يشهد قطاع الاتصالات المصري في الوقت الحالي حراكًا شديدا بعدة ملفات أجبرت الجميع على متابعتها من مختلف الزوايا، خاصة وأن قطاع الاتصالات يعد هو الأنجح في السوق المصري على مدار السنوات الأخيرة بما حققه من معدلات نمو مرتفعة.
وقد ساهم القطاع في دفع القطاعات الأخرى للنمو بسبب الطفرة التي تحققت في سرعات الإنترنت وسعات الشبكات وهو ما كان له عظيم الأثر خلال اختبار أزمة كورونا المفاجئ.
وعند تحليل الأحداث الراهنة في قطاع الاتصالات نجد أمامنا 4 ملفات أساسية، تبدأ بالملف الأول وهو الخاص بالنظرة المستقبلية لما قد يكون عليه الطلب على شبكات الاتصالات.
مما لا شك فيه، نحن على أعتاب مرحلة ستشهد المزيد من استهلاك خدمات الإنترنت مدفوعة بشكل أساسي بالتعليم عن بعد – على الأقل للفصل الدراسي الأول – وهو الأمر الذي يتطلب استقرارا أكبر للخدمات وسعات أعلى وأسعار تتناسب مع احتياجات طلاب المدارس والجامعات.
ونتوقع أيضا طفرة مع زيادة استخدام خدمات “مصر الرقمية” التي تم إطلاقها مؤخرًا والتي ستؤدي بشكل كبير إلى زيادة الاعتماد على خدمات الإنترنت للحصول على كثير من الخدمات الحكومية المقدمة عبر المنصة، ونتيجة انتشار متوقع لطلب تلك الخدمات من مختلف أنحاء الجمهورية فإن الأمر سيتطلب الأخذ في الاعتبار التوزيع الجغرافي للخدمة في المحافظات، وأخيرا ما يترقبه العالم من موجة ثانية لوباء (كوفيد 19) وما قد يتبعه من اللجوء مرة أخرى للعمل من المنزل، كل هذا سينتج عنه بلا شك زيادة ملحوظة في استخدام شبكات الاتصالات.
أما الملف الثاني، وهو الترددات التي قرر الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات طرحها في الحيز 2600 بتقنية TDD والذي يستخدم لأول مرة في مصر، وهي ترددات خاصة بالجيل الرابع، مهمتها تقديم خدمة الاتصال بالإنترنت عبر الراوتر الثابت بسرعات أعلى، ولكنها لا تتيح التنقل بين المحطات في حالة استخدام الموبايل أو التابلت.
وسوف تساعد تلك الترددات الشركات الحاصلة عليها، على تحسين الخدمات وإطلاق خدمات جديدة للإنترنت اللاسلكي بسرعات أعلى، كما ستتطلب من الشركات بناء محطات جديدة، حيث أن نطاق التغطية يقل نسبيا مقارنة بما كان مستخدما في الترددات السابق تخصيصها.
ولكي تتمكن من الاستفادة القصوى من الترددات الجديدة، سيكون على شركة فودافون في حالة حصولها على الترددات إعادة ترتيب تردداتها بشكل كامل، لأن الحيز 2600 لن يخدمها في تحسين جودة خدمات الصوت، وبالنسبة للشركة المصرية للاتصالات فإن هذه الترددات – فضلا عن التزاماتها التنظيمية الواردة في الترخيص – فإنها ستستمر في تقديم خدمات الصوت اعتمادا على التجوال المحلي على شبكة اتصالات مصر حيث أن الترددات الجديدة مخصصة لنقل البيانات وليست للصوت.
ونتيجة لأن تلك الترددات تتيح تقديم الخدمة بسرعات أعلى قد تقارب ما يتم تقديمه من خلال الألياف الضوئية، فمن المتوقع أن تتزايد المنافسة في المرحلة المقبلة بين مقدمي الخدمات على المستهلكين بتقديم باقات انترنت ثابتة VDSL أو بتكنولوجيا الجيل الرابع لاسلكية متقاربة في الأداء، وهو ما سيترتب عليه حتما أن تتقارب الأسعار بينهما، وهنا نجد أن المستهلك هو الفائز الأكبر من تلك المنافسة، حيث سيمكنه الحصول على الخدمة المناسبة لاستخداماته دون النظر إلى التكنولوجيا المستخدمة.
