من المتوقع أن تنمو إيرادات السوق العالمي للذكاء الاصطناعي AI إلى 500 مليار دولار بحلول عام 2024، وقد أدرك رائد الأعمال محمد المصري مبكرا أهمية هذا المجال، وأصبح هدفه إطلاق تقنية ذكاء اصطناعي من مصر وتصديرها للعالم.
يعتبر المصري شركته الناشئة “تاكتفول” Tactful بمثابة البذرة لهذا الحلم، وقد حققت الشركة نجاحا كبيرا في وقت قصير، ما لفت انتباه شركة Dstny، الأوروبية الرائدة في مجال أدوات الاتصالات التجارية، لتستحوذ على شركة Tactful، ففتحت لها الباب لتقديم حلولها داخل أوروبا.
حاورت بوابة الاقتصاد الرقمي FollowICT رائد الأعمال محمد المصري، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Tactful، الذي روى قصة نجاح الشركة وأهم التحديات التي واجهتها.
كيف بدأ مشوارك مع ريادة الأعمال؟
بداية أنا من صعيد مصر، ودرست هندسة الإلكترونيات، وتخرجت في جامعة المنيا عام 2004.
منذ بداية العمل، كنت أحاول أن أخلق مجالا للتكنولوجيا في صعيد مصر، وكانت بدايتي في عام 2004، التي أسست خلالها شركة في الأقصر، تخصصت في تقديم حلول تقنية للمراكب السياحية والفنادق العائمة في الأقصر وأسوان، وقد قدمنا من خلالها خدمة انترنت آلية دون تدخل من موظفي الفندق، وكان هناك إبداع كبير، والحمد لله نجحنا في تركيب التقنية في أماكن كثيرة في الأقصر وأسوان.
ومع ذلك، لم يكن هناك نجاح على مستوى الإدارة في هذه المرحلة، فقد كانت خبرتي الإدارية محدودة، ولم أستطع استثمار النجاح لقلة خبرتي، ولكن كان الهدف هو إيجاد مناخ تكنولوجي بالصعيد، وخصوصا أن هناك أماكن كثيرة محرومة من التطوير، كما أن فرص العمل محدودة في مجالات معينة، وكنت أتمنى أن أؤسس شركة تقدم خدمات تكنولوجية متطورة، وتكون بذرة في تطوير الصعيد.
وما هي الخطوة التالية التي قمت بها؟
قررت أن أتعلم كيفية إدارة الشركات على مستوى أكبر، وسافرت إلى الخليج، وعملت في شركة تكنولوجية متخصصة في حماية أمن المعلومات، وكنا نقدم حلولا لوزارات الداخلية والدفاع والقطاع المصرفي، وكلها الحمد لله كانت تقنية تم تطويرها داخل الوطن العربي.
كنت المهندس الوحيد في بداية الشركة، ثم عدت إلى مصر بعد ثورة 25 يناير، وكنت أرى التغيير الذي حدث في البلد، وحلمت بأن أعيد ما بدأته قبل السفر إلى السعودية.
ما الذي قدمته في ذلك الوقت؟
انضممت إلى مجموعة من الشباب المبدعين، وأسسنا شركة “سيليكون فيجن” Silicon Vision في مجال أشباه الموصلات، وكنا ننتج تقنيات لاسلكية wireless تُباع لشركات عالمية مثل إنتل وسوني وغيرها.
نجحنا بالفعل في تطوير منتجات لم يكن أحد يستطيع عملها إلا في أوروبا والولايات المتحدة، لأنها تحتاج إلى مهارات معينة، والحمد لله نجحنا في تصميم تلك المنتجات على مستوى عالمي، وتم الاستحواذ على كل التقنيات من شركة أمريكية كبرى.
