بينما تمضي مصر بخطواتٍ ثابتة نحو تحقيق هدفها بأن تصبح قوة رقمية عالمية، تفتح التقنيات التكنولوجية الحديثة، وبالأخص الذكاء الاصطناعي، لنا آفاق رحبة يمكن من خلالها توفير فرصٍ كبيرة وغير مسبوقة يمكن من خلالها دعم الأعمال والشركات في كافة المجالات، بالإضافة لتطوير الأداء في المؤسسات الحكومية ورفع كفاءته، فضلًا عن فرص تحسين جودة الحياة بشكلٍ عام عبر المساهمة في تطوير الخدمات العامة لتلبّي احتياجات المجتمع، الأمر الذي يُمهّد الطريق لبناء اقتصادٍ معرفي قائم على الابتكار والتحول الرقمي يتوافق مع المبادرات الوطنية الطموحة التي تسعى مصر إلى تنفيذها وعلى رأسها رؤية مصر 2030 واستراتيجية مصر الرقمية المبنية علي خلق مجتمع واقتصاد رقمي.
في السطور التالية، نسلط الضوء على أحدث التطورات والاستخدامات المستقبلية للذكاء الاصطناعي، والتي من المتوقع أن تكون محركًا رئيسيًا للنمو الاقتصادي والاجتماعي في مصر خلال عام 2025 وما بعده. حيث تشير الدراسات إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يسهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي لمصر بحوالي 42.7 مليار دولار بحلول عام 2030، مما يمثل 7.7% من الاقتصاد الوطني. بالإضافة إلى ذلك، توفر هذه التقنيات إمكانات هائلة لدعم رؤية مصر المستقبلية وأهدافها الاستراتيجية.
تطوّر نماذج الذكاء الاصطناعي لتصبح أكثر قدرة وتخصصًا
من المتوقع أن يشهد العالم خلال 2025 قفزة نوعية كبرى في نماذج وتقنيات الذكاء الاصطناعي لتصبح أكثر تخصصًا وأعمق تأثيرًا في مختلف الصناعات، وهو ما يمكن أن تستفيد منه مصر بشكل كبير، ولعلنا شاهدنا مع نهاية العام الماضي بعض الأثار الإيجابية لاستخدامات الذكاء الاصطناعي في قطاعات حيوية كالرعاية الصحية، والتعليم، والزراعة، والمالية، فما بالُنا إذا تم الاستعانة بتقنيات الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدمًا وتخصصًا. على سبيل المثال يمكن أن نتخيل كمُّ المساهمات الإيجابية والنقلة النوعية التي سوف تُحدثها هذه النماذج في قطاع الرعاية الصحية في مصر، كالتشخيص الدقيق والسريع للأمراض، واقتراح الخطة العلاجية المناسبة لكل مريض بحسب حالته اعتمادًا على تحليل دقيق لبياناته الصحية وغيرها من الخدمات. وكذا هي الحال في مجال الزراعة، حيث يمكن تطوير وتحسين استغلال الموارد لزيادة الإنتاج الزراعي وتلبية احتياجات السكان مع النمو السكاني المتزايد.
كل هذه التوقعات تدفعنا في مايكروسوفت لمواصلة جهودنا النابعة من التزامنا الراسخ بتمكين المؤسسات العامّة والخاصّة في مصر من الاستفادة من أحدث حلول الذكاء الاصطناعي. فمن خلال شراكاتنا الوثيقة مع عملائنا المحليين، نسعى لبناء مستقبل أكثر ذكاءً وكفاءة، عبر زيادة وتيرة التطوير ونشر حلول مبتكرة قادرة على مواكبة ومواجهة التحديات المستقبلية. وهو ما نجحت في تحقيقه مجموعة حلول الذكاء الاصطناعي التي توفرها مايكروسوفت عبر حلول Azure، حيث قامت بتمكين السلطة القضائية المصرية من تبسيط الإجراءات القانونية مع ضمان سرعة اتخاذ القرارات بشكلٍ دقيق. لعل هذه النجاحات وغيرها، هو ما يُحفزنا على مواصلة دورنا الرياديّ لتقديم حلول تكنولوجية مبتكرة لا تدعم مصر وحدها، بل تسهم في تحقيق الازدهار لدول المنطقة والعالم أجمع.
