Follow ICT
شعار الموقع الاساسى
جايزة 160
جايزة 160

محمد حجازي يكتب: قانون التجارة الإلكترونية والانطباعات الزائفة!

مع زيادة اعتماد الأفراد والشركات على شبكة الإنترنت والمنصات الإلكترونية في إتمام عمليات التسويق والبيع والشراء، وفي ضوء استمرار جائحة كورونا، توسعت أنشطة التجارة الإلكترونية بشكل كبير حتى أصبح من المتوقع أن تتخطى حجم مبيعاتها عالميا حوالي خمسة تريليون دولار بحلول عام 2022.

وتظل كل من التجارة التقليدية مع التجارة الإلكترونية تتفق فيما يتعلق بأطرافها وهدفها، إلا أنها تتميز عن التجارة التقليدية بأنها تتيح للمستهلكين التسوق والشراء في أي وقت ومن أي مكان، فيستطيع المستهلك الشراء من أي منصة أو موقع إلكتروني من أي مكان في العالم في أي لحظة يرغب في إتمام المعاملة التجارية فيها، كما تتميز أيضا بأنها أقل تكلفة وتوفر إمكانيات أكبر من حيث الاستجابة لمتغيرات السوق وأذواق المستهلكين ورغباتهم بشكل أسرع وأكثر فاعلية من التجارة التقليدية.

هذا ويمكن تصنيف النماذج الرئيسية للتجارة الإلكترونية والتي تتفق أيضا مع التجارة التقليدية، إلى النموذج الأكثر تطبيقاً وهو B2C أو البيع المباشر من شركة إلى مستهلك وهو النموذج التجاري الأكثر انتشاراً في عالم التجارة بشكل عام وفي عالم التجارة الإلكترونية بشكل خاص، ويأتي النموذج التالي وهو B2B أو البيع والشراء بين الشركات بعضها البعض.

وتأتي النماذج التجارية التي أظهرتها التجارة الإلكترونية بشكل واضح، والتي ترتبط بالمستهلكين بعضهم البعض من خلال نموذج C2C والذي يتم من خلال بعض المنصات التي تقوم بدور الوسيط أو دور واجهات (فاترينة) العرض، ويلي ذلك نموذج من المستهلك إلى الشركة C2B والذي يقوم على بيع المستهلكين للشركات خدمات أو منتجات.

ومع ارتباطها بالأنشطة الاقتصادية المختلفة التي تقوم على تبادل السلع والخدمات، وتلبية احتياجات المستهلكين سواء أكانوا أفراد أو شركات، بات الحديث عن أهمية تهيئة المناخ التنظيمي لزيادة فاعلية أنشطة التجارة الإلكترونية، وبرز الحديث عن ضرورة صياغة قانون لتنظيم التجارة الإلكترونية وكأنه الحل السحري، أو كأنه يوجد قصور تشريعي في تنظيم هذا المجال.

إن الانطباع الزائف لدى الكثيرين بأن التحديات التي تواجه التجارة الإلكترونية وتوسعها هي عدم وجود قانون، هو انطباع غير حقيقي ولا يستند إلى معرفة الإطار القانوني المنظم لتلك الأنشطة أو حتى التحديات الحقيقية التي تواجهها.

فعندما ننظر إلى المعاملة التجارية الإلكترونية نجد أنها عبارة عن تعاقد يتم بين طرفين أو أكثر، ويكفي في انعقاده تراضي المتعاقدين أي اقتران الإيجاب بالقبول، ودون الحاجة لكتابة العقد أو اتخاذ شكل معين، حيث أن الأعمال التجارية تقتضي اعتبارات السرعة والائتمان وتقوم أيضا على السهولة في إنشاء الالتزام وإثباته في ضوء نصوص القانون المدني، وقانون التجارة.

