Follow ICT
شعار الموقع الاساسى
جايزة 160
جايزة 160

يفجيني موزوروف يكتب: هذا هو الخطر من الذكاء الاصطناعي !

إن القلق المتزايد من الذكاء الاصطناعي لا يعود لتقنياته المملة، بل إلى صعود ما يُسمى “الذكاء الاصطناعي العام” (Artificial General Intelligence- A. G. I)، فهو الذي يقلق الخبراء.

فالذكاء الاصطناعي العام لم يوجد بعد، لكن البعض يعتقد أن قدرات روبوت الدردشة “شات جي بي تي” (ChatGPT) التي تنمو بسرعة تشي بأن ظهوره قد اقترب.

وهو مانفاه سام آلتمان المؤسس المشارك لمعمل “أوبن إيه آي” (OpenAI) المالك لروبوت “شات جي بي تي” بقوله إن الذكاء الاصطناعي العام هو “أنظمة أكثر ذكاء من البشر بشكل عام”، ولا يزال بناء مثل هذه الأنظمة مهمة شاقة -ويقول البعض إنها مستحيلة- لكن فوائدها تبدو محيرة حقا، إذ يمكنه أن يتعلم أي مهمة فكرية يمكن للبشر أو الحيوانات القيام بها.

ولتقريب فكرة الذكاء الاصطناعي العام، “تخيلوا أن المكانس الكهربائية الآلية الذكية (رومباس) لم تعد محكومة بتنظيف الأرضيات فقط، بل تطورت إلى روبوتات متعددة الأغراض، مثل تحضير قهوة الصباح أو طي الملابس، من دون أن تتم برمجتها على الإطلاق للقيام بهذه الأشياء”.

الأمر يبدو جذابا، لكن إذا أصبحت مكانس الذكاء الاصطناعي العام هذه ذات قدرات عالية جدا، فإن مهمتها الخيالية وهي إنشاء مدينة فاضلة نظيفة، قد تتسبب في فوضى لأسيادها البشر الذين ينشرون الغبار في كل مكان.

وهناك أكثر من 350 من المديرين التنفيذيين والباحثين والأكاديميين في مجال التكنولوجيا وقّعوا -مايو الماضي- على بيان حذروا فيه من المخاطر الوجودية للذكاء الاصطناعي، ودعوا إلى أن يكون التخفيف من خطر الانقراض بسببه أولوية عالمية تماما كالمخاطر المجتمعية الأخرى مثل الأوبئة والحرب النووية.

وقضية الرسالة التي وقعها مالك شركة تسلا إيلون ماسك، وستيف وزنياك “أحد مؤسسي شركة آبل” وآخرون، والتي دعوا فيها إلى وقف تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدم لمدة 6 أشهر.

كما حثت الإدارة الأميركية القائمين على الذكاء الاصطناعي على الابتكار المسؤول، مشيرة إلى أنه “من أجل اغتنام الفرص” التي يوفرها، “يجب علينا أولا إدارة مخاطره”.

ومع ذلك هناك مجموعة ضغط جديدة من الأكاديميين والمستثمرين ورجال الأعمال ترد على تلك المخاوف بالقول إنه بمجرد أن يتم ضمان سلامة الذكاء الاصطناعي العام، فسيكون نعمة للحضارة، وقد يؤدي إلى تنشيط الاقتصاد، وتعزيز المعرفة العلمية و”رفع مستوى الإنسانية بتحقيق الوفرة”.

كما أن مؤيدي تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي العام المثيرة للجدل يتبنون ما يمكن تسميتها “أيديولوجيا الذكاء الاصطناعي”، وهي أيديولوجيا خاطئة، حيث أن المخاطر الحقيقية للذكاء الاصطناعي العام سياسية ولن يتم إصلاحها عن طريق ترويض روبوتاتها المتمردة، وأن أكثر أشكال الذكاء الاصطناعي أمانا لن تقدم العلاج التدريجي الذي وعد به مؤيدوها، وفي تقديمها على أنها حتمية القدوم، فإن مؤيديها يصرفون الانتباه عن إيجاد طرق أفضل لزيادة الذكاء البشري.

