ربما كان لمارك زوكربيرج تاريخ من استنساخ أفكار الآخرين وتقليدها، ولكن عندما يتعلق الأمر بالحركة والإبحار في المجال الصاخب للذكاء الاصطناعي التوليدي، فهو من يشق مساراً أشد ذكاءً من الآخرين.
منذ بداية هذا العام، تفوق أداء سهم “ميتا بلاتفورمز” كثيراً على أسهم نظرائها من عمالقة التكنولوجيا، إذ ارتفع بنسبة 54% في حين ارتفع سهما “جوجل” التابعة لـ”ألفابت” و”مايكروسوفت كورب” بنسبة 18.5% و12% على التوالي.
يرجع ذلك إلى أن المستثمرين أصبحوا أكثر تشككاً خلال الأشهر الأخيرة تجاه سرعة تحقق الفائدة الاقتصادية لعملاء شركات الخدمات السحابية العملاقة من النماذج الجديدة للذكاء الاصطناعي، وبدأ حماسهم يفتر تجاه شركات مثل “مايكروسوفت” و”جوجل” و”أمازون دوت كوم”.
شركة زوكربيرج مختلفة. فبدلاً من مجرد الترويج للذكاء الاصطناعي والتهليل له باعتباره نعمة اقتصادية، بينت “ميتا بلاتفورمز” فعلاً كيف جعل الذكاء الاصطناعي من أنظمة إعلاناتها أكثر فعالية وربحية في نهاية المطاف.
استطاع زوكربيرج أن يحظى بمديح المحللين بسبب وضوحه في تناول تلك التفاصيل في المؤتمرات الهاتفية حول الأرباح، وربما ساهم ذلك في صعود سهم الشركة. أما الدرس الذي يقدمه لنظرائه فهو درس قديم ولكنه عظيم الفائدة، وهو: برهن بالأفعال لا بالكلمات.
يختلف وضع زوكربيرج طبعاً عن “أمازون” و”مايكروسوفت” و”جوجل” في أنه لا يبيع أدوات الذكاء الاصطناعي ضمن خدمة سحابية تهيمن على السوق مثلما تفعل هذه الشركات. غير أن ذلك لا يعني أن هذه المؤسسات فائقة الحجم التي تمتلك شبكات هائلة من مراكز البيانات، وتقدم مجموعة كبيرة من الخدمات، لا يمكن أن تتعلم من منهجه.
أحد العوامل المهمة التي تؤثر سلباً على معنويات المستثمرين في الوقت الحالي إزاء الذكاء الاصطناعي يتعلق بالمنفعة. فنماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة التي تطرحها شركات “أوبن إيه آي” و”أنثروبيك” و”جوجغل” تستطيع أن تؤلف نثراً يشبه نثر الإنسان، وأن تكتب أكواد برمجة الكمبيوتر، وترسم صوراً ولوحات واقعية. إلا أن تصور ربط ذلك ودمجه في أنشطة التجارة والأعمال يستغرق وقتاً أطول مما يرغب كثير من اللاعبين في السوق.
أخبرتني “أنثروبيك”، وهي شركة رائدة في مجال تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي، أن أكثر ثلاث حالات استخدام شائعة لتقنيتها هي روبوتات الدردشة وتلخيص النصوص وكتابة أكواد برمجية. ولكن لم تتمكن هي وغيرها من الشركات التي تبيع خدمات الذكاء الاصطناعي من إبراز وتوضيح مزيد من الأمثلة الملموسة على عائد الاستثمار في تقنياتها.
فعل زوكربيرج ذلك، خاصة في المؤتمر الهاتفي حول الأرباح الفصلية الأخيرة لشركة “ميتا”.
يقول جين مونستر، الشريك الإداري لشركة “ديبووتر أسيت مانجمنت” “كان ذلك أفضل مؤتمر هاتفي لإعلان الأرباح يعقده كرئيس تنفيذي.
فقد شرح فوائد الذكاء الاصطناعي على المدى القريب، ومزاياه طويلة الأجل وتوقيت تحقق النتائج من كل ذلك. وقد فعل ذلك بطريقة مقنعة جداً”.
