نعيش في عالم، يمكن أن تكون فيه شركة لا يكفيها حدود دولة ولا تحتويها، بل قد تمثل سمعة هذه الدولة وقوتها في إجراء المفاوضات مع العالم الخارجي وسببا أيضا في الصراع عليها والتسبب في اندلاع حربا بين القوى العظمي، مع تحييد الثروات الطبيعية كالنفط والذهب والموقع الاستراتيجي ووضع “التكنولوجيا” في المعادلة، وتتمثل هذه الحالة بقوة في الصراع الدائر حاليا بين الولايات المتحدة والصين على جزيرة تايوان التي تحوي أكبر وأحدث شركة على مستوى العالم لإنتاج الرقائق الإلكترونية (أشباه الموصلات)، وذلك في أعقاب زيارة نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي إلى تايوان.
فمحور الصراع الدائر حاليا يكمن في “TSMC” التايوانية التي تحتل ريادة سوق أشباه الموصلات على مستوى العالم وتمتلك قدرات إنتاجية كبيرة لا ينافسها فيها أحد، حيث تصنع بمفردها 65٪ من أشباه الموصلات في العالم بالإضافة إلى حوالي 90٪ من الرقائق المتقدمة، في حين تنتج الصين ما يزيد قليلاً عن 5٪ بينما تنتج الولايات المتحدة الأمريكية حوالي 10٪، والرقائق الإلكترونية ليست طرفا رئيسيا في صناعة الهواتف الذكية والكمبيوترات والسيارات والأجهزة الإلكترونية والمنزلية وأي شيء يحتوي على بطارية أو سلك طاقة وحسب، بل إنها مرتكز رئيسي أيضاً للصناعات الدفاعية والطائرات والعتاد العسكري.
وهذه المعطيات تشير بقوة إلى أن المسيطر على شركة “TSMC” سيكون بإستطاعته التحكم في الصناعات الرئيسية في العالم كله خلال الفترة المقبلة، لذلك لا بديل للصين من التأكيد على أن تايوان جزء من أراضيها تاريخيا بسياسة “الصين الواحدة”، وفي المقابل لا تتوقف الولايات المتحدة الأمريكية على دعم استقلال تايوان وجذبها بأي شكل للمعسكر الغربي، حيث لا ترغب في أن ترى في يوم من الأيام أن أكبر مصانع الرقائق الإلكترونية بالعالم أصبح تحت سيطرة الصين.
قانون أمريكي وتحرك صيني
وفي عهد الرئيس الأمريكي “جو بايدن”، كثفت الولايات المتحدة جهودها لتعزيز قدراتها في صناعة الرقائق وتقليل الاعتماد على المصادر الخارجية للابتعاد عن هذا “الكابوس” المهدد لنفوذها بشكل رئيسي، ووقع “بايدن” هذا الشهر قانون CHIPS والعلوم، الذي يخصص حوالي 52 مليار دولار للترويج لإنتاج الرقائق الدقيقة، واصفا إياه بأنه سيساعد في “الفوز بالمنافسة الاقتصادية في القرن الحادي والعشرين”! ودعا البيت الأبيض في وقت سابق أيضا شركات “فورد” و”ألفابت” و”إنتل” و”إيه تي آند تي” و”سامسونج” وغيرها لحضور الاجتماع الرامي لاقتراح حلول حيال أزمة العجز في أشباه الموصلات.
وتحركت العديد من الشركات الأمريكية للاستثمار في صناعة الرقائق، وأبرزها تعهد شركة “إنتل” باستثمار 18.7 مليار دولار لبناء موقع متطور لإنتاج أشباه الموصلات في ألمانيا، مما يمثل بداية محاولة أوروبا الطموحة لجذب شركات صناعة الرقائق العالمية للعودة إلى المنطقة.
كما حدد الاتحاد الأوروبي لنفسه الآن هدفًا طموحًا يتمثل في جعل 20% من إمداد العالم من الرقائق يخرج من أوروبا بحلول عام 2030، وهو يعني مضاعفة إنتاجه أربع مرات، وأعلن عن خطط لتحرير التمويل العام لإنتاج الرقائق التي تعتبر “الأولى من نوعها” في أوروبا، وكشف مؤخرًا عن خطة استثمارية بقيمة 45 مليار يورو من الأموال العامة والخاصة لتمويل تلك الخطة.