ومنظمة المؤيدين للذكاء الاصطناعي العام هي مجرد طفل غير شرعي لأيديولوجية أكبر بكثير، أيدولوجية السوق، موردا، في هذ السياق، ما قالته رئيسة الوزراء البريطانية الراحلة مارجريت تاتشر إنه “لا يوجد بديل للسوق”.

وبدلا من أن يكسر الذكاء الاصطناعي العام الرأسمالية، من المرجح أن يخلق حليفا قويا (وأكثر قوة) لعقيدة الرأسمالية الأكثر تدميرا: الليبرالية الجديدة، المفتونة بالخصخصة والمنافسة والتجارة الحرة، وحرية السوق وإلغاء الضوابط.

فالليبرالية الجديدة وجدت حليفا في الذكاء الاصطناعي العام بتعزيزه وتكرار تحيزاتها الرئيسية: أن تتفوق الجهات الخاصة على الجهات العامة (تحيز السوق)، وأن يتفوق التكيف مع الواقع على التغيير (تحيز التكيف)، وأن تتفوق الكفاءة على الاهتمامات الاجتماعية (تحيز الكفاءة).

هذه التحيزات تقلب الوعد الجذاب للذكاء الاصطناعي العام رأسا على عقب؛ فبدلا من إنقاذ العالم، إن السعي إلى بنائه سيجعل الأمور أسوأ.

كما أن الذكاء الاصطناعي العام سيعيد صياغة المشاكل الاجتماعية في ضوء الحلول التكنولوجية الهادفة للربح. ونتيجة لذلك، ستتم إعادة تصور المخاوف التي تنتمي إلى المجال العام كفرص ريادية في السوق.

فالليبرالية الجديدة تتمتع بموهبة حشد التكنولوجيا لجعل بؤس المجتمع محتملا. وتندرج هذه الموهبة في السعي لتحقيق التكيف وهو الطموح الذي، باستخدام عصا تكنولوجية، يمكّننا من أن نصبح غير شاعرين بمحنتنا، إنه نتاج تشجيع الليبرالية الجديدة الدؤوب للناس على الاعتماد على الذات والمرونة.

المؤكد هو أن تطبيقات وادي السيليكون العديدة -لمراقبة الإنفاق والسعرات الحرارية وأنظمة التمارين الرياضية- مفيدة أحيانا، لكنها في الغالب تتجاهل الأسباب الكامنة وراء الفقر أو السمنة، مضيفا أنه من دون معالجة الأسباب، سيظل الناس عالقين في مجال التكيف وليس التغيير.

وأتساءل: هل يجب على المؤسسات أن تتكيف فقط؟ ألا يمكنها تطوير أجنداتها لتحسين ذكاء البشرية؟ أم أن الناس سيستخدمون المؤسسات فقط للتخفيف من مخاطر التقنيات الخاصة بوادي السيليكون؟

من الانتقادات الشائعة ضد الليبرالية الجديدة أنها عملت على تسطيح الحياة السياسية بإعادة ترتيبها حول الكفاءة، كما أن التركيز على الكفاءة هو الطريقة التي توصل بها السياسيون حاليا إلى “حل” تغير المناخ من خلال السماح لأسوأ المخالفين بالاستمرار كما كان من قبل.

ثقافة الكفاءة، التي تقيس فيها الأسواق قيمة الأشياء وتحل محل العدالة، تؤدي حتما إلى تآكل الفضائل المدنية. والمشاكل التي تخلقها هذه الثقافة واضحة في كل مكان، وعلى سبيل المثال فإن الأكاديميين يخشون من أن البحث والتدريس، في ظل الليبرالية الجديدة، قد أصبحا سلعة، وإن الأطباء يتحسرون على أن المستشفيات أصبحت تعطي الأولوية للخدمات الأكثر ربحية مثل الجراحة الاختيارية بدلا من رعاية الطوارئ.

ومما هو واضح أنه إذا أطلقنا العنان للذكاء الاصطناعي العام في هذه المؤسسات، فإن مهماتها لن تكون مرئية للذكاء الاصطناعي.

يفجيني موزوروف

مفكر أميركي بارز في الآثار السياسية والاجتماعية للتكنولوجيا وكاتب في صحيفة “نيويورك تايمز”