في هذا الربع المالي وحده في عام 2024، باع جيف بيزوس حوالي 9 مليارات دولار من أسهم شركة “أمازون دوت كوم”، وبلغ صافي مبيعات مارك زوكربيرغ في “ميتا بلاتفورمز” حوالي 850 مليون دولار.
رغم أن بعض المستثمرين يرون هذه التطورات كنذير سوء، فإنني أراها علامة على سوق صحية في منتصف دورتها الاقتصادية مع بعض المساحة للانطلاق.
لنبدأ بالصورة الأشمل، فقد وصل صافي التداولات الداخلية لعدد من أسهم مجموعة “العظماء السبع” المراقبة عن كثب، إلى أعلى مستوياته منذ أواخر 2021. لكن العديد من المتداولين توقفوا عن البيع تماماً من منتصف 2022 وحتى أواخر 2023، ومن الطبيعي توقع بعض التعويض لتلبية رغبة المسؤولين التنفيذيين في السيولة النقدية وتنويع محافظهم الاستثمارية.
حاول المتداولون استخلاص الإشارات من الصفقات الداخلية لعقود. ومن الناحية النظرية، يعرف المتداولون الداخليون عن أعمالهم التجارية أكثر من الجمهور العام المستثمر، وقد وجد الأكاديميون أدلة وفيرة توضح أن أفكارهم الفريدة تساعد المتداولين الداخليين على تجاوز عوائد السوق باستمرار.
رغم أن التداول الداخلي غير القانوني يلوح في الأفق بشكل أكبر في خيالاتنا الجماعية، مثل مبيعات الأسهم من قبل الرئيس التنفيذي لشركة “إنرون” (Enron)، جيفري سكيلينج، يمكن للمنخرطين في الأمر أيضاً التداول وفقاً لمعلومات قليلة وغير خاضعة للملاحقة القضائية يبدو أن الأعمال تسير بشكل جيد والأسواق تحدد مضاعف ربحية منخفض لسهمي، لذلك سأنتهز الفرصة وأشتري المزيد منه.
حتى أن أستاذ المالية بجامعة ميشيجان، نجاة سيحون، أوضح أن المستثمرين العاديين يمكنهم أحياناً استغلال المعاملات لصالحهم.
المبيعات نذير شؤم
في الواقع، لا تعد الإفصاحات العلنية عن أنشطة التداول الداخلي دليلاً مباشراً على ذلك، وأحجام المبيعات تعد نذير شؤم إذا كانت متطرفة فقط. وإضافة إلى عدم الرغبة في الذهاب إلى السجن، يريد معظم المسؤولين التنفيذيين تجنب حتى تصور سوء معاملة مساهمي الأقلية من خلال بيع أسهمهم عند أعلى المستويات السوقية. وهذا قد يضر بسمعتهم وبالتالي التأثير على صافي ثرواتهم بشكل أكبر على المدى الطويل.
أحياناً ما تشير عمليات الشراء من الداخل إلى ثقة الإدارة في أوقات ضعف معنويات السوق، لكن القيمة المعلوماتية النابعة من التداولات الداخلية غالباً ما تتداخل مع عوامل أخرى، مثل احتياجات المسؤولين التنفيذيين قريبة المدى للسيولة وتنويع محافظهم الاستثمارية. يمكنك أن تعتبرني ساذجاً، لكنني عادةً ما أفترض أن المتداولين الداخليين العاديين يحاولون بيع أسهمهم عندما تكون قيمتها عادلة، وليس مبالغاً في تقديرها.
لا شك أن هناك دائماً أمثلة معاكسة تعزز الاعتقاد بأن التداولات الداخلية تنذر بوجود فقاعات على وشك الانفجار. ففي أواخر 2021، بدأ إيلون ماسك في بيع أسهم شركة “تسلا” بأسعار مبالغ فيها، وصلت مؤخراً إلى حوالي 410 دولار، أي 154 ضعف الأرباح الآجلة، لتمويل استحواذه على شركة “تويتر” المعروفة الآن بـ”إكس”.
