في ظل التغيرات التي شهدها الاقتصاد المصري خلال الفترة الأخيرة، من تراجع قيمة الجنيه ووصول معدلات التضخم إلى مستويات مرتفعة أثرت بشكل مباشر على تكلفة التشغيل والأجور والمرتبات بالبنوك، اتجهت بعض البنوك العاملة في السوق المصرية إلى رفع تعريفة الرسوم الإدارية على العديد من الخدمات المصرفية التي تقدمها لعملائها.
وأعلن البنك الأهلي المصري، عن تعديل المصروفات على فتح بعض أنواع الحسابات المصرفية بداية من أول شهر يوليو الجاري، كما زادت المصروفات الإدارية لتشغيل الحسابات كل 3 أشهر وبعض الرسوم الأخرى تحت ضغط ارتفاع تكلفة تشغيل الخدمات.
وتتأثر تكلفة التشغيل بالبنوك بالزيادات الأخيرة مثل أي قطاع آخر تأثرًا بانخفاض قيمة الجنيه وانعكاسه على زيادة أسعار الخدمات المختلفة، لتتباين المصروفات المقررة على الحسابات حسب نوع الحساب كل حساب الذي يرتبط بحجم الأرصدة.
وزادت مصروفات فتح الحساب العادي والجاري بالبنك الأهلي إلى 100 جنيها بدلا من 50 جنيها على نوع الحسابات ذات الأرصدة حتى 200 ألف جنيه وفوق ذلك الرصيد يفتح مجانا، برسوم إدارية تخصم كل 3 أشهر من 50 جنيها بدلاً من 30 جنيها.
بينما زادت مصروفات فتح الحساب الجاري إلى 100 جنيها بدلا من 50 جنيها على أنواع الحسابات ذات الأرصدة حتى 200 ألف جنيه وفوق ذلك يفتح مجانا.
وفيما يخص حساب جاري فايدة بلس، أبقى البنك على مصروفات فتح الحساب 100 جنيه دون زيادة على أنواع الحساب ذات الأرصدة حتى 200 ألف جنيه وفوق هذا الحد يفتح مجانا، بمصاريف إدارية تخصم كل 3 أشهر، حيث تتراوح بين 75 جنيها على الحسابات أقل من 200 ألف جنيه، وفي حال تجاوز الرصيد 200 ألف جنيه تخصم 100 جنيه أو 125 جنيها حسب نوع الحساب، بدلا من 50 جنيها قبل الزيادة.
وأبقى البنك الأهلي على مصاريف فتح حساب المعاشات دون تغيير عند 50 جنيها، وأيضًا المصاريف الإدارية التى تخصم كل 3 أشهر عند 30 جنيها.
وارتفعت مصروفات كشف الحساب الورقي داخل مصر التي تخصم كل 3 أشهر إلى 75 جنيها بدلا من 60 جنيها، كما ارتفعت رسوم سحب مبالغ من الشباك تحت 12 ألف جنيه إلى 50 جنيها بدلا من 40 جنيها.
كما رفع بنك مصر بداية من يونيو الماضي مصاريف التجديد السنوية لبطاقاته لتتراوح بين 150 إلى 350 جنيها وفقا لفئة البطاقة وحدها الائتماني، كما يتقاضى بنك مصر رسومًا على الحسابات المصرفية للأفراد سواء جارية أو توفير بقيمة 105 جنيهات كل 3 أشهر.
فيما تراجع البنك التجاري الدولي، عن قرار زيادة العمولات والرسوم التي أقرها مايو الماضي، وقال في رسالة لعملائه، إنه قام بإرجاء تطبيق رسوم الحسابات الشهرية الجديدة إلى حين الانتهاء من استقصاء رأي العملاء وسوف يتم الإعلان عن أي تغييرات مستقبلا قبل تطبيقها.
وتباينت أراء المصرفيون حول تأثير زيادة رسوم ومصاريف فتح الحسابات بالبنوك على مؤشرات الشمول المالي في السوق المصرية، حيث أشار البعض إلى أن زيادة الرسوم قد تحد من إقبال المواطنين على فتح حسابات بنكية خاصة وأن شريحة كبيرة من المواطنين الذين لا يمتلكون حسابات بنكية من شريحة محدودي الدخل، بينما استبعد البعض أن تؤثر المصروفات الإدارية على الحسابات المصرفية في معدلات نمو الشمول المالي، خاصة وأن البنوك حريصة على إطلاق عدد من المبادرات الدورية التى تعفي العملاء من رسوم إصدار وفتح الحسابات، والتي ساهمت بالفعل في زيادة الحسابات البنكية.
