(شقق وفيلات وشاليهات للبيع،مستلزمات مكاتب،مقابر،قروض بنكية،خدمات سيارات)، وغيرها الكثير من السلع والخدمات التي يتم الترويج لها في مصر عبر ملايين المكالمات المتواصلة طوال اليوم على الهواتف ورسائل الواتساب التي لاتنتهي.
ظاهرة أصبحت عنوان للتسويق في العصر الحالي وضرورة ملحة تسيطر على العديد من الشركات كمسار رئيسي للوصول للعملاء من أقصر الطرق، وأيضا تحقيق المعادلة الصعبة بمبيعات قياسية عبر أليات تسويق رخيصة لاتتخطى (عمولة المتصل وإزعاج العميل) في مقابل طرق التسويق التقليدية التي أصبحت وجاهة إعلانية وساحة تتباري فيها الشركات على اللقطة الحلوة.
ولايوجد شخص في مصر لم يتعرض لهذه المكالمات، إلا أن الفترة الماضية تضاعفت هذه المكالمات التسويقية بشكل وصفها كثيرين بغير المقبول والعشوائي، وهو ماتم رصده عبر تعليقات العديد من الأشخاص على منصات التواصل الاجتماعي من كافة الفئات بدءا من المشاهير والمليونيرات وحتى الأشخاص العاديين، حيث أنها أصبحت تسبب إزعاجا متكررا يطال الخصوصية، سواءا بملاحقة العميل المستمرة في كافة الأوقات، أو عبر تداول قوائم أرقام العملاء وبياناتهم دون موافقة من أصحابها ومن غير سند قانوني بما يشير إلى أن هذه الظاهرة مستمرة في التضخم.
لتتعالى الأصوات في التوقيت الحالي ، بضرورة التدخل وتنظيم هذا النوع من التسويق للمنتجات والخدمات، من أجل الحفاظ على طبيعة السوق المصري وتطوره خلال الفترة الماضية في العديد من المجالات، وأيضا لضمان التزام الشركات بقنوات وأوقات التسويق للمنتجات والخدمات المقدمة من قبلها أو من خلالها، بالإضافة إلى الحد من المكالمات الهاتفية التسويقية غير المرغوب فيها بما يحقق راحة المستهلك، وعدم انتهاك خصوصيته.
وأشار الخبراء إلى أن تنفيذ هذه الأهداف يتطلب حزمة من الإجراءات والسياسات التنظيمية من الجهات المعنية، خاصة وأن العديد من الأسواق في المنطقة والعالم أقرو العديد من الضوابط التي تنظم هذا المجال ، وأخرها مطلع هذا الأسبوع بإصدار الأمارات قرار بشأن ضوابط وآليات تنظيم التسويق عبر المكالمات الهاتفية، وآخر بشأن المخالفات والجزاءات الإدارية عن الأفعال التي تقع بالمخالفة لأحكامه، على أن يبدأ تطبيقهما اعتبارا من منتصف شهر أغسطس المقبل.
وتمثلت أبرز هذه الأحكام والضوابط المُعلنة، في توقيع جزاءات متدرجة تشمل الإنذار وغرامة مالية تصل إلى 150 ألف درهم، ووقف مزاولة النشاط كليا أو جزئيا كما تتضمن اللوائح إلغاء الترخيص والشطب من السجل التجاري، وقطع خدمات الاتصالات، وحرمان من خدمات الاتصالات بالدولة لمدة تصل إلى سنة كما يُحظر على الأفراد إجراء مكالمات تسويقية بواسطة هواتف صادرة بأسمائهم، ويتم الاتصال فقط من هواتف مسجلة باسم الشركة المرخصة، وكذلك يُحظر إجراء المكالمات التسويقية خارج الفترة من 9 صباحًا وحتى 6 مساء، مع حظر الاتصال بالأرقام المسجلة في سجل عدم الاتصال، ويُمنع معاودة الاتصال بالمستهلك في حال رفضه للخدمة أو المنتج في المكالمة الأولى، ويُمنع الاتصال لأكثر من مرة في اليوم حال عدم الرد.
وأكد الخبراء على أهمية هذه الإجراءات وغيرها، خاصة وإن الاتصالات الترويجية المزعجة شهدت انتشاراً سريعاً، بفعل الانتشار الواسع للهواتف الذكية في مصر، كما زادت بقوة مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، تطبيقات التراسل الفوري وغيرها من الوسائل التي تقتحم هواتف المشتركين دون سابق إنذار أو مراعاة لظروف المتلقي الحياتية وخصوصياته.
النائب أحمد بدوي، رئيس لجنة الاتصالات بمجلس النواب، قال إن وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وجهاز تنظيم الاتصالات عقدوا اجتماعات لحل أزمة ملف المكالمات التسويقية منذ نحو 6 شهور، مشيرا إلى إلى أن هناك قرارات ستصدر بشان تنظيم المكالمات التسويقية بعد عيد الأضحى، مضيفا: «في سيستم مركزي عالي الجودة لتنظيم هذا الأمر»، معلنا انتهاء هذه الأزمة خلال شهرين.