على الجبهة الأخرى تضغط الصين بكل قوتها من أجل تعزيز قدرتها المحلية على تصنيع أشباه الموصلات، وتعهدت “بكين” باستثمار 150 مليار دولار لتوسيع الصناعة وزيادة الاعتماد على نفسها في هذه الصناعة الحيوية وتم وضع الخطط لمصانع أشباه الموصلات الجديدة، وفي العام الماضي فقط، نما تصنيع الرقائق في الصين بنسبة 33.3٪ نتيجة لهذه التوجهات.
ووصفت وزارة التجارة الصينية، قانون الرقائق الإلكترونية والعلوم الذي أقره مجلس الشيوخ الأمريكي، بأنه يتضمن أحكاماً تُقيد الأنشطة الاقتصادية والتجارية والاستثمارية العادية للشركات ذات الصلة في الصين؛ ما سيؤدي إلى تشويه سلسلة توريد أشباه الموصلات العالمية وتعطيل التجارة الدولية.
وبين هذا الصراع الدائر على صناعة أشباه الموصلات، تواجه خطط الدول الناشئة ومنها مصر في هذه الصناعة، كتلة من التحديات الصعبة التي لايمكن اختراقها في الوقت الحالي وفقا للمحللين، في ظل تضخم الاستثمارات في هذه الصناعة من جانب قوى عظمى، بالإضافة إلى التداعيات الاقتصادية الحالية التي تضغط بقوة على رؤس الأموال في هذه الدول ومورادها الدولارية مما يجعل أحلامها في هذه الصناعة تظل “أحلاما فقط” على المدي المتوسط والبعيد.
فما هي معطيات هذا الصراع وتأثيراته على الصناعة، وهل تمتلك مصر بعض مقومات القوة لاختبار الدخول في هذا المجال؟
سلسال الأزمة
الصراع الدائر حاليا حول “الرقائق الإلكترونية” ليس بداية أزمة وإنما هو سلسال لأزمة يعاني منها العالم منذ بداية جائحة كورونا في هذه الصناعة، حيث احتل النقص العالمي في الرقائق الصدارة خلال جائحة كورونا في عامي 2020-2021، حيث تسببت قيود العمل عن بُعد والتنقل في تسريع الرقمنة في جميع أنحاء العالم وزيادة الطلب على “الرقائق الإلكتروينة” في مقابل عمليات إغلاق أجبرت منشآت تصنيع الرقائق على التوقف في دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية والصين والولايات المتحدة الأمريكية.
ووفقا للمحللين كانت هذه الأزمة في طريقها للانتهاء خلال العام الجاري إلا أن الأزمة الروسية الأوكرانية تسببت في إضطرابات جديدة للصناعة ، حيث تعتبر الدولتان الموردتان الرئيسيتان لغاز النيون والبلاديوم المستخدمان في إنتاج رقائق أشباه الموصلات مما هدد بأزمة طويلة للعديد من الصناعات المرتبطة بالرقائق وارتفاع مستويات الأسعار في العديد من الأسواق وعلى رأسها الأسواق الأوروبية والأمريكية خاصة مع ارتفاع مستويات التضخم والارتفاعات المقررة في أسعار الفائدة.
واختتمت سلسلة الأزمة، بما يحدث حاليا في جزيرة تايون ومانتج عنه من سياسات لتوطين الصناعة داخل الدول الكبرى، حيث يعكس سباق الاستثمار العميق بين أمريكا والصين في بناء سلاسل توريد أشباه الموصلات المحلية تزايد انعدام الثقة بين القوتين العظميين، كما يشير إلى تحول عميق للصناعة بعيدًا عن “العولمة”، التي ضمنت لسنوات لصناعة الرقائق الإلكترونية أن تنمو دون أي اعتبار للتوترات السياسية المحتملة والصراعات المتأصلة.
منافسة أم احتواء
وبينما تحاول الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالمضي قدمًا في إنتاج الرقائق الخاصة بها، من الواضح أن وأشنطن تحاول أيضًا التأكد من بقاء الصين في الخلف.
وينص قانون الرقائق الإلكترونية الجديد صراحة على أن الشركات التي تتلقى إعانات من الولايات المتحدة لا يمكنها بناء مصانع رقائق متقدمة في الصين، وهذه نكسة كبيرة للصين ، التي تحتاج إلى خبرة أجنبية لتعزيز صناعتها الخاصة.
وهذه ليست سوى أحدث حلقة في سلسلة من التحركات التي اتخذتها الولايات المتحدة لإعاقة تطوير الصين للرقائق، كما فرضت الولايات المتحدة قيودًا على صادرات أشباه الموصلات والمعدات ذات الصلة إلى شركات التكنولوجيا الصينية القوية مثل هواوي و SMIC، كما عملت أيضًا مع هولندا لمنع الصين من الحصول على ماكينات تصنيع الرقائق الرئيسية التي تنتجها الشركة الهولندية ASML والتي من شأنها أن تسمح لها ببدء إنتاجها لأصغر وأحدث الرقائق في المنزل.
