التكنولوجيا لا تتوقف عن التطور، ومع كل دقيقة تغير أوجه ووقائع الحياة، وغيرت التقنيات الجديدة مفهوم إدارة الاقتصاديات الحديثة على جداول الأعمال والاجتماعات الصباحية لمجالس إدارات المؤسسات الكبرى، ومنها القطاع المصرفي الذي أصبح على يقين أن البنوك لم تعد تلك التي نعرفها، في عالم البنوك الرقمية التي يسير فيها المال عبر شبكات الإنترنت وخزائنه في سحابة إلكترونية، وبيانات عملائه داخل الـ “BIG DATA“.
البنوك المصرية ليست ببعيدة عن التطور، بل تعد في صدارة قوائم البنوك الإقليمية التي استعدت مبكرا للتحول الرقمي في توقيت تتنافس فيه البنوك على الاتصال والتواصل لضم عملاء جدد والحفاظ على الحاليين، فمنذ فترة ليست بالبعيدة خرج مصطلح «العملاء الرقميين» الذين يريدون الحصول على كافة الخدمات والمعلومات، فورا دون إبطاء، وعلى أجهزتهم الشخصية.
فالبنك المركزي المصري أعلن في وقت سابق من العام الجاري، أنه بدأ بالفعل فى وضع الأسس والقواعد لإنشاء بنك رقمي متكامل، وتلقى 4 طلبات من البنوك العاملة في السوق المصري للحصول على رخصة إنشاء بنك رقمي، وهو ما وجد استحسان لدى قطاعات عريضة من دوائر المال والأعمال وأيضا فئات كبيرة من المواطنين والتي أصبحت الخدمات الرقمية جزءا لا يتجزأ من حياتهم اليومية.
البداية الحقيقية عالميا
عندما تقدمت شركة “ليمان براذرز” بالإفلاس عام 2008، تغير المشهد المصرفي إلى الأبد مع اختفاء بعض البنوك المألوفة، ووصول مجموعة من الوافدين الجدد إلى الموقع، لا سيما التكنولوجيا المالية باستخدام التقنيات المبتكرة.
ونجحت هذه الشركات الناشئة الطموحة في تحدي البنوك التقليدية من خلال تقديم شيء جديد تمامًا –الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول – فضلاً عن تضاؤل الثقة في البنوك، والتي كانت عند مستوى منخفض غير مسبوق في عام 2008.
وأصبح منذ هذا التاريخ البنوك في مواجهة تحدي غير مسبوق من خدمات مالية إلكترونية قد تنزع العملاء من على أبواب فروعهم.
فتوجهت البنوك إلى صناعة مصرفية جديدة تخدم عملائها دون الاستفادة من الفروع المادية، باستخدام التقنيات الحالية والمنصات الرقمية لتلبية التوقعات الجديدة التي تحولت على الفور، في وقت كان بعض المستهلكين بالفعل يستخدمون الأجهزة المحمولة لإجراء المعاملات اليومية، وآخرون يثقفون أنفسهم حول كيفية القيام بالعمل المصرفي عن بعد.
أول ظهور للبنوك الرقمية الحقيقية كان في عام 2015، من خلال بنك مونزو البريطاني، الذي نشأ كأول مصرف ذكي دون فروع تقليدية، وأصبح لديه أكثر من 800 ألف عميل في الحساب نوفمبر الماضي.
وسلطت الأزمة الحالية لفيروس كورونا الضوء على الحاجة إلى “الرقمية” والحاجة إلى السرعة حيث يبحث المستهلكون عن خدمات مصرفية رقمية مبتكرة، يتم تقديمها في سياقها ودمجها في حياتهم اليومية وليس لدى البنوك الوقت لتقديم ذلك من خلال البناء على التكنولوجيا القديمة، ولا يعد هذا النهج مناسبًا لفترات طويلة؛ لتحقيق النجاح في استثماراتها العادية الجديدة والمستقبلية، حيث يجب على البنوك أن تتحرك بسرعة لتبني التكنولوجيا والأساليب الحديثة.
