يظل التحول الرقمي على رأس أولويات القطاع المصرفي في 2023، إذ أنه يساعد البنوك على تحسين كفاءة وفعالية عملياتها من خلال تبسيط العمليات وأتمتة المهام، وتحسين قدرتها على الاستعداد للمستقبل والقدرة على تحسين تجارب العملاء، لذا تسعى البنوك بتوجيهات من البنك المركزي المصري إلى الوصول إلى العملاء في كل مكان وتقديم أفضل الخدمات المصرفية بأسهل الطرق الممكنة.
ومع بداية عام 2023، وضع البنك المركزي المشروعات الرقمية على رأس أولوياته خلال الفترة الراهنة وفق ما أشار إليه تقرير الاستقرار المالي، والتي يتصدرها خدمة التعرف على هوية العملاء إلكترونيا «E-KYC»، وضع ضوابط الادخار والإقراض الرقمي من خلال محفظة الهاتف المحمول، العملات الرقمية للبنوك المركزية، بالإضافة إلى وضع القواعد الخاصة بإنشاء البنوك الرقمية في مصر.
ونجح البنك المركزي المصري خلال السنوات الأخيرة -وتحديدًا منذ إطلاق قانون البنوك الجديد في 2020 والذي خصص باباً كاملاً لنظم وخدمات الدفع- في رفع مستوى أداء الجهاز المصرفي وتحديثه وتطويره ودعم قدراته التنافسية وإطلاق العديد من المنتجات المصرفية الرقمية التي غيرت من شكل القطاع المصرفي، لتكون الهوية الرقمية هي المُعبر الأول عن القطاع المصرفي المصري، لذا نستعرض أبرز جهود البنك المركزي لتعزيز خدمات نظم الدفع بالبنوك المصرية.
إنشاء وتطوير نظام التسوية اللحظية
يعد نظام التسوية اللحظية الذي يديره البنك المركزي المصري منذ مارس 2009 العماد الأساسي لنظام الدفع القومي، حيث يقوم بوظيفة التسوية اللحظية والنهائية لأوامر الدفع المتبادلة بين البنوك داخل القطاع المصرفي المصري، كما تم إطلاق خدمات التسوية اللحظية بالعملات الأجنبية لعملتي “الدولار واليورو” في مارس ويوليو 2021.
واستكمالاً لمنظومة التطوير لنظام التسوية اللحظية متعدد العملات، قام البنك المركزي بالعمل على تعزيز الخدمات المقدمة من خلال النظام بما يتوافق مع المعايير والتوصيات الدولية، إذ أصدر البنك المركزي في نوفمبر ۲۰۲۱ قواعد تسوية معاملات غرف المقاصة بالعملة الأجنبية على نظام التسوية اللحظية بالعملات الأجنبية والتي تحدد التزامات غرف المقاصة التي ترغب في الاشتراك في نظام التسوية اللحظية بالعملات الأجنبية التي تعمل داخل مصر كأحد القواعد الفرعية لنظام التسوية اللحظية متعدد العملات.
تجهيز البنى التحتية لنظم الدفع الإقليمية
شارك البنك المركزي المصري في تنفيذ مشروع منصة “بنى”، لارتفاع العائد الاقتصادي منه، حيث يهدف إلى تنفيذ التحويلات العربية البينية في وقت وتكلفة أقل، وبعد ذلك عامل جذب لتضمين كافة تحويلات العاملين من الخارج بالقنوات الرسمية، إذ تعد منصة “بنى” أول منصة إقليمية عربية موحدة لتنفيذ المدفوعات العربية البينية متعددة العملات – الجنيه المصري والدرهم الإماراتي والريال السعودي والدينار الأردني، بالإضافة إلى عملتي الدولار الأميركي واليورو – بين الدول العربية.
واستمر التعاون بين البنك المركزي المصري وصندوق النقد العربي لزيادة فعالية منصة “بنى” للمقاصة وتسوية المدفوعات العربية البيئية حيث بلغ عدد البنوك المصرية المشاركة على المنصة حوالي 14 بنك مصري والتي تستحوذ على حوالي 80% من حجم التعاملات المصرفية المتبادلة مع الدول العربية.
