون سكالي، عام 1992، في إشارة إلى هذا النوع الجديد من الأجهزة التي تجمع بين الحوسبة والتنقل.
ورغم أن “نيوتن” (Newton) لم يحقق النجاح التجاري المتوقع، إلا أن تأثيره التقني كان عميقًا، إذ وضع معايير جديدة لتصميمات أجهزة المساعد الرقمي المستقبلية، وألهم العديد من الشركات لتطوير واجهات استخدام أكثر ذكاءً وتفاعلية.
كان أحد أبرز إنجازات جهاز “نيوتن” في مجال المعالجات، حيث تعاونت آبل مع شركة ARM الناشئة آنذاك لتطوير بنية معالج RISC منخفض الطاقة لتشغيل الجهاز، واستثمرت آبل بكثافة في شركة ARM، واستحوذت على نحو 43٪ من أسهمها، مما ساهم في ترسيخ بنية ARM كأساس لمعظم الأجهزة المحمولة في العالم لاحقًا، بما في ذلك جميع إصدارات آيفون وآيباد، ومعالجات سلسلة M لأجهزة ماكنتوش الحديثة.
وفي عام 1998، بدأت آبل ببيع جزء كبير من حصتها في ARM، مما ولّد نحو مليار دولار أمريكي بحلول عام 1999، وساعد هذا العائد المالي الشركة على تجاوز أزمتها المالية في أواخر التسعينيات، ومهّد الطريق لمرحلة التحول الكبرى التي جعلت منها لاحقًا الشركة الأعلى قيمة في العالم.
رغم توقف إنتاج “نيوتن” في عام 1998، إلا أن إرثه لا يزال حاضرًا في قلب كل جهاز محمول يعتمد على معمارية ARM، وفي كل واجهة استخدام تسعى لتكون أكثر ذكاءً وتفاعلًا مع المستخدم، فقد كان الجهاز خطوة سابقة لعصرها، ومقدمة صامتة لعصر الأجهزة الذكية الذي نعيشه اليوم.