حلول وتقنيات الذكاء الاصطناعي تُغيّر مشهد وبيئة الأعمال في مصر
مع تنامي الاعتماد على الذكاء الاصطناعي ليصبح أساس تعزيز الكفاءة والقدرات الإنتاجية للشركات والمؤسسات في مختلف القطاعات والصناعات، في هذا السياق، قدَّمت مايكروسوفت للعالم خلال عام 2024 حلّها الإنتاجي المبتكر Microsoft 365 Copilot، والذي يمكّن الأفراد والمُحترفين من أداء مهامهم الروتينية في وقتٍ أقل، مما يمنحهم الوقت والتركيز اللازمين للعمل على المهام الإبداعية والاستراتيجية الأكثر أهمية. وبفضل مميزاته الاستثنائية وقدرته على تلبية احتياجات العملاء المتنوعة، يُقبل على استخدام هذا الحل ما يقرب من 70٪ من الشركات المُدرجة في قائمة “فورتشن 500”، والتي تضم أكبر الشركات العالمية من حيث الإيرادات السنوية، بمختلف الأقسام والإدارات، مما يسهم في تعزيز الإنتاجية ورفع كفاءة الأعمال بشكلٍ كبير.
ومن المتوقع أن تشهد بيئة الأعمال في مصر توجهًا أكبر نحو تبني مثل هذه الحلول لتبسيط العمليات المتكررة وتسريع وتيرتها، بما يدعم اتخاذ القرارات على مستوى الأفراد والشركات. لنأخذ القطاع المصرفي مثالًا على ذلك، حيث يشتهر بالازدحام الشديد والعمليات الروتينية المتكررة، وهنا يأتي دور حلول الذكاء الاصطناعي في تبسيط وإدارة هذه المهام الروتينية وإنجازها بدقةٍ وفي وقت قياسي، مما يتيح للموظفين التركيز على مساعدة العملاء في حل مشكلاتهم والتحديات المعقدة التي قد يواجهونها.
أما في مجال التعليم، فقد تُحدِث هذه الأدوات والبرامج القائمة على الذكاء الاصطناعي نقلةً غير مسبوقة، فهي تساعد المعلمين في إعداد التقارير الخاصة بمستوى الطلاب وتقدمهم، مع تحديد ما يواجهونه من تحديات، وما لديهم من نقاط قوة وضعف. كما يمكن لهذه الأدوات أيضًا القيام بالمهام الروتينية لهؤلاء المعلمين، مثل تصحيح الاختبارات وتسجيل الحضور وغيرها، مما يوفر لهم مزيدًا من الوقت للتركيز والتفاعل مع الطلاب.
بخلاف ذلك، وفرت مايكروسوفت العديد من التقنيات المتقدمة، مثل منصة Copilot Studio، والتي تُتيح الذكاء الاصطناعي ليُصبح في متناول الجميع، سواء كان هؤلاء المستخدمون من التقنيين المتخصصين أو غيرهم، وهو ما يُعد تحولًا كبيرًا في مجال الأعمال. فعبر هذه الأداة، يصبح باستطاعة المؤسسات تصميم وتطوير حلول ذكية تدعم وتحسّن من العمليات التشغيلية واللوجستية اليومية، بما يلبي احتياجات تلك المؤسسات بشكل مُخصّص، كأتمتة المهام الروتينية أو تحسين خدمة العملاء على سبيل المثال. ومع استمرار تطور هذه التقنيات، يمكن الاعتماد عليها في أداء المهام الأكثر تعقيدًا، لتُتيح للموظفين التفرُّغ للابتكار، ووضع الاستراتيجيات، وتنفيذ الأفكار الإبداعية.