حجم الاستهلاك
وفي المقابل يتنامي الاستهلاك للرقائق الإلكترونية في كافة الصناعات ذات الصلة ، حيث يستهلك قطاع الأجهزة الإلكترونية العالمي من أشباه الموصلات ما يقترب من نصف تريليون دولار سنويًا، في مقابل 40 مليار دولار بقطاع السيارات، وتعتمد بشكل رئيسي صناعة السيارات والأجهزة الإلكترونية على مصانع الرقائق الإلكترونية في مناطق جنوب شرق آسيا، والولايات المتحدة الأمريكية، حيث يعد المنتجون الرئيسيون لأشباه الموصلات “تي إس إم سي” التايوانية، وشركتي “سامسونج” و”إس كاي هاينيكس” في كوريا الجنوبية، وشركتي كوالكوم وإنتل في الولايات المتحدة الأمريكية.
وتشكل شركة “تي إس إم سي” التايوانية، نقطة ارتكاز رئيسية نحو مستقبل هذه الصناعة ما يجعلها محور صراع اقتصادي وسياسي قادم للسيطرة على هذه الصناعة، حيث تعد الطاقة الإنتاجية العالمية للشركة نحو 13 مليون رقاقة مكافئة 300 ميليمتر سنوياً ، بقيمة سوقية 600 مليار دولار وفي العام الماضي، رفعت الشركة توقعاتها للاستثمار الرأسمالي إلى ما بين 25 و28 مليار دولار بزيادة 63% عن عام 2020، ما يجعلها متقدمة على كل من “إنتل” الأمريكية و”سامسونج” الكورية الجنوبية.
ولعل ما يزيد أهمية الشركة التايوانية، أنه يصعب على الشركات المنافسة الاستمرار في لعبة تصنيع الرقائق، بسبب التكاليف المرتفعة ، كما أن إنتاج رقائق ذات دقة تصنيعية عالية يعد تحدياً هندسياً صعباً، حيث يعادل حجم الترانزستور عند دقة تصنيع 3 نانومتر 1/20.000 من شعرة الإنسان.
هل تمتلك مصر مساحة؟
“كل دول العالم تتحرك للتوسع في صناعة الرقائق الإلكترونية بشكل أو بأخر” وفقا لياسر عبد الباري رئيس برنامج صناعة الإلكترونيات بهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات، مشيرا إلى ان هذه الظروف والصراعات بين الصين والولايات المتحدة تحديدا ستساهم في بناء نماذج أعمال جديدة لهذه الصناعة الحيوية مفادها أن توطين هذه الصناعة أصبح أمرا ضروريا وملحا لبناء الاقتصاديات المستقبلية التي تعتمد على الإنتاج الإلكتروني بكافة أوجهه والذي يشمل قائمة طويلة من الصناعات كالسيارات والهواتف والأجهزة الإلكترونية المتعددة وغيرها.
وأشار إلى أن صناعة الرقائق الإلكترونية تقوم على محورين وهما التصميم والتصنيع ، وبالتالي هناك فرصة للتوجه نحو هذه الصناعة بالتدريج حيث يمكن لمصر الدخول في مجال التصميم في البداية ،حيث أن قيمة تصميم الرقائق الإلكترونية في العالم أكثر من 600 مليار دولار سنويا وهو مايمثل رقما كبيرا يمكن لمصر الحصول على حصه منه ، بالإضافة إلى التصنيع وهو مايحتاج إلى مقومات أخرى من التفاوض مع الكيانات الكبرى العاملة في هذا المجال لتوطين جزئي للصناعة ونقل تكنولوجيات تصنيعها بالإضافة إلى امتلاك مواد وموراد تصنيع هذه الرقائق.
وأكد ياسر عبد الباري على أن هناك توجه في الدولة المصرية بدعم من القيادة السياسية للتوسع في صناعة الرقائق الإلكترونية، ومصر لديها ميزة تنافسية في مجال تصميم الرقائق الإلكترونية سواءا من حيث الموقع الجغرافي كعنصر بارز في منظومة سلاسل التوريد العالمية، وأيضا لامتلاكها منظومة تصنيع إلكترونية يمكن البناء عليها بالإضافة إلي امتلاكها موارد حيوية تحتاجها هذه الصناعة كالرمال البيضاء التي تشكل مرتكز رئيسي لاستخراج السيليكون.
