يبدو أن عام 2023، قد بدأت أزماته مبكرا بين معسكر الشرق والغرب من جديد، فبعد حرب طاحنة بدأت العام الماضي ولم تنتهي حتي الان وعصفت بالكثير من مقدرات الاقتصاد العالمي، خرجت علينا حربا جديدا من وجهة نظر الخبراء لاتقل تأثيرا وسلبية وستتوسع صداها ليشمل الصناعة العالمية بشكل كامل، وهي تصاعد الصراع بشأن “الرقائق الإلكترونية” بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، والتي يقيمها الكثير من الخبراء بأنها حربا سياسية واقتصادية ضمن سلسلة صراع من يحكم العالم؟
فخلال الأشهر الماضية اندفعت الإدارة الأمريكية بكل أسلحتها الاقتصادية، لتقويض الصين وطموحاتها التكنولوجية خاصة في مجال الرقائق الإلكترونية التي يشبهها الكثيرين بأنها الملك الذي يحكم رقعة الشطرنح التكنولوجية، فالعقوبات الشهيرة التي فرضت علي “هواوي” وغيرها من الشركات الصينية في معركة الجيل الخامس، لم تكن إلا تمهيدا لسلسة من حرب تكسير العظام بين الدولتين، وخلال الصراع لم تخضع دولة لأخري، حتى أن الصين ردت بقوة خلال الأيان الماضية بأنها ستحقق النصر في معركة الرقائق الألكترونية على حد تعبير الرئيس الصيني .
واستخدام مصطلحات “الحروب” في تصريحات المسئولين من الجانبين في هذه المعركة ، يشير بقوة إلى مدى العنف الذي يمكن أن يحدث فيها وكم الخسائر الذي يمكن أن ينتج عنها على المدي القريب، فالدولتين اختارو “أسوأ توقيت” يمر به الاقتصاد العالمي مع تقديرات صندوق النقد الدولي بأن عام 2023 سيكون صعبا على معظم الاقتصاد العالمى، فى الوقت الذى تعانى فيه معظم المحركات الرئيسية للنمو العالمى، وهى الولايات المتحدة وأوروبا والصين، من ضعف نشاطها الاقتصادى.
وتوقع صندوق النقد الدولى أن يشهد 2023 ركودًا اقتصاديًا سيشعر به ملايين الأشخاص حول العالم، وإذا ما وضعنا جانبًا معدلات النمو خلال الأزمة العالمية، وذروة جائحة كورونا، فتعتبر نسبة النمو المتوقعة لعام 2023 هي الأضعف منذ عام 2001، بحسب تقرير آفاق الاقتصاد العالمى الذى نشره صندوق النقد الدولى.
لكن يبدو أن “العناد” بين الدول الكبرى سيدخل العالم لمساحة جديدة، من تعطيل سلاسل الإمداد الخاصة بالرقائق الإلكترونية والتي في الأساس تعاني منذ عامين بسبب جائحة كورونا، وقدمت “بروفة” لما يمكن أن يكون عليه شكل المستقبل إذا ماستمر التشاحن والصراع بين الدول الكبرى حولها، ولنتذكر كيف تسببت في إحداث ضرر كبير بصناعة السيارات والأجهزة الإليكترونية والعديد من الصناعات الثقيلة خلال العامين الماضيين ، وهو مايشير إلى تركيز مجلس النواب المصري أمس الإثنين، على مناقشة طلب مقدم من أحد النواب حول سياسة الحكومة بشأن دخول مصر مجال صناعة الرقائق الإلكترونية.
المضحك في المضمون المبكي في الفعل، أنه على الرغم من أن أحداث الصراع تدور بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، إلا أن هناك طرف ثالث ترتكز في يده القوة الحقيقية في صناعة الرقائق الإلكترونية ، وهي شركة TSMC “” التايوانية، التي ذكر رئيسها التنفيذي منذ أيام قليلة إن المواجهة الجيوسياسية الحادثة أصبحت تشوه سوق الرقائق بشكل عنيف.
