تعد رقمنة الخدمات الحكومية، أحد المرتكزات الاستراتيجية للدولة المصرية نحو التحول الرقمي الشامل، وبناء منظومة تكنولوجية متكاملة، تعزز من عملية التنمية المستدامة، وتدفع بمسارات الاقتصاد الكلي نحو مزيد من المرونة والشمولية المجتمعية، التي يتوفر معها تقديم خدمات الدولة بالكفاءة والسرعة اللازمة التي تتلائم مع معطيات العصر الرقمي، والتحول الشامل في سلوكيات المجتمع المصري الذي يتنامي وعيه بالرقمنة وأيضا معدلات استخدامه على كافة المستويات.
وفي مجال إدارة الاستراتيجيات والمستقبل، تعمل الدولة ممثلة في وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بشكل رئيسي في تطبيق التكنولوجيا لتحسين تقديم الخدمات الحكومية، وتعزيز العمليات الحكومية، وتعزيز مشاركة المواطنين في الحوكمة، وذلك عبر مجموعة واسعة من الأدوات والمنصات والمبادرات الرقمية المصممة لتحديث الممارسات الحكومية وزيادة الكفاءة ومواجهة التحديات المجتمعية.
ورفعت وزارة الاتصالات، عدد الخدمات الحكومية الرقمية من 34 خدمة في عام 2020 إلى 103 خدمة في عام 2021، و131 خدمة في عام 2022، وأكثر من 170 خدمة مع مطلع العام الجاري، من خلال منافذ خدمات متعددة وهي منصة مصر الرقمية، وتطبيق المحمول، ومركز اتصال مصر الرقمية، والبريد المصري من خلال بطاقات السداد، ومحافظ المحمول، والسداد النقدي، وتقدم الخدمات لشرائح مختلفة وهي (التوثيق، والتموين، وتراخيص المزارع، والسجل التجاري، والضرائب العقارية، والتأمين الاجتماعي، والتأمين الصحي، ورخص المركبات).
وفي أحدث تحول أعلنت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، عن إطلاق مشروع «أحمس» ، والذي توضح بيانات الوزارة ، أن المرحلة الأولى منه تركز بشكل رئيسي على خدمات الشركات وخدمات الحماية الاجتماعية، ثم تتوالى المراحل والخدمات الأخرى، كما أن مشروع أحمس مكمل لمنصة مصر الرقمية؛ فهو القاعدة ومنصة مصر الرقمية الواجهة التي يتم عبرها عرض الخدمات المميكنة.
ويضم المشروع نحو 12 إلى 13 منصة داخلية منها منصة الحماية الاجتماعية وتتضمن وزارات التموين والشباب والرياضة والتضامن الاجتماعي ومنصة خدمات العمل ومنصة للتعليم والتامين الصحي ومنصة التقاضي والشهر العقاري والتوثيق ومنصة لخدمات المستثمر، كما يعد المشروع محاكاة حقيقة لجلب التكنولوجيا وتطويعها لإعادة صياغة البرامج حتى تتبادل أنظمة البيانات بشكل مرن لخدمة الظروف المصرية، ويأتي ذلك في إطار استراتيجية مصر الرقمية، بغرض تقديم خدمات إلكترونية متعددة من خلال كافة المنافذ الرقمية وغير الرقمية، وتحويل الحكومة إلى حكومة مترابطة رقمياً من خلال ربط الأنظمة الرقمية الحكومية.
وكشفت بيانات حديثة لوزارة الاتصالات، عن وصول عدد المسجلين على المنصة أكثر من 8 ملايين مواطن قاموا بإجراء أكثر من 45 مليون معاملة.
فما هي تفاصيل هذا المشروع، وماهي الاحتياجات الرئيسية لتعزيز تقديم الخدمات الحكومية بشكل مستدام عبر هيكل تكنولوجي متكامل ؟
الدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، كشف في تصريحات له، عن البدء في تنفيذ مشروع أحمس، لإعادة هيكلة الإجراءات والتطبيقات في الجهات الحكومية، ولتقديم خدمات متعددة الجهات عبر منصة واحدة، ويتضمن المشروع كل المراحل والأحداث الحياتية للمواطن من لحظة الميلاد والتعليم والعمل وتداول الأملاك وتلقي المعاش والتعليم وجميع الخدمات الحكومية.
وأشار إلى أنه تم البدء فعلياً في التعاقد مع شركات عالمية ومحلية لتنفيذ مشروع “أحمس” كونه أحد المشروعات القومية، يستهدف خدمة المواطن في المقام الأول، وحصوله على خدمات متعددة من جميع الجهات الحكومية من خلال منصة واحدة فقط، منوها إلى أنه تم التعاقد مع شركات لعمل منصتين داخل المشروع، وجارٍ التعاقد على منصة ثالثة خاصة بكل ما يتعلق بخدمات الشركات وكل ذلك عبر جدول زمني.
