لم يعد الذكاء الاصطناعي حاضراً فقط في الخيال العلمي كما كان سابقًا، بل أصبح حقيقة لا خيال، ليخرج من مختبرات البحوث ليكون جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية للبشر، وليثبت أنه أداة ثورية في كل صناعة، حيث يغير طريقة تفاعل الموظفين والعملاء مع الشركات وتنفيذ العمليات اليومية التي تحتاجها دورة العمل، وازداد الاعتماد عليه في مجال الأعمال بنسبة 270% في السنوات الأربع الماضية حسب تقرير منصة “غارتنر”.
ولم يكن القطاع المصرفي بمنأى عن هذه التغيرات، وكيف لا يكون، وهو القطاع الذي يمتلك البيانات والقدرة على استخدام الذكاء الاصطناعي لتطوير خدماته المصرفية، إذ أصبح القطاع المصرفي اليوم واحدًا من أكثر القطاعات تقدمًا من الناحية التكنولوجية في العالم، وباتت البنوك قادرة على استخدام التكنولوجيا لتسريع العمليات اليومية مثل عمليات السحب والإيداع، وابتكار أدوات جديدة تتيح لعملائها اتخاذ قرارات مالية ذاتية التحكم بشكل أسرع وأسهل وأكثر أمانًا.
ومن أجل دعم العملاء بشكل أسرع وأكثر سلاسة وفعالية؛ يجب أن تواصل البنوك استخدام التكنولوجيا لتنفيذ مهام التواصل وخدمة العملاء بشكل مباشر، عبر الاستثمار في أدوات المساعدة الصوتية التفاعلية وروبوتات المحادثة “الشات بوت” المدعومة بالذكاء الاصطناعي، لذا بدأت البنوك العالمية الكبرى وعلى رأسها “دويتشه بنك” في استخدام الذكاء الاصطناعي للتدقيق في المحافظ الاستثمارية لعملائه الأثرياء، وتستخدمه مجموعة “آي إن جي غروب” المصرفية، في البحث عن العملاء الذين قد يتخلفون عن السداد.
كما امتدت ثورة الذكاء الاصطناعي إلى وول ستريت، في ظل الاهتمام المتزايد بالتكنولوجيا المتطورة، وأثرها المرجح على بيئة الأعمال، إذ قامت العديد من البنوك الكبرى بتخصيص نحو 40% من إجمالي الوظائف الشاغرة لتلك المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، مثل مهندسي البيانات والمحللين الكميين، إلى جانب الوظائف المتعلقة بالأخلاقيات والحوكمة، وفقاً للبيانات الجديدة الصادرة عن شركة “إيفدنت الاستشارية”.
كما أعلن «جي بي مورجان» -أكبر مصرف أميركي- مؤخرًا عن أكثر من 3600 وظيفة مرتبطة بالذكاء الاصطناعي على المستوى العالمي في الفترة من فبراير وحتى نهاية أبريل الماضي، وهذا يمثل نحو ضعف ما أعلن عنه أقرب منافسيه، “سيتي غروب” و”دويتشه بنك”، وفقاً لبيانات “إيفدنت”.
وعلى المستوى المحلي، وضع البنك المركزى 13 هدفا متعلقًا بنظم الدفع واستخدام الذكاء الاصطناعي فى إطار خططه لأنظمة الدفع فى السوق المحلية، والتى تتمثل فى تشجيع وتطوير نظم وخدمات الدفع فى مصر، ودعم استخدام خدمات الدفع الإلكترونية وتعزيز كفاءتها، وتحقيق التكامل بشكل آمن بين نظم وخدمات الدفع، وضمان وجود أساس قانونى سليم لكافة نظم وخدمات الدفع، ووضع معايير وقواعد تشغيل نظم وخدمات الدفع، والتأكد من التزام مشغلى نظم الدفع ومقدمى الخدمات بالمعايير والقواعد الموضوع.
وكان تقرير لـ «فينتك مصر» -التابع للبنك المركزي- أشار إلى أن الذكاء الاصطناعي أحد التقنيات الرقمية التي يعمل البنك المركزي على تطبيقها في السوق المصرية، لافتًا إلى أن الذكاء الاصطناعى يتطور بوتيرة ثابتة، حيث أصبحت تطبيقاته أكثر انتشارًا فى الوقت الحاضر مع انتشار العديد من منظمات البرمجيات المستقلة المتاحة للتعامل مع تلك التكنولوجيا المتنامية.
