قبل 6 أشهر، كان لنا حديث حول بيزنس التقسيط في مصر، حمل عنوان “خطورة سوق التقسيط في مصر.. اتعلموا التربيط!”.
تحدثنا حينها عن الفرص الاستثمارية القادمة في التقسيط، والإقبال الكبير من المصريين عليها، وهو الإقبال الذي صنع نجاحا كبيرا لمنصات وتطبيقات “الشراء الآن والدفع لاحقا” BNPL.
رأينا، وقتها، أن التقسيط أصبح مبالغا فيه داخل مصر، وأننا وصلنا إلى مرحلة جدية من الخطوة، حين تجاIل المواطن المصري عن فوائد التقسيط المرتفعة للغاية، والتي لا تناسب قدرة معظم المقبلين على الخدمة، ونصحنا المصريين بضرورة تعلّم “التربيط”، وهي الأدوات التي تصل بنا إلى قرار الشراء والبيع الصحيحين.
قلنا ذلك والظروف وقتها تختلف عن ظروفنا الحالية، فلم تكن روسيا قد بدأت غزوها العسكري لأوكرانيا، ولم تكن بوادر حدوث أزمة اقتصادية عالمية تدور في مخيلتنا، ولم يكن التضخم العالمي والدولار قد أثر على الجنيه المصري بهذا الشكل.
ثقافة الاستهلاك عند المصريين يجب أن تتغير
لا يمكن تخيُّل عبور المصريين للضغوط الاقتصادية الحالية دون تغيير جذري في ثقافتهم الاستهلاكية، فعلينا تحديد الأساسيات التي لا يمكن الاستغناء عنها، وتأجيل الرفاهيات أو البحث عن بدائل أخرى تناسب الظروف الحالية.
إن رأينا الرافض للتقسيط في الرفاهيات أو “سلع الوجاهة” غير الضرورية في الوقت الحالي أصبح أكثر صمودا وقوة، ونرى ضرورة التعلم من المجتمعات الغربية، التي غيرت من نمط استهلاكها في وقت الأزمة من أجل عبورها بسلام.
إن “الثقافة الإيجابية” للتعامل مع الأزمة تفرض علينا تعلم “التربيط”، فالسفر –لمحبيه- يمكن أن يكون لأماكن أقل تكلفة وإقامة أقل رفاهية، والسيارة الصغيرة قد تكون بديلا للسيارة الكبيرة الأغلى سعرا، وأخرى مستعملة قد تكون أفضل حاليا من تكلفة “الزيرو”، وتكاليف الخطوبة والزواج وتجهيز المنزل يمكن أن تقتصر على الضروريات، كما يجب أن يصل التغيير إلى عادات الزواج في مجتمعنا، وأن ينخفض سقف مطالب “الشبكة الذهب” والمهر وتجهيزات منزل الزوجية إلى حده الأدنى، فالإقبال على الزواج لا بد وأنه سيتأثر بالأزمة الحالية.
كما رصدنا اتجاه سلوكي من قبل العديد من التجار التي تسعى لاستغلال مفهوم التقسيط بشراء منتجات بالتقسيط وبيعها كاش بأقل من سعرها في السوق -بما يسمى حرق المنتجات- وبذلك يعتبر التاجر استفاد بالكاش على هيئة قرض بفوائد مرتفعة وهو الأمر الذي يؤدي إلى ضرر كبير في السوق حال استمرار هذا النموذج.
فرص استثمارية خلال الأزمة
تفرض الأزمة الحالية، كذلك، التفكير في زيادة الدخل وتقليل المصروفات والبحث عن فرص استثمارية مناسبة كنوع من “التربيط”، بمعنى الحفاظ على مواردك إن لم تنجح في تنميتها وزيادتها.
يمكن للبعض البحث عن وظيفة إضافية لزيادة دخله، أو فرصة للعمل من المنزل، أو بدء مشروع خاص يطمئن إلى نجاحه، وقد يلجأ لاستثمار مدخراته في شراء الذهب أو الاستثمار في الأوراق المالية.
وربما يكون شراء الذهب مناسبا لثقافة عموم المصريين، لكننا نلفت النظر إلى أن الإقبال الكبير على شراء الذهب حاليا في مصر قد دفع به إلى أعلى من السعر العالمي بشكل ملحوظ، كما أن الذهب استثمار طويل الأجل نسبيا، ولا يحقق العائد المرجو عند اقتناؤه بهدف البيع السريع.
إدارة الميزانية وترشيد الإنفاق
خلال ترشيد الإنفاق، يمكن الاستفادة من التطبيقات الذكية المتخصصة في إدارة الميزانية الشخصية، والتي تحصر حجم الموارد وأوجه الإنفاق، وتقدم إمكانية الموازنة بينهما.
هناك أيضا تطبيقات المقارنة بين أسعار السلع والخدمات، والتي تحدد قرار الشراء بأفضل سعر للسلعة.
بالإضافة إلى ذلك، قد تعوض برامج الولاء وتطبيقات نقاط المكافآت جزءا من تكلفة شراء السلع أو الخدمات، وقد شهدنا مؤخرا زيادة ملحوظة في تبني الشركات لبرامج الولاء والمكافآت، وانطلاق منصات متخصصة لها، نجح بعضها في اجتياز جولات استثمارية مهمة، تضيف إلى فائدة المستهلك المصري.
تحليل كتبه: محمد نجاتي
رائد أعمال ومستثمر في مجال تكنولوجيا المعلومات