ضبابية المشهد الاقتصادي.. التضخم المرتفع.. السوق الموازية للعملة.. مطالبات صندوق النقد الدولي بمزيد من مرونة سعر الصرف وضبط معدلات التضخم.. كل هذه العوامل دفعت المحللين والخبراء إلى توقعات متباينة لمصير أسعار الفائدة التي يجتمع البنك المركزي المصري لمناقشتها نهاية الأسبوع الجاري.
وفي الاجتماع الأول للجنة السياسة النقدية خلال 2024، بعد رفع بمعدل 3% لأسعار الفائدة خلال 2023 في اجتماعين فقط، يتوقع معظم الخبراء أن يكون هناك رفع قوي في أسعار الفائدة خلال اجتماع الخميس المقبل.
وكانت لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي المصري، قررت في اجتماعها السابق يوم 21 ديسمبر الإبقاء على أسعار الفائدة للإيداع والإقراض لليلة واحدة عند 19.25% و20.25% علي التوالي.
وتباطأ معدل التضخم السنوي ليصل إلى 33.7% في ديسمبر من 34.6% على أساس سنوي في نوفمبر 2023 وذلك وفقا للبيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء، كما تراجع معدل التضخم الأساسي المعد من البنك المركزي إلى 34.2% بنهاية ديسمبر مقارنة بنحو 41% في يونيو من العام الماضي.
وتجري مصر محادثات مع صندوق النقد الدولي بشأن مزيد من مرونة سعر الصرف فى إطار المراجعات التي يجريها الصندوق حاليًا بالقاهرة، تمهيدًا للتوصل إلى اتفاق بشأن زيادة القرض الحالي إلى ما بين 8 و10 مليارات دولار، مقارنة مع 3 مليارات قيمة التمويل القائم الذى تم توقيعه العام قبل الماضي ولم تُصرف منه سوى شريحة واحدة فقط بقيمة 347 مليون دولار.
وسبق زيارة وفد صندوق النقد الدولي، لقاء وفد حكومي مصري ضم محافظ البنك المركزي ووزيري المالية والتعاون الدولي يوم 10 من الشهر الحالي مع وزيرة الخزانة الأمريكية، ومدير عام صندوق النقد الدولي، وبعده بأسبوع زار وفد برئاسة جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا في صندوق النقد الدولي، القاهرة والتقى مسؤولين حكوميين ورجال أعمال.
ونتيجة لكل هذه العوامل، جاءت توقعات الخبراء والمحللين متباينة، حيث يرى الفريق الأول أن البنك المركزي سيتجه لرفع أسعار الفائدة بمعدلات تتراوح من 1 إلى 5% خلال هذا الاجتماع، في حين يرى الفريق الثاني أن اللجنة ستبقى على أسعار الفائدة كما هي دو تغيير خلال الاجتماع المقبل.
وفي هذا الصدد، أكد محمد عبدالعال الخبير المصرفي، أن البنك المركزي قد يتجه إلى رفع أسعار الفائدة بمعدل يتراوح من 1 إلى 2%، لكون معدل الفائدة الحقيقي لا يزال بالسالب بالتزامن مع ارتفاع معدل التضخم عن معدلات الفائدة السائدة.
تابع أن ارتفاع معدلات التضخم خلال الفترة المقبلة سيكون مرتبطًا بصورة كبيرة بأسعار الصرف وليس بمصير أسعار الفائدة، ومن ثم يتجه معه البنك المركزي للرفع بهدف التحوط، مشيرًا إلى تأثير الأحداث الجيوسياسية المندلعة بين غزة وإسرائيل على ارتفاع الأسعار خلال الفترة المقبلة.
فيما توقع أحمد حافظ، رئيس قطاع البحوث في بنك استثمار رينيسانس كابيتال، اتجاه البنك المركزي لزيادة أسعار الفائدة خلال اجتماعه المقبل لكن بمعدل 1.5%، مستندًا إلى معدلات التضخم وترجيحات ارتفاع أسعار السلع.
من جانبها توقعت آية زهير، رئيس قسم البحوث ببنك الاستثمار زيلا كابيتال، أن يتجه البنك المركزي لرفع أسعار الفائدة خلال اجتماعه المقبل بمعدل يتراوح بين 3% و5%.
وأرجعت توقعاتها إلى الفجوة الكبيرة بين سعر الصرف بالسوقين الموازية والرسمية، مشيرة إلى أنه من الممكن ألا تنتظر لجنة السياسة النقدية اجتماع أول فبراير لحسم قرار الفائدة وقد تحرك سعر الصرف خلال الأيام القليلة المقبلة.
وترى أن طرح شهادات بفائدة عالية 27% خلال الفترة الماضية من قبل بنكي الأهلي المصري ومصر، كانت بغرض سحب السيولة وكبح جماح التضخم، متوقعة طرح شهادات إيداع أخرى بفائدة كبيرة خلال الفترة المقبلة كمحاولة لكبح معدلات التضخم المرتقب ارتفاعها خلال الفترة المقبلة.
واعتبرت أن قرار زيادة الحد الإلزامي للبنوك من قبل المركزي قد يتم اتخاذه في إطار استكمال سلسلة قرارات تهدف لتحجيم معدلات التضخم وتأتى بالتوافق مع قرار زيادة أسعار الفائدة خلال الفترة المقبلة تماشيًا أيضاً مع اتفاقيات الدولة مع صندوق النقد الدولي التي تلزم معها اتباع سياسة تشددية.
