«تمويلات وشراكات استراتيجية».. لغة المصالح تحكم علاقات البنوك بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في 2024
شهد عام 2023 العديد من المتغيرات الاقتصادية والتي تصدرها بشكل رئيسي ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة عالميًا ومحليًا، إذ وصلت لأعلى مستوياتها في 40 عامًا، فضلاً عن تجاوزها 41% في مصر بنهاية شهر يونيو 2023، وهو ما دفع البنوك المركزية إلى الاستمرار في السياسة النقدية التشددية خلال الشهور الماضية لكبح جماح التضخم.
ومع هدوء وتيرة التضخم خلال الشهور القليلة الماضية، اتجهت البنوك المركزية نحو تثبيت أسعار الفائدة –ولو بشكل مؤقت- لاستمرار عجلة دوران الاقتصاد التي تتأثر سلبًا برفع الفائدة، وهو السيناريو الأقرب لعام 2024، إذ تتوقع معظم بنوك الاستثمار العالمية والمحلية أن يكون العام المقبل أكثر هدوءًا من 2023 بشأن أسعار الفائدة.
رفع أسعار الفائدة خلال 2023، بمعدلات هي الأعلى في مصر تاريخيًا، إذ سجلت أسعار العائد على الإيداع والإقراض 19.25%، و20.25% على الترتيب منذ اجتماع لجنة السياسة النقدية في أغسطس الماضي، كان له تأثير كبير على القطاعات الاقتصادية المختلفة التي تحاول الابتعاد عن القروض البنكية قدر الإمكان بسبب ارتفاع تكلفة التمويل.
قطاع الاتصالات، الذي يشهد نموًا مطردًا ويساهم بنسبة كبيرة في إجمالي الناتج المحلي، أحد القطاعات الحيوية التي تتعاون بشكل كبير مع البنوك العاملة في السوق المحلية سواء للحصول على تمويلات أو لعقد شراكات إستراتيجية، خاصة خلال السنوات الأخيرة في ضوء التوجه القومي نحو عملية التحول الرقمي وتعزيز الشمول المالي، وهو ما يتطلب تعاون كبير بين البنوك وقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات كونهما مكملان لبعضهما في هذا الملف.
البنوك تنظر إلى قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات باعتباره “قطاع المستقبل”، حيث أن القطاع المصرفي يدرك تمامًا أن التكنولوجيا هي المحرك الأساسي لعملية التنمية خلال السنوات القادمة، والذي ظهرت آثاره جليةً واضحةً منذ تفشي جائحة كورونا واعتماد القطاع المصرفي بشكل كامل على التكنولوجيا والعمل عن بُعد.
النمو الضخم
هذه النظرة إلى جانب النمو الضخم الذي يحققه قطاع الاتصالات والذي وصل إلى 16.7% ليكون القطاع الأكثر نموًا في مصر، جعل قطاع الاتصالات جديرًا بالثقة ومنح التمويل من قبل القطاع المصرفي المصري، وهو ما دفع البنوك إلى تدبير العديد من التمويلات الضخمة للقطاع خلال الفترة الماضية، إضافة إلى توقيع العديد من بروتوكولات التعاون بين القطاعين.
أخر هذه الشراكات كانت بين بنك مصر واتصالات من &e في مصر بالإعلان عن إطلاق شركة سوبر باي SuperPay لتكنولوجيا المدفوعات الإلكترونية، بما يعزز من الابتكار والنمو الاقتصادي ويساهم في تحقيق الشمول المالي الذي تهدف إليه جهود الدولة.
وفي أكتوبر الماضي، أعلنت شركة اتصالات من &e في مصر، عن توقيع اتفاقية تعاون استراتيجي مع بنك المشرق مصر، بهدف تعزيز وتطوير منظومة الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول، والتي سبقها شراكة مع البنك الزراعى المصرى، بهدف إتاحة وتوفير نطاق أوسع لتغطية شبكة المحمول ليستفيد منها عملاء البنك وسكان الريف بشكل عام فى كافة أنحاء الجمهورية.
