دائما مايرتبط انضمام الدول للتكتلات الاقتصادية الكبرى، بالكثير من الاهتمام والشغف في ظل التحوّل الحالي في موازين القوى الاقتصادية العالمية، والصراع الدائر بين معسكر الشرق والغرب حول توجهات جديدة للمنافسة على القمة تتعلق بالهيمنة التكنولوجية والتجارة الإلكترونية ونظم جديدة للتحويلات المالية والعملات،وغيرها من أدوات وأسلحة “الرقمنة” التي أصبحت أسرع الطرق لصناعة تجارب الدول الناجحة وأيضا كأداه لتركيع دول أخرى والقضاء على اقتصادياتها.
وهو مايبلور حالة التفاؤل القوية التي صاحبت دعوة مصر رسميا للانضمام لتجمع “بريكس” بدءا من عام 2024، حيث يعد التجمع من أكبر التحالفات حول العالم التي أسسها عدد من الدول الصناعية ذوات الاقتصادات الكبيرة والصاعدة، وهم الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، حيث يشكل تجمع بريكس 20% من تجارة العالم، ويشكل مجموع الناتج المحلي الإجمالي للدول الأعضاء نحو 25.9 تريليون دولار خلال عام 2022 أي بما نسبته 25.6% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي البالغ نحو 101 تريليون دولار في عام 2022.
ويعمل نظام التجمع على توفير قنوات دعم مالي للدول الأعضاء على رأسها بنك التنمية الجديد، الذي تم إنشاؤه عام 2014 برأسمال مشترك قيمته 50 مليار دولار، كما تم إنشاء صندوق الاحتياطي النقدي برأسمال 100 مليار دولار، بهدف مساعدة الدول الأعضاء على سداد ديونها وتخفيف ضغوط السيولة العالمية على عملاتها، إلى جانب عمل التجمع على إنشاء علاقات أعمق في قطاعات التجارة والصناعة والتكنولوجيا.
ومن زاوية تحليله لقطاع التكنولوجيا بشكل خاص، أظهرت سنوات من التعاون التكنولوجي الوثيق بين الصين والهند والدول النامية الأخرى أهمية التعاون الدولي في عالم اليوم الذي يتسم بالأحادية والحمائية فيما يتعلق بالتطور والابتكار الرقمي، حيث عكست الاجتماعات الاخيرة التي انضم إليها بعض كبار المسؤولين الحكوميين من دول البريكس الأساسية، الطلب المتزايد على تطوير التكنولوجيا عبر الحدود، وفي وقت سابق من هذا الشهر، أخبر وزير العلوم والتكنولوجيا الصيني وانغ تشي نظراءه من دول البريكس أن الصين تتطلع إلى تعميق التعاون في مجال الابتكار التكنولوجي وتعزيز التبادلات، لإعادة تشكيل اقتصادات الدول الأعضاء في مجموعة البريكس.
دول البريكس ساهمت بسدس نفقات البحث والتطوير في جميع أنحاء العالم وربع جميع الأوراق البحثية في مجال العلوم والتكنولوجيا، وفقا لأحدث تقرير سنوي حول تطوير القدرة التنافسية الوطنية للابتكار في البريكس، وكانت الدول الخمس مسؤولة أيضًا عن تصدير أكثر من 6 تريليون دولار من منتجات التكنولوجيا المتقدمة، وهو ما يمثل ربع الإجمالي العالمي،وتتقاسم دول البريكس إمكانات تعاون واسعة في عدد كبير من المجالات بما في ذلك التكنولوجيا الحيوية وتغير المناخ وتطوير الطاقة الجديدة وتكنولوجيات الفضاء.