ولكن كيف تبدو الصورة بشكل شامل، وهل نحن أمام تحديات أخرى في هذا الملف لم تظهر على السطح، وهل هناك منتصرين في صراع الرقائق الإلكترونية أم الكل يخضع تحت خانة “الخاسرين؟
ما هي الرقاقات الإلكترونية؟
في البداية وللوقوف على “إشكالية” الخلاف الحادث ، يجب الإشارة إلى أنه لا يمكن تخيل حياتنا المعاصرة دون أجهزة الكمبيوتر والسيارات والهواتف وشاشات التلفزيون والثلاجات، لذا يكمن القلق في أن هذه الأجهزة وغيرها تعمل بفضل أجهزة صغيرة تعرف بأشباه الموصلات، والتي تثير حاليا حربا تجارية حامية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، خاصة بعد تأثر الصناعة بجائحة فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية والتضخم العالمي.
سواء عُرفت بأشباه الموصلات أو الدوائر المتكاملة أو الرقاقات الإلكترونية الدقيقة، فإنها تشير إلى شريحة كمبيوتر أو جهاز إلكتروني دقيق مكون من مليارات المكونات التي تخزن البيانات وتنقلها وتعالجها، بفضل خصائصها الفريدة كمواد شبه موصلة تسمح بالتحكم الدقيق في تدفق التيار الكهربائي.
وتدخل أشباه الموصلات أو الرقاقات الإلكترونية في أهم الصناعات والمنتجات التي تقوم عليها حياتنا، ومنها أجهزة الكمبيوتر والسيارات والهواتف وأجهزة الألعاب والطائرات والأجهزة الإلكترونية والآلات والماكينات الصناعية والمعدات العسكرية والأسلحة وغيرها.
المصممون ضد المصنعون!
قبل الغوص في تفاصيل سوق الرقاقات الإلكترونية، يجب التعرف على طبيعة أعمالها، والتفرقة ما بين مصممي التقنية ومالكي حقوق ملكيتها الفكرية، وبين الشركات المصنعة لها.
تقود دول متقدمة محددة سلاسل التوريد العالمية لأشباه الموصلات، وهي الولايات المتحدة الأمريكية وتايوان واليابان وكوريا الجنوبية، وهي الدول التي تقدم تصميمات ومعدات تصنيع أشباه الموصلات، ولديها حقوق ملكية فكرية لا يُسمح بالتعدي عليها.
وتتصدر الولايات المتحدة الأمريكية تصميم أشباه الموصلات عالميا بحصة سوقية 45%، وتشكل مع اليابان حصة إجمالية 70% من سوق إنتاج معدات تصنيع أشباه الموصلات، بينما تبلغ حصة تايوان 20% وكوريا الجنوبية 25%.
أما على مستوى تصنيع الرقاقات الإلكترونية، وهي الشركات التي تعرف تقنيا بـ”المسابك” (Foundries)، وتتخصص في تصنيع وإنتاج الرقاقات الإلكترونية دون أن تكون مالكة لحقوق تصميماتها أو المعدات عالية التقنية اللازمة لذلك، وهي تعمل بمثابة مصادر خارجية لإنتاج الرقاقات، وتتركز في آسيا.
وتمثل تايوان والصين وكوريا الجنوبية ما يقرب من 87% من سوق “المسابك” العالمي لصنع الرقاقات الإلكترونية، وتسيطر 10 شركات على هذه الصناعة.
وتعتبر شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات TSMC أكبر شركة لتصنيع الرقائق في العالم، كما أنها سادس شركة في العالم من حيث قيمتها السوقية، التي تزيد عن 600 مليار دولار، وهي مورد الرقائق الإلكترونية لشركات أبل وإنتل وإنفيديا.
وشركتا TSMC وسامسونج هما الشركتان الوحيدتان القادرتان على إنتاج رقائق 5 نانومتر الأكثر تقدما في هواتف أيفون، كما تملك TSMC القدرة على إنتاج رقائق بتقنية 3 نانومتر بفضل امتلاكها لأحدث تقنيات السبك، وتمثل تايوان 63% من سوق مسابك الرقاقات الإلكترونية، تليها كوريا الجنوبية بنسبة 18%.
ومن بين الشركات الأخرى المدرجة في قائمة مصنعي الرقائق الإلكترونية، شركة SMIC، وهي أكبر شركة لتصنيع الرقائق في الصين، وهي واحدة من 60 شركة صينية مدرجة في القائمة السوداء للولايات المتحدة الأمريكية في عام 2020.