وفيما يخص الجانب التمويلي، أعلنت شركة اتصالات مصر، في 2023 عن توقيع اتفاقية تمويل مع البنك التجاري الدولي CIB بقيمة 4 مليارات جنيه، لتعزيز وتنفيذ خططها التوسعية الطموحة في التحول إلى مجموعة رائدة في خدمات التكنولوجيا المتكاملة تحت مظلة الهوية المؤسسية الجديدة للشركة الأم، وتقديم خدمات مبتكرة للعملاء.
سبق هذا التمويل قيام تحالف مصرفي مكون من بنك مصر والبنك التجاري الدولي بترتيب ومنح تمويل مشترك لصالح مجموعة بنية بقيمة 6.35 مليار جنيه بغرض تمويل مشروعات مسندة لمجموعة بنية في قطاع البنية التحتية التكنولوجية لقطاع الاتصالات في مصر، وهو ما يمنح دلالات كبرى على مستوى الثقة في القطاع.
توقيع الشراكات
النماذج المذكورة سواء من حيث توقيع الشراكات أو منح التمويل تؤكد على ثقة القطاع المصرفي المصري في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، فضلاً عن إطلاق البنك المركزي العديد من المبادرات التي تهدف إلى دعم التكنولوجيا المالية الناشئة في جميع مراحلها، بدءًا من الفكرة وحتى الانطلاق.
وفي إطار جهود البنك المركزي لرعاية كوادر التكنولوجيا الشابة، أطلق مبادرة “FinYology” والتي قامت بتدريب ما يقرب من 7 آلاف طالب جامعي بالتعاون مع 25 جامعة حكومية وخاصة وبمشاركة 18 بنكا من البنوك العاملة في مصر، إضافة إلى مبادرة «فينتكرز» لدعم مبادرة التكنولوجيا المالية للأقاليم، وإطلاق المختبر التنظيمي لتطبيقات التكنولوجيا المالية كبيئة اختبارية تسمح لرواد الأعمال بجريب تطبيقاتهم المبتكرة.
محمد الإتربي رئيس مجلس إدارة بنك مصر، أكد على إيمان بنك مصر بإمكانات قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مصر الذي ازدهر بصورة واضحة على مدى السنوات القليلة الماضية.
وأشار إلى أن بنك مصر سيقوم بمواصلة تمويل مشروعات القطاع لتنشيط ودعم الاقتصاد المصري، توافقًا مع توجه الدولة للنهوض بجميع القطاعات الاقتصادية، وإلى حرص بنك مصر دائما كونه مؤسسة مصرفية رائدة على الدخول في المبادرات والبروتوكولات التي تهدف لتقديم خدمات تتناسب مع احتياجات كافة شرائح العملاء،حيث يعمل بنك مصر دائما كمحفز للتنمية الوطنية والاستراتيجية، لإيمانه بالاستدامة والتطوير المستمر.
ومن جانبه قال أشرف القاضي الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب للمصرف المتحد، إن البنوك تولي اهتمامًا كبيرًا لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، مؤكدًا أن هذا الاهتمام نابع من استراتيجية الدولة المصرية والبنك المركزي في التحول لمجتمع رقمي بحلول 2025 والتي ساهمت في إتاحة المجال للمبدعين وتطوير البنية التحتية وزيادة حجم الاستثمارات، وفتح أسواق جديدة وتطوير خدمات البريد وتحقيق منظومة الشمول المالي.
أضاف أن القيادة السياسية والبنك المركزي المصري ووزارة الاتصالات يتخذون خطوات جادة وواسعة نحو تأهيل مصر تكنولوجيا لتكون مركز للتكنولوجيا الرقمية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي بالشرق الأوسط، مؤكدًا أن هناك 7 مؤشرات محلية وعالمية للنمو في سوق المعاملات البنكية الرقمية على راسها أزمة فيروس كورونا.
أوضح أن التكنولوجيا المالية أصبحت المحرك الرئيسى لنمو الاقتصاد القومى ونشر ثقافة الشمول المالى بهدف دعم اقتصاديات الدولة المصرية لما له من دور حيوى في ضم شريحة الاقتصاد غير الرسمى إلى شرايين الاقتصاد القومي.