الرمال البيضاء
يشار إلى أن الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، عقد اجتماعا منذ أيام لاستعراض آليات وحوافز الاستثمار في خامات “الكوارتز” و”الرمال البيضاء” في إطار تنفيذ تكليفات الرئيس السيسي ، بتعظيم الاستفادة من مواردنا الطبيعية، وزيادة القيمة المضافة، وكذا التوجه نحو توطين صناعة الرقائق الإلكترونية في مصر ، وتعد الرمال البيضاء المادة الخام لعنصر “السليكون”، عصب التطور التكنولوجي والخـام الرئيسي في صناعة الخلايا الشمسية والرقائق الإلكترونية.
قال الدكتور عمرو بيومي مدير برنامج النانو تكنولوجي والنانو إلكترونيات بمدينة زويل، أن مقومات القوة الرئيسية لمصر في هذه الصناعة تتمثل في الكميات الكبيرة من الرمال البيضاء واستخراج مادة السيلكون التي تعتمد صناعة أشباه الموصلات عليها بشكل رئيسي، حيث يجب أن يكون بدرجات نقاء عالية تصل لـ99.999% من النقاء، وللوصول لتلك الدرجة، فيتم البدء بمادة الكوارتز أو الرمال البيضاء، التي تباع بعشرات الدولارات للطن الواحد.
واستطرد: «عندما يتم إجراء تنقية على الرمال البيضاء في المصانع الكيماوية فيباع الكيلو جرام الواحد بـ50 دولار، ما يعني زيادة قيمته بالأسواق، وعند حدوث التنقية يمكن لنا ان نصنع الألواح الرئيسية القادرة على استيعاب 500 معالج من أكبر الشركات، أو الآلاف من المكونات الصغيرة.
مادة السيلكون
وأشار الدكتور عمرو بيومي، أن مادة السيلكون أو أشباه الموصلات، هما بترول القرن الواحد وعشرين بلا منازع، إذ أنه لتوليد الطاقة الشمسية، فسيتم الاعتماد بشكل رائد على السيلكون، سواء بألواح الطاقة الشمسية، أو الإلكترونيات التي تحول جهد الألواح الشمسية إلى 220 فولت، أو السيارات بصفة عامة، “التحكم في السيارات الكهربائية لن يتم إلا بالمكونات الإلكترونية”.
ولفت إلى ان مصر تمتلك موارد بشرية في الداخل والخارج قادرة على قيادة هذه الصناعة في مصر ، بشرط وضع خطة منظمة في هذا الشأن واستيعاب هذه الخبرات عبر إقامة شراكات مع المؤسسات الكبري العاملة في هذا المجال.
من جانبه قال الدكتور عصام الجوهري، أستاذ نظم المعلومات بمعهد التخطيط القومي، أن توطين صناعة الرقائق الإلكترونية في مصر يسهم في نقل الخبرات وتوفير فرص العمل، لا سيما مع بوادر الحرب الصينية التايوانية التي من المتوقع حال اندلاعها ارتفاع أسعار الأجهزة والسيارات بشكل كبير جدا، مشيرا إلى أنها أصبحت تمثل “أمن قومي للدولة”وهذا الجانب الأهم الذي دفع الحكومات والمشرعين حول العالم إلى التحرك من أجل تأمين إمدادات الرقائق وضخ استثمارات كبيرة فيها محليا.
وأشار إلى أن هذه الأهمية القصوي للرقائق الإلكترونية ليست “محل شك” فالرقائق الإلكترونية تدخل في جميع الصناعات وموجوده في كل جهاز على مستوى العالم، في حين أن الأمر يتطلب جهودا أكثر قوة، بما في ذلك توفير التسهيلات اللازمة لفتح المجال أمام دخول شركات متخصصة بهذا النوع من الإنتاج إلى السوق
وأكد الدكتور عصام الجوهري، أن مصر لديها الرمال البيضاء التي تعتبر العنصر الأساسي في صناعة الرقائق الإلكترونية لكنها تحتاج إلى خطوات أخرى ملحة لرسم صورة كاملة حول هذه الصناعة والدخول للمنافسة بها خاصة وأنه من الواضح أن أزمة أشباه الموصلات، لا نهاية لها في وقت قريب، علما بأنها تتفاوت من حيث القوة من بلد إلى آخر. ففي حين أن الدول الغربية لا تزال تحت رحمة وتيرة الإنتاج الراهنة،تمكنت دولة مثل الصين مثلا، أن تصل إلى مرحلة الأمان في هذا الميدان، على الرغم من أنها لا تزال تعتمد بقوة على التكنولوجيا الغربية.
