أطلق العديد من الخبراء ومراكز الدراسات حول العالم تحذيرات، من حرب إلكترونية عالمية قادمة خلال الفترة المقبلة مع تصعيد روسيا لهجماتها الإلكترونية على أوكرانيا جنبًا إلى جنب مع الغزو العسكري وتطور تلك الهجمات ونوعياتها، حيث تشعر كافة الحكومات بالقلق من أن يمتد الوضع إلى دول أخرى، خاصة مع تغير أنماط هذه الحرب الإلكترونية وتفسيراتها حيث أنها تمثل تهديدا غامضا يمكن أن يطول كل شيء وتشمل “التجسس والمعلومات المضللة والهجمات على البنية التحتية للاتصالات، وشبكات الكهرباء ومحطات معالجة المياه والشبكات والبنوك.
فالحرب السيبرانية تأخد الآن منعطفا جديدا سيحكم قبضته على العالم، حيث تتسع دائرة الصراع بين أولئك الذين يريدون السيطرة على التكنولوجيا وقد اشتعل هذا الصراع بالفعل الشهر الجاري بما أكده المحللون، بأن ما يحدث في أوكرانيا حاليا من هجمات إلكترونية ما هو إلا “محاكاة” لما قد سيحدث خلال السنوات المقبلة مع اتساع دائرة المنافسة الاقتصادية بين الدول، وتفتت شعار “عالم القطب الواحد”، مشيرين إلى أن التكنولوجيا ستبعثر الكثير من أوراق اللعبة القديمة ليحل محلها أوراق جديدة، وأكثر المخاوف التي تقشعر لها الأبدان هي أن الصراع الإقليمي يمكن أن يتصاعد إلى مواجهة عالمية غير مرئية في الفضاء الإلكتروني.
وأشار المحللون إلى أن الحكومات الغربية في الوقت الحالي في حالة تأهب لتهديدات إلكترونية محتملة من روسيا، خاصة مع تضييق الخناق الاقتصادي عليها وحرمان عدد كبير من بنوكها الوصول إلى نظام سويفت العالمي لتحويل الأموال، واتجاه العديد من الشركات التكنولوجية لمقاطعتها سواء في توفير بعض معدات الاتصالات وأيضا حجب منصاتها وقنواتها من على شبكات الإنترنت وإيقاف المدخلات الإعلانية.
وهو ما يشير إلى أن “روسيا” ستأخذ منحنى عكسي تجاه هذه العقوبات، وسيكون أمامها خيار الهجمات الإلكترونية، حيث يمكن القول إن الحرب الإلكترونية بدأت منذ سنوات لكنها أصبحت الآن حالة دائمة في العالم الحديث حيث تتطلع القوى المتنافسة للتجسس على بعضها البعض وسرقة الأسرار وتقويض البنية التحتية ونشر المعلومات المضللة مع إمكانية إتلاف الأجهزة والأنظمة بالدولة المستهدفة والتحكم في العمليات والخدمات التي تدار إلكترونيا، ما يؤدي إلى وقوع حوادث خطيرة وخسائر في الأرواح والممتلكات وأضرار اقتصادية كبيرة.
وبحسب تقرير صادر عن شركة Cybersecurity Ventures العالمية من المتوقع أن تبلغ قيمة الخسائر الناتجة عن الجرائم الإلكترونية العالمية بحلول 2025، نحو 10.5 تريليون دولار، وأن تزداد الخسائر الناتجة عن الجرائم الإلكترونية العالمية بنسبة 15% سنويًا على مدى السنوات الخمس المقبلة، لتصل إلى نحو 6 تريليونات دولار هذا العام و10.5 تريليون دولار في عام 2025، وقدرت زيادة الهجمات التي استهدفت أهدافا استراتيجية ونطاقات أعمال خلال العامين الماضيين بنسبة 600% وفقا للتقارير العالمية، حيث كبدت نطاقات الأعمال خسائر قدرت بحجم 20 مليار دولار.
