لاشك أن حملة السوشيال ميديا التي أقامها مئات الألاف من المستخدمين في مصر والمنطقة العربية والعالم، جراء قطع خدمات الاتصالات والانترنت في قطاع غزة من جانب السلطات الإسرائيلية في إطار الحرب النفسية التي يمارسها جيش الاحتلال ضد القطاع وعزله عن العالم، نجحت في تحقيق أهدافها على كافة الأوجه.
حيث عززت من حالة الحشد للإبلاغ العالمي عن هذه الممارسات المخالفة لحقوق الإنسان، ولقانون الاتصالات الدولي، كما دفعت بالعديد من الجهات وعلى رأسها شركات الاتصالات المصرية في إعلان موقف إيجابي جراء هذه الأوضاع بالإعلان عن استعدادها لتوفير الخدمات بعد الرجوع للجهات المختصة، وإعلان إيلون ماسك أن “ستارلينك” ستتواصل مع المنظمات المعترف بها دوليا لتقديم المساعدة إلى قطاع غزة، وتوفير الاتصالات عبر الإنترنت بالأقمار الاصطناعية.
وكانت منظمة “نت بلوكس” لمراقبة الشبكات قد أعلنت في وقت سابق أن خدمة الإنترنت بدأت تعود تدريجيا إلى قطاع غزة الأحد بعد أن انقطعت مساء يوم الجمعة خلال عمليات قصف مكثفة لقوات الاحتلال الإسرائيلي، حيث يتعرض القطاع إلى قصف بري وبحري وجوي إسرائيلي أسفر عن مقتل آلاف المدنيين الفلسطينيين بينهم نساء وأطفال، منذ إطلاق حركة “حماس” وفصائل فلسطينية أخرى، عملية “طوفان الأقصى”، في 7 أكتوبر الجاري.
وأدان الاتحاد الدولي للاتصالات قطع الاتصالات عن غزة مؤكدا على إنه يجب حماية المدنيين والبنى التحتية الضرورية لحياتهم.
بداية القصة
يتواجد في قطاع غزة شبكتان رئيسيتان للاتصالات وهما “جوال”، والوطنية المعروفة أيضا بـ “أوريدو”، وقد أبلغا مساء الجمعة الماضية، ودون سابق إنذار، عن قطع شبكة الإنترنت والاتصالات الأرضية والخلوية عبر الشبكتين داخل غزة
ونشرت شبكة الاتصالات “جوال”، بيانا على صفحتها على فيسبوك تعلن فيه انقطاعا كاملا لكافة خدمات الاتصال والإنترنت مع القطاع، وتقول إن القصف الشديد تسبب في تدمير جميع المسارات الدولية المتبقية التي تصل غزة بالعالم الخارجي.
وبعد ساعة من هذا الإعلان، نشرت شبكة “أوريدو”، المشغّل الثاني للاتصالات في غزة، بيانا على صفحتها على فيسبوك تبلغ فيه المشتركين بانقطاع كامل خدماتها عن قطاع غزة بسبب توقف الخطوط الرئيسية المغذية لكافة شبكات الاتصالات في القطاع.
وتحت قصف مكثف، وغير مسبوق في بعض مناطق القطاع، خاصة في الشمال، لم يعد بإمكان سكان غزة التواصل مع فرق الإسعاف والإغاثة لنقل جرحاهم والحصول على الرعاية الطبية، حتى على خدمة الاتصال المركزي 101.
ونقل مراسل بي بي سي في غزة عن مصادر هناك أن القوات الإسرائيلية قصفت المقاسم الرئيسية للاتصالات واستهدفت الهوائيات الخاصة بشبكات المحمول، وبسؤال أحد كبار مستشاري رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مارك ريجيف، في برنامج على قناة بي بي سي عما إذا كانت إسرائيل وراء قطع الاتصالات عن غزة، قال إن قطع الاتصالات “عن العدو” أمر معمول به في العمليات العسكرية في مخالفة واضحة لقوانين الاتصالات الدولية.
نظام ستارلينك
ومنذ الساعات الأولى لمساء الجمعة انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي وسم #StarlinkforGaza وتجاوز عدد التغريدات عبر الوسم في الساعات الثلاثة الأولى عبر منصة إكس (تويتر سابقا) فقط، مليوني تغريدة.
وجهت هذه التغريدات إلى مالك إكس، ومالك شركة سبياس إكس، إيلون ماسك، مؤسس نظام ستارلينك، لمطالبته بتوفير خدمة الانترنت لقطاع غزة.
كشف إيلون ماسك عن موقفه الخاص بتوصيل الإنترنت الفضائى “Starlink” إلى غزة، حيث طلب التواصل مع المنظمات المساعدة بالقطاع المعترف بها دوليًا من أجل بحث الأمر.
نعود إلى السيناريو السابق الذى اتبعه إيلون ماسك في أوكرانيا وقت حربها مع روسيا، حيث إنه دعم البلاد بالانترنت الفضائى، ولكن قبل ذلك مد أوكرانيا بالوسائل التي تساعد على تفعيل الخدمة على مستوى الدولة، وذلك مع وصول الشحنة الأولى من محطات ستارلينك بعد يومين فقط من المناشدات في هذا الوقت في تاريخ 28 فبراير 2022.
وفقًا لما ذكرته صحيفة “واشنطن بوست”، ناشد كبار المسئولين الأوكرانيين إيلون ماسك طلب المساعدة، واستخدم نائب رئيس الوزراء ميخايلو فيدوروف X، كما يحدث الآن من هاشتاج #starlinkforgaza، وذلك لحثه على إرسال محطات إلى أوكرانيا حتى تتمكن من استخدام نظام الأقمار الصناعية، وكتب: “نطلب منكم تزويد أوكرانيا بمحطات ستارلينك”.