ولفت وزير الاتصالات، إلى أن مختلف جهات الدولة المصرية تم ميكنتها في أوقات مختلفة وبتكنولوجيات مختلفة، وبالتالي هذا يشكل تحديًا في قدرة الأنظمة على أن تتبادل البيانات بشكل سهل وسلس فأطلقنا «مشروع أحمس» حتى يتلقى المواطن جميع خدماته بضغطة زر واحدة.
وذكر الدكتور عمرو طلعت مثالا لذلك، وقال إن أى مواطن ينتقل من محافظة إلى أخرى “مثلًا من محافظة الغربية إلى محافظة الدقهلية فيحتاج لنقل عنوان بطاقته الشخصية، ونقل أولاده من المدرسة، وتغيير رخصة سيارته وتغييربطاقة التموين الخاصة به وغيرها من الاحتياجات، وبالتالي يستطيع عمل ذلك من خلال جهات مختلفة، وفي وقت زمني كبير؛ ولذا أطلقنا «مشروع أحمس»؛ حيث يستطيع المواطن أن يتلقى الخدمة من خلال ضغطة زر واحدة؛ وذلك عندما تتواصل الأنظمة ببعضها؛ ولذا فكرنا في مشروع كيفية إعادة صياغة البرامج حتى تتبادل الأنظمة البيانات بشكل سلس.
وتعززت تلك الخطوات مع بدء الانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة، التي كانت بمثابة تحد جديد للدولة المصرية، وما استلزم ذلك من إنتاج ونشر تطبيقات التحول الرقمي بالوزارات المنتقلة للعاصمة، والعمل على إعداد وتدريب موظفين مؤهلين ومدربين للتعامل مع هذه التطبيقات والبرامج الجديدة، للوصول إلى مستوى عال من الكفاءة والمهارة الوظيفية.
وأكد وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أن «مشروع أحمس» مكمل لمنصة مصر الرقمية؛ فهو القاعدة ومنصة مصر الرقمية، وهي الواجهة نعرض فيها الخدمات المميكنة من الألف إلى الياء، والشغل خلف المنصة هو «مشروع أحمس»، الذى يعمل على صياغة منظومة البرامج.
وأضاف الدكتور عمرو طلعت أن المشروع بدا، وهو ممرحل على مراحل مختلفة والمرحلة الأولى تنتهي بعد عام نخرج خلاله بخدمات لها علاقة بالمواطن مباشرة وليس بوزارة بعينها، فمثلا خدمات الحماية الاجتماعية وبها خدمات التموين والتضامن والمعاشات ومعاش مطلقات وأرامل وغيرها من خدمات حماية لحقوق المواطن، وبالتالى نعتبرها جميعها خدمات حماية اجتماعية وليست خدمات وزارة بمفردها.
فالمرحلة الأولى تركز على خدمات الشركات وخدمات الحماية الاجتماعية، ثم تتتالى المراحل والخدمات الأخرى تباعًا، ولدينا مجموعة ضخمة من الخدمات نطلقها فيما بعد، ووضعنا موازنة للمشروع تصل إلى أكثر من 2 مليار جنيه.
من جانبه قال المهندس خالد العطار نائب وزير الاتصالات للتحول الرقمي إلى أن التوسع في خدمات بوابة مصر الرقمية وصل إلى أغلب المجالات والقطاعات الخدمية على مستوى الجمهورية، مضيفا أن الوزارة قامت بتحسين مستوى الخدمات والبيانات ووقعت بروتوكولات لتحويل عدد من التطبيقات الحكومية إلى منصة متكاملة.
تابع مشروع أحمس هو كيفية إعادة بناء وهيكلة التطبيقات الحكومية بما يتوافق مع هذا المبدأ، مشيرا إلى أن ثاني هدف من المشروع هو وجود تكامل كامل بين جميع الجهات في تقديم الخدمات والإجراءات تكون متتابعة.
وأشار إلى أن استراتيجية مصر الرقمية ترتكز حول تبسيط إجراءات حصول المواطنين على الخدمات الحكومية الرقمية، وتوفير بنية تحتية رقمية كفء بانتشار يضمن نفاذ المواطنين للإنترنت، وتمكين المواطنين من كسب فرص عمل في الاقتصاد الرقمي، وتشجيع ريادة الأعمال ودعم الإبداع الرقمي للمواطنين، منوها إلى أن وزارة الاتصالات تعمل على تنفيذ استراتيجية مصر الرقمية، من خلال وضع سياج تشريعي لحوكمة قطاع وحماية المستخدمين، ووضع أطر تنظيمية جاذبة للاستثمارات المحلية والأجنبية، والشراكة مع القطاع الخاص والمجتمع المدني.