والسؤال الوحيد المتاح حاليا هو إلى أي مدى يمكن أن تتجه هذه الحرب؟ وهل تمتلك الدولة المصرية “البعيدة جغرافيا وأيدوليوجيا عن هذا الصراع” القدرة الكاملة للتعامل مع مثل هذه التكتيكات السيبرانية؟
أوكرانيا نقطة الصفر
في كتابها “كيف يقولون لي نهاية العالم” ، وصفت الكاتبة الشهيرة “نيكول بيرلروث” كيف أصبحت أوكرانيا نقطة الصفر في هذا العصر الجديد من الحرب الإلكترونية حيث حاول المتسللون الروس باستمرار تقويض البلاد، فمنذ عام 2014، تعرضت جميع الوكالات الحكومية، واللجنة الانتخابية المركزية، وشبكات الكهرباء، والبنوك والمطارات في أوكرانيا لهجمات متفرقة.
وفي الشهر الماضي، قام المتسللون بتشويه 70 موقعًا أوكرانيًا تاركين وراءهم رسالة مفادها: “كن خائفًا وتوقع الأسوأ”، وقبل الغزو الروسي بقليل تم استهداف العديد من الوزارات والمصارف الحكومية الأوكرانية، والعديد من المنظمات الغربية مكشوفة بشكل غير مباشر، فوفقًا لوزارة الخارجية الأوكرانية تستخدم أكثر من 100 شركة من أصل 500 شركة في قائمة فورتشن خدمات تكنولوجيا المعلومات الأوكرانية، وتعد قائمة “فورتشن 500″ السنوية التي تُنشر من قبل مجلة فورتشن، الجهة التي تصنف أكبر 500 في الولايات المتحدة من حيث إجمالي الإيرادات.
الروس أكثر قراصنة الدول نشاطا
ولسنوات، كانت روسيا أكثر قراصنة الدول نشاطًا في العالم وقد طورت قدرات إلكترونية هائلة، ونسب تقرير الدفاع الرقمي لشركة مايكروسوفت، الذي نُشر في أكتوبر الماضي، 58% من جميع الهجمات الإلكترونية الحكومية المعروفة إلى روسيا خلال العام السابق، وكانت الدول الثلاثة الأولى المستهدفة هي الولايات المتحدة الأمريكية وأوكرانيا وبريطانيا.
وأكد بعض الخبراء أن الأمر مجرد مسألة وقت قبل أن يواجه الغرب “أزمة بيرل هاربور الإلكترونية”، وتم إطلاق هذه التسمية لتحديد مدى الكارثة التي يمكن حدوثها في المستقبل، حيث يعد الهجوم على ميناء “بيرل هاربر” من القوات الجوية اليابانية في 7 ديسمبر 1941 على الأسطول الأمريكي القابع في المحيط الهادئ في قاعدته البحرية، حدثا غيّر مجرى التاريخ وأرغم الولايات المتحدة على دخول الحرب العالمية الثانية.
من جانبه قال السير أليكس يونجر، الرئيس السابق لجهاز المخابرات السرية البريطاني، في منتدى فاينانشيال تايمز نهاية الأسبوع الماضي، إن الهجمات الإلكترونية يمكن أن تكون مدمرة لكن التركيز على السيناريوهات الإلكترونية المتطرفة قد يؤدي إلى تشتيت الانتباه عن الضرر المزمن الناجم عن سرقة الملكية الفكرية، وتآكل الميزة الاستراتيجية والتهديدات الإجرامية التي يمكن معالجتها على أفضل وجه من خلال القيادة الحازمة والنظافة القياسية للأمن السيبراني.
وأشار كياران مارتن، الرئيس التنفيذي السابق للمركز الوطني للأمن السيبراني في بريطانيا، إلى إن أكبر انتشار إلكتروني لأزمة أوكرانيا قد يأتي من التلوث العرضي أو تصعيد الهجمات الإجرامية القادمة من روسيا.
