في ظل استعداد مصر لاستضافة قمة المناخ COP27 في نوفمبر المقبل والذي يعتبر الحدث الأهم عالميًا، وفي ضوء استهداف خطة الدولة الاستثمارية رفع نسبة المشروعات الخضراء إلى 50% من إجمالي الاستثمارات العامة بحلول عام 2025/2024، مقارنة بنسبة 30% من المشروعات حاليًا، تعمل الدولة بأجهزتها المختلفة وبالتعاون مع القطاع الخاص على قدم وساق، لتعزيز الاقتصاد الأخضر وخفض الانبعاثات الكربونية، وهو ما دفعها إلى إصدار أول سندات خضراء فى المنطقة بقيمة 750 مليون دولار فى سبتمبر 2020.
التمويل حجر الزاوية
ولأن التمويل أحد أبرز عوامل التمكين وحجر الزاوية نحو تعزيز الطموح والدفع نحو الاقتصاد الأخضر، يبرز دور البنوك المصرية في دعم الشركات والمؤسسات نحو التحول للمشروعات الخضراء، خاصة في ظل توفير عدد من البرامج التي جرى إنشاؤها ودعمها من قبل المؤسسات المالية الأجنبية، حيث قدم المقرضون متعددو الأطراف مثل البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية خيارًا جديدًا لشركات القطاع الخاص المصري لزيادة رأس المال من خلال إنشاء برامج إقراض جديدة لتوجيه التمويل إلى المشاريع الخضراء، وتشجيع الشركات على تحقيق وفورات في استخدام الطاقة وتقليل بصماتها البيئية.
خطوات استباقية
وبدأت البنوك المصرية في تقديم تمويلات خضراء منذ عام 2014، حيث حصل البنك الأهلي المصري حينها على تمويل من البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية بقيمة 30 مليون دولار عبر برنامج تجريبي، وذلك لإعادة إقراضه إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة والشركات الكبيرة الملتزمة بكفاءة الطاقة أو توليدها من مصادر متجددة، تلاه إطلاق برنامج تمويل الاقتصاد الأخضر الإقليمي التابع للبنك الأوروبي، والذي قدم 140 مليون يورو لـ4 بنوك تضم «QNB الأهلي، الكويت الوطني مصر، الإسكندرية، والبنك العربي الأفريقي«.
وخلال العامين الماضيين، أطلق البنك الأوروبي العديد من البرامج التمويلية لدعم المشروعات الخضراء، والتي حصل من خلالها البنك الأهلي المصري على قرضين صديقين للبيئة بقيمة 200 مليون دولار، وحصل بنك QNB الأهلي على قرض بـ 50 مليون دولار، وبنك الكويت الوطني حصل على قرضا بـ 25 مليون دولار، حيث يقدم البنك الأوروبي هذه القروض بسعر فائدة مخفض بنسبة 5-8% بالجنيه المصري.
كما أصدر البنك التجاري الدولي في 2021، أول إصدار من السندات الخضراء للشركات فى مصر بقيمة 100 مليون دولار، وذلك بالتعاون مع مؤسسة التمويل الدولية، مما يتيح توجيه حصيلة الإصدار لتمويل مشروعات بيئية من شأنها استعمال الطاقات النظيفة، فضلاً عن إطلاقه برنامج «استدامة القطاعات» لرفع الثقافة وتقديم الخبرات العملية للشركات فى مختلف القطاعات مع تعزيز النمو فى مجال الاستدامة ودفع تحول النظام نحو الاقتصاد الأخضر.
ويهدف برنامج «استدامة القطاعات» المقدم من CIB إلى تقديم الدعم لشريحة كبيرة من الشركات فى القطاعات المختلفة، متضمنا التدريب على بناء القدرات، والمنتجات المالية لدعم التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون، كما يقدم البرنامج أفضل الممارسات والخبرات على الصعيدين المحلى والعالمي وذلك من خلال استضافة نخبة من الخبراء والمتخصصين.
وكشف البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، عن تقديم قرض بقيمة 50 مليون دولار لصالح بنك القاهرة لدعم الشريحة الثانية من رأس المال لدعم توسعات بنك القاهرة، بالإضافة إلى تعزيز خطة عمل الأخير لحوكمة المناخ فى الشركات، حيث أشار البنك الأوروبي إلى أن القرض سيتيح لبنك القاهرة أخذ خطوات مستقبلية نحو تبني وتنفيذ حزمة التوصيات الصادرة من إفصاحات الآثار المالية للتغيرات المناخية على مستوى مؤسسي.
كما حصل البنك الأهلي المتحد– مصر على حزمة تمويلية بقيمة 82 مليون دولار من البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية والاتحاد الأوروبي وصندوق المناخ الأخضر، بغرض إعادة إقراضها للشركات الصغيرة والمتوسطة والمشروعات الخضراء، حيث يقسم التمويل بين الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تعمل في المشروعات الخضراء وغيرها «التي لا تزال محرومة على الرغم من دورها الهام في الاقتصاد المصري».
