في عالم اليوم سريع التطور، أصبحت الكفاءة المالية مهارة لا غنى عنها للشباب. فهي تمكنهم من اتخاذ قرارات استثمارية مدروسة وإدارة مواردهم المالية بكفاءة.
ومع ظهور التكنولوجيا المالية، شهد مجال التثقيف المالي ثورة حقيقية حيث وفّرت هذه التكنولوجيا أدوات مبتكرة لتعلم وإدارة الشؤون المالية.
يبرز دور التكنولوجيا المالية بشكل خاص في عصر التحول الرقمي، حيث بات من الضروري تزويد الشباب بالمعرفة والقدرات اللازمة للتعامل مع تعقيدات الشؤون المالية الشخصية. وتعمل هذه الأدوات التكنولوجية على تبسيط العمليات المالية وتعزيز الثقافة المالية بين الشباب، مما يمهد الطريق لجيل أكثر وعياً بالمسائل المالية وأقدر على اتخاذ قرارات مالية سليمة.
اختلاف وجهات نظر بين الأجيال:
هناك اختلاف جوهري في اعتماد التكنولوجيا المالية بين الأجيال. ففي حين يميل الشباب نحو اعتماد الحلول الرقمية والوصول السريع للمعلومات والاستشارات المالية من الأقران، فإن الأجيال الأكبر سناً قد تفضل الخدمات المصرفية التقليدية والاستشارات الشخصية المباشرة.
وللتغلب على هذا التباين، يتعين على المؤسسات المالية تطوير نماذج عمل هجينة تستهدف جميع الفئات العمرية. ويتطلب ذلك التركيز على تقديم مزايا التحول الرقمي والخدمات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي جنباً إلى جنب مع الاستشارات المالية التقليدية.
كما يمثل الكم الهائل للمعلومات المتاحة عبر الإنترنت وتفاوت مصداقيتها تحدياً كبيراً للشباب. ولذا، ينبغي تشجيعهم على تقييم المعلومات والأدوات التي يستخدمونها بشكل نقدي، والاعتماد على مصادر موثوقة مثل برامج التثقيف المالي أو استشارات المستشارين الماليين المختصين.
الأدوات التعليمية والتكنولوجيا المالية:
تسهم التكنولوجيا المالية في إحداث نقلة نوعية في مجال التثقيف المالي للأجيال القادمة. حيث تقوم شركات التكنولوجيا المالية بتطوير تطبيقات ومنصات متنوعة تحاكي السيناريوهات الاقتصادية، بما يُسهم في توفير بيئة تعليمية تفاعلية وجذابة. على سبيل المثال، تتيح تطبيقات محاكاة تداول الأسهم للمستخدمين ممارسة الاستثمار في بيئة خالية من المخاطر الواقعية، بينما توفر تطبيقات إدارة الميزانية رؤى وتحليلات آنية حول عادات الإنفاق والادخار.
كما تركز أدوات أخرى على تبسيط المفاهيم المالية المعقدة من خلال تصميم واجهات سهلة الاستخدام واستخدام لغة واضحة ومبسطة. وهذا بدوره يُتيح للشباب فهم هذه الأفكار الأساسية وتطبيقها بيسر أكبر في مسيرتهم المالية.
خطوات عملية لتعزيز الثقافة المالية لدى الشباب:
استخدام أدوات التعلم التفاعلية القائمة على التكنولوجيا المالية: توفر تطبيقات التكنولوجيا المالية المختلفة، مثل منصات محاكاة تداول الأسهم وتطبيقات الميزانية وأدوات التخطيط المالي، تجارب تعليمية تفاعلية وممتعة. وتساهم هذه العناصر في جعل عملية اكتساب المعرفة المالية أكثر جاذبية وأقل تعقيداً.