فالوباء العالمي نقطة تحول للابتكار، حيث أصبحت الجداول الزمنية للرقمنة لسنوات فجأة جداول زمنية لأيام وأسابيع، وتسارعت الشركات للحصول على حلول رقمية مالية للسماح لها بالبقاء في العمل والتواصل مع عملائها عن بعد، وأيضا تعامل البنوك مع عملائها وهم خلف أجهزتهم الرقمية في المنازل.
ويصبح السؤال.. هل يمكن للبنوك المصرية تجاوز “الأساسيات الرقمية”؟
الإجابة هي نعم، شريطة أن تكون القيادة داخل المؤسسات المالية مستعدة للاستثمار في التحول الرقمي من الداخل والخارج، وإعادة التفكير في عملية الابتكار، وتوظيف الأشخاص الذين لديهم رؤية لما هو ممكن خارج نطاق الخدمات المالية التقليدية، وعلى استعداد لتعطيل أعمالهم القديمة “النموذج والثقافة”.
محمد الإتربي رئيس بنك مصر قال في تصريحات خاصة إن مصرفه يسعى لتدشين أول بنك رقمي في مصر، ضمن توجهات البنك المركزي المصري، حيث فتح البنك المركزي الموافقات للبنوك لتقديم الطلبات لإنشاء البنوك الرقمية، مشيرًا إلى أن بنك مصر يسعى منذ عام في البنك الرقمي، وسيشكل له إدارة منفصلة عن إدارة البنك.
وأكد أن قانون البنوك الجديد سيدفع بالبنوك التقليدية نحو التكنولوجيا المالية، مشيرًا إلى أن البنوك الرقمية ستمكن العملاء من ممارسة الأنشطة المصرفية في بيئة اليكترونية دون التقيد بمكان أو زمان معين، وتتيح لهم إمكانية طلب الخدمة في أي وقت على مدار اليوم وطوال أيام الأسبوع، إضافة إلى سرية المعاملات مما يزيد ثقة العملاء في تلك البنوك، وفضلًا عن تقديم خدمات مصرفية جديدة بالإضافة إلى الخدمات المصرفية التقليدية، مثل: خدمات فتح الحساب وخدمات الدفع والشراء وتحويل الأموال والمعاملات عبر الإنترنت والهواتف المحمولة، وخدمات إدارة المحافظ المالية من أسهم وسندات.
معايير البنك الرقمي المتكامل
ولفت محمد الإتربي إلى أن من أهم المميزات التي تميز البنوك الرقمية عن البنوك التقليدية، هي: إمكانية تحسين علاقتها مع العملاء من خلال الخدمات المصرفية المبتكرة، واكتساب أنواع جديدة من العملاء (مثل الشباب)، ومميزات أكثر في التنافسية من خلال توفير التكاليف ودقة في العمليات والسرعة، ولذلك يجب على أي بنك رقمي أن يركز على كفاءة الأعمال الداخلية وأن يكون البنك مرن في عملياته والمستجدات الخارجية والداخلية، وأيضا دعم البنية التحتية والأمن السيبراني، وأيضا ترشيد التكاليف مع دخول الميكنة، وزيادة الدقة وتحسين القدرة التنافسية.
وأشار الإتربي، إلى أنه مع اتساع شبكة الانترنت والتطور المتسارع في خدمات قطاع الاتصالات في مصر أصبح سهلًا على العميل الاتصال بالبنك الرقمي عبر الانترنت والذي يقوم بتنفيذ الإجراءات التي تنتهي في وقت قصير بأداء صحيح وبكفاءة عالية مما لو انتقل العميل إلى مقر البنك شخصيا لمقابلة أحد موظفيه، مما يُحقق الكفاءة في توفير الوقت والجهد.