الماضي يشكل الحاضر
واجه العالم أزمة نقص شديدة في تلبية احتياجات الرقائق الإلكترونية في عام 2020، وهي أزمة عالمية لا زالت مستمرة إلى الوقت الحاضر، ففي حين اعتمدت الأجهزة التقنية الجديدة وأجهزة الجيل الخامس عليها، اضطر العالم للإغلاق تحت ضغط تفشي وباء كورونا، بينما استمر الطلب على الرقائق في الارتفاع.
وأدى النقص في الرقائق الإلكترونية إلى هزة في العديد من الصناعات، قدرت بأكثر من 169 صناعة بحسب محللي جولدمان ساكس، واتسعت الفجوة بين طلب أشباه الموصلات ووقت تسليمها، لتصل إلى مستوى قياسي بلغ 22 أسبوعا، فتقلصت خطط إنتاج السيارات الحديثة والإلكترونيات الاستهلاكية وأجهزة الكمبيوتر ونقص المعروض منها بشدة، كما زادت الأسعار بشكل مبالغ فيه.
وأرجع المتخصصون أزمة الرقائق العالمية إلى مجموعة من الأحداث، بدأت مع وباء كورونا العالمي، التي أدت إلى طلب متزايد على الأجهزة الإلكترونية يفوق الطاقة الإنتاجية الحالية، إلى جانب جفاف عام 2021 في تايوان، والحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية.
وأصبح هناك شبه اتفاق في الرأي بين رؤساء الشركات التقنية العالمية على استمرار أزمة نقص الرقائق الإلكترونية لنحو عامين قبل عودة الإمدادات إلى طبيعتها.
على سبيل المثال، وفي يوليو 2021، توقع بات جيلسنجر، الرئيس التنفيذي لشركة إنتل، زيادة النقص في الرقائق الإلكترونية في النصف الثاني من 2021، أن يستغرق الأمر عاما أو عامين حتى انفراج الأزمة.
وفي أغسطس 2021، توقع جنسن هوانج، الرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا، أن يستمر النقص حتى عام 2022، كما توقع آرفيند كريشنا، الرئيس التنفيذي لشركة IBM، ألا يصل العالم إلى حل حتى نهاية 2022، وأنه من المرجح ألا يتم حل أزمة الرقائق حتى عام 2023 أو 2024.
TSMC التايوانية الأنشط
كانت شركة TSMC التايوانية واحدة من أول وأنشط الشركات التي تحركت للتعامل مع أزمة الرقائق العالمية، ففي أبريل من عام 2021، أعلنت TSMC عن خطتها لاستثمار 100 مليار دولار لزيادة السعة في مصانعها على مدى السنوات الثلاث المقبلة.
وتزامنا مع إعلان إنتل خطتها بقيمة 20 مليار دولار لتوسيع قدرتها على تصنيع الرقائق المتقدمة في ولاية أريزونا، أعلنت TSMC، في مايو 2020، عن خطة بحجم 12 مليار دولار لبناء وتشغيل مصنع لأشباه الموصلات في ولاية أريزونا، ليصبح ثاني موقع تصنيع لها بالولايات المتحدة الأمريكية، وقد بدأ الإنشاءات في يونيو 2021، ومن المقرر بدء الإنتاج في عام 2024، كما أعلنت TSMC أنها ستضاعف استثماراتها في مصانعها بولاية أريزونا 3 مرات لتصل إلى 40 مليار دولار.
بالإضافة إلى ذلك، وفي نوفمبر 2021، أعلنت TSMC عن اتفاقية شراكة مع شركة سوني (شركة سوني لحلول أشباه الموصلات) لإنشاء مصنع رقائق جديد بقيمة 7 مليار دولار في كوماموتو باليابان، وبدأ بناء المصنع في 2022، ومن المتوقع أن يبدأ تشغيله بحلول 2024، ويهدف لتلبية الطلب العالمي المتزايد على الرقائق بتقنية 22 و28 نانومتر.
