Follow ICT
شعار الموقع الاساسى
جايزة 160
جايزة 160

بارمي أولسون تكتب: المجالات الإبداعية أول المتضررين من هلوسة الذكاء الاصطناعي

هل لاحظت من قبل كيف يخطئ الخيال العلمي في تصور تكنولوجيا المستقبل؟ فبدلاً من السيارات الطائرة، حصلنا على تغريدات لاقت رواجاً كبيراً أشعلت حروباً ثقافياً، وعوضاً عن آلة فاكس ترتديها حول معصمك، لدينا رسومات أو نصوص ساخرة “ميمز”.

نخوض الآن اختباراً واقعياً مشابهاً مع الذكاء الاصطناعي، حيث رسم الخيال العلمي صورة للمستقبل تقدم فيها الحواسيب معلومات موثوقة بطريقة آلية.

مع ذلك، أصيبت الشركات التي سعت إلى دمج أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي في بنيتها التحتية بقدر من الاستياء، إذ اكتشفت أن تلك الأدوات “تهلوس” وترتكب أخطاءً، وأن الثقة بها أمر صعب، وأن تلك الأدوات بحد ذاتها لا هي جامدة ولا آلية، وأنها متقلبة الأحوال تقريباً.

“ظننا أن الذكاء الاصطناعي سيكون شبيهاً بالإنسان الآلي في فيلم (ذا ترمينيتور)، لكن اتضح أنه أشبه ببيكاسو”، وفق نيل كاتز، مؤسس “آي ليفل دوت إيه آي” ، وهي شركة ناشئة تساعد الشركات في الحصول على نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي لتجربتها، والعمل بدقة تبلغ 95% عند دمجها مع البيانات.

توقع كاتز أن يستغرق التعديل والإصلاح ما بين 3 و5 سنوات أخرى، قبل أن يتحسن مستوى الموثوقية المرتبط بالذكاء الاصطناعي، ما يعني أن هذه التكنولوجيا قد يكون لها فائدة ملموسة في العمليات الأساسية لشركات الخدمات المالية أو الرعاية الصحية.

مع ذلك، هذا لا ينفي أن الذكاء الاصطناعي له أثر قادر على تغيير معالم قطاع ما. لكن ذلك التأثير يحدث بطريقة تخالف ما تصوره مطوروه فحسب.

رغم تقليل الشركات الإنفاق، وخفض المستثمرين توقعاتهم لكبرى شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل “إنفيديا”، فإن الطاقات الإبداعية التي تتسم بها التكنولوجيا تنتشر في قطاعات قد تعد فيها الهلوسة ميزة، وحيث يترتب على الخطأ في الفهم خطر أقل، ويشمل ذلك مجالات التسويق والألعاب والترفيه، أو أي عمل آخر يرتبط بطريقة تفكير غير معتادة.

اتضح التأثير بالفعل على الوظائف؛ سيطر المتعاقدون المستقلون على القطاعات الإبداعية، لكن منذ إطلاق “تشات جي بي تي”، تراجع الطلب على مقدمي الخدمات الرقمية المستقلين بنسبة 21%، وفق دراسة أجراها الباحثون في كلية الأعمال بجامعة هارفارد ومؤسستين أكاديميتين أخريين في نوفمبر 2023.

كانت الوظائف في مجال الكتابة هي الأشد تضرراً. وقالت لي يائيل بيران، خبيرة الرسوم المتحركة، مؤخراً إن حجم عملها انخفض من نحو 12 مشروعاً في السنة إلى 3 مشاريع فقط في العام الماضي

“مجال التسويق هو المستفيد الأكبر من الذكاء الاصطناعي”، وفق مذكرة حديثة أصدرتها شركة “إندرز أناليسس” (Enders Analysis) لبحوث القطاع، والمتخصصة في التكنولوجيا ووسائل الإعلام والاتصالات، حيث يمكن لوكالات الإعلان والدعاية الصغيرة استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي لكتابة المحتوى التسويقي أو توليد المنشورات الدعائية أو الصور.