تطوير ثقافة العملاء
لفت “القاضي” إلى أن تطوير ثقافة العملاء نحو تقليل استخدام الكاش، ونمو عدد الحسابات البنكية خاصة مع إطلاق البنك المركزى المصرى حملات الشمول المالي، وارتفاع نسبة الشباب وإقبالهم علي استخدام طرق الدفع والخدمات الرقمية، فضلاً عن السماح لفتح حسابات للشباب بداية من 16 عامًا وانتشار المحمول بشكل كبير، ونمو في حجم التجارة الالكترونية في مصر.
وذكر أن السوق لم يصل إلى مرحلة التشبع بعد، وأن العملاء يتطلعون إلى مزيد من التطور التكنولوجي، مؤكدًا أن قرار البنك المركزى بفتح باب المساهمات للبنوك في شركات التكنولوجيا المالية سيعزز من قدرة البنوك، ويخلق منافسة قوية لصالح المستهلك.
وأكد على أن المصرف المتحد لا يتوانى عن المشاركة في تمويل قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، حيث يعد أحد أهم القطاعات وأكبرها نموًا في مصر، لافتًا إلى حرص المصرف المتحد على تعزيز استثماراته بمجال البنية التكنولوجية بشكل دائم.
وفيما يخص اعتماد شركات الاتصالات على البنوك المصرية في توفير تمويل دولاري لاستيراد مستلزمات الشبكات، قال هشام حمدي محلل قطاع الاتصالات بشركة نعيم القابضة، إن البنوك تعمل على توفير التمويلات اللازمة لقطاع الاتصالات في حال توافر العملة الأجنبية لديها، خاصة وأن الشركات تحتاج باستمرار إلى توسعة نقل البيانات، وهو ما أصبح أمرًا أساسيًا في الوقت الحالي باعتبار أن الانترنت والاتصالات أصبحا لا غنى عنها لأي مواطن في الوقت الحالي.
ولفت إلى أن شركات الاتصالات قد تلجأ إلى البنوك الخارجية لتدبير تمويلات دولارية في حالة عدم توافرها لدى البنوك العاملة في السوق المحلية، خاصة وأنه لا غنى للشركات عن إجراء توسعاتها، موضحًا أن الشركات قد تلجأ إلى تقليل استثماراتها خلال 2024 في ظل استمرار أزمة نقص العملة.
وأشار إلى أن نمو حصول شركات الاتصالات على تمويلات خلال العام المقبل -خاصة وأن الشركات واجهت تحديات أثرت على ملاءتها المالية في 2023 بسبب تثبيت أسعار الخدمات مقابل ارتفاع التكلفة- يتوقف على تحرير سعر الصرف من عدمه، متوقعًا حدوث إنفراجة في توفير العملة الأجنبية خلال 2024.
وحول حاجة البنوك للتحالف مع شركات متخصصة في تمويل الشركات الناشئة خاصة العاملة في المجال التقني، قال «حمدي» إن البنوك تمول مراحل معينة من الشركات الناشئة وهي الشركات التي تحقق إيرادات كبيرة ولديها قاعدة عملاء، بينما لا تدخل بشكل مباشر في تمويل الشركات الناشئة في مراحلها الأولى وإنما تمولها عن طريق صناديق رأس المال المغامر.
وأشار إلى مطالبات شركات المحمول بتحريك أسعار الخدمات خاصة مع ارتفاع تكلفة التشغيل وارتفاع مستويات التضخم، وأجور العاملين، وهو ما قد ينتج عنه إقبال الشركات على قروض البنوك خلال العام المقبل.
جدية وثقة البنوك
فيما قال محمد عبد العال الخبير المصرفي، أن النماذج المذكورة لتوسع البنوك المصرية والأجنبية في تمويل ودعم قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات خلال الفترة الأخيرة، يؤكد على مدى جدية وثقة البنوك في هذا القطاع الحيوي، والذي يقود جنبًا إلى جنب مع البنك المركزي والقطاع المصرفي عملية التحول الرقمي، خاصة وأن تأسيس بنية تحتية رقمية يتطلب تكاتف كافة أجهزة الدولة خلال الفترة الراهنة، في ظل سعي مصر إلى استغلال كافة مقوماتها الطبيعية والاستراتيجية لتصبح مركزًا إقليميًا فى عدد من القطاعات المختلفة ومنها أن تصبح مركزًا لصناعة مراكز البيانات.