ولفت إلى تجربة هجوم البرمجيات الخبيثة NotPetya، التي أطلقت ضد أوكرانيا في عام 2017، والتي تسببت في أضرار اقتصادية تقدر بنحو 10 مليارات دولار، وتعرضت العديد من الشركات الكبرى، بما في ذلك ميرسك وفيديكس، لضربة شديدة. لكن روسنفت، شركة النفط الروسية العملاقة، سلطت الضوء أيضًا على أن مثل هذه الهجمات عشوائية ويصعب السيطرة عليها حيث لم تعد هناك حروب خارجية في القرن الحادي والعشرين.تحذيرات موسعة
وناشد المسؤولون في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا الشركات بضرورة توخي الحذر من أي نشاط مشبوه من روسيا على شبكاتهم، وقال رئيس الوزراء الإستوني كاجا كالاس إن الدول الأوروبية يجب أن تكون “على دراية بوضع الأمن السيبراني في بلدانهم”.
وأفادت شبكة إن بي سي نيوز أن الرئيس جو بايدن عُرضت عليه خيارات للولايات المتحدة لتنفيذ هجمات إلكترونية على روسيا لتعطيل الاتصال بالإنترنت وقطع الكهرباء، لكن متحدث باسم البيت الأبيض رفض التقرير ، قائلاً إنه “بعيد عن التفعيل بشكل كبير”.
من جانبه قال جون هولتكويست، نائب رئيس تحليل المعلومات الاستخباراتية في Mandiant، إن الصراع عبر الإنترنت بين روسيا والغرب هو في الواقع احتمال على الرغم من أن شدة أي حدث من هذا القبيل قد تكون محدودة، مشيرا إلى ضرورة أن نفكر في واقع الحرب الإلكترونية حيث من السهل سماع هذا المصطلح ومقارنته بالحرب الحقيقية، لكن الحقيقة هي أن معظم الهجمات الإلكترونية التي رأيناها يمكن عكسها إلى حد كبير.
وقال باحثون في شركة سيمانتك الأمريكية لحلول الأمن وإدارة المعلومات ، إن البرامج الضارة التي تم اكتشافها في أوكرانيا أثرت أيضًا على المتعاقدين في عدد من الدول، والمؤشرات تشير إلى انتشار محتمل لتكتيكات الحرب الإلكترونية الروسية في دول أخرى خلال الفترة المقبلة، مشيرين إلى أنه بدأ على الأرجح التأثير الجانبي لهذا الصراع السيبراني على سلاسل التوريد العالمية، وقد يبدأ بعض التأثير على الدول الغربية الأخرى.
من جانبه، قال هيتيش شيث الرئيس التنفيذي لشركة Vectra AI المتخصصة في الذكاء الاصطناعي الذي يكتشف ويستجيب لمهاجمين سيبرانيين داخل الشبكات ومراكز البيانات، أن العالم افترض لفترة طويلة أن الهجمات الإلكترونية ستكون جزءًا من ترسانة أي دولة قومية وأعتقد أن ما نشهده لأول مرة بصراحة في تاريخ البشرية هو أن الهجمات الإلكترونية أصبحت “سلاح الضربة الأولى” ، مشيرا إلى أن روسيا قد تشن هجمات إلكترونية انتقامية ردًا على العقوبات الغربية التي أعلنت في وقت سابق من هذا الأسبوع.
وأشار إلى أنه بالنظر إلى ما نشهده مع قيام روسيا بمهاجمة أوكرانيا علنًا بهجمات إلكترونية ، سيكون لديهم قنوات سرية كوسيلة لمهاجمة المؤسسات التي يتم نشرها لتقليصها في المجتمع المالي.
تابع هيتيش “لطالما اتهمت الحكومات والباحثون في مجال الأمن السيبراني روسيا بارتكاب هجمات إلكترونية وحملات تضليل في محاولة لتعطيل الاقتصادات وتقويض الديمقراطية ، والآن ووفقا للعديد من التحليلات فإن روسيا يمكن أن تشن أشكالًا أكثر تعقيدًا من الهجمات الإلكترونية، وإذا ركزوا بالفعل هذه الأنواع من النشاط ضد الغرب، فقد يكون لذلك عواقب اقتصادية حقيقية وكارثية في نفس التوقيت.