متابعة المحتوى المالي بشكل منتظم: تشجيع الشباب على قراءة المدونات والتقارير المالية ومشاهدة مقاطع الفيديو أو الاستماع إلى البودكاست التي تتناول موضوعات مالية بشكل مبسط. وتوفر العديد من شركات التكنولوجيا المالية والمؤسسات المالية الأخرى محتوىً متخصصاً للجمهور الشاب يركز على تفصيل القضايا المالية المعقدة إلى أجزاء سهلة الفهم.
ممارسة الإدارة المالية بشكل فعلي: بعد اكتساب المعرفة النظرية، يعتبر تطبيق هذه المعرفة على أرض الواقع خطوة أساسية لتعزيز الثقافة المالية. ويمكن للشباب البدء بإدارة ميزانية صغيرة أو الاستثمار بمبلغ محدود أو تتبع عادات الإنفاق والادخار باستخدام أدوات التكنولوجيا المالية المتاحة.
التحديات والحلول:
تعتمد العديد من المؤسسات المالية أنظمة تحفيز لمستشاريها على أساس حجم النشاط الذي يقومون به. قد يؤدي هذا النظام إلى تضارب في المصالح، حيث يميل المستشار المالي في هذه الحالة إلى اتخاذ إجراءات قد لا تكون في مصلحة العميل الفضلى، بل تهدف إلى تحقيق مكاسب شخصية لأن تعويضه مرتبط بحجم النشاط. ومع ذلك، شهد القطاع تغيرات كبيرة على صعيد الأطر التنظيمية. فعلى سبيل المثال، لم يعد بإمكان المستشارين الماليين في منطقة الشرق الأوسط الحصول على عمولات من الشركات التي يروجون لمنتجاتها المالية، كما لا يحق لهم الحصول على مكافآت مقدمة مقابل تحقيق مبيعات أولية لتلك المنتجات. لقد تحوّل القطاع الآن نحو نظام يكافئ المستشارين على قدرتهم على بناء علاقات طويلة الأمد مع العملاء والحفاظ عليهم، بدلاً من التركيز على تحقيق مبيعات سريعة.
على الرغم من أن التكنولوجيا المالية توفر فرصاً عديدة لتعزيز الثقافة المالية، إلا أن هناك تحديات تواجه هذا المجال، مثل الكم الهائل من المعلومات المتاحة وعدم موثوقية بعض المصادر، مما قد يؤدي إلى إرباك المستخدمين. لذلك، من الضروري تشجيع الشباب على تقييم المعلومات والأدوات التي يستخدمونها بشكل نقدي وبحذر. ويمكن أن يوفر البحث عن التوجيه من مستشارين ماليين موثوق بهم أو البرامج التعليمية المتخصصة أساساً قوياً لفهم مبادئ التمويل السليمة، إلى جانب استخدام أدوات التكنولوجيا المالية للتطبيق العملي لتلك المبادئ.
تعتبر الثقافة المالية مهارة أساسية في عالمنا المعاصر، ومع ظهور التكنولوجيا المالية، فالوقت هو الأنسب الآن لتمكين الشباب من اكتساب المعرفة حول إدارة شؤونهم المالية والمستقبلية.
من خلال الاستفادة من أدوات التكنولوجيا المالية، واستهلاك المحتوى المالي الموثوق من مصادر موثوقة، وممارسة مهارات الإدارة المالية السليمة، يمكن للشباب تعزيز فهمهم وقدراتهم في مجال التمويل الشخصي بشكل ملحوظ. ومع استمرار تطور التكنولوجيا المالية، لا شك أنها ستلعب دوراً رئيسياً في تشكيل أجيال المستقبل الواعية مالياً والمجهزة للتعامل مع تعقيدات المشهد المالي الرقمي. إن دمج التكنولوجيا المالية في برامج التثقيف المالي يُمكِّن الشباب ويضع الأساس لمجتمع أكثر وعيا واستقراراً من الناحية المالية.
نيكولاس رايت
رئيس المبيعات المؤسسية في ساكسو بنك