أشار إلى أنه مع استمرار تشديد السياسة النقدية التي تتبعها البنوك المركزية حول العالم ومنها البنك المركزي المصري، تلجأ الشركات عادةً إلى تقليل الاقتراض من البنوك والاعتماد على الموارد الذاتية من أرباح العاميين الماضيين والتي نجحت الشركات خلاله في تحقيق معدلات ربحية مرتفعة باعتبار القطاع واحدًا من أكثر القطاعات التي نجحت في الاستفادة من تداعيات أزمة كورونا.
ولفت إلى أن التوسع في تمويل هذا القطاع الحيوي نابع من أهمية التكنولوجيا، وما لها من قدرة على تحقيق طفرة في كفاءة وفعالية تقديم الخدمات المالية والمصرفية، ودعم خطة الدولة في التحول الرقمي فى ظل اهتمام البنك المركزي برقمنة الخدمات المالية في ضوء التكامل مع أهداف ورؤية المجلس القومي للمدفوعات، فضلاً عن دور التكنولوجيا في دمج الاقتصاد غير الرسمي في المنظومة الرسمية وتعزيز معدلات الشمول المالي والذي وصل بالفعل إلى نحو من 68% بفضل هذه الجهود الملموسة من القطاعات المختلفة.
دعم التحول الرقمي
وفي السياق نفسه، قال محمد البيه، الخبير المصرفي، إن البنوك تواصل دورها في العمل على دعم التحول الرقمي والتوسع في تمويل القطاعات الداعمة لتحويل مصر إلى دولة رقمية، والتي يأتي على رأسها قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات خاصة وأن التكنولوجيا هي عصب أي صناعة.
أشار إلى أن صناعة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أحد أكثر الصناعات المؤمنة على جميع الأصعدة، وأهم الأدوات المساعدة لأي صناعة خاصة أنها تعمل على تهيئة أي مناخ في أوقات الأزمات والتحديات لأن وقت الأزمات تظهر دائمًا قدرة التكنولوجيا لمواجهة التداعيات التي تصاحبها، وأن التأثير المرتقب للأزمات العالمية الراهنة يجب أن تقابله سرعة كبيرة من جانب صناع القرار لتعزيز الاعتماد على حلول التحول الرقمي.
لفت إلى أن اهتمام البنوك بتمويل قطاع الاتصالات والتكنولوجيا يأتي لكونه قطاع مرن قادر على تقديم الدعم الديناميكي للسوق المصري، خاصة وأن التكنولوجيا تمتاز دائمًا بأنها مناسبة لكل وقت ولكل عصر، وفي ظل الأزمات الاقتصادية العالمية هناك فرصة لمصر لتحويل الاقتصاد الوطني إلى قطاع خدمي لتصدير هذه الخدمات للعالم الخارجي بفضل التكنولوجيا والمساعي المبذولة في عملية التحول الرقمي.
أوضح أن الجائحة كان لها دورًا كبيرًا فى سرعة تنفيذ عملية التحول الرقمى داخل مصر وتغيير وعي المواطن تجاه القطاع المصرفى وخدمات التكنولوجيا المالية، الأمر الذى ظهر جليا فى زيادة حجم المعاملات المالية عبر الإنترنت والموبايل البنكى داخل البنوك، إضافة إلى ارتفاع نسبة الشمول المالي في مصر لمستويات تاريخية.
ذكر أنه فى ظل سعى شركات المحمول فى مصر لتطوير وتعزيز بنيتها التكنولوجية، وطرح خدمات رقمية جديدة توفر مزيدًا من الرفاهية لعملائها وتتواكب مع التحول الرقمي فإنها تحتاج بشكل مستمر إلى تعزيز السيولة الخاصة بها، لمنحها الإمكانية للتوسع بشكل كبير فى السوق المصرية وتغطية متطلبات كافة العملاء عن طريق القطاع المصرفى.
وتوقع أن تتجه البنوك للتوسع خلال الفترة المقبلة فى إقراضها لشركات التكنولوجيا والاتصالات، مشيرًا إلى أن أغلب الشركات المحلية والعالمية أصبحت جميع أعمالها معتمدة على الاتصالات، لذا فإن شركات الاتصالات فى حاجة مستمرة إلى الدعم والتمويل، وهو ما يوفره القطاع المصرفي لزيادة محفظة عملائه وتمويلاته.