وفي هذا الإطار، إلى جانب مساعدة مصر في ترشيد سلة عملات الفاتورة الاستيرادية، وتخفيف الضغط على الموازنة العامة بانضمامها لتجمع بريكس، فإن الدولة في هذه اللحظة تراهن بقوة على الكثير من الامتيازات التي ستحصل عليها بانضمامها للتجمع خاصة من باب التحول الرقمي وزيادة فرص توطين التكنولوجيا في مصر وتبادل الخبرات الفنية وتأهيل الكواد البشرية وفتح أسواق جديدة للتصدير التكنولوجي وعلى رأسها خدمات التعهيد إلى جانب جذب العديد من العلامات التجارية الكبرى العاملة في مجالات الرقمنة.
وشهد الاجتماع الأخير للبريكس والذي انعقد في 24 أغسطس الماضي، وتم الإعلان فيه عن انضمام مصر والسعودية والإمارات وإيران وأثيوبيا، مجموعة من الرؤى والتوصيات المتعلقة بالتعاون في مجالات الرقمنة والتكنولوجيا، ويعد أبرزها التفكير في إنشاء اتحاد استكشاف الفضاء لدول البريكس والعمل من أجل الصالح العالمي في مجالات مثل أبحاث الفضاء ومراقبة الطقس، بالإضافة إلى التوصية بتعزيز التعاون في مجال التعليم وتنمية المهارات والتكنولوجيا لجعل البريكس منظمة جاهزة للمستقبل، وأيضا عمل الدول الأعضاء على إحداث ثورة في تقديم الخدمات العامة من خلال البنية التحتية العامة الرقمية.
محمد الحارثي، خبير تكنولوجيا المعلومات والإعلام الرقمي، قال إن انضمام مصر لتجمع البريكس أمر في غاية الأهمية خاصة فيما يتعلق بتوطين التكنولوجيا لأن المعيار الأساسي والحقيقي لنمو الاقتصاد الرقمي في مصر هو الاهتمام بتوطين تكنولوجيا المعلومات وتوطين الصناعة، وإمكانية توافق المتطلبات العالمية مع تكنولوجيا المعلومات في مصر حتى يمكن المنافسة، واستغلال وجود الفرق في العملة المحلية وانخفاض قيمة العملة المحلية مقابل العملة الأجنبية في تصدير الخدمات التكنولوجية والمنتجات التكنولوجية إلى الخارج.
وأضاف أن الميزة بعد انضمام مصر لتجمع البريكس هو إمكانية التبادل التجاري بين مصر والدول المثيلة لها في التجمع وتحديدا الصين وروسيا، إذ يمكن الاستفادة من المنتجات التكنولوجية المختلفة الصينية أو الروسية وهما منفتحان على الاستفادة من التكنولوجيات والمنتجات المشتركة سواء المصرية والاستفادة من التكنولوجيا الروسية ومشاركة المعرفة ما بين الدولتين خاصة في مجال الذكاء الاصطناعي.
ونوه محمد الحارثي، إلى أن مصر سوف تستفيد في قصة التبادل المشترك فيما بينها وروسيا، وهو ما ينطبق أيضا على الاستفادة من المنتجات التكنولوجية الصينية، مؤكداً أن مصر قادرة على الاستفادة من تبادل المنتجات التكنولوجية أو تقديم خدمات تكنولوجية بالعملة المحلية وهو ما سيضيفه ميزة الانضمام إلى مجموعة البريكس.
وأشار إلى أن مصر لديها فرصة لتوطين تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، لافتاً إلى أن الدول التي شهدت نمواً في الاقتصاد الرقمي اعتمدت على الشركات المحلية، واليوم أصبح هناك رؤية واستراتيجية لتطوير الشركات المحلية والدولة الآن تعطي فرص كبيرة وأولوية للشركات المصرية المحلية في تنفيذ المشروعات والانفتاح على تصدير الخدمات واعطاء مزايا للشركات التي يمكنها تصدير الخدمات التكنولوجية.
وتابع أن الدولة في هذا الصدد يمكنها أن تقدم تخفيضات ضريبية لتحفيز الشركات في أن تكون العملة الأجنبية مقابل تصدير الخدمات.