هل كان هذا المشروع هو الحلم الذي تسعى إليه؟
كنت أشعر بأن المشوار لم ينته بعد، وسافرت إلى أوروبا، فكنت أتمنى أن أكون جزءا من كيان عالمي كبير، ولكن بذرته تكون داخل الوطن العربي، وانضممت لشركة من الشركات الضخمة في كمبريدج، وكان معي فريقا عبر القارات، ونصمم منتجات تدخل في كل شيء لها علاقة بالتكنولوجيا، وتقدم تقنيات في كل شيء في حياتنا، وأصبحت خبرتي جيدة في ذلك الوقت، وأصبحت أعرف كيف تتطور بيئة العمل على مستوى كبير كثقافة ونظام عمل.
وما الذي استفدته خلال تلك المرحلة؟
عملت وشاركت في 4 شركات خلال 18 سنة، وتعرفت على إدارة الشركات بمواصفات عالمية، وأنها تحتاج إلى خبرات ومعلومات كبيرة، فإما أن تبدأ الشركة وتتعلم وهذا يأخذ وقتا، أو أن تجمع الخبرات من أماكن مختلفة، وهذا ما قمت به.
وكيف فكرت في Tactful؟
بدأت بعد ذلك التفكير في بدء شركتي Tactful، ومجالها بناء حلول لبعض الشركات وقطاع الأعمال، من أجل تطوير التواصل مع العملاء من خلال كل القنوات، سواء الهاتف أو التواصل الاجتماعي أو القنوات التقليدية، وذلك باستخدام الذكاء الاصطناعي، ونساعدهم على فهم احتياجات العملاء وميكنة الخدمات.
من التحديات التي تواجهها الشركات التوقعات المرتفعة للمستهلكين، والذين يريدون شركة ترد عليهم بسرعة وتمنحهم خدمة جيدة، ويكون هناك نوع من أنواع التعامل الجيد، وهذا يحتاج إلى تربيط كبير بين القنوات المختلفة، وجمع البيانات عن العملاء، من أجل مساعدة الموظفين على التعامل معهم، وميكنة الخدمة نفسها، وهذا يزيد من كفاءة العمل وراحة ومستوى رضاء العميل، ويساعدني كمشروع على تطوير نفسي وخدماتي ومنتجاتي لتواكب السوق، فنحن نربط كل القنوات المختلفة التي يستخدمها المشروع للتعامل مع العملاء، ليتواصلوا معهم، ويتم ميكنة طرق التواصل المختلفة، ونقدم أيضا تقارير وتحليلات، والحمد لله تطورت الشركة من شخصين إلى أكثر من 60 مهندسا من أفضل الكفاءات.
هل كنت تضم كفاءات من الخارج؟
لم أكن أريد ضم كفاءات جاهزة، ولكني كنت أهدف إلى إيجاد جيل من المهندسين والمطورين ورواد الأعمال يستطيعون بناء شركات وحلول أخرى للمجتمع، فكنا نستقدم مهندسين حديثي التخرج ونبذل معهم مجهودا للتطوير والتعليم والتدريب، حتى يقدموا ما نريده منهم، وسوف يزيد فريق العمل خلال الفترة القادمة، ونكون متواجدين في القاهرة.
هل كان هناك نموذج أوّلي من الشركة؟
نعم بدأنا بمنتج مختلف تماما عما نقدمه الآن، فكان تفكيرنا في البداية تأسيس منصة للمنزل الذكي Smart Home، وتقديم هاردوير وسوفت وير، الهدف منها كيفية إقناع المستهلك البسيط بفائدة استخدام الحلول الذكية، ومساعدته على استخدامها بشكل جيد، من خلال فهم احتياجاته بشكل آلي، وترشيح أفضل الحلول له، فكانت مبنية على فكرة تجربة المستخدم، ولكن لم نستطع تنفيذ هذا الحل، لأنه ضخم، وكان يحتاج إلى استثمار كبير، وبدأنا نقسم ما كنا نريده إلى أجزاء، وبدأنا نجرب كل جزء، وركزنا في النهاية على الجزء الخاص بالسوفت وير الذي نقدمه للشركات التي تحتاج إلى تحسين تجربة المستخدم.
