Follow ICT
شعار الموقع الاساسى
جايزة 160
جايزة 160

هل يجني قطاع التكنولوجيا المصري بعض الثمار المتساقطة من حرب الرسوم الجمركية؟

تحولات استراتيجية يشهدها الاقتصاد العالمي واضطرابات وانهيارات عنيفة تشهدها أسواق الأسهم العالمية خلال اللحظة الحالية، نتيجة الحرب التجارية التي شنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية شاملة على السلع الورادة إلى الولايات المتحدة من العديد من الدول وعلى رأسهم الشركاء التجاريين مثل الصين والهند والاتحاد الأوروبي، وماأعقب هذا القرار من رد الصين القوي برفع الرسوم الجمركية على سلع أمريكية بنسبة إضافية بلغت 34%.

وأثارت الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي مخاوف من اندلاع حرب تجارية عالمية، حيث وجدت أكثر من 180 دولة ومنطقة نفسها في مرمى التعريفات المتبادلة والتي تأتي في إطار سياسة ترامب الرامية إلى حماية الصناعات الأميركية من المنافسة الأجنبية، إلا أنها واجهت انتقادات شديدة من قادة العالم الذين حذروا من التداعيات السلبية على الاقتصاد العالمي ومؤكدين في نفس الوقت على اتخاذ خطوات حاسمة لمواجهة التهديدات الاقتصادية التي تفرضها هذه الرسوم، وسط دعوات لإجراء حوار بنّاء يهدف إلى تخفيف التوترات التجارية وإيجاد حلول عادلة.

الدولة المصرية كانت ضمن الأحداث، برسوم جمركية بلغت 10% فقط، وهو مادفع العديد من المحللين للنفاذ للمعطيات وتحليلات أخرى تشير إلى ضرورة أن تستفيد مصر من وضعها ضمن قائمة الدول المفروض عليها رسومًا جمركية مخففة ، خاصة مع وجود اتفاقية التجارة الحرة، أو اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة “الكويز”، التي تسمح بنفاذ المنتجات المصرية إلى الأسواق الأمريكية وهي معفاة من الجمارك.

وانتقل المحللون لأبعاد أخري بضرورة تبني سياسات انتقائية لتعظيم استفادة مصر من هذه الحرب التي يبدو أنها ستستمر لمدة طويلة قبل استقرار الأسواق، وذلك عبر الرهان على توطين الصناعات التقنية المتقدمة بجانب المنتجات التقليدية، وذلك باعتبارها مسارا رئيسيا للتنمية الاقتصادية وقيمة مضافة حقيقية لهوية الاقتصاد المصري الباحث عن كافة فرص الصعود في ظل هذه التحديات والتوترات التجارية والجيوسياسية القائمة، ولكون هذه الصناعات العنصر البارز في هذه الحرب كالسيارات الكهربائية وصناعة الأجهزة على كافة المستويات وأشباه الموصلات.

فوفقا للمحللين، يهدد نظام الرسوم الجمركية الشامل الذي فرضه دونالد ترامب بحدوث اضطرابات في شركات كأبل وأمازون وشركات تكنولوجية أميركية أخرى تعتمد بشكل كبير على التصنيع في الصين ودول أخرى مُستهدفة الآن برسوم إضافية، مشيرين إلى أن قطاع التكنولوجيا سيتعرض لضغط كبير نتيجة هذا الإعلان بسبب المخاوف بشأن انهيار الطلب وسلاسل التوريد، وخاصةً الصين وتايوان (المصنعة البارزة لأشباه الموصلات)، من الرسوم الجمركية، وهو مادفع أسهم شركات التكنولوجيا السبع الكبرى في الولايات المتحدة لخسارة مايقترب من 2 تريليون دولار من قيمتهم السوقية.