من جانبه أكد المهندس عمرو فاروق، خبير أمن المعلومات والمؤسس والرئيس التنفيذي لشركة JATDEV الشرق الأوسط، أن انضمام مصر للبريكس خطوة ممتازة لتحفيز الاقتصاد ولتطوير الصناعات المختلفة ليس فقط في تكنولوجيا المعلومات ولكن في كل القطاعات، منوها إلى أن البريكس يتيح فرص عديدة للتبادل التجاري بين الدول الاعضاء بحوافز واعفاءات جمركية خاصة بالاضافة إلى حوافز التحوط المالي لأسعار صرف العملات مما قد يتم بالعملات المحلية وفق شروط لتلك الاجراءات.
وبالنسبة لقطاع تكنولوجيا المعلومات، أشار دكتور عمرو فاروق إلى أن انضمام مصر للبريكس فرصة لتوطين الصناعة في مصر لما في ذلك من حوافز في تصدير صناعة تكنولوجيا المعلومات المحلية لدول البريكس بالاضافة لفوائد تبادل الخبرات ونقل المعرفة بين الدول الاعضاء.
وأشار إلى أنه قد استفادت دول مثل الصين والهند و جنوب افريقيا بشكل كبير من اتفاقية البريكس في زيادة حجم صادراتهم و خاصة التكنولوجية بنسبة متوسطة حوالي 12% زيارة سنويا في حجم صادراتها لدول البريكس ، وفي مصر لدينا فرص واعدة لتوطين صناعة تكنولوجيا المعلومات في مجالات تطوير البرمجيات أولا ثم صناعة التعهيد ثانياً ثم صناعة الالكترونيات ثالثا.
تابع عمرو فاروق، “حتى تتمكن مصر من القدرة على تصدير التكنولوجيا بحيث لا نكون فقط مجرد مستقبلين، يجب توفر حزمة من الحوافز تتمثل في دعم الدولة للشركات الوطنية العاملة في توطين وتطوير التكنولوجيا وليس استيرادها بتعزيز ثقتها في المنتج المحلي بشرائه والاعتماد عليه في عمليات التحول الرقمي المحلية دونًا عن الحلول المستوردة لزيادة ثقة الدول الأعضاء في المنتج المصري بأنه يتم استخدامه في بلده الأصلي.
وأفاد الخبير التكنولوجي، بأن هناك عدة مجالات تكنولوجية يمكن لمصر العمل على تحفيزها خلال الفترة المقبلة، لضمان استدامة ونمو الصادرات التكنولوجية بخلاف خدمات التعهيد، لافتاً إلى أن التعهيد حاليا هي من تقود الخدمات القابلة للتصدير، لكن لا يجب أن تستمر في قيادة التصدير التكنولوجي فمن المهم بدء التركيز ودعم قطاعات صناعة وتطوير البرمجيات المصرية ومنحها الحوافز والتسهيلات لعملية التصدير.
وأكد أن صناعة البرمحيات هي “بترول الأمم” فلم تتقدم الصين أو الهند إلا بتوطين صناعة البرمجيات أولا وزيادة صادرات الدول منها، مشيراً إلى أن صناعة التعهيد تعتبر صناعة مكملة أو مغذية لصناعة تطوير البرمجيات بأنواعها.
وتابع أن مصر تتمتع بمصادر قوة كبيرة في مواردها البشرية وفي قدرات ومواهب شبابها بالاضافة لبنية تحتية جيدة تتيح التعاون المشترك مع دول البريكس لتوطين الصناعات التكنولوجية.
وعن قدرة تجمع البريكس، لفرض نفوذه التكنولوجي عالميًا، قال دكتور عمرو فاروق، إن البريكس هو تجمع يهيمن علي ثلث الناتج المحلي الاجمالي لجميع دول العالم، وبالتأكيد له قدرات على التأثير ولكن لن يفرض هيمنة في صالح شئ غير جودة المنتجات وقدرتها علي المنافسة وإعطاء القيمة المضافة حتى مع وجود خطط مستقبلية لعملات رقمية موحدة.