وأوضح التقرير، أن فوائد أنظمة الذكاء الاصطناعى تظهر جلية للمستهلكين الرقميين فى العديد من المجالات والعديد من الشركات، مثل: ممارسات خدمة العملاء التى تقوم بها روبوتات الدردشة، مثل: «سيري» و «كورتانا».
تطوير الخدمات المصرفية للأفراد
وتابع التقرير، أنه فى مجال الخدمات المصرفية للأفراد، أظهر الذكاء الاصطناعى بالفعل مميزاته فى أقسام خدمة العملاء، حيث أدى استخدام الروبوتات المدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعى على التعامل بنجاح مع %80 إلى %90 من الاستفسارات عبر قنوات متعددة مؤدياً إلى تغيير مشهد رضا العملاء بشكل كبير، مما ترك مجالًا للموظفين لزيادة إنتاجيتهم وتوظيف وقتهم فى جوانب أخرى من الأقسام.
وأشار إلى أنه ليس ذلك هو المجال الوحيد الذى يمكن للذكاء الاصطناعى أن يعزز فيه نشاطًا تجاريًا، حيث استفادت إدارة المخاطر أيضًا من الكشف المتقدم عن عمليات الاحتيال من خلال «عمليات مؤتمتة» – وهى عمليات التشغيل الآلى التى تهدف إلى زيادة الإنتاج حيث تستطيع الآلة العمل بسرعة ودقة أكبر من الإنسان ووقت أقل بمئات المرات، كما سهلت تلك العمليات الإبلاغ الفورى عن أى نشاط مشبوه؛ وبالتالى أدت إلى زيادة الأمان للبنوك.
وأكد التقرير أن التكنولوجيا المصرفية القديمة تعمل على إعادة تجديد نفسها، مع التركيز على تطوير وتعزيز العمليات الخلفية والمتوسطة للوسيط المالي، وتحويل التركيز بشكل أكبر على الواجهة الأمامية التى تركز على العملاء، حيث أن العميل هو أهم جانب من جوانب الخدمات المصرفية الحديثة، وتدرك المؤسسات المالية التقليدية ذلك لأنها تسعى لتحديث تقنيتها لتناسب العميل البارع فى التكنولوجيا واحتياجاته المالية الديناميكية.
مواكبة التطور في الصناعة المصرفية
وأكد مصرفيون أن البنوك المصرية توسعت بقوة في الذكاء الاصطناعى خلال السنوات الأخيرة، وبدأت في الاعتماد بشكل كبير على تطبيقات الذكاء الاصطناعي، فضلاً عن دور البنك المركزي في مواكبة التطورات العالمية في الصناعة المصرفية.
وقال رامي أبو النجا، نائب محافظ البنك المركزي، إن التغييرات والتطورات السريعة والمتلاحقة التي يشهدها العالم تدفع المسؤولين بالبنك المركزي بالاهتمام بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، خاصةً بعد أن ساهمت التقنيات الحديثة والخدمات الرقمية في إتاحة المعلومات وتجاوز تداعيات أزمة الوباء العالمي في 2020.
وأضاف «أبو النجا» خلال كلمته في الاجتماعات السنوية الـ 29 للبنك الأفريقي للتصدير والاستيراد، أفركسيم بنك، أن الابتكارات الشابة يتم احتضانها بالفعل والاهتمام بها، مؤكدًا على دعم البنك المركزي، للابتكار من خلال مركز معتمد للابتكار ومختبر للتطبيقات، يحرص على تقديم رؤى بديلة لصانعي القرار والسياسات، بجانب إدخال أحدث وسائل التقنية كالأقمار الصناعية في عملية التطوير.
وتابع، «يسعى البنك المركزي المصري لدعم التكنولوجيا المالية والابتكار ونشرها في دول القارة الأفريقية، من خلال التعاون مع حكومات تلك الدول، في إطار حرصه على مواجهة التحديات المختلفة».
استخدام تقنية «Chatbot»
ومن جانبه قال إبراهيم الشربينى، رئيس قطاع التكنولوجيا فى بنك مصر، إن بنك مصر يولى اهتمامًا كبيرًا بالذكاء الاصناعي وتطبيقاته، مشيرًا إلى أن البنك كان أول من استخدم تقنية «Chatbot» في القطاع المصرفي المصري.