المجلس الأعلى للأمن السيبراني المصري
وتشير هذه التحركات إلى حجم التحدي الذي يطل برأسه على الدولة المصرية خلال الفترة المقبلة لتعزيز استراتيجيتها للأمن السيبراني، ليس بنظرية البعد الجغرافي والابتعاد عن دوائر الصراع ولكن بنظرية الاستعداد المبكر والعمل على رصد ومواجهة التهديدات والتحديات المستقبلية في مجال الأمن السيبراني والمجتمع الرقمي، بما يسهم في تحقيق تنمية اجتماعية واقتصادية شاملة، والحفاظ على مصالح الدولة في حرب إلكترونية لاتعترف بالحدود وإنما تنتقل من نصف العالم لنصفه الأخر في ثواني معدودة.
المجلس الأعلى للأمن السيبراني وضع بنهاية العام الماضي 2021، المحاور الرئيسية للاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني (2022-2026) والتي تهدف إلى تأمين البنية التحتية للاتصالات والمعلومات بشكل متكامل لتوفير البيئة الآمنة لمختلف القطاعات لتقديم الخدمات الإلكترونية المتكاملة، بالإضافة إلى توحيد الرؤى الوطنية من أجل التصدى للهجمات السيبرانية، وتعزيز الوعى المجتمعي والمؤسسي بالأمن السيبراني، والارتقاء بالبحث العلمي وتعزيز الابتكار.
الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، أكد على ضرورة مواكبة الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني لكافة المستجدات وأحدث التكنولوجيات والتقنيات في مجال الأمن السيبراني، حتى تصبح الدولة المصرية قادرة على التصدي للتحديات والمخاطر العالمية الناجمة عن التهديدات السيبرانية.
وأشار إلى حرص الدولة المصرية القوي على حماية الفضاء السيبراني وتأمين البنية التحتية للاتصالات، باعتبارها المرتكز الأساسي في بناء اقتصاد رقمي قوي، مشددا على ضرورة الاهتمام بالعنصر البشري والاستثمار في الارتقاء بوعي وثقافة الكوادر البشرية ، وهو ماقامت فيه الدولة بمجهود كبير خلال الفترة الماضية عبر العديد من المبادرات للارتفاء بالعناصر البشرية وثقل قدراتها بالعديد من التخصصات في هذا المجال الحيوي.
التكتيكات السيبرانية
من جانبه أكد محمد الحارثي استشاري تطوير الأعمال والإعلام الرقمي، أن العالم يشهد وسيشهد الكثير من المتغيرات في ظل التصعيد الروسي على اوكرانيا في ملف الحروب الإلكترونية ، حيث سيواجه العالم مزيدا من التكتيكات السيبرانية الجديدة التي ستنطلق من روسيا أو في اتجاهها ، مشيرا إلى أن العالم سيشهد زخم كبير في أنواع الهجمات السيبرانية خاصة مع انشار مجموعات نظامية تشن هجمات مدروسة ووممولة بقوة من بعض الدول والمؤسسات، وهو ما يجب أن تستعد له الدولة المصرية بالشكل المطلوب فنحن نشهد الآن تجارب حية لشكل الحروب الالكترونية المستقبلية.
وأشار إلى أنه لطالما استخدمت العمليات العسكرية تكتيكات لتدمير الطرق والجسور والمطارات والمصانع، ومثل تللك الأعمال يمكن أن تعطل العمليات العسكرية بحد ذاتها، أو يمكن أن تزعزع استقرار المركز الاقتصادي للدول لكن في الوقت الحاضر ، يتم تشغيل كل شيء تقريبًا بواسطة أجهزة الكمبيوتر، ليس فقط أنظمة الاتصالات مثل الاتصالات الهاتفية والإعلام الإخباري ، ولكن المركبات ومحطات الطاقة والأنظمة المصرفية. والأسوأ من ذلك ، أن العديد من هذه الأنظمة متصلة بالإنترنت، مما يجعلها أكثر عرضة للهجوم مما كانت عليه قبل جيل مضى.