تطوير قدرات الذاكرة والاستدلال في مجال الذكاء الاصطناعي يضمن لمصر مستقبلاً أكثر ذكاءً
ليس من المتوقع أن يصبح الذكاء الاصطناعي في عام 2025 أكثر ذكاءً فحسب، بل سيكتسب قدراتٍ أكبر على التذكُّر والاستدلال، ليُمكّن المستخدمين من اتخاذ قراراتٍ أكثر دقة وعمقًا. ويُعد هذا الأمر بالغ الأهمية عندما يتعلق بالمجالات الحيوية مثل الخدمات الحكومية، والقطاع المالي، والخدمات اللوجستية. فعلى سبيل المثال، عند تأسيس المدن الذكيّة في مصر، يمكن الاستعانة بأنظمة الذكاء الاصطناعي في ضبط حركة المرور، ومراقبة جودة الهواء وتعزيز السلامة العامة في الوقت الفعلي، مما يجعل من هذه المدن أكثر كفاءة واستدامة وترحيبًا.
وقد اتخذ مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري بالفعل خطواتٍ حثيثة لتحقيق رؤية مصر نحو التحول الرقمي بالتعاون مع مايكروسوفت، وذلك من خلال الاعتماد على حلول الذكاء الاصطناعي المتقدمة لعمل إحصاءاتٍ وتحليلات عالية الجودة تدعم تنفيذ الاستراتيجيات الوطنية القائمة على البيانات، بما يتماشى مع رؤيتي مصر 2030 ومصر الرّقمية.
كذلك، يمكن لهذه التقنيات المتطورة أن تزيد من دقة وفعالية اتخاذ القرارات داخل الشركات والمؤسسات، فهي تساعد في جعل عمليات التنبؤ باتجاهات السوق، وتبسيط سلاسل التوريد، وفهم احتياجات العملاء أكثر دقة من أي وقت مضى، مما ينعكس إيجابيًا على معدلات النمو الاقتصادي وجذب المستثمرين الذين يرون في مصر مركزًا للابتكار من كافة أنحاء العالم.
دور مساعد الذكاء الاصطناعي الشخصي في تحسين جودة الحياة اليومية
يتجاوز دور الذكاء الاصطناعي نطاق تطوير وتنمية الأعمال، ليمتد أثره لما هو أبعد من ذلك، فقد بات الاعتماد عليه أساسيًا في كافة مناحي حياتنا وأنشطتنا اليومية، وبالأخص مع ظهور العديد من نماذج مساعدي الذكاء الاصطناعي المعنيّة بتنفيذ مهام محددة، مثل Microsoft Copilot، والذي يقوم بتبسيط المهام اليومية، وتعزيز عملية اتخاذ القرارات، فضلًا عن بعض القدرات الأخرى التي تُضفي لمحة من المرح والإثارة لحياتنا. فمثلًا، يستطيع Copilot مساعدتك في التخطيط لحفل عيد ميلاد أطفالك وتزويدك بأفكارٍ مبتكرة لشكل وتنظيم الحفل، بالإضافة لتقديم اقتراحات ووصفات حول نوعية وشكل الوجبات والحلوى التي يمكن تقديمها بشكل جذاب. كما يمكنه اقتراح أنشطة ترفيهية للحفل، مما يجعل القيام بهذه المهام أكثر متعة وسهولة. إنّ مساعداتٍ كهذه توفر لنا الوقت والجهد للتركيز على ما يُهم حقًا.