من جانبها قالت الخبيرة المصرفية سهر الدماطي إن المجلس القومي للمدفوعات برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي كان حجر الأساس للتحول الرقمي ومنه التحول نحو البنوك الرقمية، ووضع خارطة الطريق للتحول إلى النظام غير النقدي، وأن التطور الذي حدث خلال الفترة الماضية تم طبقا للمعايير الدولية وراعى المتغيرات المحلية، مع مواكبة لتطور في البيئة التشريعية بحسب قانون البنك المركزي الجديد الذي وضع استراتيجية نظم وخدمات الدفع الالكتروني، وراعى نظم الحوكمة، وظهرت لدينا أول منظومة وطنية (كارت ميزة) التي وصل حجم المستفيدين منها 3 ملايين عميل.
وترى إيمان البدراوي رئيس قطاع التجزئة المصرفية والفروع ببنك قناة السويس، أن البنوك العاملة في السوق المصرية تتوجه كلها نحو التحول الرقمي، وذلك قبل أزمة الكورونا، وهو توجه عالمي بالاعتماد على التكنولوجيا كمكون رئيسي في القطاع المصرفي، خاصة في ظل انتشار الهواتف الذكية وتوافر الانترنت بصفة دائمة، ومن ثم بدأت البنوك في افتتاح فروع ذكية في مصر، مؤكدة أن هذه الفروع قبل افتتاحها لابد وأن تسبقها وجود منتجات حديثة وتطبيقات متطورة حتى يستطيع العميل الحصول على خدمة سريعة ومؤمنة.
خطوات الدولة لدعم رقمنة القطاع المصرفي
الحكومة المصرية بالتعاون مع البنك المركزي قطعت شوطًا كبيرا في التحول الرقمي للقطاع المصرفي، بدايةً من تولي رئيس الجمهورية رئاسة المجلس القومي للمدفوعات الذي تم تأسيسه في فبراير 2017، مستهدفًا خفض استخدام أوراق النقد ودعم وتحفيز استخدام قنوات الدفع الإلكترونية.
كما أطلق البنك المركزي “استراتيجية للتكنولوجيا المالية” في مارس 2019 في إطار خطة متكاملة لتحويل مصر إلى مركز إقليمي للتكنولوجيا المالية في المنطقة العربية وافريقيا خلال ثلاثة أعوام بما يتوافق مع رؤية مصر 2030 .
وترى سهر الدماطي أن الاستراتجية ستلبي الطلب على كافة الخدمات الإلكترونية، وتفتح الباب لتمويل صناعة التكنولوجيا، واستغلال القدرات المختلفة وتعزيز الابتكار، وتطبيق قواعد الحوكمة، وتدعيم كافة الجوانب الرقابية من خلال مركز طواريء الحاسب الآلي لتقديم الدعم السيبراني ومكافحة الجرائم الإلكترونية.
وتم تأسيس صندوق دعم الابتكارات ” FinTech Fund ” برأسمال قيمته 1 مليار جنيه ممول من البنك المركزي المصري، وإنشاء مختبر تطبيقات التكنولوجيا المالية ” FinTech Sandbox “، وإنشاء مركز التكنولوجيا المالية ” FinTech Hub “، كما أعلن المركزي سعيه لتدشين أول بنك رقمي في مصر، كما فتح الباب للبنوك لتقديم طلبات لإنشاء بنوك رقمية تعتمد بشكل أساسي على الخدمات المالية الإلكترونية، ودشن المركزي مركز الاستجابة لطوارئ الحاسب الآلى لتأمين المعاملات المصرفية في ظل انتشار الخدمات المالية الإلكترونية.
ويعتزم البنك المركزي إطلاق مركز الأمن السيبراني للقطاع المصرفي بهدف توفير الحماية اللازمة للمتعاملين والحد من مخاطر غسيل الأموال.