وأحرزت مؤشرات الشمول المالي تقدمًا ملحوظًا في مصر خلال السنوات الأخيرة، حيث بلغ عدد المواطنين (في الفئة العمرية 16 سنة فأكثر) الذين يمتلكون حسابات تمكنهم من إجراء معاملات مالية – سواء في البنوك أو البريد المصري أو محافظ الهاتف المحمول أو البطاقات مسبقة الدفع – نحو 46.9 مليون مواطن من إجمالي 66.4 مليون، وذلك بنسبة وصلت إلى 70.7% في نهاية 2023 مقارنة بـ 64.8% في ديسمبر 2022، وبمعدل نمو بلغ 174% خلال الفترة من 2016 حتى 2023.
ويعد معدل نمو الشمول المالي في مصر خلال السنوات الماضية من أفضل المعدلات على مستوى الدول النظيرة، وينعكس هذا النمو على زيادة استفادة المواطنين من الخدمات المالية المناسبة لهم، وتحفيز الادخار وتيسير المعاملات المالية وتقليل الوقت اللازم لأدائها وخفض تكلفتها مع إتاحة هذه الخدمات في أي وقت ومن أي مكان، بما يساهم في تيسير حياة المواطنين، وتحسين الظروف المعيشية.
وعلى صعيد الشمول المالي للمرأة، أظهرت المؤشرات حدوث طفرة في عدد السيدات اللاتي يمتلكن حسابات مالية، حيث بلغ عددهن 20.3 مليون سيدة في ديسمبر 2023 من إجمالي 32.3 مليون سيدة بمعدل نمو بلغ 244% مقارنة بعام 2016، لتصل نسبة الشمول المالي إلى 62.7%.
كما ارتفعت نسب الشمول المالي للشباب – في الفئة العمرية من 16 إلى 35 سنة – والبالغ إجمالي عددهم 36.6 مليون شاب، لتصل إلى 51.5% بمعدل نمو بلغ 48.5% خلال الفترة من 2020 حتى 2023.
وساهم التعاون المثمر مع كافة الوزارات والهيئات على مستوى الدولة في تحقيق تلك الطفرة في نسبة الشمول المالي من خلال المشاركة الفعالة في العديد من المبادرات والفاعليات المشتركة التي تستهدف شرائح العملاء المختلفة، إضافة إلى مشاركة البنك المركزي المصري في المرحلة الأولى من المبادرة الرئاسية حياة كريمة من خلال توجيه البنوك للتواجد في العديد من القرى، والترويج للمنتجات والخدمات المصرفية، وتهيئة البنية التحتية المالية.
وعلى صعيد تهيئة وخلق بيئة مناسبة لتشجيع التعامل مع القطاع المصرفي، أصدر البنك المركزي العديد من التعليمات الرقابية لتذليل العقبات أمام كافة فئات المجتمع للحصول على خدمات مالية تناسب احتياجاتهم مثل السماح بفتح حسابات للشباب من سن 16 سنة، بالإضافة إلى التيسير على العملاء أصحاب الحرف والأعمال اليدوية بفتح حسابات لهم تحت مسمى “حساب نشاط اقتصادي” بموجب بطاقة الرقم القومي فقط، وكذلك فتح “حساب شمول مالي للمواطنين” بموجب بطاقة الرقم القومي فقط.
كما ساهمت فعاليات الشمول المالي التي أقرها البنك المركزي ويبلغ عددها 6 فعاليات – تُنظم على مدار العام بالتزامن مع مناسبات عالمية – في الوصول إلى المناطق النائية والمهمشة والتواصل مع المواطنين، حيث يتاح خلالها للبنوك التواجد خارج فروعها، ويُسمح بفتح حسابات بدون مصاريف وبدون حد أدنى لرصيد الحساب، وتحفيز المواطنين على استخدام المنتجات المالية المختلفة، وكذلك تقديم التثقيف المالي للمواطنين.
وتكتسب المؤشرات الرئيسية للشمول المالي التي يصدرها البنك المركزي أهمية كبيرة، حيث تساهم بشكل فعال في متابعة تطور ومعدلات الشمول المالي، مما يساعد على وضع السياسات الداعمة لتمكين المواطنين اقتصاديًا في إطار الجهود المبذولة على مستوى الدولة، بما يتوافق مع أهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030.
نستنتج من المعطيات السابقة أن زيادة الرسوم على فتح الحسابات المصرفية قد يثني بعض المواطنين عن فتح حسابات جديدة، والاعتماد على التعامل بشكل نقدي دون الحاجة لفتح حساب، وهو ما قد تستغني عنه البنوك من خلال تقديم حسابات أساسية بأسعار مخفضة أو بدون رسوم لخدمة ذوي الدخل المحدود، مع الاعتماد على استخدام التكنولوجيا المالية لتقليل تكاليف تقديم الخدمات المالية، مما قد يسمح بخفض الرسوم أو تقديم خدمات بأسعار أكثر تنافسية.