استعدادات وفرص نوعية تحدد مستقبل المدن الذكية في مصر، من بوابة مشروع رأس الحكمة الذي يعد مرتكزا رئيسيا لبناء نموذجا عالميا للمدن المستدامة والمتطورة على مستوى منطقة الشرق الأوسط، سواء على مستوى حجم المشروع وماسيشهده من حجم استثمارات إجمالية تصل إلى 110 مليار دولار، وأيضا كونه وجهة مالية وسياحية دولية متميزة تتبنى أحدث حلول المدن الذكية الرقمية مع اندماج كامل لأحدث التكنولوجيات التي ستضم مراكز البيانات و شبكات الاتصال الرقمية والألياف الضوئية وشبكات الجيل الخامس و التطبيقات الحياتية الذكية.
وشكل حضور الرئيس عبد الفتاح السيسي، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات مطلع الشهر الجاري، توقيع عدد من الشركات المصرية والإماراتية على عقود بدء العمل بالمشروع، مسار رئيسي ودلالة على هذا التطور مع حجم الشركات المشاركة في المشروع وعلاماتها التجارية القوية على مستوى الإمارات وأيضا السوق المصرية على غرار شركة مُدن القابضة الإماراتية كمطور عام وشركات « إى آند مصر ، وطاقة، أوراسكوم للإنشاءات، السويدى إليكتريك، كاندى إنترناشيونال، مونتاج إنترناشيونال»، وبما يشكل إطار ضامن على مستوى الكفاءة في تنفيذ كافة جوانب المشروع، مع فتح الباب لدخول شركات أخرى من الباب الكبير.
فالقطاعات الاقتصادية ومنها قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، يقيم المشروع باعتباره فرصة استثمارية سانحة نظرا لطبيعة وحجم الصفقة، واحتياجاتها الأساسية من بنية تكنولوجية متطورة،وتطبيقها لأحدث التقنيات الحديثة في كافة الأعمال التشغيلية والفنية للمشروعات التي ستضمها أرض الحكمة، باعتبارها مشروع شامل للتنمية العمرانية والسياحية الشاملة، والذي سيحتاج لوضع خارطة طريق نحو صناعة هوية عالمية في الاقتصاد الأخضر والطاقة المتجددة واعتماد التكنولوجيا والابتكار والحلول المستدامة.
ويعتبر مشروع رأس الحكمة الأضخم من نوعه، حيث يستهدف تطوير مدينة مساحتها 170 مليون متر مربع، ويتضمن المشروع أحياء سكنية لكل المستويات وفنادق عالمية على أعلى مستوى ومنتجعات سياحية ومشروعات ترفيهية عملاقة بالإضافة إلى كل الخدمات العمرانية الموجودة في كل مدنية سواء مدارس وجامعات ومستشفيات ومباني إدارية وخدمية، بالإضافة إلى منطقة حرة خدمية خاصة سيكون فيها صناعات تكنولوجية وخفيفة وخدمات لوجستية وحي مركزي للمال والأعمال، لاستقطاب الشركات العالمية، وسيسهم المشروع في الناتج المحلي للاقتصاد المصري بنحو 25 مليار دولار سنوياً، وسيوفر ما يقرب من 750 ألف فرصة عمل.
الخبراء أكدو جاهزية قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، لصناعة بنية ذكية مستدامة لهذا المشروع الضخم ، في ظل الواقع العملي والفني الذي شهد قيادة هذه الشركات المنتمية للقطاع على غرار «إى آند مصر» للتحول الكبير للمجتمعات الذكية المتكاملة، وانتهاج أنماط التكنولوجيا الحديثة في المشروعات العقارية كإنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي وأجهزة الطاقة المتجددة والتطبيقات الذكية وغيرها من صور التكنولوجيا، بالإضافة إلى الإطار الإداري والتنظيمي والذي يشمل أنظمة المرور والمخلفات والتشغيل، وتجميع وإدارة وتحليل البيانات الضخمة لمساعدة إدارات المدن.