وأوضح في تصريحات لـ«Followict» أن البنوك العاملة في السوق المصرية بدأت تعتمد بشكل كبير على تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مشيرًا إلى أن «الشات بوت» يتضمن الكثير من الاستخدامات كالمساعد الذكى، وغيره.
وأضاف «الشربينى» أن تطبيقات الذكاء الاصطناعى تساعد البنوك في معرفة انطباعات العملاء عن المنتجات، إلى جانب مساعدة البنك في الترويج للمنتج المناسب لكل عميل على حده، مؤكدًا على أن جميع البنوك ستتجه حتمًا نحو استخدام الذكاء الاصطناعي لتكون قادرة على المنافسة والاستمرار وسط مجتمع أصبح يستخدم التكنولوجيا بقوة.
ولفت إلى أن الذكاء الاصطناعي يسهم في تحسين العمليات المصرفية من خلال الأتمتة، مما يقلل من الأخطاء البشرية ويحسن الكفاءة، وبالتالي يقلل التكاليف العامة للمؤسسات المصرفية.
ونوه “الشربيني” بأن الذكاء الاصطناعي يمكن استخدامه لمراقبة الامتثال للقوانين المالية والمصرفية وتحليل البيانات المالية للتأكد من توافق العمليات مع المعايير القانونية والتشريعات المالية.
وحول أبرز التحديات التي قد تواجه البنوك في استخدام الذكاء الاصطناعي، أشار «الشربيني» إلى أن نقص العمالة المدربة قد يكون هو التحدي الوحيد حاليًا نظرًا لقلة عدد الخبراء فى مجال الـ«Data Science»، خاصة أن البنوك لديها بنية تحتية قوية تمكنها من استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
كشف الاحتيال المصرفي
ومن جانبها قالت سهر الدماطي الخبيرة المصرفية ونائب رئيس بنك مصر السابق، إن البنوك العاملة في السوق المصرية تضع استخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي على قائمة أولوياتها، مؤكدة أن الذكاء الاصطناعي يساعد في تحسين كفاءة العمليات المصرفية من خلال التحليل الذكي للبيانات، وتحسين عمليات المعالجة والتنبؤ.
وأشارت إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي يساعد في اكتشاف الاحتيال والتعرف على الأنماط غير العادية في المعاملات المالية، مما يساعد على زيادة أمان العمليات المصرفية، ويمكن توظيفه في تحسين تجربة العملاء من خلال توفير خدمات مصرفية مبتكرة ومخصصة وتوجيهات مالية شخصية.
وحول دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز الخدمات المصرفية وتقليل التكاليف والحد من المخاطر، ذكرت سهر الدماطي أنه يسهم في تحسين عمليات التحليل والتنبؤ المالي، مما يتيح اتخاذ قرارات مالية أكثر دقة وفهمًا للمخاطر المحتمل، كما يساعد في تطوير نماذج توجيهية تعتمد على البيانات، لتزويد العملاء بتوصيات وتحليلات مالية شخصية لإدارة أموالهم بشكل أفضل.
وأوضحت أن الذكاء الاصطناعي يعزز الآليات الأمنية للمصارف عبر تحليل البيانات والتعرف على الأنماط الاحتيالية والتهديدات الأمنية.
التنبؤ بالاتجاهات المالية
و بالحديث عن التحولات التي يقودها الذكاء الاصطناعي في القطاع المصرفي، قال صبري البنداري رئيس قطاع الاستثمار ببنك فيصل الإسلامي، إن الذكاء الاصطناعي يستخدم في تحليل كميات ضخمة من البيانات والتنبؤ بالاتجاهات المالية والاقتصادية، مما يساعد على اتخاذ قرارات استثمارية ومالية أكثر دقة وفهمًا للسوق.
وتابع بأن الذكاء الاصطناعي يستخدم أيضًا في توفير خدمات مصرفية شخصية ومبتكرة للعملاء، مثل مساعدات افتراضية تقدم نصائح حول الإنفاق والتوفير والاستثمار، وذلك من خلال تحليل سلوك العملاء وتقديم توصيات مالية مخصصة.
وأشار “البنداري” إلى أن الذكاء الاصطناعي يلعب دورا في الحد من المخاطر وتحليل البيانات المالية والتعرف على الأنماط الاحتمالية للمخاطر، ويساعد في اكتشاف الاحتيال والتهديدات الأمنية المحتملة، مما يحسن إدارة المخاطر المصرفية.