وأكد الحارثي أهمية أن تولي المؤسسات الحكومية والشركات في مصر الأولوية لاتخاذ كافة الإجراءات لحميات البنية المعلوماتية وأصولها الرقمية من خلال إجراء اختبارات دائما لقدرات البنية المعلوماتية للتصدي للهجمات والاختراقات السيبرانية، وكذلك الكشف عن الثغرات ومعالجتها في الأنظمة المتاحة و تفعيل قدرات مركز عمليات الأمن السيبراني والذي بدوره يقوم بمتابعة على مدار 24 ساعة للكشف عن أي تعاملات غير نمطية أو هجمات سيبرانية محتملة والتعامل معها وفقاً لسيناريوهات استباقية ، وأن يتم دراسة الموقف الحالي في الحروب الالكترونية الدائرة بين روسيا والغرب للخروج بدراسات ونتائج نضعها في اعتباراتنا وسياستنا في هذا الخضوص.
وأشار إلى أن مصر تمتلك في الوقت الحالي قدرات بمستويات معقولة وتتسق مع القدرات العالمية فيما يتعلق بالقدرات الدفاعية للتعامل مع كل الهجمات المحتملة، وهناك أدوات لزيادة القدرة على إعادة الأنظمة في حال حدوث هجمات لتحدث أثراً وكذلك الأولوية لحماية البيانات والمعلومات لأنها تعد هي الدائرة الأولى من نطاقات الحماية وتفعيل كافة الأنظمة والتي بدورها تزيد قدرة الجهات والمؤسسات والشركات لحماية بنيتها الأساسية من أي هجمات تستهدف تعطيل الخدمات أو توقفها.
إعلان إطار تشريعي
ونوه إلى أنه نظراً لما تشهده الدولة المصرية بكافة قطاعاتها من تطور وانتقال سريع نحو التعاملات الرقمية وأيضا التكامل والترابط من أجل تقديم خدمات للمواطنين، وتأكيد الدولة على تهيئة البنية الأساسية والمعلوماتية لتصبح المنظومة كاملة قادرة على التفاعل وتحقيق المستهدف، وجدت الدولة المصرية أنه لابد من إعلان إطار تشريعي قادر على تنظيم تلك الأمور ونجد أن القانونين 175 لمكافحة جرائم تقنية المعلومات و181 لحماية البيانات الشخصية لتعد خطوات هامة لتهيئة البيئة التشريعية لاستيعاب المتغيرات والمستجدات في نطاقات الاعتماد على التعاملات الإلكترونية.
وأكد محمد الحارثي ضرورة الاعتماد على مراكز عمليات الأمن السيبراني حيث أصبحت من أهم الدفاعات الحيوية والتي يمكن من خلالها متابعة لحظية لكافة نقاط الاتصال الرقمية ومراكز البيانات على مدار 24 ساعة من خلال فرق الرصد والمتابعة وفرق تحليل البيانات وفرق التصدي للهجمات وفقا لسيناريوهات استباقية، ويمتلك المركز أدوات وقدرات تكنولوجية قادرة على التنبؤ بكافة المعاملات غير النمطية ورصد لأي دخول عير مصرح له من خلال الروبوتس سكانر أو ماسحات الشبكات، للعثور على نقاط ضعف وثغرات ليتمكن المخترق من العبور نحو الأنظمة أو حتى الاتصال بتطبيقات وقنوات اتصال رقمية.
