Follow ICT
شعار الموقع الاساسى
جايزة 160
جايزة 160

محمد عابدين يكتب: صناعة تكنولوجيا المعلومات في مصر.. ما أحوجها إلى “اللام الشمسية”!

لم يكن مسلسل “لام شمسية” مجرد عمل درامي رمضاني تقليدي، بل تجربة فنية وإنسانية ناضجة، حملت رسالة شديدة الرهافة والعمق. فقد تناول العمل واحدة من أكثر القضايا حساسية في المجتمع المصري والعربي: الطفل، لا بوصفه ضحية فقط، بل كمرآة تعكس ملامح التداخلات القيمية والتربوية والدينية التي تشكّل وجدان المجتمع وتوجّه سلوك أفراده.

الفكرة لم تكن سهلة، ولم تُطرح بشكل مباشر أو استهلاكي، بل جاءت محمّلة بطبقات من المعاني النفسية والاجتماعية والدينية، وسط معالجة درامية راقية، تُظهر أن كل من شارك في هذا العمل قد ذاكر، وتأمّل، واشتغل على الفكرة بجدية، وكأنها مشروع شخصي يُدافع عنه، لا مجرد حلقة في سباق الموسم.

وهنا أتوقف لأطرح سؤالًا يبدو بعيدًا لكنه في جوهره متصل: لماذا لا نُعامل صناعة تكنولوجيا المعلومات في مصر بنفس هذا القدر من الجدية، والعمق، والإتقان؟

نحن لا نفتقر إلى الموهبة، بل نفتقر إلى الفلسفة. كثير من المنتجات التكنولوجية المصرية تُبنى بعقلية الميكانيكي، لا بعقلية المفكر. ننتج أدوات تؤدي وظيفة، لكن نادرًا ما نطرح من خلالها فكرة، أو نعالج من خلالها أزمة، أو نسعى بها إلى تطوير حقيقي في وعي المستخدم أو جودة حياته.

كما تناول “لام شمسية” قضية الطفولة بوصفها بوابة للتغيير المجتمعي، يجب أن نتعامل مع التكنولوجيا بوصفها بوابة لبناء الإنسان. فالموقع الإلكتروني ليس مجرد شاشة، والتطبيق ليس مجرد واجهة، بل هو نافذة لثقافة، وقناة لتأثير، ومنصة لصناعة وعي.

وتُظهر الإحصائيات أن قطاع تكنولوجيا المعلومات في مصر حقق نموا بمعدل 16.3% في العام المالي 2022/2023، مع مساهمة تُقدَّر بـ 5.8% من الناتج المحلي الإجمالي. لكن الغريب أن هذا النموّ الكمي لم يُترجم بعدُ إلى تأثير نوعي، فمعظم المشاريع التكنولوجية المحلية تُصنَّف كـ”حلول وظيفية” تفتقر إلى البُعد الفلسفي أو الاجتماعي. هنا تكمن المفارقة: ننتج أدوات تُشغِّل الأجهزة، لكنها نادرًا ما تُشغِّل العقول!

أتمنى أن يتحول المطوّر المصري إلى مفكّر، والمصمم إلى راوي، ومدير المنتج إلى صاحب رسالة. أن نُدرك أن التكنولوجيا — مثل الفن — ليست حيادية، وأن مسؤوليتنا كمبدعين رقميين لا تقل عن مسؤولية صنّاع الدراما في تشكيل ملامح هذا الجيل.

حين نؤمن أن المشروع البرمجي يحمل أثرًا نفسيًا، وأخلاقيًا، واجتماعيًا — تمامًا كما حمله مسلسل لام شمسية — عندها فقط، سنبدأ ننتج تكنولوجيا حقيقية.. تكنولوجيا تخرج من وجدان هذا المجتمع، وتعود إليه بشكل أرقى، وأصدق، وأعمق.

تحليل كتبه: محمد عابدين

الشريك المؤسس لكوربوريت ستاك والمدير الإقليمي