وهو مادفع الأوساط الاقتصادية للحديث عن فرص بارزة للعديد من الدول ومنها مصر في استقطاب العديد من الشركات المصنعة خاصة في مجالات التصنيع التكنولوجي، لسهولة النقل اللوجيستي لمثل هذه المصانع، وأيضا امتلاك مصر العمالة الرخيصة وأيضا الوضع الجغرافي المميز كنقطة ارتكاز مستقرة لحركة التجارة العالمية ، وأيضا في ظل السياسات التحفيزية التي تتبناها الدولة المصرية لجذب الاستثمارات الأجنبية النوعية، وأقامة العديد من المناطق الحرة التي توفر الحماية وبيئة العمل المناسبة وعلى رأسها المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.

وهو ماسيوفر مسار لإيقاف حدة التسعير الحادة التي ستطال العديد من السلع الاستراتيجية في العالم، خاصة قطاعات التصدير الأساسية مثل أشباه الموصلات والسيارات الكهربائية والأجهزة الإليكترونية التي تنتج بملايين الوحدات يوميا.

برؤية عامة قال محمد عابدين مؤسس شركة كوربوريت ستاك ، أنه لا يمكن النظر إلى القرارات الأمريكية الخاصة بزيادة الرسوم الجمركية كتهديد فقط، بل كمؤشر لإعادة تشكيل سلاسل الإمداد العالمية، وفرصة سانحة للدول القادرة على سد الفجوة، ومصر إحداها، حيث أن الولايات المتحدة فرضت على الصين تعريفات جمركية تصل إلى 34% في بعض الفئات، بينما تظل التعريفة على المنتجات المصرية في حدود 10%، بل إن بعض المنتجات تتمتع بإعفاء جزئي أو كلي في إطار اتفاقية “الكويز” أو غيرها من الترتيبات الثنائية. وهذا يفتح الباب واسعًا أمام مصر لتعظيم حصتها من الصادرات الموجهة إلى السوق الأمريكي، خاصة في القطاعات التي باتت الصين فيها أقل قدرة على المنافسة بفعل الرسوم ومنها القطاع التقني.

محمد عابدين
محمد عابدين

وأشار إلى أنه كبديل التفكير في جذب المصانع فقط، فإن الفرصة الأسرع والأكثر واقعية تكمن في تحفيز المصنعين المصريين على التوسع في التصدير إلى أمريكا وتحسين الجودة والتوافق مع المواصفات الأمريكية ، وتوجيه جزء من إنتاجهم الحالي أو المستقبلي لتلبية الطلب الأمريكي المتزايد على بدائل للمنتج الصيني، إلى جانب إطلاق برامج دعم للتوسع في التصدير (تمويل – لوجستيات – تسويق)، وأيضا توسيع نطاق التعاون مع مكاتب التمثيل التجاري المصري في أمريكا لرصد الفرص وتحليل القطاعات الواعدة وتوسيع استخدام اتفاقيات مثل QIZ وتحديث مجالاتها.

وأكد محمد عابدين على أن  الفرصة الذهبية الآن ليست في انتظار أن تنتقل المصانع من الصين، بل في أن نضع المنتج المصري في مكان المنتج الصيني داخل السوق الأمريكي — وهي معركة ترويجية وتجارية تتطلب ذكاء وخطة عمل واقعية منوها إلى ضرورة التركيز على التصدير كخيار استراتيجي لا كتحرك طارئ، و يجب على الدولة أن تنقل رسائل واضحة إلى القطاع الخاص مفادها أن السوق الأمريكي مفتوح أكثر من أي وقت مضى، لكن الوصول إليه مشروط بالتزام صارم بالجودة والمواصفات. كما نحتاج إلى:توفير برامج دعم لوجستي وتمويلي مباشر للمُصنّعين الجادين في التصدير، وأيضا إطلاق حملة ترويجية موجهة داخل أمريكا، تعرض “العلامة المصرية” كمصدر موثوق ومنافس.

وشدد على ضرورة تحسين بيئة الصناعة محليًا عبر تخفيض تكلفة الإنتاج، وتيسير إجراءات التراخيص، وتقليص العبء الضريبي على الصناعات التصديرية، خاصة في الصناعات التقنية التي تعد رهانا استراتيجيا للدولة المصرية.