معدلات نمو القطاع
وأكدوا على أن مشروع بهذا الحجم، سيدفع معدلات نمو القطاع على المدى البعيد، بما سيوفره من مشروعات متنوعة وأيضا فرص عمل مباشرة، وحجم طلب كبير على المستلزمات الخاصة بالبنية التكنولوجية، مشيرين إلي ضرورة أن تدعم الحكومة تواجد الشركات المتوسطة والصغيرة في أعماله عبر العديد من الحوافز والشراكات المشتركة مع الجانب الإماراتي وهو ماتم كشفه في تصريحات رئيس الوزراء بتخصيص مقرات لشركات التكنولوجيا الصغيرة بشكل خاص في هذا المشروع، وهو مايمنحها العديد من المميزات، ويؤدي إلى نمو تلك الشركات وجذب استثمارات لها من الخارج.
وتحتضن مدينة رأس الحكمة لدى اكتمالها نحو مليوني نسمة مع أكثر من 40 كيلومترا من المساحات الخضراء وستضم مطاراً دولياً جديداً ومحطة قطارات عالية السرعة ومناطق سكنية ومساحات مكتبية وفندقية ومرافق للتجزئة والترفيه ومرسى عالمياً للقوارب واليخوت ومنطقة حرة خاصة.وإلى جانب تركيز هذا المشروع الضخم على جوانب السياحة والضيافة.. تسعى “مدن” القابضة أيضاً إلى تطوير البنية التحتية الداعمة لمجموعة من الخدمات التجارية والمالية والتكنولوجيا إضافة إلى استقطاب أبرز الأحداث الترفيهية والرياضية والثقافية.
المهندس حازم متولي الرئيس التنفيذي لشركة إي آند مصر، قال أن مشروع رأس الحكمة والتعاون مع مجموعة مدن القابضة لتطوير البنية التحتية الذكية للمدينة، تمثل خطوة استراتيجية محورية، تتماشى مع رؤية الشركة لبناء مستقبل رقمي مستدام، ونعمل على نقل خبراتنا وإنشاء مدينة ذكية متكاملة ترتقي بالمعايير العالمية، مما يجعل رأس الحكمة نموذجًا رائدًا للمدن الذكية في المنطقة، وبما يضمن توفير بيئة معيشية آمنة وفعالة.
وأكد أن الشراكة مع مجموعة مدن القابضة لتطوير البنية التحتية الذكية للمدينة، يعكس التزامنا بتطوير بنية تحتية مرنة قادرة على تلبية احتياجات المستقبل، وتساهم في تعزيز مكانة مصر كمركز إقليمي للمدن الذكية والاستثمارات المستدامة.
التقنيات الحديثة
ووفقا لبيان الشركة تقوم إي آند مصر – من خلال تابعتها إي آند بيزنس، بإعادة تعريف التقنيات الحديثة والحلول الذكية لتقديم نموذجا حياتيا متقدما يقوم على احدث التكنولوجيا المتطورة في رأس الحكمة، بالإضافة الى تقديم احدث نظم إدارة المجتمعات الذكية لضمان تجربة حياتية فريدة لمدينة رقمية مستقبلية، هذا بجانب توفير أعلى مستويات الأمان والحماية للمقيمين وزوار المدينة من خلال أنظمة تأمين متطورة، ومنظومة حماية للأمن السيبراني والبيانات، إلى جانب الاعتماد على الحلول الذكية وتطبيقات الحوسبة السحابية وإنترنت الأشياء (IoT) لضمان استدامة المشروع على المدى الطويل، مع التركيز على كفاءة استخدام الطاقة والموارد.