بحسب تقرير الأرباح الأخير لشركة “ميتا”، ساهمت أدوات الذكاء الاصطناعي وتقنية النماذج اللغوية الكبيرة بالشركة في تحسين تخصيص المحتوى على “إنستجرام” و”ريلز”، مما أدى إلى زيادة عدد المستخدمين النشطين يومياً بنسبة 6%، وهي أكبر نسبة زيادة في الفصول الثمانية الماضية.
ارتفع وقت المشاهدة اليومية في جميع مقاطع الفيديو بما في ذلك “ريلز” بنسبة 25%، ومن المتوقع الآن أن تحقق مقاطع الفيديو القصيرة إيرادات بقيمة 10 مليارات دولار لعام 2024، وهو ما يزيد عن ثلاثة أضعاف ما كانت عليه قبل ثلاثة فصول، الأمر الذي يعزوه المحللون إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تدعم تغذية التوصيات بالمدخلات اللازمة.
قال زوكربيرج أيضاً إن تقنية الذكاء الاصطناعي في شركة “ميتا” ساعدت في زيادة الوقت الذي يقضيه المستخدمون على “إنستجرام” بنسبة 24%، وأدت إلى توجيه الإعلانات بشكل أكثر فعالية.
كل ذلك يتيح لزوكربيرج الفرصة التي يحتاجها لتطوير تكنولوجيا للذكاء الاصطناعي باهظة التكلفة، وفقاً لمحلل الأسهم في مصرف “جيه بي مورغان تشيس”، الذي قال إن ميتا “تواصل اكتساب الحق في إنفاق مبالغ طائلة على الذكاء الاصطناعي التوليدي”.
يعد الإنفاق على الذكاء الاصطناعي موضوعاً حساساً بالنسبة لشركات التكنولوجيا الكبرى في الوقت الحالي. ففي الربع المنتهي في يونيو 2024، أنفقت كل من شركات “أبل” و”مايكروسوفت” و”ألفابت” و”أمازون” و”ميتا” مجتمعةً 55 مليار دولار، وهو رقم للإنفاق الرأسمالي يزيد بنسبة 55% عن العام السابق، وفقاً للبيانات التي جمعتها “بلومبرغ”، مما أثار قلق المستثمرين.
لم يساعد تفسير “جوجل” لضرورة استمرارها في الإنفاق على الذكاء الاصطناعي، بسبب الغموض الذي أحاط به. فقد قال الرئيس التنفيذي لشركة “ألفابت” سوندار بيتشاي: “إن خطر نقص الاستثمار أكبر بكثير من خطر الإفراط في الاستثمار”.
في المؤتمر الهاتفي الأخير حول أرباح الربع الثاني من هذا العام، سلط بيتشاي الضوء على نمو إيرادات “جوجل” من نشاطي البحث على الإنترنت و”يوتيوب” بنسبة 14% و13% على أساس سنوي على التوالي، ولكنه لم يرد هذا النمو صراحةً إلى استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين الأداء المالي، على سبيل المثال، من خلال تحسين تغذية التوصيات بالمدخلات أو زيادة فعالية وكفاءة توجيه الإعلانات.
على بيتشاي أن يدرس تقديم مزيد من الأمثلة الملموسة حول كيفية اختبار “جوجل” لمنتجاتها الخاصة، وأن يوضح بمعلومات محددة عن نشاط شركته كيف يستطيع الذكاء الاصطناعي تحسين الأداء المالي لأي شركة.
اكتشف زوكربيرغ كل ذلك عن طريق المعاناة والتجربة والخطأ، وذلك بفضل رهانه الكارثي والمكلف على مشروع الواقع الافتراضي “ميتافيرس” (خسرت وحدة “رياليتي لابس” في “ميتا” 16 مليار دولار في عام 2023) وهو مشروع لا يظهر أي علامة على أنه سيؤتي ثماره في أي وقت قريب.
ويعرف زوكربيرج أنه يحتاج إلى توضيح فائدة الذكاء الاصطناعي التوليدي للشركة لكي يحصل على دعم لرهانه الأخير عليه. وحتى الآن، يبدو أن أداءه أفضل من أقرانه في هذا المجال.
بارمي أولسون
كاتبة في بلومبيرج في مجالات التكنولوجيا