ولفت محمد عابدين إلى أن هناك العديد من المجالات التقنية التي يمكن أن تنطلق منها مصر نحو السوق الأمريكي وتملك بها رصيدًا مهمًا يمكن البناء عليه، خاصة في تجميع الأجهزة الإلكترونية والمنزلية، منوها إلى أن مصر لديها نماذج أولية ناجحة مثل مصانع سامسونج وبى تك وتيكنو وبيكو وغيرها.

تابع” تشمل أيضا الصناعات التي يمكن أن تستفيد من هذا الظرف العالمي ، صناعة البرمجيات وخدمات التعهيد التقنيحيث أنه  قطاع نشط ومرن وقادر على التوسع، خصوصًا في مجال الخدمات للشركات الأمريكية، إلى جانب تصنيع الكابلات والمكونات الكهربائية الدقيقة حيث أثبت هذا القطاع كفاءة عالية في التصدير للأسواق الأوروبية ويمكن تهيئته للسوق الأمريكي.

ونوه إلى أن هناك العديد من المعطلات لهذا التوجه وتعظيم حجم الاستفادة بالشكل اللازم، ومنها ضعف سلاسل الإمداد المحلية حيث أن معظم المصانع تعتمد على استيراد مدخلات إنتاج أجنبية، ما يحد من فرص التنافس، بالإضافة إلى ندرة التمويل الصناعي الموجّه بعناية حيث لا تزال الأولوية لدى البنوك تميل نحو المشروعات التجارية لا الصناعية، إلى جانب غياب برامج تدريب نوعية تربط التعليم الفني بالتصنيع المتقدم والتكنولوجيا الدقيقة، وأيضا عدم استقرار السياسات الاقتصادية والتجارية، وهو عنصر حساس للغاية بالنسبة للمستثمر والمُصدر على حد سواء.

ولفت محمد عابدين إلى أن العنصر البشري يمثل مرتكزا رئيسيا لتنفيذ استراتيجية التوسع في الصناعات التقنية حيث نمتلك أعداد كبيرة في هذه المجالات لكن التحدي في الجودة والتخصص. قائلا” لدينا خريجون كثيرون من كليات الهندسة والحاسبات، لكن فجوة المهارات بين التعليم وسوق العمل لا تزال كبيرة مما يحتاج معه إلى ربط التعليم الفني بالتدريب العملي الحقيقي، وتدشين برامج تخصصية في التصنيع الذكي، والميكاترونكس، والهندسة الإلكترونية الدقيقة.

وأكد على أن سعر الصرف المنخفض يوفر ميزة تنافسية مؤقتة في التكلفة، لكنه ليس وحده كافيًا. في ظل ارتفاع تكاليف التشغيل الأخرى، مثل الطاقة والنقل والضرائب، حيث يمكن لهذه العناصر أن تقوّض الميزة التنافسية وبالتالي لايجب التعويل على سعر الصرف كأداة جذب، بل يجب دعمه بإصلاحات هيكلية تضمن الاستدامة.

الدكتور محمد عزام
الدكتور محمد عزام

من جانبه يقول الدكتور محمد عزام، خبير تكنولوجيا المعلومات: الرئيس الأمريكي ترامب فرض هذه الرسوم على دول العالم من أجل استعادة السيطرة على جميع الصناعات وزيادة الصادرات الأمريكية، وإذا كان قد فرض على مصر 10% فيمكنه زيادتها في أي وقت إذا وجد أننا بدأنا نجذب شركات ومصانع ونصدر المنتجات التقنية والتكنولوجية، فالموضوع صعب على كل دول العالم ولا أحد يعلم ما الذي سيحدث بعد ذلك، فبورصة هونج كونج على سبيل المثال انخفضت بنسبة 12% وهو ما لم يحدث منذ 1997.