حرب أمريكية على الصين
في سبتمبر 2020، وكجزء من الصراع الاقتصادي بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، فرضت وزارة التجارة الأمريكية قيودا على أكبر شركة لتصنيع الرقائق في الصين، وهي شركة SMIC، ما حظر عليها التعامل مع الشركات الأمريكية، وأجبرت هذه القيود الشركات على استخدام مصانع أخرى، مثل TSMC في تايوان، ومع ذلك كانت هذه الشركات تنتج بالفعل بأقصى طاقتها.
وفي 2020 أيضا، توقفت “جلوبال فاوندريز”، وهي شركة تصنيع رقائق مقرها الولايات المتحدة الأمريكية، وذراع AMD لتصنيع أشباه الموصلات، عن العمل في مصنعها الوحيد بالصين، وقد كان مقررا أن ينتج المصنع رقائق بسعة 300 مم، لكن المصنع المقام على 65 ألف متر مربع في بكين لم يبدأ الإنتاج أبدا.
وفي أكتوبر من العام الماضي، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية اتخاذها المزيد من الإجراءات لتقييد مبيعات تكنولوجيا رقائق الكمبيوتر إلى الشركات الصينية، ما أثر بشكل أساسي على مبيعات الرقائق المتطورة، وأدى إلى تراجع أسهم كبرى شركات تصنيع الرقائق الأسيوية في تايوان وكوريا الجنوبية واليابان.
وتكثف الولايات المتحدة الأمريكية جهودها لإعاقة تقدم الصين في صناعة الرقائق الإلكترونية، التي تعتبرا مكونا جوهريا في كل الأجهزة الإلكترونية، من الهواتف الذكية إلى الأسلحة والمعدات العسكرية.
من المساعي الأمريكية في حربها ضد الصين، تقييد تصدير الرقائق من الولايات المتحدة الأمريكية إلى الصين وإلزام الشركات بالحصول على تراخيص تصدير، وقد شملت القيود الرقائق التي يتم إنتاجها باستخدام معدات وبرمجيات أمريكية مهما كان مكان صنعها في العالم.
كما منعت القيود الأمريكية مواطنيها وحاملي بطاقات الإقامة الخضراء من المهاجرين من العمل في بعض شركات الرقائق الصينية، من أجل قطع الطريق أمام الصين والحد من قدرتها على تطوير أشباه الموصلات المتطورة.
وتريد الصين اللحاق بالولايات المتحدة الأمريكية في التقنيات عالية التطور، وقد أطلقت بالفعل برنامجا طموحا، في عام 2015، يحمل عنوان “صنع في الصين”، يستهدف التركيز على الصناعات المتطورة خاصة في قطاع الرقائق الإلكترونية والسيارات ذاتية القيادة والذكاء الاصطناعي.
وكانت العقوبات الأمريكية على “هواوي” الجولة الأولى للإدارة الأمريكية في حربها على الصين، في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، ولا ينكر أحد أن العقوبات الأمريكية أثرت فعلا على هواوي، فأزاحتها من على قمة الشركات المصنعة للهواتف الذكية عالميا، وحاصرت الولايات المتحدة بمعاونة الدول الصديقة لها الكثير من أعمال هواوي في مجال المعدات والشبكات.
إن 30% تقريبا من عائدات شركات أشباه الموصلات الأمريكية تأتي من الصين، لكن الولايات المتحدة ترى التضحية بهذه العوائد في سبيل محاصرة التنين الصيني، وهي خسارة قليلة –كما تراها- في سبيل هدف أكبر قد يؤدي إلى خسارة أكبر مستقبلا.
مقاومة صينية
وتحاول الصين المقاومة بكل قوتها في حرب التقنيات المتقدمة والرقائق الإلكترونية التي تشنها علىها الولايات المتحدة، وقد قدمت الصين، عبر صندوق حكومي كبير، ما يقرب من 137 مليار دولار إلى صناعة الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات.
بالإضافة إلى ذلك، قدم البنك المركزي الصني قروضا خاصة منخفضة القيمة، بلغت حوالي 30 مليار دولار، لشركات التقنيات المتطورة، كما أطلقت المئات من المختبرات الوطنية والبحثية المتقدمة.