في الوقت نفسه، تُقدم بعض الحلول الذكية مثل Copilot Daily خدمات الأخبار والطقس بشكلٍ مخصص وفقًا لاحتياجات المستخدمين واهتماماتهم، مما يمكنهم من تحديد قراراتهم والاستعداد ليومهم المقبل. كما تساعدنا حلولٌ أخرى قائمة مثل Copilot Vision على إدارة ما نحصل عليه من معلومات مهما كان حجمها، حيث يمكنه تحليل وفهم المعلومات المتواجدة على صفحات الويب (كالمقالات، التقارير، أو البيانات) بطريقةٍ ذكية، ليساعد المستخدم في الحصول على المعلومات التي يحتاجها بسرعة ودقة. بالإضافة إلى قدرته على الرد على أسئلة المستخدمين بناءً على فهمه للمحتوى، واقتراح الإجراءات المناسبة سواء كُنتَ تبحث عن استثمارات أو تخطط لقضاء عطلة وغيرها من الخدمات. فهذه الحلول توفر لك الاتصال المستمر بكل ما يدور من حولك لتتمكن من اتخاذ قراراتك اليومية بشكل أكثر ذكاءً.
تعزيز منظومة للذكاء الاصطناعي في مصر
ولكي نستطيع مواكبة المستقبل المدعوم بتقنيات الذكاء الاصطناعي وتطوراته المتسارعة، باتت الحاجة إلى بناء منظومة قوية وشاملة تدعم المواهب وتشجع على الابتكار أكثر إلحاحًا، سواء كان ذلك على مستوى الأفراد أو الشركات أو حتى الحكومات. وفي هذا الإطار، تجدر الإشادة بالجهود البارزة التي تبذلها الحكومة المصرية للاستثمار في البنية التحتية الرقمية، والتي تعد أساسًا قويًا تعتمد عليه الدولة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وفي مايكروسوفت، نفتخر بتعاوننا المثمر والبنّاء مع الحكومة المصرية في العديد من المجالات التي تمكننا من المساهمة في ترسيخ دعائم هذا الأساس القوي والحفاظ عليه بكل ما نمتلكه من خبرات عالمية. كما نفتخر بشراكاتنا الناجحة مع الجامعات والمؤسسات البحثية والشركات العاملة في مصر، والتي نسعى من خلالها إلى تعزيز المهارات الرقمية وتمكين الجيل القادم من رواد الذكاء الاصطناعي لضمان بقاء مصر في طليعة الدول التي تحقق التحول والابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي. فمن خلال برامج تنمية المهارات ومبادرات التدريب والشراكات التعليمية، سنستمر في تزويد الجيل القادم بما يحتاجه للقيادة في عالم مدفوع بتقنيات الذكاء الاصطناعي. لعل بناء نظام بيئي شامل ومستدام للذكاء الاصطناعي ليس مجرد هدفٍ استراتيجي، بل هو ضرورة ملحة، فالاستثمار في الأشخاص والأفكار، يتيح فرصًا للجميع للاستفادة من إمكانات الذكاء الاصطناعي.
ومن المتوقع أن تشهد مصر في عام 2025 تطورًا ملموسًا في مشهد الذكاء الاصطناعي، يتجسد في نماذج متخصصة تحتوي على أدواتٍ وتقنيات أكثر كفاءة وقدرة على اتخاذ القرارات بفعالية. بينما تُواصل مايكروسوفت مصر التزامها بتوفير حلول مبتكرة تعزز الكفاءة التشغيلية للشركات وتمُكّن المجتمعات والحكومة من تحقيق الأهداف الوطنية على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي. إنّ تبني هذه الاتجاهات الجديدة والاستثمار في الابتكار هو مُحرّك مسيرة النمو والتقدم، مما يمنح مصر الفرصة الكاملة ليس فقط للمشاركة في الاقتصاد الرقمي العالمي، بل قيادته كقوة مؤثرة. وعبر تضافر الجهود، يمكننا معًا رسم مستقبل رقميّ يملأه الازدهار والتقدم، يضع مصر في موقع ريادي على الساحة الرقميّة الدولية.
تحليل كتبته: ميرنا عارف
المدير العام لشركة مايكروسوفت مصر