وأكد على أن ذلك يأتي ضمن توحيد الأكواد الخاصة بالدولة، سواء الهيئات او الشركات لافتا إلى أن مشروع الرقم القومي للوحدات العقارية يقع ضمن نطاق المشروع، حيث يهدف البرنامج القومي الجديد إلى إعداد ملف متكامل عن كل من الإنسان، والشركات، وقطع الأراضي.
وذكر المهندس خالد العطار أن التنفيذ سيشمل 12 نطاقًا أساسيًا منها الأحوال المدنية العدالة والحماية الاجتماعية والتعليم والصحة والثروة العقارية، على أن تشمل المرحلة الأولى الخدمات عابرة للجهة أو ما يعرف بالتعامل بين الجهات المختلفة، بالإضافة إلى توحيد واجهة الخدمات الجماهيرية مثل توحيد منصات الدفع، ومنصات الخدمات مؤكدا على أن المرحلة الأولى للمشروع ستعتمد على معايير تم وضعها بالتعاون مع الاتحاد الدولي للاتصالات.
من جانبها أكدت دكتورة ماريان عازر، عضو مجلس النواب السابق، عضو مجلس إدارة الهيئة العامة للرقابة المالية، على أهمية التطبيقات الحكومية في تعزيز الأداء المهني ووصول الخدمات لكافة فئات المجتمع، والتعريف أيضا بالفرص المتوفرة في كافة المجالات ، وهو مايعزز من استراتيجية الدولة للشمول المالي والتحول الرقمي، وبناء منظومة متكاملة من الخدمات التي تؤثر بشكل مباشر في حركة الاقتصاد.
وأشارت إلي أن منظومة التطبيقات الحكومية، تحتاج لمجموعة من الإجراءات الموسعة لضمان كفاءتها ومرونتها في تقديم الخدمات بدءا من بنية تحتية تكنولوجية قوية، ووصولا لسياسات واضحة في التكنولوجيات المستخدمة ، كإقرار سياسة الحوسبة السحابية أولا والذي تم من جانب المكتب التنفيذى للمجلس الأعلى للمجتمع الرقمى بنهاية العام الماضي والذي يهدف بشكل رئيسي إلى تشجيع الجهات والأجهزة الحكومية للاعتماد على الخدمات السحابية كبديل عن حلول تقنية المعلومات التقليدية لزيادة جودة الخدمات من خلال استخدام حلول أكثر ابتكاراً مما يساهم في تقليل التكلفة الإجمالية، ويحسن من استغلال البيانات والتقنيات الناشئة والمتقدمة، وإيقاف الازدواجية في الإنفاق الحكومي، ودعم الأمن السيبراني.
واكدت على أن ضمان كفاءة تقديم الخدمات الحكومية سيؤدي بدوره إلى زيادة كفاءة العمليات وتحسين إدارة الموارد، وتحسين تجربة المستخدم فتقديم خدمات رقمية من شأنه تلبية احتياجات المستخدم بشكل أفضل، علاوة على أن التحول الرقمي يقلل من الإجراءات الورقية ويوفر الوقت والجهد.
ونوهت إلى أنه من المهم بمكان أن يصاحب التوسع في تقديم الخدمات الحكومية الاهتمام بشكل رئيسي بالأمن السيبراني، لحماية البيانات، ويجب أن تكون المعلومات الحساسة موجودة في شيء مصري حتى لا تكون بياناتنا بالخارج، حتى إذا كانت في دول صديقة فيمكن أن تحدث مشاكل، بجانب أهمية وجود التشريعات والقوانين الخاصة بحرية تداول البيانات، بجانب قوانين لحماية البيانات الشخصية، فقد صدر قانون لحماية البيانات ولكننا في انتظار اللائحة التنفيذية.
ولفتت ماريان عازر أن التكنولوجيا تعمل بشكل رئيسي على تبسيط العمليات الحكومية، وأتمتة المهام الروتينية، مما يؤدي إلى زيادة الكفاءة والإنتاجية ، حيث تعمل الأدوات والمنصات الرقمية على تمكين معالجة البيانات والتواصل واتخاذ القرار بشكل أسرع، مما يسمح لموظفي الحكومة بالتركيز على المزيد من المهام الإستراتيجية، منوهة إلى أن اتخاذ القرارات المبنية على البيانات تمكن التكنولوجيا الحكومات من جمع البيانات وتحليلها والاستفادة منها لإرشاد عملية صنع القرار القائمة على الأدلة وتطوير السياسات.
وذكرت أن المنصات الحكومية كمشروع أحمس ، سيعزز من مشاركة المواطنين من خلال توفير الأدوات والمنصات الرقمية للحصول على ردود الفعل، وإجراء الدراسات الاستقصائية، والأفكار التعهيد الجماعي من الجمهور.