وتدفع الصين تكلفة عالية للغاية في سبيل التمرد على العقوبات الأمريكية، بحسب نيويورك تايمز، وإن كان تعاملها مع الأزمة بشأن الابتكار التكنولوجي ناجحا حتى هذه اللحظة.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن الإيرادات المحلية في صناعة أشباه الموصلات بالصين تجاوزت 157 مليار دولار، في عام 2021، مع وجود 19 شركة صينية من بين أسرع 20 شركة لأشباه الموصلات نموا على مستوى العالم.
لكن لا زالت هناك نقاط ضعف تعاني منها الصين، أهمها المواهب التقنية والبحوث الأساسية، فكما تتوقع جمعية صناعة أشباه الموصلات الصينية، ستكون هناك فجوة بنحو 300 ألف خبير في الصناعة بحلول 2025، على الرغم من أن قطاع أشباه الموصلات شهد أكبر زيادة في الأجور في 2021.
وتعد البحوث الأساسية والتطوير وامتلاك براءات الاختراع هي حجر الأساس في قطاع التقنيات المتطورة، ولا زالت الصين متخلفة في ذلك بشكل ملحوظ، ولذلك ترفع الصين ميزانية الدولة للعلوم والأبحاث بوتيرة متسارعة.
مع نظرتها إلى المستقبل والتقنيات المتطورة، تريد الصين إحراز المزيد من التفوق في الصناعات التقليدية التي لا يتمتع الآخرون بالسيطرة عليها، مثل صناعة السيارات التقليدية والسيارات الكهربائية والطاقة المتجددة.
توقعات المحللين
تيم كولبان المحلل المتخصص في قطاع التكنولوجيا قال أنه قد تكون مجموعة القيود الجديدة المفروضة على وصول الصين إلى تكنولوجيا أشباه الموصلات الأميركية ذات مزايا تجارية وجيوسياسية، لكن توقيتها لا يمكن أن يكون أسوأ من ذل ، مشيرا إلى أن أسهم قادة صناعة الرقائق تراجعت بدءاً من شركة “لام ريسيرش” وحتى “تي اس ام” في جميع أنحاء العالم بعدما أعلنت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عن تطبيق قواعد أكثر صرامة.
ونوه إلى أن هذه الإجراءات الجديدة تشكل تطوراً طبيعياً لتشديد واشنطن الخناق على بكين، والذي بدأ في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، فالصين تعتزم اللحاق بقادة أشباه الموصلات الأجانب، والولايات المتحدة مصرة على عدم السماح بذلك،و تمنع أحدث قيود الوصول إلى المعدات والبرامج والتقنيات الأخرى التي يمكن لشركات صناعة الرقائق الصينية استخدامها لصنع رقائق بقياس 14 نانومتراً أو أقل.
وأشار تيم كولبان، إلى أن قطاع التكنولوجيا العالمي يعاني على مدى العامين الماضيين من أزمات نقص الرقائق بينما كان مُجبراً على مواجهة التضخم المتفاقم، والآن تتدخل البنوك المركزية لرفع أسعار الفائدة، ويبدو أن الركود لا مفر منه تقريبا وسيؤثر ذلك بالسلب على طلب الرقائق المستخدمة في الأجهزة التي تمتد من هواتف أيفون التابعة لشركة أبل وحتى مراكز بيانات في شركة “أمازون دوت كوم” منوها إلى أنه حتى قبل الوصول إلى هذه المرحلة من التشديد النقدي القوي، كانت هناك علامات واضحة على أن الشركات الكبيرة في صناعة الرقائق تواجه مشكلة تخمة وسيتسبب الصراع الحالي في تفاقم هذه المشكلة على كافة دول العالم.
من جانبه قال عبد المنعم السيد مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية ، إن مرتكز الصراع الحالي المتعلق بصناعة الرقائق يكمن في أن الولايات المتحدة تحاول بكل قوتها الاقتصادية والسياسية إعاقة تقدم الصين في صناعة الرقائق الإلكترونية، حتى تتمكن خلال الفترة المقبلة من تعويض تراجعها الكبير في هذا المجال، وبالتالي على الشركات العالمية توقع استمرار هذا السيناريو والتأقلم مع واقع وجود عجز هيكلي في هذه الصناعة أقله في المدى القريب
وأضاف ، إن الأرقام والحقائق تشير إلى أن شركة TSMC التايوانية تعد الأكبر عالميا في صناعة الرقائق، وتسيطر على أكثر من 50% من الحصة العالمية، وهذه النسبة لاتشير إلى حصتها الأكبر وفقط إلا أنها أيضا تشير إلى المضمون حيث تسيطر على صناعة الرقائق الأكثر تقدما من فئة 5 نانوميتر، والتي تدخل في الصناعات المتقدمة مثل الإلكترونيات والسيارات والأقمار الصناعية والصناعات العسكرية بشكل عام.
