الشركات الناشئة أحد أهم المحركات في الاقتصاديات المختلفة خصوصًا في ظل التحول الكبير نحو الاقتصاد الرقمي والمشروعات التكنولوجية، فالشركات الناشئة التي تعتمد على الاقتصاديات الأقل تكلفة والأقل عمالة لها دور كبير في الاقتصاديات الوطنية المختلفة من حيث إتاحة فرص العمالة، وسرعة دورة رأس المال، وتوفير العملة الصعبة، وزيادة حركة الرواج الاقتصادي من حيث الاعتماد علي الناتج المحلي وتقليل الاستيراد، وتساهم الشركات الصغيرة والمتوسطة بين 60-80٪ من الاقتصادات في معظم الأسواق الناشئة.
وعلي الرغم من الأهمية القصوي للشركات الناشئة في عالم المال والاقتصاد والاعتراف الحكومي والرسمي بأهميتها وتقديم الدعم الحكومي لها من حيث التشريعات التي تساعد في تقديم عدد من التسهيلات للشركات الناشئة والدعم اللوجيستي والمالي من مؤسسات مختفلة – حكومية وغير حكومية-، إلا أن الغالبية العظمي من الشركات الناشئة لم تقم بدورها المأمول سواء كان اقتصاديا أو اجتماعيا علي النحو الذي يماثلها في جميع بلدان دول العالم، خصوصا وأن التقارير تفيد بأن الغالبية العظمي من الشركات الناشئة في الوطن العربي تتمركز في مصر والإمارات والأردن كأول الدول من حيث الأفكار، والسبب المباشر في عدم قيام الشركات الناشئة بأداء دورها المأمول منها يتلخص في عدد من النقاط الاساسية:
• عدم جدية الافكار
• عدم الابتكار
• الضعف الإداري لإدارة الشركات
• عدم تنوع التمويل
• عدم وجود حماية قانونية لأصول الشركة ولنظامها الأساسي وأفكارها
وفي زمن ما قبل كورونا كان التحدي الأكبر للشركات الناشئة يتلخص في إيجاد فكرة جديدة مبتكرة قابلة للتنفيذ وأيجاد ممول لها، ولن نكون مغالين إن قلنا أن 90 % من الشركات الناشئة سارت علي هذا النحو إلى أن جاءت جائحة كورونا التي كشفت الكثير حول أفكار الشركات الناشئة ودورها وأهميتها وأعادت تقييم المشهد الاقتصادي من جديد علي نحو مغاير.
فكورونا أثرت بشكل اقتصادي علي نشاط الشركات بجميع أنواعها وعلى الأخص منها الشركات الناشئة على اعتبار أنها الحلقة الأضعف في الشركات جميعا.
وفي ظل الحرص الشديد لدي المستهلك وتخوفة من الدخول في تجارب شرائية جديدة نظرا للجائحة وتأثيرها المباشر علي قدرته الشرائية، فجموع المستهلكين أعادوا ترتيب احتياجاتهم بشكل مختلف بعد الجائحة، مما أثر سلبا علي أنواع من الشركات وإيجابا علي أنواع أخرى.
ومن أبرز الشركات التي تأثرت سلبًا كانت للأسباب الاتية:
1. عدم قدرة الشركة علي تغيير مفاهيمها حيال الوضع الاقتصادي الجديد، وعدم مسايرة المشكلة وتقديم منتجاتها أو خدماتها بشكل متماشي مع الجائحة.
2. عدم وجود نظام داخلي للشركة للتعامل بين الفريق الداخلي للشركة لحسن أداء الواجبات المطلوبة.
3. عدم امتلاك رؤية واضحة للشركة حول التعامل مع الأزمات بشكل عام.
4. عدم وجود تدفقات نقدية مؤمنة للتعامل مع المخاطر.
5. عدم قابلية المنتج أو الخدمة التي تقدمها الشركة خلال الجائحة.
6. الأزمات النفسية التي عانى منها بعض أصحاب الشركات الناشئة وصناع القرار نتيجة لعدم وضوح رؤيتهم للأزمه.
والحاصل مما سبق أنه يتعين للشركات الناشئة أن تتلافي الأخطاء سالفة الذكر كأسباب مباشرة لعدم القدرة على التوائم مع الأزمه بجميع أشكالها طبقًا للمتغيرات الجديدة التي طرأت علي السوق المصري، فطبقا لأحدث الدراسات عانت أكثر من 70% من الشركات الصغيرة والمتوسطة من اضطراب جزئي للعمل، فيما توقفت 14% من الشركات الصغيرة والمتوسطة عن العمل تمامًا، كما خفضت 16 % من الشركات العمالة لديها لعدم قدرتها علي دفع المرتبات وذلك في ظل اجتياح تام للمنتجات التي تدعم التكنولوجيا والتعامل عن بعد ودعم التباعد الاجتماعي.
ونجد أن الاقتصاد الرقمي قد زادت أسهمه بشكل كبير بفعل الأزمه نظرًا لأنه كان الأقرب لكي يقوم بالتعامل مع الأزمه والاستفادة منها، ايضا التطبيقات التي تعمل كوسيط بين المستهلك والمنتج جميعها ذادت أسهمها، مثل شركات الدفع الالكتروني، والشركات التي تعمل بناءا على التحول الرقمي.
