تحول استثنائي شهده قطاع الاتصالات في مصر، مع إتاحة تقنية شرائح الاتصال المدمجة «eSIM» من جانب الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، وهي الخطوة التي انتظرها عدد كبير من المستخدمين والشركات أيضا خلال الفترة القليلة الماضية، لإحداث حراك على المستوى التقني والتشغيلي للشركات، وتعزيز تجربة العملاء على مستوى إتاحة البيانات والخدمات المتنقلة، وسهولة التنقل بين باقات التشغيل الأساسية على خطوط المحمول التي يمتلكها في نفس الهاتف.
التقنية الجديدة وفقا للخبراء، لاتحمل فوائد على المستوى التشغيلي وفقط، بل تتخطي ذلك في إحداث تغييرات في السياسات التسويقية لشركات المحمول وطبيعة المنافسة، كما أن لها تأثيرات على سوق الهواتف الذكية وحجم الطلب لاقتناء هواتف تتيح هذه الخدمة، إلى جانب تعزيز عوائد خدمات التجوال للشركات مع سهولة وتفعيل الخطوط للسائحين خاصة مع النمو الكبير في معدلات السياحة خلال الفترة الماضية.
وتراهن الشركات، على حجم طلب متنامي وحصول أعداد كبيرة من المستخدمين خاصة فئة الشباب على تقنية شرائح الاتصال المدمجة«eSIM» لتمتعها بالعديد من المزايا التي لاتتوافر في الشرائح التقليدية حيث توفر مزايا عديدة للمستخدمين، بما في ذلك تجربة استخدام سلسة وبسيطة، وأيضا اختصار الوقت المطلوب للاتصال بالشبكة، إلى جانب عملية معالجة مبسطة عموماً، وخدمة أكثر موثوقية كونها مدمجة مسبقاً في الجهاز، كما انها ستمثل فائدة كبيرة للعديد من الأفراد والمؤسسات الذين يعتمدون حالياً على أجهزة متعددة في إنجاز مهامهم اليومية وأيضا منحهم طبقة إضافية من الأمان في حال تعرض الهاتف للسرقة أو الفقدان.
ويتناسب هذا التوجه من جانب الحكومة ممثلة في جهاز تنظيم الاتصالات والشركات أيضا، مع خطط وطموح الدولة في عملية التحول الرقمي، وسياسات الشركات المستقبلية الهادفة للتحول لمشغلين تكنولوجين بشكل متكامل، والسعى الحثيث إلى مواصلة الابتكار بتطوير محافظ خدماتهم لتعزيز أسلوب حياة المستخدمين، وتلبية متطلباتهم بالاعتماد على أحدث التقنيات، خاصة وأن السوق المصرية مازال يتمتع بفرص نمو واعدة على مستوى معدلات استخدامات شبكات المحمول، ولم يصل بعد لمرحلة التشبع سواء في خدمات الصوت أو الداتا.
بلغ حجم سوق «eSIM» العالمي للسفر 1.33 مليار دولار في عام 2023 ومن المتوقع أن يصل السوق إلى 3.08 مليار دولار بحلول عام 2032، بمعدل نمو سنوي مركب بنسبة 9.79% خلال فترة التنبؤ، وذلك مع نمو عدد الأجهزة التي تستخدم بطاقة شرائح الاتصال المدمجة ، كما إن الطلب على أجهزة إنترنت الأشياء التي تحتاج إلى بطاقة «eSIM» مدمجة للاتصال يدفع توسع الصناعة بالإضافة إلى الحاجة إلى إدارة أكثر أمانًا وعملية للأجهزة المحمولة، بالإضافة إلى ذلك، يقوم مشغلو الهاتف المحمول باستثمارات كبيرة في هذه التكنولوجيا، مما سيسرع من معدلات التبني. كما يدخل العديد من الوافدين الجدد إلى السوق بهدف قلب نماذج أعمال مشغلي الهاتف المحمول التقليدية.
ووفقا للخبراء، فإن الأيام الأولي لإطلاق الخدمة شهدت زخما كبيرا على المستوى المجتمعي، وهو مايجب أن تستغله الشركات للتركيز بشكل متزايد على دعم الأشخاص الذين يشرعون في الحصول على هذه التقنية، مشيرين إلى أن الشركات الأكثر قدرة على توجيه عملائها على هذا المسار هي الأكثر نجاحًا في النهاية.
قال الدكتور خالد شريف، مستشار وزير الاتصالات السابق، إن الشريحة الإلكترونية eSIM تمثل تطور تكنولوجي كبير في خدمات الاتصالات، رغم وصولها متأخر بعض الشئ للسوق المصري، مشيرا إلى أن الشريحة الإلكترونية عبارة عن دائرة إلكترونية موجودة بالفعل داخل الهاتف وليس شئ مادي ملموس يشتريه العميل، لكنها موجودة بالفعل وفقط ما على المستخدم هو تفعيلها مع المشغل الخاص به.
وأوضح أن تفعيلها يكون عن بعد عن طريق المشغل، وعادة الاشتراك في الخدمة يكون بشكل كامل “أونلاين” أي أن الأمر لا يتطلب أن يتوجه للفرع لتفعيلها أو شرائها، فهذا يتنافى مع طبيعة التكنولوجيا نفسها.
وأشار الدكتور خالد الشريف، إلى أن الخدمة كانت منتظرة بوصفها تطور تكنولوجي، وتعطي حرية حركة أكثر للمستهلك، وبالنسبة أيضاً للمشغل أنه لا يحتاج أن يطبع أو يصنع الشرائح أو يوزعها، كل الدورة المرتبطة بوجود شرائح فيزيائيه في يد المستخدم.