ونوه إلى أنه في كل الأحوال يجب أن تسعى مصر إلى جذب شركات للتصنيع التقني والأجهزة التكنولوجية والذكية، وهذا يحتاج إلى أن نكون جاهزين لمثل هذه الخطوة، لأن الصناعات الذكية معقدة وليست سهلة.

ويضيف عزام أن مثل هذا التوجه يحتاج أولا وقبل أي شيء أن يكون لدينا المهندسين والعمالة المدربة ومعاهد بحوث وتطوير على أعلى مستوى، ويكون هناك جامعات بحثية تستطيع دعم هذه الشركات، لأن المنافسة عالية جدا، والشركات لن تنقل الموظفين من الخارج فتحتاج إلى الاعتماد على العمالة والكوادر المحلية، فيجب توفير الايدي العاملة المدربة على أعلى مستوى.

ويشير إلى أهمية تطوير البنية التحتية التكنولوجية التي تساهم في جذب مثل هذه الشركات، خصوصا أنها متخصصة في صناعات متقدمة وتحتاج إلى توفير كل ما تحتاجه تلك الشركات، وتهيئة التشريعات اللازمة لجذب الاستثمارات والشركات الأجنبية، فكل ذلك سيفيد السوق المحلي وزيادة الصادرات المصرية، وهناك العديد من الخطوات التي اتخذتها الدولة ويمكن البناء عليها، سواء في القطاع التكنولوجية أو الاتصالات، فقطاع الاتصالات هو أكثر القطاعات جذبا للاستثمارات في العالم، ومصر من أكثر الدول الجاذبة لهذه النوعية من الاستثمار على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خاصة أنها تمتلك العقول الجيدة والنابغة

خالد نجم
خالد نجم

من جانبه قال المهندس خالد نجم وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأسبق، إلى أن جذب الشركات التصنيع التقني والشركات التكنولوجية هو هدف رئيسي لمصر بصرف النظر عن القرار الأمريكي بزيادة رسوم الجمارك على العديد من الدول، ولكن بعد هذا القرار يجب استغلال الفرصة بصورة أكبر والعمل على جذب هذه الشركات، وخصوصا أننا لدينا المقومات التي تدعمنا في هذا التوجه، ومنها موقع مصر الجغرافي ، وتوسطنا بين دول العالم، وقرب المسافة بيننا وبين دول العالم، بالإضافة إلى توفير ايدي عاملة ومواهب على أعلى مستوى، وتحتاج إلى الاهتمام بها وتأهيلها بصورة أكبر، بجانب وجود المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، حيث تم تأسيسها من أجل جذب الشركات الأجنبية، ويمكن الاستفادة منها بصورة أكبر لتواجد شركات التكنولوجيا، ولذلك فهناك فرصة لمصر للعمل على هذا الملف.

ويضيف أن هناك بعض الإجراءات التي يجب أن تتبناها الدولة لتعزيز هذا التوجه، ومنها منح التسهيلات الكافية لتلك الشركات من أجل التأسيس والتصنيع والانطلاق من أرض مصر، ويكون هناك سهولة في التعامل، وتوفير الأماكن المناسبة وتهيئتها بكل ما تحتاجه من بنية تحتية، وتوفير الأيدي العاملة المدربة، والعمل على تسهيل بناء مراكز بيانات خاصة بتلك الشركات مثلما تقوم بالخارج، فهذه أكثر الأشياء التي يمكننا جذب الشركات بها، لأنها تستطيع بذلك العمل بسهولة وتقديم خدماتها للعالم من أرض مصر.

ويشير نجم إلى أن مصر قطعت شوطا في جذب شركات الصناعات الإلكترونية، وهذا يمكن البناء عليه والاستمرار في تطويره، حيث إن مصر تعاقدت مع شركات عالمية لتصنيع أجزاء من وحدات وأجهزة، ويمكن العمل على دعم وجذب تلك الشركات لتصنيع الأجهزة كاملة وليس أجزاء منها ومن ثم التصدير من مصر.