مقاصة الشيكات متعددة العملات
أطلق البنك المركزي المصري خلال شهر يونيو 2021 غرفة مقاصة للشيكات متعددة العملات والتي تبدأ بعملات الدولار الأمريكي واليورو في المرحلة الأولى، وفي إطار خطته المستقبلية للتحول الرقمي الشامل الذي يشمل تطوير وتحديث البنية التحتية للسوق – ومنها أنظمة الدفع والتي من أهمها نظام غرفة مقاصة الشيكات – يسعى البنك المركزي المصري للانتقال من النظام المعتمد على التبادل الورقي إلى النظام الرقمي المعتمد على قيد إلكتروني والصورة الرقمية المؤمنة للشيك.
وبموجب القواعد الصادرة عن البنك المركزي، تم الانتهاء من مشروع خدمة المقاصة الآلية (ACH) للمدفوعات صغيرة القيمة بالعملات الأجنبية المتبادلة داخل الجمهورية بالتعاون مع المحول القومي – شركة بنوك مصر للتقدم التكنولوجي EBC – والذي من شأنه أن يحقق عدد من المميزات للبنوك المصرية من أهمها خفض تكلفة أوامر الدفع بالعملة الأجنبية المتبادلة بين البنوك المصرية من خلال الخدمة، وتم إطلاق كافة المراحل لتسوية التحويلات صغيرة القيمة بالعملة الأجنبية من خلال المقاصة الآلية متعددة العملات خلال الفترة من فبراير إلى مايو 2021.
خدمة الدفع باستخدام الهاتف المحمول
أصدر مجلس إدارة البنك المركزي المصري في عام 2021، الإصدار الثالث من “القواعد المنظمة لتقديم خدمات الدفع باستخدام الهاتف المحمول”، كما تم اصدار القواعد المنظمة لتقديم خدمة الإقراض والادخار الرقمي من خلال محفظة الهاتف المحمول، إذ تعد خدمة الدفع باستخدام الهاتف المحمول من أهم أنظمة وخدمات الدفع المؤثرة بشكل كبير في تحقيق الشمول والاستقرار المالي والتحول إلى مجتمع أقل اعتمادا على أوراق النقد.
وتتضمن الخدمات الحالية بمحفظة الهاتف المحمول، عمليات التحويل والسحب والإيداع النقدي، شحن رصيد الموبايل وسداد الفواتير، دفع خدمات المرور والخدمات الأخرى، التبرع للمؤسسات الخيرية، إصدار بطاقة افتراضية VCN للشراء من خلال الإنترنت، واستقبال التحويلات من الخارج.
كما قام البنك المركزي بإضافة وتطوير نماذج العمل، والتي تضمنت تغذية حساب المحفظة إلكترونياً AVL والتي تتيح للعميل القدرة على تغذية حساب محفظته من رصيد البطاقات المصرفية الصادرة من البنوك المصرية دون الحاجة إلى الذهاب إلى أي من فروع البنك أو ماكينات الصراف الآلي أو مقدمي الخدمة.
وشمل التطوير، عمليات التحويل P2P والتي تتيح التحويل بين محافظ الهاتف المحمول والحسابات البنكية، حيث تقدر نسبة الزيادة السنوية في عدد عمليات التحويل بين محافظ الهاتف المحمول في الفترة من يونيو 2021 وحتى يونيو 2022 بنحو 151%، كما تقدر نسبة الزيادة في قيمة عمليات التحويل بين محافظ الهاتف المحمول فى الفترة من يونيو 2021 وحتى يونيو 2022 بنحو 200%.
وتتضمن نماذج العمل المطورة، صرف المعاشات والمرتبات على محفظة الهاتف المحمول، حيث حرص البنك المركزي المصري على راحة المواطنين أصحاب المعاشات بتصميم منتجات تلبي احتياجاتهم، وتم توقيع بروتوكول تعاون بين البنك المركزي والهيئة القومية للتأمين الاجتماعي والجهاز القومي لتنظيم الاتصالات الصرف المعاشات إلى مستحقيها بصورة آمنة عبر محفظة الهاتف المحمول، وذلك في إطار حرص البنك المركزي على التيسير على المواطنين وتعزيزاً للشمول المالي، كما تم إتاحة خدمة صرف مرتبات العامليين بالقطاعين الحكومي والخاص من خلال محفظة الهاتف المحمول.