لماذا اخترت انجلترا لإطلاق الشركة منها؟
على الرغم من تأسيس Tactful في بريطانيا، لكن كل الموظفين وفريق العمل في القاهرة، وكل العملاء الذين بدأنا بهم كانوا في مصر والخليج، مثل شركة العربي جروب والتي كانت من أول العملاء الذين آمنوا بالفكرة واشتروها، وشركة اتصالات مصر، وشركة مبادلة في السعودية، وهناك شركات كثيرة في مصر آمنت بما نفعله.
اخترنا انجلترا نظرا لسهولة التأسيس هناك، فتستطيع أن تؤسس شركة من خلال الانترنت في دقائق بتكلفة تعادل 500 أو 600 جنيه مصري، والمملكة المتحدة تساهم بشكل كبير في تطوير التقنيات، عن طريق الدعم المادي واللوجيستي للشركات البريطانية بكل الأوجه، فكان جزء كبير من التمويل الذي استطعنا أن نكمل به كان دعما من الحكومة البريطانية، ولذلك نحن كشركة مسجلة في بريطانيا، ومعي مؤسس تقني وعنده خبرة كبيرة بالسوفت وير، وشريك تجاري لديه خبرة في خدمة العملاء، وأتواجد في بريطانيا، ومحمد حسن الخبير التقني في مصر، وشريف خير الله الشريك التجاري في السويد، فلم يكن لدينا أي مشكلة في العمل معا وكل فرد في دولة.
وما هي الصعوبات التي واجهتكم مع الشركة؟
أهم التحديات هي الوصول إلى المهندسين والكفاءات التي تساعدك في تطوير المنتج، ويكون عندهم نفس الرؤية، وعندهم استعداد للانضمام إلى شركة صغيرة إمكانياتها محدودة جدا، لكي نحقق الحلم معا، فكنا نحتاج إلى نوعية من الناس لديها القدرة على الحلم، وأن تصدق إمكانية تحقيق هذا الحلم.
التحدي الآخر كان التمويل، فهو عقبة كبيرة بالنسبة للشركات الناشئة، وخصوصا العاملة في التكنولوجيا، فالاستثمارات تذهب عادة للشركات الخدمية في الشرق الأوسط، وهذا بالطبع بسبب أن مجال الخدمات به تطوير كبير مازال غير موجود، وهي فرصة للشركات لكي تدخل هذا المجال وعمل إضافة مختلفة، ونحن اتخذنا طريقا مختلفا، ونقدم تكنولوجيا، والمستثمرون لديهم شكوك أو تخوف من وضع أموالهم في مثل هذه الأشياء، فالمستثمر يريد أرباح، ويرى أن الاستثمار في هذا المجال خطر كبير، ونفس المستثمر من الممكن أن يضع أمواله في شركة تقنية بأوروبا وأمريكا، لأن المناخ العام هناك سيساعده على النجاح وتحقيق الأرباح.
وما الذي تستفيده الشركة من استحواذ الشركة الأوروبية Dstny عليها؟
شركة Dstny هي مجموعة أوروبية موجودة في العديد من الدول، منها فرنسا وهولندا والمملكة المتحدة، وكان قرار الاستحواذ نابعا منهم، وكانوا يرون أن الإمكانيات والتكنولوجيا التي نقدمها عالية، ويمكن أن تساهم بها في نمو المجموعة بشكل كبير، والآن نحن جزء منهم، وفي المرحلة الجديدة سنقدم حلولنا داخل القارة الأوربية.
وكيف ترى مستقبل الذكاء الاصطناعي في مصر؟
مصر مازالت تتطور خدميا بشكل كبير، وتكلفة التطوير الخدمي عالية، وعندنا فرصة لكي نطوع التقنية لتسهل لنا حياتنا، وتوفر الكثير من النفقات.