هذه التحولات فرضت تغيرات على مستوى سياسات البنوك العاملة تجاه السوق المصري وثقافة المتجمع اتجاهها بالتوازي مع تداعيات جائحة كورونا ومافرضته من تغييرات على مستويات عادات الاستهلاك والحصول على الخدمات المالية.
فوفقا لـمحمد الإتربي رئيس بنك مصر، “انتشار البنوك الرقمية” من شأنه تحقيق أهداف الشمول المالي عن طريق زيادة قاعدة المستخدمين وخاصة الشرائح المهمشة ومحدودي الدخل والشباب والمرأة واصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغـر، مما يؤدي إلى تطوير قدرات تلك الفئات وتحسين دخلها وتشجيع ثقافة ريادة الأعمال، بالإضافة إلى تيسير سداد الالتزامات المالية للمواطنين وتوفير الوقت والجهد وخفض معدلات الفساد والبيروقراطية؛ وزيادة كفاءة النظام المالي وتقليل تكلفة طباعة وتداول أوراق النقد.
وأشارت إيمان البدراوي رئيس قطاع التجزئة المصرفية والفروع ببنك قناة السويس، أن ثقافة المجتمع المصري تجاه التحول التكنولوجي الجديد في الخدمات المصرفية، بدأت تتغير لدى الفئات الأكبر سننًا، بينما الشباب وحديثي السن فلديهم قابلية كبيرة جدًا للتعامل مع أي خدمات تقدم بشكل تكنولوجي، وأرى أن البنوك عليها دور توعوي لتشجيع وتحفيز المواطنين على هذه النوعية من الخدمات المتطورة.
ولفتت إيمان إلى أن أزمة كورونا سرعت من الاعتماد على التطبيقات والأونلاين بشكل عام وعلى تطبيقات القطاع المصرفي والخدمات المالية بشكل خاص.
وهو ما أكدته سهر الدماطي حيث تري أن الجائحة دفعت البنوك إلى التوسع في مفهوم البنوك الرقمية، فحينما طلب من الناس البقاء في المنازل اضطروا للتعامل مع الخدمات الجديدة، ووجود خدمات تكنولوجيا مالية أصبح أم ضروري في ظل الظروف الحالية.
وعن المتطلبات لنشر مفهوم البنوك الرقمية، أكدت سهر الدماطي على ضرورة نشر الوعي بالخدمات الجديدة وأهميتها للمواطنين، وتطمين الناس بأن تلك الخدمات مؤمنة مطالبة مقدمي خدمات الاتصالات في السوق المصري بضرورة تحديث الشبكات بما يتناسب مع حجم الطلب على الخدمات والتطبيقات في الفترة الاخيرة.
وأكدت أن التحول الرقمي للقطاع المصرفي، انعكس على آداء وزارة المالية في تسريع متحصلاتها النقدية من العملاء (افراد-شركات) وقللت من دورة الأموال خارج القاع المصرفي، مشيرة إلى أن التوسع في استخدام الدفع عبر المحمول، ساهم بشكل كبير في تعميم مفهوم التحول الرقمي، وهو الأمر الذي يتواكب مع فكر الشمول المالي، حتى أن حسابات العملاء الذين يمتلكون محافظ عبر شركات المحمول تجاوز 15 مليون محفظة.
المتطلبات اللازمة لعمل منظومة متكاملة لاستخدام التكنولوجيا في القطاع المصرفي
أشار محمد الإتربي رئيس بنك مصر إلى ضرورة وضع البنك المركزي لاستراتيجية قومية على مستوى الدولة ككل تعمل على ربط القطاع المصرفي مع كافة الجهات المعنية كوزارة التجارة والصناعة ووزارة المالية وكافة الأطراف المتعاقدة، بالإضافة إلى وضع تنظيمات تسمح بالربط بين تلك الجهات والعالم ككل، بالإضافة إلى إعداد خطة لتدريب الموارد البشرية، والاستعانة ببيوت الخبرات العالمية في هذا المجال، بالإضافة إلى الاستمرار في خلق كوادر شابة مؤهلة ومدربة للتحول الرقمي والتكنولوجيا المالية.