وقال المهندس عمرو فاروق خبير أمن المعلومات والمؤسس والرئيس التنفيذي لشركة JATDEV الشرق الأوسط، أن الهجمات التي حدثت في الأشهر الأخيرة وأخرها “الصراع الإلكتروني الدائر بين روسيا والغرب” وأيضا ماسبقها في العام الماضي من تعرض الولايات المتحدة لأكثر من 15 ألف هجوم من هجمات برامج الفدية، وتكبد الشركات والمؤسسات خسائر ما بين نصف مليار و 2.3 مليار دولار ، تمثل خطورة كبيرة جداً على مستقبل الاقتصاد العالمي، ويجب على الدول والمؤسسات إدارك أهمية مثل هذا التطور في الهجمات السيبرانية الأخيرة التي استهدفت اختراق أنظمة التشغيل في العالم.
وأضاف فاروق أنه مع تزايد الهجمات الأخيرة رصدت بعض الدراسات ومراكز الأبحاث وصول حجم الخسائر للهجمات السيبرانية خلال عام 2021 إلى 5 تريليون دولار وهو رقم كبير في حال عدم اتخاذ الشركات إعدادت التأمين الكافية، مؤكدًا أن الاختراقات التي استهدفت أمريكا وأيضا أوكرانيا نماذج حدثت في الفترة الأخيرة لكنها قابلة للتكرار والتطور بشكل أكثر خطورة وتعقيد، لذلك على كافة الدول أن تكون أكثر حدة في التأمين السيبراني خاصة للجهات الحكومية، ومحاولة الفصل بين واجهات الاستخدام المتاحة للجمهور وبين قواعد البيانات الاساسية في محاولة لتقليل مخاطر الاختراق من الواجهات الأمامية للأنظمة.
من جانبه وصف الدكتور محمد حجازي استشاري تشريعات التحول الرقمي، ورئيس لجنة التشريعات والقوانين بوزارة الاتصالات السابق، الأمن السيبراني بأنه أصبح مسألة أساسية في السياسات التجارية والاقتصادية ولجوء العديد من الدول إلى تحميل بعض البرمجيات الخبيثة التي تمكنها من جمع البيانات “التجسس” أو تدمير بعض الأجهزة، داخل منتجاتها التي تصدرها إلى جميع أنحاء العالم.
تابع “على الرغم من أن الحروب التجارية بين الولايات المتحدة الامريكية والصين وروسيا قد حظيت باهتمام كبير، إلا أن ملف الأمن السيبراني قد يكون أحد الأدوات الهامة في هذه الحروب حيث يمكن توصيل الأجهزة والمعدات بالإنترنت خاصة وأننا نعيش في عصر انترنت الأشياء، وبالتالي يمكن استخدامها في القيام بأنشطة مؤذية للخدمات المختلفة سواء المصرفية أو الصحية أو التعليمية أو خلافه”.
بناء القدرات المحلية
قال الدكتور شريف هاشم الرئيس السابق للمكتب التنفيذي للمجلس الأعلى للأمن السيبراني، أن خط الدفاع الأساسي لنا في مصر هو بناء القدرات المحلية وزيادة البحث العلمي والتطوير ودراسة مثل تلك الهجمات، مشيرًا إلى أن مصر كانت من أوئل الدول التي قامت بتأهيل وتدريب كوادر بشرية على برامج الأمن السيبراني في عهد الوزير الراحل طارق كامل وتم وقتها تدريب 220 مسئول في 38 جهة في مصر مجالات شديدة التخصص في الأمن السيبراني، وتتابعت تلك البرامج حتى وصلت مصر إلى المرتبة 14 على مستوى العالم من بين 194 دولة على مستوى العالم، مؤكدًا على ضرورة أن يتم العمل وفق إطار استراتيجي تحت قيادة المجلس الاعلى للأمن السيبراني.
وأشار إلى ضرورة أن يكون لدى مصر برامج أكثر توافق مع الأخطار السيبرانية الأخيرة لكونها تهدد البنية التحتية للدول، وهناك أكثر من 30 دولة حول العالم أعلنت أنها تمتلك قدرات هجومية سيبرانية، كنوع من أنواع الردع، لأن تلك الهجمات قادرة على ضرب اقتصادات دول، مشيرًا إلى أن قطاع الاتصالات والقطاع المصرفي في مصر لديهم خبرات جيدة في الأمن السيبراني، وأحرزوا تقدمًا جيدًا في الفترات الأخيرة لأنهم من أكثر القطاعات المعرضه للهجمات السيبرانية ويأتي بعدهم قطاع الطاقة ويشمل الكهرباء والبترول والغاز وبعدها النقل والمرافق، وقطاع الصحة كلها قطاعات مهددة بالهجمات السيبرانية الدولية.