أما فيما يخص الملف الثالث وهو صفقة فودافون مصر، ففي ضوء ما تم الافصاح عنه بشكل رسمي من الأطراف المعنية وهي شركتي STC وفودافون العالمية، أعتقد أن الأطراف المتفاوضة لم تصل إلى نتيجة نهائية فيما يتعلق باستحواذ الشركة السعودية على الحصة الحاكمة في شركة فودافون مصر والمملوكة حاليا لفودافون العالمية، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن الصفقة توقفت، ولكن نظرا لأنه كان هناك وقت محدد لتقديم العرض النهائي بعد الفحص النافي للجهالة فهو الأمر الذي دفع أطراف المفاوضات للخروج والإعلان عن عدم التوصل لاتفاق.
أعتقد أن المفاوضات سوف تستمر والأمر قد لا يكون متعلقا بالتقييم المادي وقيمة الصفقة فقط بقدر ما يمكن أن يكون من نقاط أخرى في الصفقة، فعلى سبيل المثال ممكن أن يكون الخلاف على استمرار العلامة التجارية – فودافون مصر- من عدمه، وقد يكون السبب الآخر هو عرض الشراء الإجباري لأسهم الأقلية الذي يفرضه القانون المصري، وهو ما قد يشكل عبء على STC والمبلغ المخصص للاستثمار في مصر.
بشكل عام أتوقع أن تعود المفاوضات مرة أخرى خاصة بعد حصول فودافون مصر على الترددات الجديدة والذي سيغير من قواعد اللعبة، حيث يمكن القول بأن هناك ما يقارب 600 مليون دولار على الأقل سوف تضاف لأصول الشركة متمثلة في الترددات وما ستتطلبه من محطات جديدة، وهذه القيمة يجب أن تؤخذ في الاعتبار في تقييم الشركة.
وزاد الأمر سخونة في ضوء ما ورد من أخبار منسوبة لمصادر مجهلة، حول نية المصرية للاتصالات الاستحواذ على حصة فودافون العالمية وهو ما تم نفيه من قبل الشركة الا أنه يبقى أحد السيناريوهات المطروحة.
ويبقى السؤال هل سنعود للمربع صفر بعد تغير قواعد اللعبة، أم سنكون أمام صفقة جديدة مختلفة تماما إذا استمرت STC في رغبتها دخول السوق المصري.
ونذهب إلى الملف الرابع وهو توسعات الشركة المصرية للاتصالات في الشبكة الأرضية ومد كابلات الألياف الضوئية، والتي حققت فيها إنجازاً كبيرا خلال الفترة الأخيرة، ولكن بعد استحواذ المصرية على ترددات جديدة في الحيز 2600 ستدفع مقابلهم 305 مليون دولار في وقت تستثمر فيه في مد الكابلات، فما هو تأثير الاستثمار الجديد في الترددات على التوسعات التي حققتها المصرية ونجاحها الكبير، خاصة وأن الأمر لن يتوقف على 305 مليون دولار، وقد يصل بين 500 إلى مليون 600 مليون دولار بعد بناء الأبراج الجديدة لهذه الترددات.
ويكون السؤال هل القدرة المالية للمصرية ستسمح لها باستمرار مشروعات التوسع في الشبكة الأرضية بالتوازي مع بناء أبراج المحمول بالترددات الجديدة؟
ختاما، قطاع الاتصالات هو الأكثر ديناميكية والأكثر تأثيرا في مختلف القطاعات خاصة مع التوجه نحو التحول الرقمي، وسنراقب عن كثب ما ستؤول إليه مختلف الملفات في المستقبل القريب.
تحليل كتبه: د/ خالد شريف
عضو لجنة حماية حقوق مستخدمي الاتصالات التابع لجهاز تنظيم الاتصالات، ومساعد وزير الاتصالات السابق