ونوه عبد المنعم السيد، إلى أنه وبعد الصراع الدائر بين الولايات المتحدة والصين بشأن صناعة الرقائق الإلكترونية وأيضا بشأن الوضع الجيوسياسي لتايوان، أيقنت الشركة بشكل أو بأخر أن الإمكانيات والمقدرات الكبيرة التي تحوذها لا يجب أن تكون داخل تايوان فقط، لأنه ببساطة يمكن تهديدها بشكل مباشر عبر تعطيل سلاسل الإمداد الخاصة بها على طول الحدود والسواحل البحرية وذلك من الجانب الصيني ، وهو ماجعلها تدرس حاليا البحث عن دول تقوم فيها بتوزيع إنتاجها وذلك على 7 مصانع جديدة موزعة في العالم ويغذي هذا التوجه سياسيا واقتصاديا الولايات المتحدة الأمريكية.
تابع ، بدأت شركة TSMC حاليا في إقامة مصنعها في الولايات المتحدة الأمريكية بولاية أريزونا بتكلفة 12 مليار دولار، كما أعلنت عن بناء مصنع في اليابان بالتعاون مع سوني، إضافة إلى إمكانية إقامة مصنع في أوروبا، لافتا إلى أن بعض الدول العربية يمكن أن يكون لها نصيب من هذا التوجه وان كان احتمال غير قائم حتي الان خاصة السوق السعودي والمصري.
ياسر عبد الباري رئيس برنامج صناعة الإلكترونيات بهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات، أشار إلى ان هذه الظروف والصراعات بين الصين والولايات المتحدة تحديدا ستساهم في بناء نماذج أعمال جديدة لهذه الصناعة الحيوية مفادها أن توطين هذه الصناعة أصبح أمرا ضروريا وملحا لبناء الاقتصاديات المستقبلية التي تعتمد على الإنتاج الإلكتروني بكافة أوجهه والذي يشمل قائمة طويلة من الصناعات كالسيارات والهواتف والأجهزة الإلكترونية المتعددة وغيرها.
ونوه إلى أن صناعة الرقائق الإلكترونية تقوم على محورين وهما التصميم والتصنيع ، وبالتالي هناك فرصة للتوجه نحو هذه الصناعة بالتدريج حيث يمكن لمصر الدخول في مجال التصميم في البداية ،حيث أن قيمة تصميم الرقائق الإلكترونية في العالم أكثر من 600 مليار دولار سنويا وهو مايمثل رقما كبيرا يمكن لمصر الحصول على حصه منه ، بالإضافة إلى التصنيع وهو مايحتاج إلى مقومات أخرى من التفاوض مع الكيانات الكبرى العاملة في هذا المجال لتوطين جزئي للصناعة ونقل تكنولوجيات تصنيعها بالإضافة إلى امتلاك مواد وموراد تصنيع هذه الرقائق.
وأكد ياسر عبد الباري على أن هناك توجه في الدولة المصرية بدعم من القيادة السياسية للتوسع في صناعة الرقائق الإلكترونية، ومصر لديها ميزة تنافسية في مجال تصميم الرقائق الإلكترونية سواءا من حيث الموقع الجغرافي كعنصر بارز في منظومة سلاسل التوريد العالمية، وأيضا لامتلاكها منظومة تصنيع إلكترونية يمكن البناء عليها بالإضافة إلي امتلاكها موارد حيوية تحتاجها هذه الصناعة كالرمال البيضاء التي تشكل مرتكز رئيسي لاستخراج السيليكون.
وفي هذا الإنفوجراف التالي ، نكتشف سيطرة 10 شركات على صناعة الرقائق الإلكترونية عالميا.