وأكد على ضرورة العمل على دعم الابتكار وريادة الأعمال في مجال التكنولوجيا المالية؛ والاستثمار في البنية التحتية وأمن المعلومات وتهيئة البيئة التشريعية لدعم التكنولوجيا المالية في القطاع المصرفي؛ و العمل على نشر الوعي لاستخدام التكنولوجيا المالية خاصة بين فئات الشباب والمرأة والفئات المهمشة.
“التعاون الوثيق بين البنوك وشركات الاتصالات والتكنولوجيا المالية”، محور نجاح تطوير القطاع المصرفي في مصر وفقا لمحمد الإتربي، والذي أكد على ضرورة زيادة المجهودات المتوجهة لفهم متطلبات العميل حتى ننمي ثقافة التعامل اللا نقدي، خاصةً وأن السوق المصرية ما زالت في بدايتها فيما يتعلق بالتكنولوجيا المالية.
وتشير بعض التقارير اتجاه العملاء عالميًا للانفصال عن البنوك التقليدية، وانخفاض اعتمادهم عليها كمزود أساسي للخدمات المالية، وفي مصر يشهد السوق المصرفي طفرة في التعاملات الالكترونية، فعلى سبيل المثال، وصل عدد حسابات المشتركين بخدمة الدفع عن طريق الهاتف المحمول الى نحو 13.8 مليون حساب في يوليو 2019 وبإجمالي قيمة معاملات سنوية بلغت نحو 18 مليار جنيه في الفترة من يوليو 2018 وحتى يوليو 2019.
ومن أهم محفزات ودوافع نمو الخدمات البنكية الالكترونية في مصر وجود سوق ضخم به ما يقارب ال100 مليون نسمة، وحوالي 60% منهم تقل أعمارهم عن 30 سنة ويزيد اعتمادهم على التكنولوجيا في الحياة اليومية، وأيضا وصول عدد المشتركين في الهاتف المحمول الى 95.7 مليون، وانترنت الهاتف المحمول الى 42.3 مليون في يناير 2020 طبقا لبيانات وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
وترى إيمان البدراوي، أن البنية التحيتة والخدمات التي تقدمها شركات الاتصالات للبنك في الوقت الحالي جيدة جدًا وتتناسب مع حجم التطور في القطاع المصرفي، مؤكدة أن التكنولوجيا ستدعم القطاع المصرفي في تطبيق مفهوم الشمول المالي الذي يسعى البنك المركزي لتطبيقه وتعميمه على البنوك، بهدف جذب أكبر عدد ممكن من العملاء غير المنضمين للقطاع المصرفي.
وحول البنوك الرقمية أو البنوك الافتراضية وأيهما أكثر أولوية في التطبيق، قالت الأولوية أن يتم تقديم كل الخدمات من خلال الانترنت ومساعدة العملاء على خفض معدل التوافد على الفروع، وهو مايؤدي إلى خدمة اوفر وأسرع وأسهل، لذلك الأولوية لإنجاز تطبيقات عملية بجانب الفروع المتطورة والذكية، لافتة إلى أن بنك قناة السويس افتتح الفرع الذكي الأول منذ بضعة أشهر بسيتي ستارز،وسيفتتح قريبا فرعًا جديدا بالشيخ زايد، وجاري تجديد عدد من الفروع وتخصيص مساحات بداخل الفروع لتقديم الخدمات الذكية.
أبرز التحديات
طارق فايد رئيس بنك القاهرة أوضح في تصريحات صحفية، أن التحول الرقمى فى مجال الخدمات المالية بشكل عام تسارع بشكل ملحوظ، وأصبح من المتوقع أن تسود التقنيات الناشئة مثل بلوك تشين لسنوات قادمة، إلا أن تزايد أنشطة شركات التكنولوجيا المالية الناشئة قد يؤدى إلى تزايد المخاطر المحتملة الجديدة التى تؤثر على الاستقرار المالى والتى تشمل مخاطر السيولة ومخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب وغسل الأموال، وأيضا مخاطر السيولة وتقلبات مصادر التمويل المصرفي.