وأكد أن الفرصة للمنتجات المصرية هنا في فتح الأسواق وتسهيلات التجارة ويجب استغلالها من جانب الشركات المصرية على أحسن وجه.
وقال سعيد رياض، نائب رئيس شعبة التعهيد بجمعية اتصال، إن انضمام مصر لتجمع البريكس يزيد فرص تصدير خدمات التعهيد إلى دول التكتل، سواء للأسواق الحالية أو الدول الجديدة المنتظر دخولها مطلع العام المقبل، مشيرا إلى أن زيادة صادرات التعهيد سترفع العوائد الدولارية وزيادة فرص العمل.
وأضاف أنه يمكن الاستفادة بجذب الاستثمارات من دول التجمع إلى مصر في مجال تقديم خدمات التعهيد، والاستفادة من تقدم الهند بالأخص في هذا القطاع، وذلك بجذب كبرى الشركات الهندية لفتح فروع لها في مصر.
وأشار سعيد رياض، إلى أن دخول الشركات العالمية للسوق المصري خلال السنوات الأخيرة أسهم في زيادة تنافسية الخدمة المقدمة في خدمات التعهيد من مصر عالميًا، وزاد ثقة العملاء في الدول المختلفة وفى مقدمتها أوروبا والدول العربية اتضح ذلك من خلال إسناد هذه الخدمات إلى شركات مصرية.
ونوه إلى وجود تعاون حاليًا مع الصين وروسيا وأمريكا اللاتينية في خدمات التعهيد ويمكن التوسع بهذه الدول بشكل أكبر مع انضمام مصر لدول تجمع البريكس، منوها إلى أن أمريكا اللاتينية تضم شركات تعهيد قوية ويمكن جذبها إلى فتح فروع لها في مصر والاستفادة من تنافسية الخدمة وانخفاض تكلفتها في مصر.
ومن جانبه قال أحمد رفقي، خبير في خدمات التعهيد، إن انضمام مصر لتجمع “بريكس” يعنى وجود تعاون مع الدول الأعضاء في مجالات واسعة فيما يتعلق بالاستثمار والنشاط التجاري والبنية التحتية والاستفادة من التكنولوجيا الخاصة بالدول الأعضاء الرئيسية مثل الهند والصين وروسيا، وغيرها منوها إلى أن القطاع التكنولوجي سيمثل مرتكز رئيسي سواءا في التصنيع أو التصدير.
وأضاف إن الهند من أهم الأسواق التي يجب أن تعمل مصر على جذب الخبرات في خدمات التعهيد إلى مصر، ودعوة الشركات الهندية للاستثمار في مصر، لافتا إلى أن الهند تحتل الريادة في تقديم خدمات التعهيد، كما يوجد تعاون بالفعل مع الجانب الهندي حاليًا لكن مازال هناك فرص أكبر للتعاون.
وأشار إلى أن حاجز اللغة يعتبر أكبر عقبة في طريق التوسع في تقديم خدمات التعهيد لدول أمريكا اللاتينية وروسيا.
ويرى أن استقطاب الشركات من هذه الأسواق هو الأفضل، لتقديم الخدمات المتنوعة من خدمات التعهيد وتضم خدمة العملاء والدعم التقني والتكنولوجي والمشتريات والمبيعات، منوها إلى إن الخبرات في مصر تؤهلها للتوسع في هذا القطاع فضلا عن انخفاض تكلفة التوظيف وتقديم الخدمة.
وأشار إلى أن السعودية تشترط أن تكون كافة الخدمات الخاصة بالتعهيد تتم من داخل المملكة وهو الأمر الذي دفع الشركات الكبرى إلى الاستثمار في السعودية كما أن الإمارات شهدت طلبًا متزايدا على خدمات التعهيد مؤخرًا، متوقعًا زيادة هذا التعاون مع انضمام الإمارات إلى التجمع.