تشير مؤشرات وأنباء قوية، إلى اقتراب ارتفاع أسعار خدمات المحمول كالدقائق والباقات والإنترنت خلال الفترة المقبلة، في ظل ارتفاع تكلفة التشغيل على الشركات بعد تحرير سعر الصرف وتحريك أسعار الوقود المتكرر وأسعار الفائدة على الاقتراض، وهو المطلب الذي تجدد للشركات من جهاز تنظيم الاتصالات لإتاحة الزيادة في أقرب وقت، مع تصريح رئيس جهاز تنظيم الاتصالات في مؤتمر توقيع تراخيص الجيل الخامس مطلع الشهر الجاري بأن زيادة أسعار خدمات الاتصالات أصبحت واجبة.
فالشركات تراهن على الكفاءة المالية، لبناء استراتيجيات نمو لإعمالها في عام 2025، بعد تحول سياستها التشغيلية نحو تقديم الخدمات التكنولوجية الفائقة، وسط تنامي وطلب غير مسبوقة على التقنيات الحديثة في كافة القطاعات الاقتصادية وأيضا المجالات الخدمية، واتساع دائرة الاقتصاد الرقمي في ظل تداعيات فرضتها تغيرات عالمية دفعت لمعدلات غير مسبوقة في التجارة الإلكترونية والمعاملات المالية الرقمية وعملية نقل البيانات، وأيضا تغير نوعي في سلوكيات المستخدم وارتباطه بالتكنولوجيا في كافة مناحي الحياة اليومية.
هذه الكفاءة المالية تهددت خلال الفترة الماضية، وفقا لتصريحات الرؤساء التنفيذين لشركات الاتصالات، بسبب العديد من العوامل المتصلة بارتفاع تكلفة التشغيل بشكل أساسي مقابل ثبات نوعي في أسعار الخدمات في ظل اعتماد الشركات على استيراد المستلزمات الأساسية للشبكات من الخارج بالدولار، وزيادة أسعار الوقود المسئول عن تشغيل معظم محطات المحمول، وأيضا تحريك رواتب الموظفين في كافة المستويات لاستيعاب معدلات التضخم المرتفعة،
هذه المعادلة وصفتها الشركات بالصعبة، فرغم محاولة شركات الاتصالات التعامل مع هذه المعضلة خلال الفترة الماضية بسياسات أكثر مرونة تراعي تخفيض الإنفاق في المجالات غير الرئيسية لزيادة الإيرادات، مع تعزيز محفظة إيراداتها بالدخول في مجالات جديدة كالتكنولوجيا المالية والمدن الذكية والتطبيقات وغيرها، وأيضا جذب العملاء عن طريق عروض تكاملية في ظل ارتفاع معدلات الاستهلاك الذي ترصده بدقه نتائج أعمال الشركات الفصلية، إلا أن الإيرادات والأرباح تاكلت نتيجة تحريك سعر الدولار مقابل الجنيه، والتزام الشركات بالتوسع الاستثماري في السوق للحفاظ على هيكل عملائها وماحققته من مكتسبات خلال السنوات الماضية.
ووفقا للمعلن من الشركات، رصدت فودافون مصر استثمارات بقيمة 30 مليار جنيه خلال حتى 2026 مع ضخ استثمارات بقيمة 5 مليارات جنيه خلال العام الجاري فى تقوية الشبكة وتطوير خدماتها، فى حين خصصت شركة أورنج مصر استثمارات تصل قيمتها إلى نحو 4 مليارات جنيه خلال العام الجاري لدعم وتحسين الشبكة، في حين تستهدف “إي إند مصر” ضخ استثمارات تصل إلى 10 مليارات جنيه في 2024، بينما تركز المصرية للاتصالات “WE ” على ضخ استثمارات مليارية في محفظتها الاستثمارية المتنوعة.
وكشفت بيانات وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، عن وصول عدد مشتركي الهاتف المحمول إلى نحو 109.04 مليون اشتراك بنهاية إبريل 2024 مقارنة بـ108.63 مليون بنهاية مارس 2024 و 102.90 مليون اشتراك بنهاية إبريل 2023.