كما تضمنت نماذج العمل أيضًا، رمز الاستجابة السريع QR Code، حيث تم العمل على زيادة رمز الاستجابة السريع ضمن مبادرة السداد الإلكتروني لزيادة نشر وتنشيط وسائل القبول الإلكتروني والتي ساهمت في وصول نقاط التحصيل إلى 621 ألف رمز استجابة سريع بنهاية يونيو 2022.
وأثمرت هذه الجهود عن وصول عدد حسابات الهاتف المحمول إلى نحو 28.3 مليون حساب بنهاية يونيو 2022، بمعدل نمو سنوي 22%، كما بلغت قيمة المعاملات الشهرية للمحافظ 48.5 مليار جنيه بنهاية يونيو الماضي، بنمو 143% على أساس سنوي.
شبكة المدفوعات اللحظية
وفي إطار تنفيذ استراتيجية المجلس القومي للمدفوعات لدعم التحول للاقتصاد الرقمي، واستمراراً لجهود البنك المركزي المصري الاستباقية في التطور الرقمي، أعلن البنك المركزي في 2022 عن الإطلاق الرسمي للمنظومة الوطنية لشبكة المدفوعات اللحظية وتطبيق “إنستا باي” لعملاء القطاع المصرفي بما يتيح إجراء المعاملات المالية إلكترونياً بشكل لحظي.
ويعد إطلاق شبكة المدفوعات اللحظية الجديدة، خطوة مهمة على طريق تحقيق رؤية البنك المركزي الشاملة لنظم الدفع الوطنية بما يضمن استقلالية المدفوعات داخل مصر ويعزز أهداف المجلس القومي للمدفوعات في التحول لمجتمع أقل اعتماداً على أوراق النقد ويساهم في تيسير المعاملات المالية الإلكترونية للمواطنين بطريق آمنة وفعالة ولحظية.
وتعتمد شبكة المدفوعات اللحظية على أحدث نظم التشغيل البيني للربط بين البنوك من خلال بنية تحتية رقمية تتيح التكامل مع شركات التكنولوجية المالية وخلق فرص هائلة لتقديم حلول مبتكرة لكافة فئات المجتمع، بما سيساعد على وضع مصر في مصاف الدول الرائدة في مجالات الخدمات المالية المصرفية الإلكترونية.
ويعد تطبيق إنستاباي يعد أول تطبيق مرخص من البنك المركزي المصري لتقديم خدمة الدفع عبر شبكة المدفوعات اللحظية، حيث قامت شركة بنوك مصر، الذراع التكنولوجية للبنك المركزي، بتطوير منظومة المدفوعات اللحظية وتطبيق إنستاباي وفقا لتوجيهات البنك المركزي المصري مع الاستعانة بكبرى الشركات الاستشارية العالمية المتخصصة في تأمين شبكات وتطبيقات الدفع الإلكتروني، حيث تعتمد المنظومة الجديدة على أحدث نظم تأمين البيانات والمعاملات على مستوى العالم والتي تضمن التشفير الكامل لكافة البيانات السرية وعدم تخزينها من قبل التطبيق، بما يكفل أقصى درجات الحماية لحقوق عملاء القطاع المصرفي.
ماكينات الصراف الآلي
ولأنها واحدة من أهم قنوات القبول الإلكترونية لجميع عملاء القطاع المصرفي داخل الجمهورية، قام البنك المركزي بنشر أكثر من 6 آلاف ماكينة صراف آلي منذ ۲۰۱۹ حتى ۲۰۲۲، ليصل عدد ماكينات الـ ATM إلى 20.9 ألف ماكينة، حيث تعتبر البديل الرئيسي لفروع البنك والتي من خلالها يمكن تنفيذ مختلف المعاملات المالية وغير المالية، وفي الوقت الحالي تقوم ماكينات الصراف الآلى بتقديم خدمات مالية وغير مالية مبتكرة وجديدة حيث أصبحت الماكينات لا تقدم خدمات السحب والإيداع النقدي فقط، بل ويتم الاعتماد عليها لتنفيذ عمليات الدفع وذلك اعتماداً على تطور البنية المالية التحتية للقطاع المصرفي في الأعوام الأخيرة.