وأوضح أنه من ضمن القرارات التي ستصدر لتنظيم المكالمات التسويقية، أنه سيحظر منع استخدام الخطوط الشخصية في اجراء مداخلات تسويقية، وإلزام الشركات في تسويقها للمنتجات والخدمات من خلال المكالمات الهاتفية بإيلاء العناية اللازمة والحرص الكافي على عدم إزعاج المستهلك ، مشيرا أن تلك القرارات تستهدف تنظيم التسويق للمنتجات والخدمات والمحافظة أيضا على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وضمان التزام الشركات بقنوات وأوقات التسويق للمنتجات والخدمات المقدمة .
وأضاف النائب أحمد بدوي، أن الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات سيرسل رسائل تحذيرية لكل الأرقام التي تستخدم في التسويق، من خلال ما قال إنه “أعلى سيستم مركزي عالي الجودة”، لفلترة مكالمات التسويق العقاري أو أي من هذا النوع من المكالمات، منوها إلى إلى أنه حضر بنفسه بصفته رئيس لجنة الاتصالات، تقديم عشرات طلبات الإحاطة من النواب، بسبب مكالمات التسويق العقاري، مؤكدًا عقد 30 اجتماعًا بشأن المشكلة خلال 45 يومًا.
وأوضح رئيس لجنة الاتصالات في البرلمان، أنه بعد شهرين من الآن، لن يسمح لأي خط شخصي، استخدام خدمات الاتصالات في الأغراض التجارية أو التسويقية، بعد إتمام حصر كل الأرقام الشخصية التي تستخدم في التسويق، مضيفًا أن أي جهة تريد العمل في التسويق الهاتفي، عليها الذهاب إلى شركة الاتصالات مقدم الخدمة، وتقديم الأوراق الرسمية المطلوبة للحصول على الخدمة.
وأكد أحمد بدوي، أن شركات الاتصالات لم تخرج بيانات العملاء لشركات التسويق، مضيفًا أن 64% من المصريين يستخدمون التسويق الإلكتروني، وبالتالي بياناتهم متاحة.
من جانبه كشف الدكتور محمد حمزة، الخبير القانوني في أمن المعلومات، أن مايحدث باسم التسويق عبر الهاتف ليس قانونيا، خاصة مع تفاقم هذه الظاهرة من جانب شركات التسويق العقاري بشكل خاص حيث تستحوذ على 90% من هذه المكالمات.
وأشار إلى ضرورة إقرار ضوابط محددة لهذه المكالمات، ومنها على سبيل المثال الحصول على موافقة مسبقة لمزاولة نشاط التسويق عبر الهاتف من الجهات المعنية،وتدشين خاصية «كشف هوية المتصل» لضمان حق المشترك في الرد على الاتصال من عدمه، وإقرار ميثاق لأخلاقيات السلوك المهني في إجراء المكالمات التسويقية ، وتسجيل الأرقام المستخدمة في عملية التسويق تحت الرخصة التجارية الخاصة بالشركة المرخصة ، وإيجاد قناة تواصل للمستهلكين المهتمين بالحصول على المعلومات التسويقية، وأن لا يتم الاتصال التسويقي إلا بهؤلاء المستهلكين، وعدم الاتصال بغرض التسويق للمنتجات أو الخدمات للمستهلكين الواردة أرقامهم في سجل عدم الاتصال.
ونوه الدكتور محمد حمزة أن «ومن الممكن للشخص الذي يتم الاتصال المستمر معه أو إزعاجه بالكثير من الرسائل أن يقوم بالإبلاغ عنه، خاصة أن هناك بعض الناس أصبحت تجمع بيانات عدد من الأشخاص وتقوم ببيعها بعد تصنيفها إلى طبقات وفئات معينة»، مشيرا إلى أن «المشرع المصري وفق لقانون 175 لسنة 2018 حذر من إرسال أحد رسائل بكثافة بأن يتم عقابه بالحبس أو الغرامة، وكذلك عمل المشرع تشريع خاص بحماية البيانات وأن كل ما يحدث مجرم طبقا للقانون المصري».
حول حصول الشركات على بيانات العملاء، قال المهندس أحمد غندور، الخبير بإحدى شركات أمن المعلومات، إن هناك العديد من الطرق للحصول على بيانات العملاء وتداولها دون إذن منهم واستخدامها فى التسويق وبيعها لشركات مختلفة، وهو مايعاقب عليه القانون فى دول عديدة بعقوبات رادعة، مشيرا إلى أن تسريب البيانات يمكن أن يتم من قطاعات الموارد البشرية فى الشركات خاصة الكبيرة التى يعمل بها الاف العاملين، حيث تحوي هذه الإدارات على ملفات بأرقام الهواتف،وتلجأ العديد من الشركات لشراء هذه البيانات بطرق مخالفة من أحد الموظفين التي يعمل بها.
