حتى هذه اللحظة ما زال مُصطلح “البروبتك”، أو ما يعرف بتكنولوجيا العقارات، قليل الاستخدام إلى حدٍ ما في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، لكن من المتوقع ألا يستمر ذلك طويلا، حيث أن التغيرات والتحولات التكنولوجية تحدث فجأة وبوتيرة متسارعة، ولذلك من المتوقع أن يحتل التقدم التكنولوجي وحلول الذكاء الاصطناعي مكانة كبيرة في دعم الاستثمار في قطاع العقارات، الأمر الذي سيؤثر بشكل قوي على واقع القطاع العقاري بالكامل، ابتداء من البناء، ووصولا إلى إجراءات صفقات البيع والتسليم.
بالتالي، يجب على شركات العقارات قراءة هذا الواقع وتقبله ومحاولة التكيف معه بطريقة علمية مدروسة تساعد في تطوير القطاع، خاصة لما يمثله القطاع العقاري من أهمية الآن بين كافة القطاعات الاقتصادية الأخرى في كافة دول المنطقة ومنها مصر.
ومما لا شك فيه أن البيانات تحتل في الوقت الحالي قيمة وأهمية كبيرة في كافة مجالات العمل، فمع وجود البيانات الدقيقة تصبح الشركات العقارية أكثر قدرة على اتخاذ القرارات ووضع الاستراتيجيات الصحيحة، الأمر الذي يؤثر بالطبع على معدلات النمو داخل تلك الشركات وكذلك دورها في دعم وتعزيز النمو الاقتصادي بشكل عام داخل الاقتصاد.
ولا يختلف القطاع العقاري عن غيره من القطاعات في هذه النقطة، إذ يُجمع الخبراء على أن التحولات الرقمية المرتبطة بمجال جمع وتحليل البيانات ستسهم في إحداث نقلة نوعية لجعل بيئة القطاع العقاري أكثر شفافية وفاعليّة، إلى جانب جعل معالجة عمليات التداول في القطاع العقاري أكثر سهولة، وهو ما سيؤدي إلى إعادة تصميم وتغيير الدور التقليدي لكل الأطراف العاملة في هذا القطاع، كما سيساعد في وضع توقعات مستقبلية لسوق العقار خصوصاً من ناحية فهم طبيعة العملاء المستهدفين ، ومحاوله إشباع تلك الحاجات.
وفي إطار التحول نحو استخدام نظم الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات، يمكننا ذلك من تحليل السوق ومعرفة عوائد الاستثمار العقاري في المناطق المختلفة، وكذلك التعرف على العملاء المحتلمين والوصول إليهم، هذا من ناحية شركات الاستثمار العقاري، أما على صعيد العملاء، فسيصبح بإمكانهم استخدام نماذج معينة وقواعد بيانات تحسب قيمة الممتلكات وإجراء المقارنات مع عقارات أخرى إلكترونياً، مما يساعدهم على اختيار الصفقة الأفضل بالنسبة له، والتي ستوفر له العائد الاستثماري المرغوب في المستقبل، إلا أن التحدي الأكبر هنا – هو أننا لا نملك حتى الآن قاعدة بيانات موحدة تساعد العاملين في قطاع العقارات، مما يتطلب ضرورة توسيع قاعدة البيانات من أجل مساعدة شركات التطوير العقاري على اتخاذ قرارات الاستثمار، وتوفير خدمات عالية المستوى للجمهور تلبي احتياجاته داخل السوق العقاري.
وفي إطار التحول نحو استخدام نظم البروبتك، فليس غريبا عزيزي القارئ أن تري قريبا بأنه يتم الاعتماد على الروبوتات واستخدامها في مجال العقارات، حيث أنه من الممكن أن نرى قريباً رجل الأمن في المباني والمجمعات السكنية أصبح رجلاً آلياً، أو أن يتم تعيين روبوتات للقيام بعمليات الصيانة الروتينية، أو مثلاً نرى روبوتاً يقوم بمهمة وكيل عقاري يرشد العملاء على أماكن وجود عقارات للبيع أو التأجير، فيقوم الروبوت بأخذ العميل في جولة استكشافية، ويسجل رأي العميل في كل عقار، وكذلك في مجال البناء وتشييد المشاريع العقارية الجديدة ، فقد نرى مستقبليا إقحام الروبوتات في مجال البناء خصوصاً في الدول التي تواجه نقصاً في الأيدي العاملة، أو تلك التي تحتوي على أيدي عاملة باهظة الثمن.
وكذلك الأمر بالنسبة للتوجه نحو الاعتماد على الطباعة ثلاثية الأبعاد في مجتمع العقارات وخاصه في مجال بناء العقارات والتشييد، حيث أن الطباعة ثلاثية الأبعاد تختلف عن عملية البناء التقليدية بسرعة التنفيذ وانخفاض التكاليف، وهذا يعني توفير وحدات عقارية بأسعار في متناول المستهلك، مما قد يعزز من القدرة الشرائية على العقار، وبالتالي ارتفاع الطلب على المنتج العقاري، مما قد يُحدث انتعاشاً قويا في السوق العقاري.
وكذلك التحول نحو استخدام تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز، حيث إن استخدام هذه التقنية يمكن أن يبدأ من مرحلة التخطيط للمشروع العقاري وحتى مراحل بيعه، فتصميم المنشآت بتقنية الواقع الافتراضي، واختبار الحياة فيها قبل بنائها سيساعد صناع القرار في شركات التطوير العقاري على اتخاذ قرارات أكثر دقة عند تصميم المشاريع، وبالتالي اكتشاف كل نقاط الضعف وتطويرها قبل انطلاق عمليات البناء، وهذا بالتأكيد سيعود بالفائدة على النتيجة النهائية، وكذلك في مجال بيع العقارات، فقد دخلت التقنيات الحديثة هذا المجال منذ مدة عبر توفير منصات رقمية تزود العملاء بإمكانية اختبار العقارات المتنوعة واختيار العقار الأنسب لهم.
وليس هذا فقط، بل كذلك قيام بعض الشركات العقارية بتوفير فرصة تجربة وضع الأثاث في المنزل عبر تقنية الواقع الافتراضي ، والتي تربط بين الواقع والفرضيات، وبهذا أصبح بإمكان المشتري اختبار شكل الأثاث الذي يخطط لشرائه داخل غرف وحجرات البيت الجديد قبل شراء العقار أو حتى الأثاث.
وأخيرا، فإن إحداث التغيير بالشكل المطلوب وتحقيق الأهداف المرجوّة من التحول الرقمي في مجال الاستثمار العقاري يجب أن يتم بطريقة مدروسة تساعد العاملين في القطاع والعملاء معاً على تقبُّل التحول وفهمه بكل سلاسة ومن دون أي معوقات، ولضمام تحقيق ذلك علينا اتخاذ إجراءات محددة، والقيام ببعض الدراسات التي تحلل الوضع الحالي، وتسلط الضوء على التقدم الذي يمكن إحرازه عبر أتمتة كافه العمليات التي تحدث داخل القطاع العقاري، وبعد ذلك نبدأ في وضع خطة زمنية للتغيير، كما يجب على شركات التطوير العقاري القيام بعمليات مراجعة دورية لكل التغيرات التي تمت حتى تبقى على تواصل مع السوق والاتجاهات التكنولوجية المتغيرة، وتواصل تبنّي تقنيات جديدة على نحو صحيح يساهم ويضمن في أن يظل القطاع العقاري طوال الوقت متماشيا مع كافه المتغيرات التي تعزز من تنافسيه.
تحليل كتبه: أحمد أبو علي
الباحث الاقتصادي