إحلال وتجديد بطاقات المعاشات ببطاقة الدفع الوطنية ميزة
ونجح البنك المركزي في إحلال أكثر من 6.5 مليون بطاقة معاشات ببطاقة ميزة الوطنية بالإضافة إلى 4.3 مليون بطاقة مرتبات حكومية، حيث وقع المركزي بروتوكول تعاون مع الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي والجهاز القومي لتنظيم الاتصالات لدمج المستفيدين أصحاب المعاشات في القطاع المصرفي وتمكينهم من الحصول على مستحقاتهم بشكل سريع وآمن وسهل.
أهم المشروعات المستقبلية على أجندة المركزي
التعرف على هوية العملاء إلكترونيا «E-KYC»
يأتي مشروع التعرف على هوية العملاء إلكترونيا «E-KYC» على رأس أولويات البنك المركزي في المرحلة الحالية، حيث تهدف منظومة اعرف عميلك الإلكترونية إلى تطوير القطاع المصرفي المصري من خلال توفير وسيلة إلكترونية آمنة لمستخدمي الخدمات المالية تمكنهم من إنشاء هوية مالية إلكترونية تسمح بالتحقق من بيانات العملاء إلكترونياً بما تمكنهم من فتح حسابات البنوك بشكل إلكتروني عن بعد بدون الذهاب إلى فرع البنك (Remotely)، مما ينعكس بالإيجاب على عملية إدراج عملاء جدد لدى البنوك بطرق إلكترونية سهلة وسريعة وآمنة وكذلك خفض الإجراءات الورقية وخفض التكدس على فروع البنوك للتسجيل والحصول على الخدمات المالية.
الادخار والإقراض الرقمي من خلال محفظة الهاتف المحمول
يهدف المشروع إلى إتاحة الافتراض الإلكتروني لعملاء محافظ الهاتف المحمول بصورة لحظية من خلال قناة مؤمنة بناء على السلوك الائتماني لهم Alternative credit Scoring”، حيث تم إصدار القواعد الخاصة بهذه الخدمة خلال عام ۲۰۲۱، ويقوم البنك المركزي بالعمل مع الشركة المصرية للاستعلام الائتماني «أي سكور» للانتهاء من الجوانب الفنية الخاصة بالمشروع ليتمكن المواطن من الافتراض بصورة لحظية على مدار الساعة عن طريق محفظته الإلكترونية.
العملات الرقمية للبنوك المركزية
واستكمالاً للخطوات التي اتخذها البنك المركزي المصري ضد و انتشار وتداول العملات المشفرة، يقوم البنك المركزي بدراسة تطبيق العملات الرقمية للبنوك المركزية والتي تتسم بالأمان والاستقرار بديلاً عن الأنواع الأخرى للعملات المشفرة ومخاطرها بالإضافة إلى مميزاتها الأخرى المرتبطة بالاقتصاد الرقمي والشمول المالي والخدمات المالية الرقمية.
وتم تشكيل لجان عمل داخلية وخارجية (من كافة الوزارات والجهات القومية المعنية برئاسة البنك المركزي المصري بهدف دراسة الملف وذلك بالتعاون مع عدة مؤسسات دولية، حيث يحرز البنك المركزي المصري تقدماً في تلك الدراسة المشار إليها.
وضع القواعد الخاصة بإنشاء البنوك الرقمية في مصر
ولأن البنوك الرقمية من أهم الأدوات لتقديم خدمات مصرفية بصورة إلكترونية للعملاء والذي له بالغ الأثر في تحقيق الشمول المالي، فكانت الحاجة إلى ضرورة وضع الإطار الرقابي والتشريعي لاستحداث نوع جديد من البنوك يقوم بتقديم الخدمات بصورة إلكترونية وجذب شريحة جديدة من العملاء، لذا يعمل البنك المركزي المصري حالياً على وضع الإطار الرقابي لتراخيص البنوك الرقمية.