تكلفة باهظة
من جانبها قالت الدكتورة عايدة الصبان الرئيس السابق لمصنع الإلكترونيات التابع للهيئة العربية للتصنيع، أن هناك أسئلة كثيرة تطرح حول ما الذي يمنع من إطلاق مصانع لـ”الشرائح الإلكترونية” لتأمين توريدها للسوق في مصر أو أى دولة أخرى؟ المسألة تتعلق بالتكاليف الباهظة لهذه الصناعة، فمصنع واحد صغير يكلف أكثر من مليار دولار، وفق الجهات الدولية المختصة، كما أنهم يشيرون إلى مصاعب لا حصر لها، في تأمين بيئة إنتاجية ملائمة، نظرا إلى حساسية هذا النوع من الصناعة.
ونوهت إلى أن استمرار الأزمات التي تهدد صناعة الرقائق يمكن أن يطلق عليها “أزمة عالمية” حيث أنها ستؤثر على جميع مناحي الحياة لو استمرت لفترات طويلة، مؤكدة على أن هذه الرقائق، أو ما يطلق عليها الدوائر المتكاملة تدخل في صناعة كافة اللوحات الإلكترونية لأي منتج إلكتروني. والأمثلة عديدة، حيث تدخل هذه اللوحات بتصميماتها المختلفة في صناعات متعددة، مثل صناعة السيارات والأجهزة المنزلية والهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر.
ونوهت الدكتورة عايدة الصبان، إلى أن الأزمة الحالية ستحد بشكل مباشر من خطط التوسع المتسارعة في السعة من قبل صانعي الرقائق -وحتى مع الضغط السياسي المتزايد لبناء الإمدادات المحلية في أوروبا والولايات المتحدة– فإنه لا توجد حلول سريعة نظرًا للوقت المستغرق لإقامة مثل هذه المصانع، وقد يكون ذلك لارتفاع تكاليف إنشاء مثل هذه المنشآت أو لعدم جدواها اقتصادياً أو لضرورة تحديثها دورياً نظراً لسرعة التقدم التكنولوجي في هذه الصناعة، ما يمثل عبئا ماليا إضافيا.
وأكدت على أن مصر تمتلك العديد من خبرات التصنيع الإلكترونية إلا أنها في سبيل توطين هذه الصناعة ستحتاج للعديد من الدراسات المرنة التي تناسب الظروف الحالية في هذه الصناعة، والوقوف على المقومات التي نمتلكها
الموارد المالية والبشرية
فى سياق متصل قال المهندس جمال عسكر خبير قطاع السيارات، أن مصر لديها ثروات معدنية ونستطيع صناعة الرقائق الإلكترونية، ولكن بشروط محددة أهمها تجهيز الموارد المالية في هذا الشأن عبر عقد شراكات مع مؤسسات مالية دولية، وأيضا الموارد البشرية وذلك عبر ارسال وفود من المهندسين المصريين للخارج لتأهيلهم نظريا وعمليا داخل الشركات العاملة العاملة في هذا المجال الحيوي الذي يتميز بالدقة العالية والتكنولوجيا المتطورة.
وأشار إلى الدولة كانت تصدر طن الرمال بـ 20 دولار، لكن عند تنقيته لاستخراج السيليكون يمكن أن يصل الطن لـ 10 آلاف دولار بما يعني 500 ضعف ثمن الخام، وعندما تدخل الرمال في الرقائق الإلكترونية يصل سعر الطن لـ 100 ألف دولار، بما يمثل قيمة مضافة للصناعة المصرية.
ووصف المهندس جمال عسكر، الرمال البيضاء بـ”الذهب الأبيض” باحتياطي يصل لنصف مليار طن في سيناء وأبو الرياش وهضبة الجنة ووادي قنا، فضلًا عن بحر الرمال العظيم في الصحراء الغربية.
وأشار إلى ان هناك تحديات كبيرة بالتأكيد تواجه مصر في هذا الإطار حيث أن الأزمة الحالية ستصعب بشكل رئيسي من الرؤى المتعلقة بتدشن الدولة المصرية مبادرة لتصنيع الشرائح الإلكترونية في المصانع المصرية، خاصة إنها صناعة معقدة، مشيرا إلى أن التحركات الاستثمارية للشركات العالمية لحل هذه الأزمة تتركز في التوسع بالصناعة في الدول الكبرى ولم نشهد تحركا واحدا تجاه الأسواق الناشئة وهذا طبيعي في ظل التكلفة الاستثمارية الكبيرة وتوافر سلاسل الإمداد والاستهلاك.