فرضت الظروف الاقتصادية الحالية وضعا جديدا على الشركات الناشئة على المستوى العالمي والمحلي، لتزيد من حيرتها في الاختيار ما بين النمو أو الربح، خصوصا مع توجه المستثمرين إلى حاليا إلى ضخ أموالهم في الشركات التي تحقق الربحية، لضمان جمع أموالهم بأسرع وقت، وهذا ليس لدينا فقط، فتشير بعض التقارير الغربية عن توجه المستثمرون الرئيسيون للتساؤل عن مدى ربحية واستدامة الشركات الناشئة قبل منحها التمويل، لذلك تقوم شركات التكنولوجيا حول العالم بتغيير طريقة عملها لمعالجة المخاوف حول الربحية.
إذ لم يعد المستثمر يجري وراء الشركة التي تحقق النمو بأي ثمن، تلك القاعدة التي تسببت في مشاكل في بعض الشركات الناشئة، ولعل أبرز مثال على ذلك ما حدث لشركة كابيتر المصرية العام الماضي، أو السقوط الذي حدث لشركة سويفل وتعرضها لخسائر بسبب الاهتمام بالنمو على حساب الربح، وتدور بعض الأحاديث حول سقوط شركات أخرى ممن تنتمي إلى جيل الشركات ما قبل الأزمات، تلك الشركات التي حصلت على استثمارات لدعم النمو بأي ثمن على حساب الربحية، فما هو الطريق الصحيح للشركات الناشئة، هل البحث عن النمو أم الربحية؟
قواعد النمو والربحية
بعض المتخصصين في الشركات الناشئة بأمريكا وجدوا أنه على مؤسس الشركة يجب أن يستكشف قواعد النمو والربحية، إذ تشير “قاعدة 40” الشهيرة إلى أن معدل نمو الشركة الناجحة بالإضافة إلى الربح يجب أن يصل إلى 40٪. هذا يعني أنه إذا كنت تنمو بمعدل 60٪ كل ربع سنة، فيمكنك تحمل خسارة 20٪.
الفكرة الأساسية هي أن الشركات الناشئة في المراحل المبكرة يجب أن تهدف إلى تحقيق نمو مرتفع، وإعطاء الأولوية لربحية الوحدة أو المجموعة، وليس الربحية الإجمالية للشركة، حيث تستثمر الشركة في تطوير المنتجات والخدمات وقابلية التوسع.
بجانب أن هناك نمو عضوي ونمو عن طريق الاستحواذ أو الشراكة. عادةً ما يكون النمو العضوي هو الأولوية بالنسبة للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا B2B. يمكن أن يشمل ذلك زيادة القوة العاملة وتوسيع قاعدة العملاء وزيادة حجم المبيعات، ومع ذلك، يأتي هذا مع زيادة المخاطر والالتزامات الإضافية، ومع النمو السريع والتوسع السريع، يمكن أن تواجه الشركات مشاكل في الحفاظ على الجودة.
وتعتبر الأرباح أمرًا حيويًا لكل نشاط تجاري، وليس من المستغرب أن يسعى معظم رواد الأعمال إلى تحقيق الأرباح بسرعة. وبحسب الأبحاث تحقق شركتان فقط من كل خمس شركات ناشئة أرباحًا، وستكون الشركات الناشئة الأخرى إما متعادلة أو تستمر في خسارة المال، ويشير الخبراء إلى أن مؤسسي الشركات الناشئة يحتاجون إلى تحقيق توازن بين النمو والربحية لتأمين الاستثمار وتنمية أعمالهم بشكل مستدام.