أكد الدكتور أحمد خطاب، الخبير الاقتصادي وعضو مجلس الأعمال المصري الكندي، أن مشروع رأس الحكمة يعتبر بمثابة طفرة اقتصادية في جميع القطاعات، حيث إنه فرصة للشركات المصرية بجانب الإماراتية للقيام بأدوار مختلفة، ومن أبرز القطاعات التي ستستفيد من هذا المشروع هو قطاع الاتصالات والتكنولوجيا، فهذا المشروع يقدم فرصة لشركات الاتصالات والتكنولوجيا بمصر من أجل تحقيق معدلات نمو كبيرة بفضل هذا المشروع، حيث سيكون من فئة المدن الذكية، وسيحتاج إلى بنية تحتية تكنولوجية ضخمة، مثل مد خطوط الفايبر والكابلات بجانب أن التحصيل الإلكتروني سيعمم في كل الخدمات، مما يوفر فرص كبيرة لشركات هذا القطاع، بجانب أنه سيضم جامعات ومدارس ومستشفيات، وكلها تحتاج إلى خدمات تكنولوجية.
وأكد أن شركات الاتصالات المصرية على غرار «إى آند مصر» لديها القدرة على القيام بهذا الدور مع تطوير البنية التحتية، حيث إنها تدربت على ذلك من خلال عملها في المدن الحديثة مثل العلمين الجديدة او العاصمة الإدارية، فقد أصبحت على وعي كبير بالقيام بهذه الأدوار، بجانب وجود شركات إماراتية أيضا، وسيحدث تعاون كبير بين الطرفين، بجانب أن المشروع يمنح العديد من الفرص لشركات التكنولوجيا الصغيرة، خصوصا مع إعلان رئيس الوزراء عن توفير مقرات لشركات التكنولوجيا الصغيرة بشكل خاص في هذا المشروع، وهو توجه الدولة منذ فترة بمنح تلك الشركات العديد من المميزات.
وأشار خطاب، أن الصفقة ستعزز بالتأكيد مستويات التشغيل من جانب الشركات سواء على مستوى دعم المنطقة بشبكات متطورة وببنية تكنولوجية فائقة الجودة وتصميم مراكز بيانات ضخمة من جانب، وتقديم كافة الخدمات المتطورة كالذكاء الاصطناعي وانترنت الأشياء وغيرها للشركات والفنادق التي ستنشأ ضمن المشروع، إلى جانب تقديم هذه الخدمات لقاطني هذه المنطقة والذي من المتوقع أن يكون عدد كبير منهم من السائحين إلى جانب المصريين والعرب.
التحالفات تسيطر
ونوه إلى أنه من المتوقع أن تكون التحالفات بين الشركات هي المسيطر عليها بين الشركات المحلية والعالمية وهو ماكشفه التوقيع الأخير بين شركة مُدن القابضة الإماراتية المطور العام وعدد من الشركات، خاصة فيما يتعلق بتصميم مراكز البيانات أو مراكز السيطرة والتحكم، منوها إلى أن شركات الاتصالات قادرة على تقديم خدمات الـ Triple Play وخدمات المدن الذكية بكفاءة وجودة وفقا للمقاييس العالمية ولديها العديد من التجارب الناجحة مع شركات التطوير العقاري في مصر.
من جانبه قال عمرو نور الرئيس التنفيذي لشركة (IOT مصر) أن الكلمة المرادفة للمدن الذكية هي الحياة الأفضل والوصول إلى عملية تكامل بين مهام الأفراد وأعمالهم ونشاطهم وحتى إلى عنصر الرفاهية، مبينا أن منشئ المدن الذكية يستهدفون عمل خدمة متميزة تلبي كافة احتياجات عبر أحدث التقنيات التكنولوجية والابتكار في البناء والإعمار لجذب المواطن المستهلك إلى الشراء والسعي للحصول على وحدة سكنية بهذا المكان.
وأضاف أن المدن والمجتمعات الذكية في مصر والتي سيكون أحدثها راس الحكمة وليس أخرها، أمامها فرص نمو مطردة وأيضا عائد على الاستثمار مجزي خلال السنوات المقبلة، خاصة وأن النمط الطبيعي لفئات كثيرة من المجتمع المصري أصبحت استخداماتها تقنية بشكل كبير سواء في استخدمات المحمول المتنامية أو الحصول على الخدمات بشكل إلكتروني إلى جانب التوسع الكبير للدولة المصرية في تسريع التحول الرقمي وتقديم الخدمات الذكية وفقا لرؤية مصر 2030.