ففي قطاع الصحة، على سبيل المثال، نجد أن الوصول للخدمات الطبية صعب ومكلف، ويمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في تسهيل عمل الطبيب، أو الوصول لأدوية وعقاقير جديدة تساعدنا على مكافحة الأمراض.
بالمثل، في المجال اللوجيستي والمواصلات والملاحة، هناك أشياء كثيرة جدا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعدنا فيها، لكي نطور البلد بتكلفة أقل، فالسعودية والإمارات لديهما خطط كبيرة جدا لاستغلال الذكاء الاصطناعي لتطوير المنظومة الصحية والتعليمية والاقتصادية.
نحن، في مصر، لدينا ميزة تنافسية كبيرة، وهي الأيدي العاملة، فتعداد المصريين يقترب من 110 مليون نسمة، جزء كبير منهم شباب، وعندنا جامعات تخرج مهندسين كل سنة بأعداد كبيرة جدا، فمن الممكن أن نكون مركزا عالميا لتقنيات الذكاء الاصطناعي.
وما هو الحل لجذب المستثمرين في هذا المجال لدينا؟
يتخوف المستثمر من هذا المجال، ويريد أن يضمن وجود سوق للمنتج، لكي يضع أمواله في هذا المنتج، ويريد أن يرى منظومة تساعد الشركة على النجاح، سواء قوانين أو منظومة تجارة، وأن تستطيع الشركة التصدير بسهولة، فنحتاج إلى مرونة في الضرائب ومنظومة دعم الشركات.
في بريطانيا، على سبيل المثال، إذا ضخ المستثمر 100 ألف دولار في شركة وفشلت، ترد الحكومة للمستثمر جزء كبير من خسارته في الضرائب، فالمستثمرون هناك يبحثون عن شركات لديها القدرة على تعويض خسارتهم في حالة فشلها، فيجب أن نضمن أن المستثمرين يضعون أموالهم بدون قلق، ويكون هناك مشاركة من البنوك مع القطاع الخاص.
وكيف ترى مستقبل Tactful؟
مستقبل مزدهر، ولدينا فريق عمل مدرب وواع بشكل جيد، واستطعنا تطوير مهارات الناس وكفاءتهم، وأصبحوا مستعدين لتقديم المنتجات وتطويرها بشكل أسرع وأفضل، وأصبح لدينا فرصة للوصول إلى قطاع كبير من العملاء في أوروبا، وهذا معناه أن المنتج يستطيع أن يكون موجودا في أماكن كثيرة، لم نكن نستطيع الوصول إليها إلا في وقت كبير، وفريق Dstny مميز، وهناك تفاهم بيننا.
وما الذي تتمنى تحقيقه؟
أتمنى أن أصل إلى نموذج مصري أو شرق أوسطي لتطوير خدمة تقنية على مستوى عالمي، وأملي أن الفريق الموجود حاليا يخرج منه رواد أعمال يؤسسون شركات جديدة، ونستطيع أن نصنع تقنية في مصر ونصدرها على مستوى عالمي، وأن تكون Tactful هي البذرة.
من واقع تجربتك، ما هي الأدوات التي يجب أن يمتلكها المؤسسون للنجاح في إدارة شركة ناشئة؟
أولا الوصول إلى فريق لديه نفس الحلم، فهي رحلة صعبة، وكلما كان هناك تناغم بين المجموعة كمؤسسين وموظفين الموضوع يكون أسهل، فلا بد أن يكون هناك فريق متناغم، ونتغلب على الاهتمامات الشخصية ونركز على النجاح معا، في ظل المشاكل التي نواجهها، فإذا كان هناك هدف قوي سيتغلب الجميع على تلك المشاكل، وثانيا تقديم قيمة حقيقية للمجتمع، نعرف نبني عليها اقتصاد مصري قوي.