وشدد على أن إدارة المخاطر بالبنوك تعتمد على تحديد مختلف مستويات المخاطر ومتابعتها وإدارتها بهدف حماية قيم الأصول وتدفقات الدخل، بما يحمى مصالح مودعى البنوك والمساهمين، بما يشير إلى أهمية إندماج الرقمنة المالية ضمن النظام المصرفي .
وتطرقت ورقة بحثية صادرة عن -البنك الدولى- عن التطورات الرقمية الواسعة الجارية حاليا في البنوك إلى إعادة ترتيب مستويات المخاطر فى البنوك واستحداث وظيفة جديدة للبنوك تحت مسمى مدير مسؤول المخاطر والأمن الرقمى ويختص بالربط بين وحدات الاعمال الرقمية والادارات القانونية بالإضافة إلى مضاعفة الاستثمار فى الأمن السيبرانى بالتوازى مع تشريعات تجرم الهجمات السيبرانية.
فيما يؤكد أحمد جابر، المدير العام لشركة Visa شمال أفريقيا أن التغيرات في سلوك المستهلك المصري بسبب الوباء، مثل التحول للتسوق من خلال الإنترنت وزيادة استخدام المدفوعات الرقمية، والتي من المرجح أن تستمر حتي بعد الجائحة وهو أمر مهم بالنسبة للشركات التي تضع استراتيجيات للمستهلك والسوق عموماً بعد أزمة COVID- 19 ومع زيادة الاستخدام بين المستخدمين ذوي الخبرة والذين سيتخدمونه للمرة الأولي، يحرص قراصنة الإنترنت علي الإستفادة من النشاط المتزايد، خاصة المتسوقين عبر الإنترنت لأول مرة، ولهذا السبب فإن تثقيف المستهلكين حول سلوك الدفع الاَمن وحمايتهم والنظام البيئي للمدفوعات أمر بالغ الأهمية ليس فقط الاَن ولكن أيضاً ونحن نمضي قدماً ونتكيف مع الوضع الطبيعي الجديد”.
خطوات محفزة وإيجابية في طريق التحول
توجهت البنوك المصرية الفترة الماضية إلى السعي نحو دمج الخدمات الرقمية ضمن أنظمتها التشغيلية والإدارية، وتدريب الموارد البشرية لديها على هذه التقنيات، وعلى رأسها خدمات البلوك تشين والتى انضمت بعض البنوك في مصر إلى تحالفات عالمية لقيادتها ودمجها في الأنظمة المصرفية كالبنك الأهلى المصري والتجاري الدولي.
وتوقعت دراسة حديثة حول تطبيق تقنية «بلوك تشين» فى الخدمات المالية، أجراها صندوق النقد العربى، أن تطبيق تقنية «البلوك تشين» فى القطاعات المصرفية يحقق وفرًا سنويًا بنحو 8-12 مليار دولار، تمثل 30 – %70 من تكلفة العمليات المصرفية وتكاليف الإجراءات التقليدية لمبادىء «اعرف عميلك»، وأن تبلغ المكاسب الاقتصادية التى يمكن تحقيقها عالميًا بحلول عام 2030 من هذه التقنية نحو 3.1 تريليون دولار.
وتقنية «البلوك تشين» عبارةٌ عن سجل إلكترونى يسجل المعاملات والصفقات ويقوم بإدارتها وكلّ معاملة تُسمى كتلة أو بلوك، وكلّ بلوك منها يحتوى على بعض المعلومات التى تشير إلى الكتلة السابقة. لذا، يصفونها بكونها سلسلةً من الكتل المتتالية، ولا يتمّ تعديلها من أيّ طرف، فعندما يتمّ دخول البيانات وتسجيلها لا نحتاج لوجود طرف ثالث؛ أيّ أنَّها أسرع فى معالجة البيانات وتخزينها، ويمكن لهذه التقنية أن تقوم بأيِّ نوع من التحويلات التى تفكّر بها، بدءًا من تحويل الأموال إلى نقل البضائع والملكيات، واستخداماتها غير محدودة.