الربحية تؤدي إلى النمو
رائد الأعمال الأمريكي أليجاندرو كريماديس مؤلف كتاب The Art of Startup Fundraising، قال: المزيد من المؤسسين أصبحوا جادين بشأن الربحية الآن، هذا لا يعني تقديم الربح قبل الناس، فبدون بعض النمو المستمر، من المحتمل أن يموت عملك، وإذا كنت لا تتحسن، فسوف يتم تجاوزك وسوف تتراجع. ومع ذلك، بدون أرباح ، لديك تذكرة يانصيب أكثر من نشاط تجاري حقيقي، وبدون نمو كبير قد يكون من الصعب جمع الأموال في البداية، بجانب تقييمات أقل في جولات التمويل، ويمكن أن يؤدي عدم وجود تمويل كبير إلى زيادة صعوبة تطوير المنتج، أما الربحية فستجذب عروض الاستثمار والاستحواذ، وتجعل المؤسس لديه القدرة على التفاوض في جولة التمويل أو البيع، ويصبح قادرا على التحكم في مصيره.
تابع : إذا وضعت النمو في المقام الأول، وتمكنت من العثور على المستثمرين والمستخدمين والفريق لدعم ذلك، فهذا أمر رائع. فقط ضع كل شيء في مكانه لتحويل الأرباح الصافية الحقيقية إلى عشرة سنتات إذا تغيرت الأمور عليك. أظهر للمستثمرين خطة لعبتك لتحقيق ربح حقيقي. فقط تذكر أن هذا يجب أن يتحقق دون سحق قاعدة المستخدمين الخاصة بك. إذا كان عليك تغيير ما جعلك رائعًا وأعطاك نموًا (مثل الأسعار المنخفضة والقيمة العالية والتسليم السريع والمزيد من الدعم وخدمة العملاء من الدرجة الأولى)، فقد لا يستمر الكثير من المستخدمين لديك، وإذا حددت الأولويات وحددت الأرباح أولاً، فتأكد من وجود خطة لتحقيق نمو ثابت لا يتطلب التعمق في هوامش ربحك. قد يتطلب ذلك البدء بهوامش ربح أعلى مما تحتاج، وفي كل الأحوال أنت بحاجة إلى خطة نمو. إذا كان العمل التجاري لا ينمو، فإنه عادة ما يحتضر. على الرغم من أنه في البيئة الحالية أصبح من المهم أيضًا أن يكون لديك خطة لتحقيق أرباح سريعة. إذا سمحت بالربحية أولاً، يمكنك دائمًا النمو. العكس ليس صحيحًا دائمًا.
خطة شاملة
الدكتور محمد حسام خضر استشاري الشركات في الإدارة والاستثمار، كتب مقالا عقب أزمة كابيتر العام الماضي، قال فيه ” النمو السريع عامل أساسي في التفرقة بين الشركات العادية والشركات الريادية، إلا أن النمو يجب أن يكون مبنيا على خطة شاملة لا على مضاعفة الإنفاق في الإعلانات وتقديم كل الخصومات والحوافز الممكنة للاحتفاظ بالعملاء فحسب، خطة تتضمن حتى إنشاء قسم خاص لإدارة النمو، وإلا تحول الأمر إلى إنفاق رهيب دون أن يرافقه وعي بتأثير ذلك على الصحة المالية للشركة وعلى استعدادها للاستثمار، كالشركة التي استخدمت تمويلها تسويقيا بشكل خاطئ أتاح للموردين بيع منتجاتهم وإعادة شرائها بسعر الجملة مما تسبب في غلقها، والأخرى التي حرقت الأسعار – دون وعي- في وجود منافسة كبيرة فانتهى رأس المال، وهذا ما يتسبب فيه غياب الدورين الرقابي والدعميّ الحقيقيين من جهة المستثمر”.
تحقيق معادلة التوازن
من جانبه يقول محمد يونس الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “خزنلي” للخدمات اللوجستية: في ظل الظروف الاقتصادية التي نمر بها زاد الحديث عن معادلة النمو والربحية، وأرى أنه يجب أن يكون هناك توازن بين الجانبين، فمعظم الشركات الناشئة لا تكن قادرة على ذلك بتقديم منتج واحد، فيجب تقديم مجموعة من الخدمات والمنتجات، ونحن في خزنلي نركز على المنتجات أو الخدمات الأكثر ربحية من غيرها، بحيث نجري فيها، وفي نفس الوقت النمو مهم جدا بالنسبة للشركات الناشئة، فلا يمكن أن نسير بخطوات بطيئة، لأن هذا عكس طبيعة الشركة الناشئة التي يجب أن تنمو بشكل سريع، فيمكن في خلال الفترة الحالية أن يكون النمو أبطأ عن السابق، بجانب الاهتمام بوجود منتجات ربحية أو خدمات ذات هامش ربح، جنبا إلى جنب مع النمو، وفي النهاية التوازن بين النمو مع الربحية هي المعادلة التي يجب على كل شركة ناشئة أن تعمل على تنفيذها للعبور من المرحلة الصعبة.
