في عالم يتسابق من أجل قطف ثمار التحول الرقمي، تبدو مصر والدول العربية وكأنها قررت التخلي عن سباق الابتكار لتتخذ مكانًا مريحًا.. في كشك إعادة بيع الحلول الأجنبية!
فبدلاً من أن تكون شركات التكنولوجيا المحلية قوة محركة للابتكار، أصبحت موزعين لمنصات مثل أودو (Odoo)، وهي شركة عالمية ومنصة تجارية مفتوحة المصدر من بلجيكا، تقدم حزمة أدوات برمجية لإدارة الأعمال، مثل إدارة علاقة العملاء CRM، والتجارة الإلكترونية، والفواتير، والمحاسبة، والتصنيع، والمستودعات، وإدارة المشاريع، وإدارة المخزون.
كيف حدث هذا؟ ببساطة، تحولنا من رواد صناعة إلى مندوبين غير رسميين لشركة عالمية تكتسح الأسواق بينما نصطف جميعا لجمع فُتات الفرص.
ووفقًا لتقرير صادر عن مؤسسة البيانات الدولية (IDC)، سيتجاوز الإنفاق على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الشرق الأوسط وتركيا وأفريقيا 238 مليار دولار هذا العام، بزيادة 4.5% عن عام 2023، كما يصل الإنفاق على التحول الرقمي إلى 59 مليار دولار خلال العام الجاري، ويتسارع بمعدل نمو سنوي مركب 15% لمدة خمس سنوات ليصل إلى 88 مليار دولار في عام 2027، ومع ذلك، نرى تحول شركاتنا المحلية إلى موزعين للحلول الأجنبية بدلاً من استغلال هذه الفرص لبناء منتجات محلية.
لا شك أن أودو (Odoo) شركة ذكية، بل شديدة الذكاء، فهي تنفذ خطط توسعية تجعلها أيقونة عالمية، مستفيدة من أفضل العقول حول العالم وقاعدة عملاء واسعة.. من عندنا! نحن الذين نسارع لتحويل أنفسنا إلى وسطاء بعمولة، وفي النهاية، ستضع أودو قدمها في كل زاوية، ونحن نصفق لها كما لو أننا جزء من احتفال المليارات التي جمعتها مؤخرًا.
والأكثر طرافة – أو ربما مأساوية – هو رؤية الموزعين المحليين يحتفلون بجولة أودو الاستثمارية التي جمعت 500 مليون يورو، وكأنهم شركاء في تأسيس الشركة أو أعضاء في مجلس إدارتها!
لا، عزيزي الموزع، أنت مجرد ترس صغير في آلة ضخمة لا تملك مفاتيحها، والاحتفال بهذا الشكل يشبه فرحة الموظف البسيط عندما يرتفع سهم الشركة دون أن يكون لديه أي سهم فيها.
المشكلة لا تتوقف هنا، فلدى أودو كل الحق في حماية مصالحها، وهو ما ستفعله عندما تُشدد قيودها على الموزعين وتخفض مستويات الدعم. في ذلك الوقت، ستجد الشركات المحلية نفسها أمام أزمة مزدوجة: نقص في الدعم الفني، وهجرة الكفاءات المدربة إلى شركات أخرى تقدم رواتب أفضل، والأسوأ من ذلك، سندرك متأخرا أننا كنا جزءًا من بناء عملاق لا نملك فيه سوى دور الموزع المجهد الذي يركض لتلبية أهداف الآخرين.
لنكن واضحين: أودو ليست العدو هنا، فهي تفعل ما يجب عليها القيام به لتحقيق مصالحها وأهداف مساهميها. المشكلة الحقيقية تكمن في الشركات المحلية التي اختارت الطريق الأسهل، وبدلاً من أن تسأل نفسها: “كيف يمكنني بناء منتج تكنولوجي محلي يلبي احتياجات السوق؟”، تكتفي بالاعتماد على منصات أجنبية، مما يُفقدها هويتها واستقلاليتها.
الاعتماد على حلول مفتوحة المصدر قد يبدو خيارًا سريعًا ومربحًا، لكنه في النهاية يضعف السوق المحلية ويجعلنا مجرد أتباع، وأسواقنا تحتاج إلى شركات تتجرأ على الإبداع، تُخاطر بالابتكار، وتعمل على بناء حلول من رحم احتياجات المنطقة.
لا يمكن أن يكون المستقبل للأتباع. العالم يتغير بسرعة، والمبتكرون هم من يقودونه. إذا لم نتحرك الآن لاستعادة روح الابتكار، فسنجد أنفسنا دائمًا تحت رحمة منصات أجنبية، نصفق لنجاحها ونبكي على فرصنا الضائعة.
أفيقوا مبكرا.. فالتكنولوجيا ليست مجرد منتج تُعيد بيعه، بل رؤية تُبدعها وتُغير بها واقعك.
تحليل كتبه: محمد عابدين
الشريك المؤسس لكوربوريت ستاك والمدير الإقليمي