أما فيما يتعلق بإمكانية تحديد الصفة فيمن يبرم تلك العقود وحجية هذه العقود الإلكترونية فتعود إلى قانون تنظيم التوقيع الإلكتروني الذي يسبغ الحجية على الكتابة الإلكترونية وعلى العقود طالما كانت مُوقعة إلكترونيا، مع إمكانية تحديد أطراف المعاملة وتوقيتها، كما أنه يتيح خاصية عدم الإنكار وتحقيق سرية المعاملة من خلال تشفيرها.

أما فيما يتعلق بموضوع المعاملة في حد ذاتها وبشكل خاص حماية المستهلك فيما يتعلق بالمنتجات أو الخدمات ومواصفاتها وجودتها، وموعد الاستلام، وسياسة الاستبدال، والاسترجاع، وعلى الأخص فيما ينظم إجراءات حماية المستهلك فيما يتعلق بالتعاقدات عن بعد، وغيرها من الأمور التي تم تنظيمها في قانون حماية المستهلك.

وكذلك فيما يرتبط بالبيانات الخاصة بالمعاملات التجارية وخصوصية بيانات الأطراف وحقوقهم فيما يتعلق بتنظيم تعاملاتهم على بياناتهم الشخصية، وخاصة على مستوى التسويق الإلكتروني وتوجيه الرسائل الدعائية بناء على معالجة البيانات ومعرفة سلوك المستهلكين، فإنه قد تم تنظيمه في قانون حماية البيانات الشخصية الصادر في العام الماضي وننتظر لائحته التنفيذية.

وبالنسبة إلى طريقة ووسائل الدفع على المنصات والمواقع الإلكترونية، وكذا فيما يخص الضرائب على أنشطة التجارة الإلكترونية، فإن ذلك منظم بموجب قوانين البنك المركزي، وتنظيم وسائل الدفع غير النقدي، والضرائب، وبالتالي لا يوجد أيضا قصور تشريعي فيما يتعلق بهذا الجانب.

وبالنسبة إلى ملكية المحتوى الموجود على المنصات والتطبيقات والمواقع الإلكترونية، وآليات التعامل معه، فإنه منظم بموجب قانون حماية حقوق الملكية الفكرية.

أخيراً بالنسبة إلى معايير تأمين المنصات والتطبيقات الإلكترونية ضد الاختراقات والقرصنة، ومواجهة الجرائم السيبرانية التي يمكن أن تتعرض لها تلك المواقع والتطبيقات فإنه منظم بموجب قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات.

وكما أشرنا فإنه يتضح أن الإطار التشريعي والقانوني لأنشطة التجارة الإلكترونية مكتمل، ولا يوجد به قصور تشريعي، ومن غير الملائم محاولة الخروج بمشروع قانون للتجارة الإلكترونية لأنه سيكون تكرار للنصوص القانونية الموجودة حاليا، ولا يجب أن نقع تحت انطباعات زائفة فيما يتعلق بالتحديات الحقيقية التي تواجه أنشطة التجارة الإلكترونية في مصر.

فإننا نرى أنها تحديات مرتبطة بالبنية التحتية لخدمات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وأهمية تعزيزها وتوصيلها لكل ربوع الجمهورية، وتحديات لوجستية تتمثل في صعوبة إيجاد مخازن مرخصة، وصعوبة الحصول على التراخيص اللازمة لهذه المخازن والمستودعات، إضافة إلى ذلك، الصعوبات المرتبطة بنقل البضائع وعدم إمكانية الحصول على التراخيص المتعلقة بمزاولة نشاط نقل البضائع باستخدام تكنولوجيا المعلومات، على الرغم من قيام الدولة بإصدار قانون نقل الركاب باستخدام تكنولوجيا المعلومات، بالإضافة إلى ذلك عدم وضوح سياسات وإجراءات الجمارك فيما يخص الاسترجاع للبضائع المشتراه من الخارج.

تحليل يكتبه: الدكتور محمد حجازي

استشاري تشريعات التحول الرقمي، ورئيس لجنة التشريعات والقوانين بوزارة الاتصالات سابقا