إحلال المركبات وجهود البنك المركزي
وفي ضوء اهتمام القيادة السياسية بمراعاة العناصر البيئية والاجتماعية تحقيقاً لأهداف التنمية المستدامة، أطلق البنك المركزي المصري، مبادرة إحلال المركبات، لتحويل السيارات للعمل بالوقود المزدوج، والتي يتم من خلالها إتاحة مبلغ 15 مليار جنيه عن طريق البنوك بسعر عائد 3%، يُستخدم في منح قروض للأفراد الراغبين في إحلال المركبات (الملاكي، الأجرة، الميكروباص) لتعمل بالوقود المزدوج، حيث تتراوح مدة القرض ضمن المبادرة من 7 إلى 10 سنوات، ويتم السداد على أقساط شهرية متساوية، على أن يقوم البنك المركزي بتعويض البنوك عن فارق سعر العائد.
وأكد خبراء ومصرفيون، على أهمية تمويلات البنوك لدعم المشروعات الخضراء والمشروعات النظيفة وخاصة الطاقة المتجددة، مشددين على ضرورة توسع البنوك في ابتكار آليات تمويل جديدة لتعزيز المشروعات النظيفة التي تراعي المتطلبات البيئية خلال المرحلة الراهنة.
وقالت سهر الدماطي، نائب رئيس بنك مصر سابقًا وأستاذ البنوك والتمويل بالجامعة الأمريكية، إن البنوك والمؤسسات المالية عليها عامل كبير في التمويلات الخضراء وتنمية المشروعات، حيث تهتم حاليًا بتقديم دعم للمشروعات الضخمة الخضراء ومشروعات التنمية المستدامة.
أوضحت أن توجه البنوك المصرية نحو تعزيز المشروعات الخضراء يأتي اتساقًا مع التجارب التنموية في العالم، ومكافحة التغير المناخي عبر تمويل مشروعات الطاقة النظيفة ودعم استخدامها في فروعها، وتزامنًا مع استضافة مصر لحدث عالمي هام جدًا مثل قمة المناخ COP27 .
وأشارت إلى جهود البنك المركزي في توجيه البنوك نحو تمويل المشروعات الخضراء التي تراعي العنصر البيئي بالمجتمع مثل مشروعات الطاقة النظيفة والمتجددة، وإرساء قواعد التمويل المستدام بالقطاع المصرفي المصري، مشيدة بمبادرة البنك المركزي الخاصة بدعم إحلال السيارات والتي تستهدف تحويل السيارات للعمل بالوقود المزدوج لتقليل نسبة الانبعاثات الكربونية مما يساهم في الحفاظ على البيئة.
ومن جانبها، قالت نفين كشميري نائب العضو المنتدب للمصرف المتحد، إن هناك صناديق تمويل بأغلب البنوك المصرية مُخصصة لتمويل المشروعات الخضراء، لافتةً إلى أن البنوك والمؤسسات المالية عليها عامل كبير في التمويلات الخضراء وتنمية المشروعات الصديقة للبيئة.
أشارت إلى أن الدولة والبنك المركزي يدعمون بقوة مشروعات البنية التحتية والمشروعات الخضراء لتحقيق التنمية المستدامة، لافتةً إلى توسع البنوك في تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر والتي تدعم بدورها التنمية المستدامة في الدولة.
كما أكدت على اهتمام المصرف المتحد بضخ تمويلات ضمن مبادرة إحلال السيارات للتحول نحو استخدام الغاز الطبيعي بدلاً من السولار، مما يقلل من الانبعاثات الكربونية التي تضر البيئة.
ولفتت «كشميري» إلى أن هناك مبادرة لإنشاء البنوك الخضراء في مصر، على غرار البنك الهولندي، مؤكدة أن هذا من الحلول الذكية التي تخدم العميل وتقلل من تردده على فروع البنوك، وبالتالي تقليل استخدام السيارات والانبعاثات الكربونية الضارة.
من جانبه قال كامل سلام، رئيس قسم تمويل التنمية بالبنك التجاري الدولي مصر، إن البنك أسس تحالفًا من 14 مصرفا، وذلك من خلال البحث عن الجهات الممولة التي تمتلك برامج متخصصة في التنمية المستدامة.
وأوضح أن التحالف الذي يستهدف تقديم التمويل المستدام والتحول الأخضر مثل الطاقة الجديدة والمتجددة والزراعة والحفاظ على البيئة، منح تمويلات تنموية تصل إلى نحو 6 مليارات جنيه، مضيفًا أن التمويلات المستدامة كانت مربحة للبنوك، إذ تهدف المصارف بجانب التمويل المستدام ودعم البيئة والتحول الأخضر إلى تعظيم الربحية.
أشار إلى أنه تم إجراء دراسة مع أحد المؤسسات الدولية والتي أكدت أن السوق المصري بحاجة من 2 إلى 3 مليارات دولار، لدعم التمويل الأخضر، مؤكدًا على توافر العملاء والمشروعات، وهو ما يتطلب ابتكار آليات تمويل جديدة من خلال البنوك.
المعطيات السابقة تشير إلى جهود البنوك المصرية في دعم المشروعات الخضراء، إلا أن هذه الجهود غير كافية في ظل مستهدفات الدولة الكبيرة بالتوسع في دعم الاقتصاد الأخضر، وهو ما يتطلب تكثيف الجهود وابتكار آليات تمويل جديدة لدعم المشروعات الخضراء لتحقيق رؤية الدولة، خاصة وأن الاستثمار فى التمويل الأخضر أصبح أمراً حتمياً للمؤسسات الاستثمارية والمالية بمختلف أحجامها وأنشطتها، كما يحتم على بنوك القطاع الخاص ضرورة تعزيز دورها في منح تمويلات للمشروعات النظيفة والصديقة للبيئة.