وتوقع أن لا تضيف الشريحة الإلكترونية في الوضع الحالي الخاص بالاستخدام، إلا في حالة المستخدم الذي يسافر للخارج ويرغب في التغيير من شبكة لشبكة أخرى، فاستخدام شريحة eSIM يغنيه عن فكرة استخراج الشريحة من الهاتف ليضع شريحة أخرى، فقط يغير المشغل على شريحة الـeSIM بدون تغيير شئ في الجهاز.
وعن تأثير خدمة eSIM على حركة سوق الهواتف، قال إن من يحتاج هذه الخدمة بشكل صارخ هو من سيضطر إلى تغيير هاتفه، لكن بشكل عام إذا كان الشخص لا يسافر فهو لن يحتاج هذه الخدمة.
وعن طبيعة المنافسة بين شركات المحمول العاملة في السوق المصري في ظل الخدمة الجديدة، نوه إلى أن شريحة eSIM عبارة عن خدمة جديدة تقدمها الشركات بالتالي تحتاج إلى تسويقها وهو ما سيخلق جو للمنافسة.
وتابع أن الشركات بالفعل كانت مؤهلة لتشغيل eSIM من فترة مع دخول الجيل الرابع والتطوير الذي شهدته الشبكات منذ 2017، لافتًا إلى أن الخدمة مرتبطة بالعملاء ذوي القيمة العليا لأنها ستكون مرتبطة بالعملاء الذين يسافرون بكثرة، بحيث لا يضطر إلى استخدام شركة اتصالات أخرى.
وفي السياق ذاته، قال خالد نجم، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات السابق، إن خدمة الـesim تمثل قيمة كبيرة للمستخدمين الذين لن يكونوا في حاجة بعد الآن إلى استخدام الشريحة التقليدية أو استبدالها، لأن الشريحة الإلكترونية جزء من الهاتف بالتالي سيكون التعامل أسهل وأيسر مع الشركات عن بعد فلن يكون في حاجة إلى الانتظار في فرع الشركة أو خدمة العملاء.
كما يمكن للعميل تحويل رقمه من شركة لأخرى اونلاين، أي أنه سيكون هناك سهولة في التعامل، إضافة إلى كون أن هذه الشريحة مدمجة داخل الهاتف، مما يجعلها غير قابلة للسرقة، حيث لا يمكن إزالتها إطلاقًا أو استبدالها بشريحة أخرى، سوى عن طريق التواصل مع المشغل الخاص به وإجراء التغييرات عبر حسابه الشخصي.
وذكر أن الخدمة ستفرق في انجذاب الناس تجاه الجديد، فهو تطور منتظر لن يرقى لمستوى النقلة النوعية.
وعلى مستوى التحديثات التي تحتاجها الشركات على محطات المحمول وتطوير الأنظمة، قال الدكتور خالد نجم، إنها لن تكون في حاجة إلى أي تحديثات لأن الخدمة ليس في الإرسال والاستقبال، لكن في التعامل مع الشريحة وتعريف الهواتف.
واختلف في الرأي مع تأثير الخدمة الجديدة على سوق الهواتف الذكية، قائلاً: لن تؤثر كثيراً فمن لديه هاتف ذكي قد لا يفكر في التغيير، لكن من يحب تجربة الجديد سيقوم بشراء هاتف يدعم خدمة الـ eSIM.
بينما قال الدكتور حمدي الليثي، نائب رئيس غرفة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات السابق، إن خدمة eSIM بمثابة مجال كبير للتطور والتقدم، لأنها ستكون الشكل المعتاد لشرائح المحمول في المستقبل، ففكرة وجود “هارد وير” يقوم المستخدم بوضعه وإزالته بنفسه سينتهي.
وأوضح أن الشريحة الإلكترونية eSIM جزء من الهاتف المحمول لا يمكن إزالتها أو استبدالها، ويتم تشغيلها من خلال “بار كود”. وعدد الفوائد التي ستعود على المستخدم بعد التحويل لتلك الخدمة قائلاً: هي نوع من التسهيل، سهولة في التعامل عن بعد دون حاجة لزيارة فرع الشركة.
وأكد أن الشريحة الإلكترونية ستحدث زيادة في الخدمات المتنقلة لأن الموضوع سهل وله فوائد كثيرة تتمثل في السفر فيمكن الحصول على eSIM من المكان الذي يتوجه إليه العميل قبل السفر وهو جالس في منزله.
كما أشار الليثي، إلى أن الشريحة الإلكترونية eSIM ستعمل على تعزيز عوائد خدمات التجوال للشركات مع سهولة تفعيل وتشغيل الخطوط للسائحين، مؤكداً أن كل الأطراف ستكسب في ظل الخدمة الجديدة سواء المستخدمين أن شركات المحمول.
علاوة على ذلك قال الدكتور حمدي الليثي إن شرائح الاتصالات eSIM ستعزز المنافسة بين شركات الاتصالات، فبكل سهولة يمكن للعميل أن يحول من شركة لأخرى منافسة وبالتالي ستسعى كل شركة أن تحافظ على عملائها وجذب آخرين.
وعن حفظ بيانات العملاء، أضاف أن كل المعلومات الخاصة بالعميل يتم تخزينها عند الشركات كما هو الحال في الوضع الحالي، هي نفس الفكرة مع فرق السهولة في التعامل وسرعة في أي تغيير.
ورأى الليثي، أن الخدمة تطور هائل لكن ما قد يحد منها في البداية هل الهاتف مجهز لاستقبال خدمة eSIMٕ لا، خاصة أن الكثير من الهواتف التي يستخدمها فئات عديدة من المصريين لا تتطابق مع الخدمة الجديدة، وهو ما قد يدفع إلى حالة من الرواج في سوق الهواتف.