والاحتياطي الإلزامي، إلى جانب دوره الرئيسي في استقرار النشاط المصرفي والحفاظ على ودائع العملاء، يعد إحدى الأدوات التي تلجأ البنوك المركزية استثنائياً إليها للتحكم فى السيولة بالسوق دون الحاجة لرفع أسعار الفائدة في حربها ضد التضخم.
ورفع المركزي المصري نسبة الاحتياطي النقدي الإلزامي على الودائع في البنوك 4% في سبتمبر 2022 لتسجل 18% مقابل 14%.
بينما ترى سهر الدماطي، نائب رئيس بنك مصر سابقا، أن لجنة السياسة النقدية ستنظر خلال اجتماعها لحسم مصير أسعار الفائدة إلى عدة عوامل، منها الموقف العالمي وتأثيره على الاقتصاد المحلى خاصة معدلات التضخم.
لفتت إلى أنه في ظل تراجع معدلات التضخم خلال ديسمبر بمعدل 1.7% مقارنة بشهر نوفمبر 2023 قد تلجأ لجنة السياسة النقدية إلى الإبقاء على معدل أسعار الفائدة الحالية عند 19.25% للإيداع، و20.25% للإقراض.
تابعت أنه يمكن للبنك المركزي أن يتجه لرفع أسعار الفائدة خلال الاجتماع المقبل بمعدل يتراوح من 0.5% إلى 1% إذا أخذ فى اعتباره اقتراب شهر رمضان، نتيجة نمو القوى الشرائية للمستهلكين خلاله.
وأصدرت إدارة البحوث بشركة إتش سى للأوراق المالية والاستثمار توقعاتها بشأن قرار لجنة السياسات النقدية المحتمل في ضوء الوضع الراهن لمصر، حيث توقعت أن تثبت اللجنة سعر الفائدة في اجتماعها المقرر عقده الخميس 1 فبراير.
وقالت هبة منير، محلل الاقتصاد الكلي بشركة إتش سى: ” نتوقع أن تبقي لجنة السياسات النقدية على أسعار الفائدة للإيداع والإقراض لليلة واحدة في اجتماعها في 1 فبراير في ظل عدم حدوث تغيير في سعر الصرف الرسمي؛ ومع ذلك، فإننا لا نستبعد رفع سعر الفائدة في حال تغير سعر الصرف الرسمي. ومن المتوقع أن تأتي هذه الخطوة بالتزامن مع الانتهاء من المراجعة الأولى والثانية المؤجلة لصندوق النقد الدولي والتوصل أيضاً إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي بشأن مضاعفة قيمة “تسهيل الصندوق الممتد” والتي تبلغ قيمته 3 مليار دولار، وذلك إن لم يكن أكثر”.
وقالت إنه يتعلق بالتضخم، نتوقع أن يرتفع معدل التضخم للحضر لشهر يناير بنسبة 6.7% على أساس شهري و36.3% على أساس سنوي، وذلك مع الأخذ في الاعتبار ارتفاع أسعار تذاكر المترو، وأسعار خدمات الإنترنت والاتصالات، إضافة إلى ارتفاع أسعار الكهرباء للمنازل.
أما عن ارتفاع السيولة المحلية بسبب استحقاق الشهادات ذات العائد المرتفع مع بداية العام الحالي، الأمر الذي دفع بعض البنوك لإصدار شهادات ادخارية جديدة، حيث أصدر بنك مصر والبنك الأهلي المصري شهادات ادخار لمدة عام بسعر فائدة 23.5٪ بعائد شهري و27٪ بعائد سنوي، كما أصدر البنك التجاري الدولي مصر – CIB شهادات ادخار تنافسية لمدة ثلاث سنوات بأسعار فائدة تتراوح بين 20-22%.
وأضافت أن الضغوط على العملة المحلية مقابل الأجنبية تتزايد، حيث ارتفع مؤشر قيمة مبادلة مخاطر الائتمان في مصر لمدة عام واحد إلى 960 نقطة أساس من 886 نقطة أساس في 21 ديسمبر، كما ارتفعت أسعار الذهب بنسبة تتجاوز 17% منذ بداية العام، إضافة إلى ضغوط المتعاملين على عوائد الخزانة، الأمر الذي يعكس سعر فائدة سلبي حقيقي بنسبة 9.0%.
وتابعت “لا نرى أن العائد السلبي الحقيقي سيؤثر على قرار اللجنة حيث خفضت مؤسسات التصنيف الدولية التصنيف الائتماني لمصر وتم استبعاد مصر من مؤشر جي بي مورجان للسندات بداية من 31 يناير، مما يقلل من احتمال عودة الأموال الساخنة قبل استقرار سعر الصرف. أما على الجانب الايجابي، تراجع صافي التزامات القطاع المصرفي من العملة الأجنبية بمقدار 170 مليون دولار على أساس شهري مسجلا 27 مليار دولار في نوفمبر 2023، كما ارتفع صافي احتياطي النقد الأجنبي بقيمة 47 مليون دولار على أساس شهري إلي 35.2 مليار دولار في ديسمبر، وبالمثل ارتفعت الودائع الغير مدرجة في صافي الاحتياطي الأجنبي بنسبة 3.2% تقريبا على أساس شهري الى 6.38 مليار دولار في ديسمبر، وفقا للبيانات الواردة عن البنك المركزي المصري.”
فى السياق نفسه توقع عز الدين حسانين، الخبير المصرفى، اتجاه البنك المركزى إلى تثبيت سعر الفائدة خلال اجتماع لجنة السياسة النقدية المقبل فى أول فبراير.
وأرجع ذلك إلى تباطؤ معدلات التضخم العام والأساسى خلال آخر 4 أشهر، فضلا عن استقرار الأسعار العالمية للنفط والغذاء حتى منتصف يناير الجارى.