وبلغ معدل نمو قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات نحو 16.3% فى العام المالى 2022/2023؛ ليصبح القطاع هو الأعلى نموا بين قطاعات الدولة على مدار 5 سنوات متتالية، وحقق قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات إيرادات بلغت 315 مليار جنيه بنسبة نمو حوالى 75%.
كشفت مصادر مطلعة، أن تحريك أسعار خدمات الاتصالات يعد أهم مطالب الشركات خلال عام 2025 لتعويض زيادة التكلفة التي حدثت في ظل انخفاض قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار خاصة وأن الشركات تستورد معظم المكونات الرئيسية للشبكة من الخارج كما ان معدلات الصيانة أصبحت مرتفعة جدا في ظل المعايير التي تعمل عليها الشركات من حيث جودة الخدمات المقدمة وتطورها لكي تلائم التطورات التي حدثت على مستوى الاستهلاك خاصة في مجال البيانات.
واكد على أن زيادة تكاليف تشغيل شركات المحمول أصبحت تقترب من 100% في ظل تضاعف تكلفة الاستيراد وارتفاع تكلفة التشغيل وأيضا إقرار التزامات مالية للعاملين بهذه الشركات لكي تناسب مستويات التضخم الحالية، مشيرا إلى أن الزيادات الوحيدة التي أقرتها الحكومة كانت بما يتراوح بين 10 و17% نهاية العام الماضي، وقبلها كانت في 2017 عندما قام الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، بإقرار زيادة تكلفة كروت شحن رصيد مكالمات التليفونات المحمولة بنسبة 36%، في أكبر زيادة تشهدها كروت الشحن منذ بدء تطبيق ضريبة القيمة المضافة منذ أكثر من عام.
حول الزيادة المتوقع حدوثها في أسعار الخدمات ، نوه أنه يمكن أن تصل إلي 15% مع إعادة النظر فيها مستقبلا وفقا لمستجدات الأوضاع الاقتصادية المحلية والعالمية، خاصة وأن المسألة تخضع للتوافق مع الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات الذي سيراعي كافة الظروف المحيطة بالقرار سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية، وهو ماتحرص عليه الشركات بالتأكيد لضمان استدامة أعمالها وارتفاع مستويات الطلب على خدماتها.
وأشارت المصادر إلى ضرورة أن تعمل شركات الاتصالات خلال العام المقبل على تعزيز مقوماتها وتنويع إيراداتها خاصة “الدولارية” للتحوط ضد الأزمات المحتملة ولتوفير جزء من احتياجاتها من العملة الصعبة التي تحتاجها لاستيراد مستلزمات أساسية للشبكات، وذلك عبر التوسع في مجالات التعهيد وتصدير الخدمات، وإنشاء مراكز البيانات، إلى جانب تعزيز مواردها من خدمات التجوال في ظل مؤشرات ارتفاع أعداد السائحين، حيث تحقق شركات المحمول أرباحا مجزية سواء من خدمات الاتصالات الدولية وأيضا التجوال الدولى حيث تعتمد الأخيرة بشكل كبيرة على تحسن السياحة فى مصر وتتم المعاملات التجارية بين شبكات المحمول فى مصر ونظيرتها فى الخارج بالعملة الصعبة فيما يعرف بالمقاصة.
ونوهت، إلى أن مقومات المنافسة بين الشركات خلال العام الجاري سترتكز على خدمات القيمة المضافة المتمثلة في خدمات نقل البيانات والتكنولوجيا المالية والمدفوعات الرقمية وغيرها من التقنيات الحديثة التي أصبحت تشكل جوهر خدمات شركات الاتصالات إلى جانب إختراق قطاعات جديدة كالتمويل متناهي الصغر، منوها إلى ضرورة أن تعمل الشركات على تقديم خدمات تكاملية (باكدج) للعميل لتعزيز مواردها من ناحية وخدمة أهدافها التسويقية، ولتحسين تجربة العميل من ناحية أخرى.