وناشد شريف هاشم في ظل وجود مثل تلك الهجمات الخطيرة أن يتم تكثيف الجهود محلية لمراجعة وتطوير الاستراتيجية المصرية في مجال الطورايء السيبرانية، ودعم وتطوير أقوى سلاح للدفاع وهم الكوادر البشرية ورفع كفاءتهم ببرامج حديثة وإن كانت تكلفتها مرتفعة فلن تكون أكثر ارتفاعًا من اضرار اختراق البنية التحتية، مشيرًا إلى أن مصر كانت تبتعث كوادرها للخارج للتدريب والاحتكاك بالخبرات الدولية وكانو يحصلون ترتيب جيد في الاختبارات الدولية، مؤكدًا على ضرورة تكامل القطاع الخاص والحكومي في مجال الأمن السيبراني لأن الهدف واحد وهو حماية البنية التحتية التي يقوم عليها الاقتصاد بالكامل.
الاهتمام بالبنية التشريعية
من جانبها قالت النائبة ماريان عازر، رئيسة اللجنة التنسيقية لاستراتيجية التكنولوجيا والابتكار بالهيئة العامة للرقابة المالية، إن الحروب السيبرانية تأتي خلسة، وأن الاهتمام بالبنية التشريعية أهم الوسائل لمواجهة الحروب السيبرانية لافتة إلي أن الحروب السيبرانية لها عدة مستويات بداية من تعطيل خدمات وتخريب بيانات وجمع معلومات لاستخدامها أو كل ذلك مجتمع.
وأكد ماريان عازر أن مصر والعديد من الدول بدأت تهتم بالتشريعات الخاصة بالأمن السيبرانى لمواجهة أى هجوم أو تخريب متعمد من أي جهة وكان من أهم الخطوات التى اتخذتها الدولة اصدار قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 وقانون حماية البيانات و المعلومات القانون 150 لسنة 2020 والذي صدرا من مجلس النواب كل هذه القوانين تهدف حماية الدولة والمواطنين من الهجمات الإلكترونية والحبوب السيبرانية.
المنظومة المالية
من ناحية أخرى، انتهى البنك المركزي المصري في يناير الماضي من إنشاء مركز متكامل لأمن المعلومات لحماية المنظومة المالية والمصرفية ، يساعد على التنبؤ بالهجمات الإلكترونية قبل وقوعها وتحذير البنوك منها، وذلك في إطار جهود البنك المركزي المصري لتعزيز الأمن السيبراني بالبنوك والمؤسسات المصرفية وتدعيم قدرتها على التصدي للهجمات الإلكترونية.
وقال جمال نجم نائب محافظ البنك المركزي في وقت سابق، إن المركز الذي تم إنشاؤه يؤكد ريادة القطاع المصرفي المصري، فهو الأول من نوعه في مصر، وسيكون له تأثير كبير في تعزيز قدرة المؤسسات المصرفية على مواجهة التهديدات السيبرانية خاصة مع التوسع في استخدام التكنولوجيا المالية لتحقيق أهداف الدولة فيما يتعلق بالشمول المالي والتحول الرقمي ، وذلك ضمن منظومة متكاملة يتبناها البنك المركزي لتعزيز الأمن السيبراني، وتتضمن إنشاء إدارة لمراجعة استعدادات البنوك وقدرتها على التصدي للهجمات الإلكترونية، والتأكد من مطابقة أمن المعلومات بالبنوك للمعايير العالمية على مستوى 3 محددات رئيسية وهي الإمكانيات البشرية، والقواعد والإجراءات الحاكمة، والأجهزة والتقنيات التكنولوجية المتوافرة.