أطلعني مهندس تعليم الآلة في شركة تسويق على أن إحدى أكبر العقبات في هذا المجال حتى الآن تتمثل في عدم تمكن الذكاء الاصطناعي من إنتاج رسومات دقيقة لشعارات الشركات، إلا أنه من السهل تدارك تلك الأخطاء الفنية بالاستعانة بأدوات مثل “أدوبي فوتوشوب”.

نشرت شركة “كوكا كولا” العام الماضي إعلاناً على منصة “يوتيوب”، تم تنفيذ جزء منه بأدوات الذكاء الاصطناعي، في حين صممت “تويز آر أس” (Toys ‘R’ Us) إعلاناً بأكمله باستخدام “سورا” (Sora)، أداة توليد المقاطع المصورة التي طورتها “أوبن إيه آي” (Open AI)، يُقال إن كان له تأثير غريب، حيث ظهر في الإعلان المصور المفعم بالعواطف، طفل يظهر على وجهه ملامح شبيهة بالفضائيين، ما يعد تذكيراً بالأخطاء التي ما تزال أدوات توليد الصور تعمل على إصلاحها.

سارع مستخدمو “إكس” (تويتر سابقاً) إلى وصف الإعلان بالمخيف، وكان هذا صحيحاً، غير أنهم قالوا عنه إنه عديم الجدوى بشكل كبير، لكن الواقع كان مختلفاً. فالإعلانات المصممة بالذكاء الاصطناعي ما تزال في بدايتها، والأرجح أنها ستجد جمهوراً يتقبلها.

بالنظر إلى الصور المولدة باستخدام الذكاء الاصطناعي التي ملأت “فيسبوك” بتجسيدات غريبة مثل “شريمب جيسوس”، وترهات أخرى مشابهة، يشير ذلك إلى أن هناك مجموعة كبيرة من الجمهور تتجاهل (أو ربما لا ترى) التشوهات الناتجة عن الذكاء الاصطناعي التوليدي، لكنهم معجبون بالمسحة الجمالية الحية وغير الواقعية إلى حد ما، عوضاً عن ذلك.

في الوقت الحالي، تتقبل الشركات على مضض أن الذكاء الاصطناعي لديه مشكلات مرتبطة بالواقع والحقيقة، وهو أمر كان يُفترض أن يتضح من البداية، فطفرة الذكاء الاصطناعي دعمتها النماذج اللغوية التي يمكنها توقع الكلمة الأكثر احتمالاً أن ترد في جملة ما.

تواجه الشركات التي تسعى إلى دمج تلك النماذج بمجموعات البيانات، صعوبات، إذ أن أنظمة الذكاء الاصطناعي مُدربة على النصوص، فيما يصعب على تلك النماذج فهم الأرقام، أو الجداول المالية، أو الرسوم البيانية، أو خط اليد.

يمثل ذلك مشكلة فنية قابلة للحل، لكن ذلك سيستغرق وقتاً ما يجعل من الهلوسة عقبة في طريق تبني الذكاء الاصطناعي التوليدي على نطاق أوسع. بالتالي، سيواصل الذكاء الاصطناعي تقديم نتائج أفضل في كتابة الشعر، مقارنة بحل المسائل الرياضية.

ربما لهذا السبب كانت كبيرة مسؤولي التكنولوجيا في “أوبن إيه آي”، ميرا موراتي، قاسية في تقييمها للطريقة التي ستقضي بها الأدوات التي تطورها الشركة على المهارات الإبداعية للبشر. كما قالت في مقابلة حديثة: “قد تختفي بعض الوظائف الإبداعية، لكن ربما لم يجب أن توجد هذه الوظائف من البداية”.

حل مشكلة هلوسة الذكاء الاصطناعي قد يستغرق سنوات قليلة بالنسبة لجهات مثل البنوك وشركات الاتصالات والرعاية الصحية، مع ذلك، فإن المجالات الإبداعية هي من ستتحمل التبعات في المدى القصير.

بارمي أولسون
كاتبة في بلومبيرج في مجالات التكنولوجيا

deel