وأكدت إيمان البدراوي رئيس قطاع التجزئة المصرفية والفروع ببنك قناة السويس، أن تقنيات «البلوك تشين» ستساعد في أن كافة البيانات ستكون مسجلة على قاعدة بيانات موحدة، مشددة على ضرورة الإلتزام بالقواعد الخاصة بالبنك المركزي لضمان تأمين الخدمات المقدمة للعملاء.
وأشارت إلى أن الاعتماد على تطبيق مفهوم البيج داتا، سيساهم في ربط وتحليل بيانات العملاء ما يعطي البنوك مؤشرات أكثر وضوحًا لترتيب الأوليات وفقًا لاحتياجات العملاء، ومن ثم ابتكار منتجات تتناسب مع كل شريحة وكل عميل، فضلاً عن أنها تساعد الدولة في المؤشرات الاقتصادية المختلفة.
كما قامت العديد من البنوك المصرية برفع كفاءة بينتها التحتية للاتصالات بالتعاون مع المشغلين وعلى رأسهم المصرية للاتصالات التي نجحت في مد العديد من المؤسسات المالية بكابلات الفايبر عالية السرعة، وأيضا دخول مشغلين المحمول فودافون وأورنج واتصالات مصر في بعض هذه الخدمات في المجتمعات المدنية المغلقة وفقا لرخص التشغيل.
وتمكنت البنوك أيضا من التعاقد مع أكبر الشركات المنفذه لمراكز الداتا سنترالعالمية والمحلية كشركة أى بي إم وراية لإنشاء العديد من المراكز داخل البنوك، للحفاظ على بياناتها وإدارة عملياتها الرقمية بأعلى درجات الكفاءة والأمان.
الحوسبة السحابية يمكن أن تكون المفتاح أو البداية
فإليوت ليمب، مسؤول أول في قسم خدمات المتعاملين في مامبو للخدمات المالية، يري أن الأنظمة السحابية ستسمح للبنوك بالابتكار بسرعة والتحول نحو بنوك رقمية في أقرب وقت، حيث أنها ستكون ممهدة لحجم بيانات ضخم يجعل البنوك أكثر قدرة على فهم طبيعة الأسواق التي تعمل بها، ورفع كفاءة إداراتها الداخلية.
وأشار إلى أن التكنولوجيا الرقمية في الأنظمة السحابية ستسمح بإعادة تكوين المنتجات والخدمات بسرعة لمراعاة اللوائح الجديدة أو الظروف المؤقتة، كما هو الحال مع انتشار جائحة “كوفيد-19″، والحاجة إلى التنازل عن رسوم السحب على المكشوف، أو إتاحة فترات توقف عن الدفع، على سبيل المثال.
وعندما تطلب الأنظمة القديمة من البنوك خطة متينة وتغييرات زمنية، يمكن أن تستغرق عدة أشهر، ولكن البنوك التي تعتمد على الأنظمة السحابية يمكن أن تنفذها على الفور، وغالبًا في غضون ساعات وهذا يجعلها أكثر قدرة على المنافسة، وتتعرض لتكاليف أقل وتقل نسبة المخاطر التي تتعرض لها.
ولفت ليمب إلى أن التقنيات السحابية ستساعد على تقليل المخاطر، من خلال توفير المرونة، ويمكن للبنوك تكييف منتجاتها وخدماتها مع تطور السوق. ولن تكون محاصرة ضمن استراتيجيات متوسطة وطويلة المدى، ولكن من الممكن أن تكون ذكية ومبتكرة.