وأضاف أن هذه البيانات تمثل تجارة مربحة للعديد من الأطراف حيث يتم بيعها أكثر من مرة، وتمثل تقييم وتفضيل لأحد الموظفين عن الأخر في هذا المجال حيث يتم التقييم بحجم البيانات التي يمتلكها هذه الموظف، منوها إلى أن العملاء أيضا يقعون في بعض الأخطاء التي تسرب بيانات زملائهم حيث يعطون بعض الشركات بيانات زملائهم للتخلص من تكرار اتصالاتهم، أو يسربون بياناتهم بشكل مباشر على روابط الإنترنت المتصلة بأهداف ترويجية دون قصد.
ولفت المهندس أحمد غندور، إلى أن هناك طريقا آخر مهما تحصل منه تلك الشركات على بيانات المواطنين، وهى من خلال مواقع الإنترنت التى تطلب من العملاء ترك أرقام هواتفهم وتسجيل بياناتهم، ويتركها العميل بنية حسنة دون أن يدرى أن هذه البيانات تستخدم فيما بعد لملاحقته من شركات أخرى فى مجالات مختلفة.
وأشار إلى أن هذه الظاهرة تحجمت في الكثير من الدول بفضل العديد من الإجراءات التنظيمة التي أقرت ، فعلي سبيل المثال في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، يخضع المسوقون عبر الهاتف لعقوبات بموجب تشريعيات وقواعد تنظيمية مثل قانون حماية المستهلك عبر الهاتف، حيث يحدد هذا القانون في الولايات المتحدة تفاصيل المكالمات التي تعد غير قانونية، ويمنع القانون المسوقين من إجراء مكالمات مبيعات تعتبر مزعجة للمستهلكين، كما أنه يتطلب من المسوقين عدم الاتصال بالعملاء المستهدفين دون موافقتهم،و ينطبق القانون على الهواتف الأرضية والمحمولة والرسائل النصية وبموجب القانون، يمكن للمسوقين عبر الهاتف إجراءات مكالمات فقط بين الساعة 8 صباحا و9 مساء، وإذا طلب منهم العميل عدم الاتصال مرة أخرى فلن يحدث مجددا بشكل قاطع.
ونوه خبير أمن المعلومات إلى أن هناك سجل عدم الاتصال” الذي يمكن المواطن من تسجيل نفسه لعدم تلقي هذه المكالمات الترويجية ويكون مستثني فقط المنظمات مثل الأحزاب السياسية والصحف والمنظمات غير الربحية ومنظمي استطلاعات الرأي.
وأكد أحمد غندور، أن الازمة الأكبر في ما يتعلق بالتسويق عبر الهاتف، هي وجود أطراف باتت تبيع قواعد المعلومات ومنها أرقام الهواتف والإيميل الشخصي، وغيرها من البيانات الخاصة لأطراف أخرى تستخدمها في الاتصال بأصحاب هذه الأرقام لبيع منتجات أو الترويج لخدمات محددة، بما يتعارض مع الغرض الذي أفصح لأجله صاحب الخط لجهة محددة.
من جانبه قال الدكتور أشرف درويش، أستاذ الاتصالات بجامعة حلوان: ما يحدث من تسويق بهذا الشكل من خلال الاتصالات المتكررة يعد انتهاكا للخصوصية، وأصبح هناك استياء عام مما يحدث، والأمر منتشر في دول العالم، ولكنه ضد مبدأ الخصوصية، ويجب أن يكون هناك ضوابط من خلال لوائح وقوانين تمنع تداول البيانات الشخصية بهذا الشكل، ويكون هناك رقابة، فيجب التشريع بمنع تداول البيانات الشخصية بين الشركات.
تابع “ما يحدث هو أن العميل يشتري من شركة أو موقع أو حتى محال، ويطلبون بياناته الشخصية من أجل إرسال العروض، ويجمعون أرقام الهواتف وبعضهم يبيعوها لشركات أخرى من أجل القيام بهذه المكالمات التسويقية المزعجة ويحققون مكاسب مادية منها، أو يتداولونها بينهم.
ولفت الدكتور أشرف درويش إلى أن أي عميل يشتري من أي موقع يترك أرقامه، ثم يقوم الموقع بالاستفادة من تلك البيانات، ويجب توعية العملاء بعدم ترك بياناتهم الشخصية في أي مكان، ويؤكد أن هناك طرق تسويقية أخرى يمكن للشركات إتباعها بدلا من هذه الطريقة المزعجة، مؤكدا أن شركات الاتصالات ليس لها علاقة بهذا الأمر، لأن هناك ضوابط مشددة تمنعها من فعل ذلك.
وأكد على ضرورة الإطلاع على تجارب دول أخرى من أجل وضع ضوابط لهذا المجال، مثلما فعلت الإمارات التي أقرت ضوابط تنظيمية، ويجب الإسراع في ضبط هذا المجال،لأن الوضع زاد عن حده.