قد تكون مجموعة القيود الجديدة المفروضة على وصول الصين إلى تكنولوجيا أشباه الموصلات الأميركية ذات مزايا تجارية وجيوسياسية، لكن توقيتها لا يمكن أن يكون أسوأ من ذلك.
فأسهم قادة صناعة الرقائق تراجعت بدءاً من شركة “لام ريسيرش” وحتى “تايوان سيميكوندكتور مانوفاكتشورينج” (تي اس ام) في جميع أنحاء العالم بعدما أعلنت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عن تطبيق قواعد أكثر صرامة. هذه الإجراءات الجديدة تشكل تطوراً طبيعياً لتشديد واشنطن الخناق على بكين، والذي بدأ في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب.
فالصين تعتزم اللحاق بقادة أشباه الموصلات الأجانب، والولايات المتحدة مصرة على عدم السماح بذلك،و تمنع أحدث قيود الوصول إلى المعدات والبرامج والتقنيات الأخرى التي يمكن لشركات صناعة الرقائق الصينية استخدامها لصنع رقائق بقياس 14 نانومتراً أو أقل.
القدرة التصنيعية
في الوقت الحالي، تبلغ غالبية القدرة التصنيعية في البلاد 28 نانومتراً أو أكثر. مع ملاحظة أن المقاييس الأصغر تشير إلى رقائق أكثر تقدماً، إذ تقدم “تي اس ام” حالياً أشباه موصلات بقياس 5 نانومتر للعملاء.
لا ينبغي لأحد أن يُفاجأ بهذه الإجراءات الأكثر صرامة، حيث كانت واشنطن ترسل إشارات على سياساتها هذه منذ عدة أشهر. ويجب أن نحرص على عدم المبالغة في تأثير تلك القيود على الصين، أو الشركات التي ترغب بالبيع للدولة، لأنه فيما عدا استثناءات قليلة، فشل صانعو الرقائق الصينيون حتى الآن في تصنيع رقائق أكثر تقدماً من قياس 14 نانومتر.
رغم هذا، تشهد الأسواق حالة انهيار، حيث فقد مؤشر فيلادلفيا لأشباه الموصلات، وهو مقياس يتم تتبعه على نطاق واسع للقطاع، أكثر من 9% في يومين. وقد يكون رد الفعل المبالغ فيه هذا أقل تأثراً بالخسارة المتصورة لوقف التعامل مع الشركات الصينية، وله علاقة أكثر بالمشكلات المتزايدة التي تواجه قطاع أشباه الموصلات بشكل عام. فتشديد إدارة بايدن للقيود يؤدي إلى تفاقم المشكلات القائمة بالفعل.
فقطاع التكنولوجيا العالمي عانى على مدى العامين الماضيين من أزمات النقص بينما كان مُجبراً على مواجهة التضخم المتفاقم. الآن، تتدخل البنوك المركزية لرفع أسعار الفائدة، ويبدو أن الركود لا مفر منه تقريباً. سيؤثر ذلك بالسلب على طلب الرقائق المستخدمة في الأجهزة التي تمتد من هواتف “أيفون” التابعة لشركة “أبل” وحتى مراكز بيانات في شركة “أمازون دوت كوم”. وحتى قبل الوصول إلى هذه المرحلة من التشديد النقدي القوي، كانت هناك علامات واضحة على أن الشركات الكبيرة في صناعة الرقائق تواجه مشكلة تخمة.
أزمات حالية
تفاقم الوضع سوءاً بالنسبة لكل من صانعي الرقائق والشركات التي يزودونها على حد سواء بسبب عدم القدرة على إنتاج المعدات الحاسمة الضرورية للتوسع والتقدم التكنولوجي خلال العام الماضي. تعاني شركة “إيه إس إم إل هولدينغ” الهولندية التي تهيمن على صناعة أحدث آلات الأشعة فوق البنفسجية المتطورة، لمواكبة الطلب. وأجبر ذلك الشركة على تأخير الإعلان عن الإيرادات.
يمكن النظر في بعض المحركات الرئيسية حتى نفهم لماذا لا يتعلق رد فعل السوق المبالغ فيه فقط بالموقف الأميركي الأكثر تشدداً تجاه قطاع الرقائق.
يعتبر انخفاض أسهم “لام ريسيرش” بنسبة 12% على مدى يومين منطقياً لأن 31% من مبيعاتها تأتي من الصين. لذلك؛ من المؤكد أن القواعد الأكثر صرامة سيكون لها تأثير على مسار مبيعاتها المستقبلية.
دفعة للهبوط
رغم هذا تراجعت إيصالات الإيداع الأميركية الخاصة بشركة “تي اس ام” بنحو 9% خلال اليومين ذاتهما، في حين انخفضت أسهمها المدرجة في تايوان، الثلاثاء، بنسبة تصل إلى 7.1% (بعد عطلة العيد الوطني الاثنين الماضي)، وهو ما يشكل أكبر انخفاض خلال اليوم في 27 عاماً.
هذا التراجع الهائل يتحدى المنطق، إذا ربطناه ببساطة بآخر إجراء أميركي، لأن الشركة تحصل على 10% فقط من الإيرادات من الصين. في الواقع، تحمل أكبر مُصنعة للرقائق في العالم بالفعل العبء الأكبر من قيود واشنطن بعدما منعها ترمب من إمداد شركة “هواوي تكنولوجيز” بالرقائق، وواصل بايدن هذه السياسة.
على الأرجح ستقول الشركة التايوانية إن أحدث قيود سيكون لها تأثير محدود عندما تعقد مؤتمر أرباحها الخميس المقبل. مع ذلك، سيركز المحللون بإمعان شديد على أي إشارات تدل على وجود مشاكل بعيداً عن إجراءات واشنطن، بما في ذلك تغيير خطط الإنفاق، أو أهداف نمو الإيرادات، أو مستويات المخزون.
ختاماً، ربما لا تهتم الأسواق المالية كثيراً بالتفاصيل الواردة في تقرير وزارة التجارة الأميركية المؤلف من 139 صفحة. وبدلاً من ذلك، فإن ما يراه المستثمرون هو سبب آخر لكون أسهم شركات الرقائق محفوفة بالمخاطر للغاية لدرجة أنه لا يمكن الاحتفاظ بها. كان قطاع أشباه الموصلات ينحدر بالفعل قبل هذه القيود، لكن واشنطن أعطته دفعة للهبوط أكثر فحسب.
كاتب عمود في بلومبرج أوبينيون ومتخصص في قطاع التكنولوجيا