وأشار عمرو نور إلى أن دمج التكنولوجيا المتطورة بالمشروع ستساهم بشكل رئيسي في تعزيز الطلب عليه، سواء من الناحية التسويقية للمشروعات، أو تعزيز خدمات المشروعات بنوعيات متطورة من التكنولوجيا تشكل جزءا رئيسيا من اختيارات العملاء في عملية الشراء، منوها إلى أن مفهوم التكنولوجيا في صناعة العقارات، أصبح جزءا رئيسيا من معادلة مستقبل القطاع العقاري في مصر والمنطقة، والتي تشمل الخدمات المتطورة التي تقدمها الحلول الذكية لإدارة العقارات باستخدام تقنيات البلوك تشين وتحليل البيانات الضخمة والحوسبة السحابية ومد كابلات الفايبر وغيرها من الحلول العقارية الذكية، وحلول حجز وتأجير العقارات، وتكنولوجيا التخطيط والبناء، والتكنولوجيا المالية العقارية.
وفقًا لتقرير بحثي لـ “MarketsandMarkets” بعنوان “سوق المدن الذكية” والذي يشمل النقل والمباني والمرافق الذكية، وخدمات المواطن الذكية والتي تشمل (السلامة العامة ، والرعاية الصحية ، والتعليم الذكي ، وإضاءة الشوارع ،والحوكمة الإلكترونية)، أن حجم سوق المدن الذكية العالمي سينمو إلى 873.7 مليار دولار بحلول عام 2026 ، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 13.8٪ خلال فترة التوقعات.
سوق المدن الذكية
ولفت التقرير إلى أن منطقة الشرق الأوسط تشهد نموا واعدا في سوق المدن الذكية العالمي ، مع تنامي الشبكات في المنطقة وتوسيع وتحديث شبكات الاتصالات والاستعداد للانتقال نحو البنية التحتية للجيل الخامس، وتوجه شركات الاتصالات الكبري فيها للترويج من للتقنيات الحديثة مثل الحوسبة السحابية وتقسيم الشبكات، وبالتالي تفعيل تبني المدن الذكية بتكلفة منخفضة ولإدارة حضرية استراتيجية.
من جانبه قال الدكتور صلاح حسن أستاذ التسويق الدولي والإدارة الاستراتيجية بجامعة جورج واشنطن بالولايات المتحدة، أن المدن الذكية كالعاصمة الإدارية والعلمين وحديثا “راس الحكمة” أصبحت ضرورة للنهوض بقطاعات التكنولوجيا والصحة والتعليم وغيرها من المجالات الحيوية في الدولة المصرية، وسط التكدس البشري الكبير الذي يسيطر علي مصر في العديد من المدن ويستحال معه إحداث تطوير تكنولوجي بشكل كامل، وهو مايعزز ايجابية رؤية القيادة السياسية بإطلاق المدن الذكية مثل العاصمة الإدارية الجديدة، وغيرهما من المدن على مستوى الجمهورية، مشير إلى أن مشروع رأس الحكمة الجديد بما سيضم من مبان وفنادق ومنتجعات ستصمم وفقا لأحدث المواصفات العالمية ومشروعات تكنولوجية مؤمنة ستعزز نقل مصر لاقتصاد رقمي قوي.
وأشار إلى أن اقتصاديات المدن الذكية أصبحت جزء من الاقتصاد العالمي الحديث القائم على الابتكار خاصة في ظل جائحة كورونا المستجد التي فرضت تغيرات على طبيعة التعامل مع التكنولوجيا باعتبارها جوهر رئيسي للتنمية المستدامة وتحديد أوجه المستقبل وتوفير حلول لأزمات القطاع الصحي والتعليم، لافتا إلى أن المدن الذكية أصبحت واحدة من مصادر الدخل الرئيسية للدول سواء في الجامعات الذكية مثل التي تقوم بها مصر حاليا في العاصمة الجديدة مثل الجامعات الأهلية والخاصة القائمة على التكنولوجيا والإبداع ومدينة المعرفة، وأيضا جذب المقرات الرئيسية لكبري الشركات حول العالم.