ومنذ أن بدأ ماسك بيع أسهم شركته واستمراره حتى وصل السوق إلى أدنى مستوياته بعد عام، كان أقصى انخفاض شهدته الأسهم حوالي 74%. وبالطبع، غالباً ما يكون الجزء المستبعد من القصة هو مواصلة ماسك للبيع حتى مع انخفاض الأسهم، ليصبح متوسط سعر مبيعاته المرجح بين 2021 و2022 عند حوالي 276 دولاراً للسهم (لا يزال أعلى من أسعار السوق الحالية، لكن ليس بشكل مفرط).
يقود بيزوس وزوكربيرج أحجام التداولات الداخلية هذه الأيام. لست هنا لأقنعكم بأن الثنائي لديهما بوصلة أخلاقية أفضل من ماسك- ناقشوا ذلك فيما بينكم بكل تأكيد!- لكن معظمنا قد يتفق على الأقل أنهم يتبنون نهجاً أكثر تقليدية في أدوارهم كمساهمين مؤسسين، ما يعني أنهم لا يميلون لاختيار التوقيت المثالي لبلوغ أسهمهم أعلى نقطة على الإطلاق.
كان بيزوس، ذو الـ60 عاماً، يشتري عقارات في موطنه الجديد جنوب فلوريدا، التي لا تُفرض فيها ضرائب على أرباح رأس المال. وباع زوكربيرج، البالغ من العمر 39 عاماً، أسهم “ميتا” لتمويل الأعمال الخيرية. إنهما لا يريدان البيع بأسعار منخفضة جداً، لكنهما ربما لا يريدان أن يُنظر إليهما على أنهما يسيران على خطى ماسك.
تراجع نشاط الطروحات العامة الأولية
هناك فرق ملحوظ آخر اليوم عن السوق في 2021 (وواقعة “تسلا”)، وهو الافتقار إلى الطروحات العامة الأولية. عندما يكون النشاط السوقي محموماً حقاً، فغالباً ما يأتي ذلك بسبب ارتفاع المعروض من الطروحات العامة الأولية، كما كان الحال في أواخر التسعينيات وفي 2021. ومن حيث قيمة الصفقة، لا تزال الولايات المتحدة تسعر الطروحات العامة الأولية عند حوالي 8 مليارات دولار شهرياً، أي حوالي نصف ما كان معتاداً في فترة ما قبل الجائحة.
وربما تكون هناك بعض الأسباب الكامنة خلف ضعف نشاط الطروحات، مثل الآثار المترتبة على كافة العروض قبل ثلاثة أعوام، لكن الوضع الهزيل لسوق الطروحات العامة الأولية يشير بشكل عام إلى أن الأسواق لم تصل إلى حد المضاربة الحادة واسعة النطاق.
من الواضح أنني أفهم السبب وراء تدقيق المشاركين في السوق في التداولات الداخلية للأسهم مع قدر إضافي من الشك. فقد حققت أسهم “العظماء السبع” عوائد قدرها 133% منذ نهاية 2022، وقد يستنتج المستثمرون الحذرون أن الوقت قد حان لاتباع خطى بيزوس وزوكربيرج وبيع بعض الأسهم.
الأمر يبدو معقولاً، لكن الأسهم لا تزال تستفيد من المرونة الاستثنائية للمستهلكين الأميركيين، وارتفاع إنفاق الشركات على الإعلانات الرقمية، ورغبة المستثمرين في الاحتفاظ بخيار الشراء على أساس الإمكانات الاستثنائية (لكنها مبهمة بشكل كبير) للذكاء الاصطناعي.
ومن هذا المنظور، فإن عودة نشاط التداول الداخلي تبدو متسقة تماماً مع السوق الذي لا يزال لديه طرق غير مستخدمة، وعلى الأقل هذا ليس نذيراً مخيفاً كما يشك بعض المتشائمين.
صحفي بوكالة بلومبرج الأمريكية