Follow ICT
شعار الموقع الاساسى
جايزة 160
جايزة 160

محمد عابدين يكتب: فقاعة الذكاء الاصطناعي.. موجة بلا مضمون؟!

في عالم التقنية سريع التطور، أصبح الذكاء الاصطناعي (AI) الكلمة الطنانة الجديدة التي تهيمن على المشهد التكنولوجي، فيتردد صداها في كل مكان. فمن الشركات الناشئة إلى عمالقة التقنية، يتحدث الجميع عن الذكاء الاصطناعي وكيف سيغير العالم. ولكن هل كل هذه الضجة مبررة؟ الإجابة ليست بهذه البساطة.

إننا نشهد يوميًا إطلاق عشرات الشركات ومئات المشاريع الناشئة، التي تسعى جميعها لركوب موجة الذكاء الاصطناعي، حيث يقدر عدد شركات الذكاء الاصطناعي عالميا بنحو 70 ألف شركة، منها 11 ألف شركة ناشئة، دون أن تبخل بإنفاق مليارات الدولارات في هذا المجال، حيث قدرت الاستثمارات العالمية في الذكاء الاصطناعي بنحو 240 مليار دولار في عام 2024، كما يتوقع أن تصل إلى 330 مليار دولار بحلول عام 2025.

ومع ذلك، فإن جزءًا كبيرًا من هذه الاستثمارات يذهب نحو مشاريع تفتقر إلى أهداف واضحة أو قيمة ملموسة، ولا زالت النتائج الحقيقة بعيدة المنال. فما هي المشكلة الحقيقية؟

المشكلة الحقيقية: غياب الهدف الواضح

السؤال الأساسي لأي ابتكار تقني أو مشروع تجاري بسيط هو: ما المشكلة التي تحلها؟ وفي حالة الذكاء الاصطناعي، غالبًا ما يكون الجواب: لا شيء!

تدخل الشركات مجال الذكاء الاصطناعي دون فهم واضح للمشكلات التي تسعى لحلها أو القيمة التي تهدف إلى تحقيقها، ما يجعلها تقع في “فخ المرحلة التجريبية” (pilot phase trap).

يحدث هذا عندما تحقق الشركات بعض النجاح الأولي بمشروع ذكاء اصطناعي في بيئة صغيرة خاضعة للرقابة، ولكن عندما تحاول توسيع نطاقه ليشمل عمليات في العالم الحقيقي، ينهار كل شيء. ووفقًا لشركة McKinsey، فإن 78% من مشاريع الذكاء الاصطناعي تتعثر في هذه المرحلة ولا تتقدم أبدًا.

وبالمثل، يقف العملاء في نفس المأزق، فالعديد منهم يقترب من مزودي التقنية بسؤال: “هل تدعم حلولكم الذكاء الاصطناعي؟”، ولكن عند طرح سؤال بسيط مثل: “ما الاستخدام المحدد الذي تحتاجون الذكاء الاصطناعي من أجله؟”، تكون الإجابة غامضة، إن لم تكن معدومة تمامًا.

ففي عام 2024، أجرت شركة Gartner دراسة أظهرت أن 85% من مشاريع الذكاء الاصطناعي تفشل في تحقيق أهدافها، وقد أرجعت الدراسة السبب إلى سوء التخطيط وعدم وضوح الرؤية. هذه النسبة المرتفعة تعكس مشكلة عميقة: العملاء يطلبون الذكاء الاصطناعي دون معرفة كيفية استخدامه، والمزودون يقدمون حلولًا دون فهم حقيقي لاحتياجات السوق.

هذا الغياب الكامل للشفافية والوضوح من المؤسسين والعملاء يكشف واقعًا مزعجًا: الذكاء الاصطناعي بالنسبة للكثيرين ليس أكثر من كلمة عصرية تُستخدم لجذب الانتباه.

مشهد مدفوع بالموضة

الجنون الحالي حول الذكاء الاصطناعي يعكس موجات سابقة من الاتجاهات التقنية، حيث مصطلحات فخيمة أثارت الانتباه ثم اختفت مع انكشاف محدوديتها.

يستغل المؤسسون هذه الضجة لجمع التمويل، وهم يعلمون أن مجرد إرفاق كلمة “ذكاء اصطناعي” في عرضهم يمكن أن يفتح لهم أبواب ملايين الدولارات، والمشكلة ليست في التقنية ذاتها، بل في عقلية الجري وراء الاتجاهات التي تعطي الأولوية لجمع الأموال على حساب تقديم تأثير حقيقي.

في عام 2024 وحده، التقيت شخصيًا بأكثر من 100 عميل طلبوا دمج الذكاء الاصطناعي في الحلول، ولكن عند سؤالهم عن احتياجاتهم أو توقعاتهم المحددة، كانت معظم الردود بلا معنى أو تفتقر لأي توجيه، فقد تركزت توقعاتهم على أن يقدم المزودون استخدامات جاهزة بدلًا من تحديدها بأنفسهم. هذا الانفصال يعكس نقصًا في الاستعداد والفهم من جانب العملاء، وفشلًا من الشركات في تثقيف السوق بشكل صحيح.

رسالة إلى المؤسسين والعملاء

إلى الجيل الجديد من المؤسسين: اتباع الاتجاهات لا يمثل نموذج عمل مستدام. بناء شيء ذو قيمة حقيقية يتطلب معالجة مشكلات واقعية، وليس فقط ركوب موجة الكلمات الرائجة.

فالذكاء الاصطناعي، كأي أداة أخرى، لا قيمة له إلا بقدر الغرض الذي يخدمه، وبدون وجود مشكلة واضحة للحل، سيظل مجرد زينة براقة.

إلى العملاء: قبل أن تقفزوا في قلب موجة الذكاء الاصطناعي، خذوا خطوة للوراء. اسألوا أنفسكم: “ما هي التحديات الأساسية التي تواجه أعمالنا؟” و”كيف يمكن للتقنية أن تعالج هذه التحديات؟”، فالذكاء الاصطناعي ليس عصا سحرية؛ إنه أداة، ولن يحقق قيمة إلا إذا تم استخدامه بطريقة منظمة وموجهة لتحقيق أهداف محددة.

ووفقًا لتقرير صادر عن McKinsey، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يضيف ما يصل إلى 13 تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030، ومع ذلك، تحقيق هذه القيمة يتطلب نهجًا أكثر انضباطًا وتركيزًا على حل المشكلات الحقيقية.

الخلاصة..

فقاعة الذكاء الاصطناعي، كما تبدو اليوم، هي مجرد ضجيج وتوقعات مبالغ فيها. العديد من المؤسسين والعملاء يضيعون في بحر من الغموض، يطاردون بريق الذكاء الاصطناعي دون فهم إمكاناته الحقيقية، والحل بسيط: وضوح الغاية.

يجب أن ندرك أن الابتكار لا يتعلق باتباع الاتجاهات، بل يتعلق بحل المشكلات وتحقيق قيمة ملموسة، والذكاء الاصطناعي لديه القدرة على تغيير الصناعات، ولكن فقط إذا اقتربنا منه بعقلية واعية، وانضباط، وفهم حقيقي.

حان الوقت للتوقف عن التعامل مع الذكاء الاصطناعي كمجرد كلمة طنانة لها بريق جذاب، والبدء في التعامل معه كأداة للتغيير الحقيقي.

تحليل كتبه: محمد عابدين

الشريك المؤسس لكوربوريت ستاك والمدير الإقليمي