وذكر أن العام المقبل سيشهد تغيرات على مستوى الحصص السوقية للشركات بنسب متفاوتة ومتوقفة على معدلات التشغيل النوعية في بعض الخدمات المقدمة، كخدمات قطاعات الأعمال التي تشهد منافسة محمومة بين شركات الاتصالات وشهدت حزمة من الاتفاقيات خلال العاميين الماضيين، إلى جانب تقديم خدمات المدن الذكية التي تشهد هي الأخرى نموا مطردا نتيجة التطور العمراني الذي تشهده مصر ودخول العديد من المجتمعات العمرانية المغلقة “الكمباوند” للسوق في ظل الخطط المتنامية للدولة في هذا الشأن وأيضا ماوفرته العاصمة الإدارية الجديدة بالتحديد من ثقافة دمج التكنولوجيا بالعقار.
من جانبه قال الدكتور حمدي الليثي، نائب رئيس غرفة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات السابق: إعادة تسعير خدمات المحمول أصبحت ضرورة، ففي خلال السنوات الماضية تكاد تكون خدمات الاتصالات هي السلعة الوحيدة التي لم يرتفع سعرها إلا بصورة بسيطة، بالتأكيد يهمنا ألا نثقل كاهل المواطن أو متلقي الخدمة بتكاليف إضافية، ولكن زيادة الأسعار هي التي ستجعلنا نضمن جودة الخدمة وتحسينها، خصوصا أن شركات الاتصالات لم تستطيع مواكبة التحديثات ودعم خطط تحسين الجودة بالأسعار الحالية، فلن تستطيع تقديم خدمة جيدة بدون زيادة في الأسعار، فأي سلعة في مصر زاد سعرها بأضعاف ماعدا الاتصالات، بجانب أن زيادة الأسعار تضمن تدفق الاستثمارات إلى هذا القطاع، والذي يحقق أعلى معدلات نمو في مصر.
وأشار إلى أن الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات من أنجح الجهات في مصر ونجح في ضبط هذا القطاع، والمحافظة على معدلات نموه، وقادر على ضبط العلاقة بين الثلاثة أضلاع المتمثلة في الشركات والمشتركين والدولة، وهو الجهة التي ستنظم زيادة الأسعار، مضيفا أنه يتوقع أن تكون الزيادات معقولة وعادلة، ويتم ربطها بالتكلفة ونسبة ربح معقولة.
وأضاف الليثي أن زيادة الأسعار ستكون من المرتكزات الأساسية التي ستبني عليها شركات الاتصالات في مصر استراتيجيات النمو واستدامة الأعمال في 2025، لأنها ستمنحها مساحة تتحرك فيها من خلال الاستثمار وتحسين البنية التحتية، بجانب جودة الخدمات، واستغلال الجيل الخامس أيضا، كل ذلك بالتأكيد يستفيد منه المواطن الذي يجب أن يقدر أهمية خطوة رفع الأسعار من أجل أن يتلقى خدمة أفضل.
وأكد على أهمية تهيئة الظروف لهذا القطاع لجذب الاستثمارات من الداخل أو الخارج، فالقطاع واعد، ويحتاج إلى الاستثمار، بجانب دعمه من خلال زيادة كفاءة البنية التحتية، منوها إلى أن قطاع الاتصالات في ظل عملية الانتقال السريع من أسواق النطاق العريض وخدمات الداتا الأكثر تنافسية إلى الأمن السيبراني والحوسبة السحابية وتكنولوجيا انترنت الاشياء واتجاه الشركات لتغيير طبيعة عملها من مشغلي اتصالات لشركات فاعلة في القطاع التكنولوجي خاصة مع النمو الكبير في الطلب على مشروعات التحول الرقمي .
وذكر الليثي أن الشركات يجب أن تواكب التكنولوجيات الجديدة التي تظهر مؤخرا، خصوصا مع توجه الدولة إلى التحول الرقمي في كل شيء، فالأساليب التي تعمل بها يجب أن تتغير مع تغير التكنولوجيا في العالم، وحتى تستطيع أن تزيد من أرباحها ومكاسبها، مضيفا أن الحكومة تدعم هذا القطاع الحيوي وستدعمه خلال الفترة القادمة بشكل أكبر، وأهم شيء يجب أن تقوم به هو تهيئة المناخ للاستثمار، وذلك بنوع من الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي وبرامج للوعي، بحيث نجعل بلادنا جاذبة للاستثمار، حيث إن المستثمرين بالخارج يريدون مشروعات ضخمة لكي يستثمروا فيها، ولكن لديهم تخوف ويحتاجون إلى أوضاع مستقرة، ويحتاج القطاع أيضا إلى نظم تشريعية وقانون ناجز.