وافق ماسك، وبعد يومين، وصلت 500 محطة ستارلينك إلى أوكرانيا، وأجرى مكالمة عبر Zoom مع الرئيس فولوديمير زيلينسكي، وناقش الخدمات اللوجستية لعملية إطلاق الانترنت ووعد بزيارة أوكرانيا عندما تنتهي الحرب.
وستارلينك عبارة عن شبكة من آلاف الأقمار الصناعية الصغيرة توفر خدمة الإنترنت وتدور حول الأرض على ارتفاع منخفض نسبيا مقارنة بباقي الأقمار الصناعية حتى يكون اتصالها بالأرض أسرع.
ميزة خدمة ستارلينك هي أنها لا تحتاج إلى بنية تحتية كبيرة مثل الأبراج والأسلاك حتى تستقبل الإنترنت. لذلك فإن الخدمة موجهة بالتحديد للمناطق النائية والتي تغطيها شبكة الإنترنت التقليدية بصعوبة.
إذاً حتى يتمكن إيلون ماسك من توفير خدمة ستارلينك في غزة كان يجب إدخال المعدات اللازمة للقطاع، ما يعني أن ربط قطاع غزة بالإنترنت عبر الأقمار الصناعية عبر نظام ستارلينك كان ممكنا، لكنه سيكون بشكل محدود جدا مخصص لبعض منظمات الإغاثة وسيحتاج خطوات ووقتا لتفعيله.
شبكات الاتصال المصرية
أكدت شركات مصرية جاهزيتها الفنية لتوفير خدمات الاتصالات والإنترنت على الحدود المصرية مع رفح عبر الأبراج والمحطات المتنقلة السريعة، بعد حصولها على موافقة الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات.
وقالت شركة “أورنج مصر” إنها جاهزة فنياً لتوفير خدمات الاتصالات والإنترنت على الحدود المصرية مع رفح عبر الأبراج والمحطات المتنقلة السريعة، وذلك بعد موافقة الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات.
من جهة أخرى، أكد مسؤول في “فودافون مصر” أن شركته على أهبة الاستعداد لإرسال أبراج محمولٍ لزيادة التغطية بقدر المسموح به في تراخيص الشركة، مشيراً إلى أن الشركة في انتظار الموافقات اللازمة للتحرك، موضحاً أن الأمر كان محل دراسة فنية منذ مساء أمس.
وفي نفس السياق ، أكد مصدر مسؤول بشركة “اتصالات من e&” في مصر جاهزية الشركة بعدد من الأبراج والمحطات المتنقلة السريعة لتوفير خدمات الاتصالات للمقيمين في قطاع غزة على الحدود المصرية الفلسطينية.
وألمح المصدر إلى أن “اتصالات من e&” في مصر على تواصل دائم مع الجهات المختصة والجهاز القومي لتنظيم الاتصالات لتنسيق كل ما يترتب بمد الخدمة للمقيمين في قطاع غزة على الحدود المصرية الفلسطينية وأخذ كافة الموافقات، وذلك بعد توقف كامل لشبكات الاتصالات والإنترنت منذ أمس الجمعة.
وتعمل في مصر 4 شركات لتقديم خدمات المحمول، وهي “فودافون مصر” و”أورنج مصر” و”اتصالات من e&” وشركة المصرية للاتصالات “وي”.
الخيارات التقنية
الإمكانية التقنية المطروحة حسب الخبراء هي أن تركز شبكات الاتصال أبراجا داخل رفح المصرية في أقرب نقطة ممكنة للحدود مع غزة مع تقوية الإشارة.
لكن هذا الخيار ليس أقل تعقيداً. فلو نُفذ سيغطي نطاقا محدودا جدا قد لا يتعدى بضعة كيلومترات داخل القطاع على الحدود مع مصر.
ويحتاج ذلك أيضا موافقة من الاتحاد الدولي للاتصالات على استثناء يسمح لشبكة اتصالات في دولة ما بمد تغطيتها داخل حدود دولة أخرى.
عودة الخدمة
هذه التحركات من جانب حملات السوشيال ميديا ومبادرة الشركات المصرية دفعت إسرائيل إلى إعادة الخدمات الأحد الماضي عبر وصل المسارات الدولية وذلك وفقا لإسحق سدر، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الفلسطيني، قائلا: «الاحتلال ضربوا بكل المواثيق الدولية في هذا المجال عرض الحائط، ولكن عادت خدمات الاتصالات في غزة كما كانت عليه قبل قطعها».
وأشار سدر، خلال لقاء ببرنامج «حديث القاهرة»، إلى أن شبكة الاتصالات تضررت بنسبة 30% وجزء منها لا يعمل بأسلاك مختلفة، منها تم تدميره ومنها توقف عن العمل بسبب عدم وجود تيار كهربائي أو وقود لتغذية المولدات أو نتيجة قصف محطات الطاقة الشمسية التي كانت تزود هذه النقاط بالكهرباء.
وتابع: «من الدقائق الأولى لقطع المسارات الدولية للاتصالات في غزة كانت هناك اتصالات مع الدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات المصري وبشكل رسمي طالبنا بتقوية بث شبكات الاتصالات وكانت الاستجابة تنم عن الموقف المصري الرائع في جميع المحن وحراك سريع من مصر».