استراتيجية لكل مرحلة
أحمد يسري، مؤسس شركة Rabbit، قال في لقاء سابق مع FollowICT: كل مرحلة لها استراتيجية مختلفة ننفذها، ففي بداية السباق لا يجب الجري بنفس السرعة التي تجري بها في آخر السباق، فبالنسبة لنا كشركة ناشئة عندما كانت الأموال متوفرة وكان هناك استثمارات كثيرة، كانت الاستراتيجية المنطقية هنا أن نحاول أن نستلف من الغد، بمعنى صرف أموال أكثر للحصول اليوم على عميل الغد، من أجل أن تزيد الشركة من سرعتها ونموها، ولكن عندما أصبحت الأموال غير متوفرة كان علينا أن ننتقل للاستراتيجية الثانية الخاصة بعدم النمو بسرعة، ونحاول ترشيد استثماراتنا، بجانب صرف كل جنيه في المكان الصحيح، ونوفر أموال أكثر من خلالنا، وهذه النقلة فرقت معنا، وجعلتنا نحقق هامش ربح إيجابي، وهذا بالنسبة لنا مهم جدا حتى تستطيع الشركة ترشيد استثماراتها، وتصرف على نفسها جزءا كبيرا من نفقاتها.
آثار النمو بأي تكلفة
وقال أيمن حمزة، مؤسس شركة خضار ” أهم شيء نقوم به هو العمل على جعل الشركة تنمو بشكل صحي، بالتأكيد بدون العمل بمبدأ النمو تحت أي تكلفة، فهذا غير منطقي من وجهة نظري، ويوم بعد يوم تظهر آثاره، فقد كنت أتحدث مع أحد المستثمرين بالسعودية، عن تحديات الاستثمار وسألني عن نسبة النمو الشهرية الجاذبة للاستثمار، فتحدثنا عن تحديات الشركات التي نمت بشكل كبير في وقت قليل، وأخبرته بأني ضد النمو بأي تكلفة، حيث إنها مقامرة على أن الشركة ستجذب استثمارات أخرى قريبا، فلو لم تأت الاستثمارات ستغلق الشركة أبوابها، ومع التقلبات العالمية أصبح من المتداول أن يغير المستثمر رأيه في آخر لحظة، لوجود فرصة ثانية أفضل ربحا وأقل خطورة، فالشركة بالنمو الكبير تكون على كف عفريت”.
السيناريو الأفضل
كما قال محمد الشاذلي مؤسس منصة ElSupplier: هناك من يحصل على استثمارات ويتمادى في التعيينات ويحضر للشركة أكبر مديرين في مصر ويحرق الأموال في البضائع، أو يسعى للوصول إلى العميل بأي ثمن، فتكون هناك خسائر مرعبة، ونحن لا نريد أن ننمو بأي طريقة، ففكرة النمو بهذا المبدأ أثبتت فشلها، وأعتقد أن المستثمرين أصبحوا يدركون ذلك جيدا، فحاليا المستثمر يسأل مؤسس الشركة عما سيفعله بالأموال، ويجب أن يسير النمو مع الربح، ولا يجب أن يتم التركيز على عنصر دون الآخر، فالشركات التي اهتمت بالنمو فقط حتى على المستوى العالمي واجهت العديد من المشاكل واتجهت إلى تغيير الإدارات، فتحقيق النمو مع المكسب هو السيناريو الأفضل للشركة.