من جانبه قال هشام حمدي، محلل القطاع الاستهلاكي في بنك الاستثمار نعيم، إن زيادة تسعيرة خدمات المحمول غير ظالمة، وغير كافية في ذات الوقت، وذلك مقابل الخدمات التي تقدمها خصوصا بعد دخول تحدي جديد وهو شبكة الجيل الخامس.
ونفى هشام حمدي أن زيادة الأسعار نابعة من معاناة شركات الاتصالات وانخفاض أرباحها، وذلك لأن الأمور المادية لشركات الاتصالات لم تصل لحد المعاناة، ولكن دائما ما تحاول الشركات الحفاظ على زيادة معدلات نمو أرباحها في ضوء زيادة الاسعار وارتفاع سعر الدولار وزيادة رواتب العاملين بها، وأهم العوامل وهو زيادة أسعار الوقود، الذي تعتمد عليه شركات الاتصالات بشكل أساسي ويومي.
وتوقع هشام حمدي زيادة الأسعار خلال الفترة المقبلة ولكن أوضح أن زيادة الأسعار قرار لا تتخذه شركات الاتصالات من تلقاء نفسها، ولكن تتقدم بطلب للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، الذي يتخذ قراره بناء على معدلات التضخم، وسعر الدولار والوقود والكثير من العوامل الأخرى.
كما أوضح أن شركات الاتصالات تكور خدماتها حتى تتماشى مع التحول الرقمي للمجتمع، ومن أهم خدمات الفترة المقبلة هو إطلاق تقنية الجيل الخامس، بالأخص في خدمات نقل البيانات والتكنولوجيا المالية والمدفوعات والمدن الذكية.
وعن طبيعة المنافسة بين شركات الاتصالات الـ 4 في السوق المصري قال: المنافسة بين شركات الاتصالات تعتمد على تقديم خدمات بجودة عالية وأسعار تنافسية، مشيرا إلى أن شركة اتصالات حتى الآن تتصدر المنافسة خاصة في قطاع المدن الذكية.
وقال عن القدرة المالية لشركات في دفع ثمن رخص الجيل الخامس خلال 6 أشهر: شركات الإتصالات الـ4 لديها الملاءة المالية لسداد قيمة الرخصة المالية للجيل الخامس، وحتى إن لم يكن لديها سيولة مالية فهي تستطيع الاقتراض من البنوك اعتمادا على موقفها المالي، خاصة أن عواد الجيل الخامس ستكون مجزية فور إطلاقها، وستكون جزء من النمو الفترة القادمة.
وعن أبرز تحديات شركات الاتصالات في الوقت الحالي، أشار أن التحدي الأكبر هو عدم استقرار سعر صرف الدولار، موضحا أن الدولة قدمت كل عوامل التحسين والتحفيز لصالح للقطاع، من خلال إتاحة رخص الجيل الخامس، وإدخال مستثمرين جدد وتوفير بنية تحتية تلائم التطور الحالي
وأضاف أن الجيل الخامس والذي وقعت تراخيصه الشركات مؤخرا سيحدث تحولا ونموا كبير في القطاع، ويحتاج ذلك إلى مد كابلات الإنترنت بشكل أكبر وزيادة مساحة الإنترنت، وكان هناك تمهيد لطرح الجيل الخامس، بوجود شركات متخصصة في إدارة أبراج الهاتف وطرح ترددات جديدة والشركات اشترت تلك الترددات، وهي ليس لها فائدة بدون 5G، والدولة تحتاج إلى حصيلة دولارية، لذلك من المتوقع طرح 5G في 2024، بالتزامن مع دخول مستثمر جديد في فودافون، وسيكون للمصرية للاتصالات حصيلة من البيع.
ووقعت الحكومة مطلع الشهر الجاري الدفعة الثانية من تراخيص خدمات الجيل الخامس لشركات “أورانج مصر” و”فودافون مصر” و”أي آند مصر”.كما جرى التوقيع على محددات وضوابط خدمات الجيل الخامس لـ”المصرية للاتصالات” التي تم توقيعها في مارس الماضي، وذلك بإجمالي قيمة تراخيص الجيل الخامس بلغت 675 مليون دولار.