فاقتصاديات المرحلة تفرض موائمة نشاط الشركة طبقًا لنفسية وعقلية المستهلك التي تم تغييرها بفعل الجائحة والتي ستميل إلى الادخار أكثر من الإنفاق، بالإضافة إلى أن جموع المستهلكين سيميلون لسنوات قادمة لدعم المشروعات التي تعمل/ستعمل في مجالات التحول الرقمي والتكنولوجي والمشروعات التي تقوم بالأساس علي التباعد الاجتماعي.
وبالتحليل سنجد أننا أمام عدة أنواع من الشركات الناشئة
أولا: شركات ناشئة افكارها ونظامها الداخلي ومنتجاتها تتماشي مع المستحدثات الاجتماعية والصحية والاقتصادية
ثانيا: شركات أفكارها معاصرة لكي يتم تقديمها في هذه المرحلة ولكن نظامها الداخلي وطريقة تعاملها مع عملائها لا يمكنها من أداء عملها كالمعتاد.
ثالثا: شركات نشاطها لا يمكن تقديمها في هذه الفترة أو ما بعد الجائحة علي النحو المطلوب.
رابعا: الأفراد الذين يريدون الدخول للسوق سواء في مرحلة الجائحة أو ما بعدها.
والنوع الأول من الشركات لا يحتاج إلى نصائح، غاية الأمر التأكد بشكل مستمر من مطابقة انظمتة الداخلية والخارجية للأصول المتعارف عليها والمعمول بها في النظم الداخلية للشركات المماثلة الناجحة.
اما النوع الثاني من الشركات وهو الأكثر شيوعا فيجب عليه القيام بأمور عدة:
• مراجعة نظام عمل الشركة بطريقة تضمن حسن سير الواجبات المطلوبه من الشركة علي الوجه الأمثل ويتحقق هذا بالنظام التكنولوجي
• مراجعة طريقة تقديم الشركة لخداماتها لعملائها وهل هناك وسيلة آمنه تضمن تقديم الشركة لخدماتها/ منتجاتها عن بعد أم لا
• مراجعة اقتصاديات الشركة وترشيد الاستهلاكات وتوجية التدفقات النقدية في التحول الرقمي والتكنولوجي
وبخصوص النوع الثالث من الشركات فيتعين عليهم مراجعة خدمات الشركة وتوجهيها للمستهلك بطريقة مختلفة، فمثلا لو أن الشركة تعتمد بالأساس على التعامل المباشر مع الجمهور فعليها التفكير في الطريقة التي يمكن بها تقليل الكثافات كأن يتم التعاقد مع شركة دفع الكتروني لتقليل مدة التعامل المباشر بين الجمهور أو التعاقد مع شركة شحن لتكون وسيط بينها وبين الجمهور، فالدفع باتجاه جعل أفكار الشركات وانشطتها مرنه بما يكفي لكي يتماشي مع الجائحة هو الخطوة الأهم والأكثر تاثيرًا في مستقبل معظم الشركات
أما الشركات الراغبة في الدخول في السوق المصري فنوجهها بالنصائح الاتيه:
• اختيار فكرة مرنه بشكل يجعلها تتماشي ليس مع الأزمة الحالية فحسب بل مع المستجدات من الأمور، ويمكن التأكد من هذا عن طريق اختبار الفكرة من قبل شركات لها باع طويل في تقييم الشركات والدراسات التسويقية ودراسات الجدوي للمشروعات للتأكد من صلاحية الفكرة
• اختيار فريق داخلي للشركة يحسن القيام بعدد من المهام المختلفة، قابل للتطور، ويمكن أن يتم الاختيار من خلال مشروعات أو برامج يتم فيها تقديم كفاءات مختلفة مؤهله للعمل في السوق المصري بأعلي جودة ممكنه
• اختيار نظام داخلي للشركة من قبل متخصصين يضمن إنتاجية الشركة في جميع الظروف وبشكل يتماشي مع الصعوبات والأزمات التي قد تمر بها الشركة ويضمن حسن أداء جميع أفراد الفريق للمهام الموكلة إليهم عن بعد
• حماية الفكرة بشكل قانوني من خلال تأسيس الشركة بشكل نظامي وتسجيل العلامات التجارية الخاصة بالشركة وضبط جميع ورقيات الشركة علي نحو منضبط
• وجود تواجد للشركة علي المستوى العالمي من خلال عقد تفاهمات وشراكات وخلق التزامات مشتركة بين الشركة وشركات دولية في مختلف دول العالم، فعلي سيبيل المثال قامت منتورز جيت بمساعدة أكثر من 1200 شركة صغيرة ومتوسطة في مصر في التواجد في أكثر من عشر دول أوروبية وعربية عن طريق فروعها وشركائها حول العالم.
فوجود عدد من الشراكات للشركة الصغيرة أو المتوسطة حول العالم يساعدها في التواجد في الأسواق المحلية والعالمية وتعظيم مواردها وتوسيع شبكة علاقتها وزيادة دخلها، مما يساعد الشركة في التحول من نقطة الانطلاق إلى منطقة التوازن الاقتصادي بشكل سريع مرن وآمن.
تحليل يكتبه: محمد السري
مؤسس مجموعه كابيتال ومينتورز ومستشار ومحاضر دولي للتحول الرقمي وريادة الاعمال