أصبح مفهوم التكنولوجيا العقارية متغيرا مهما لواقع ومستقبل القطاع العقاري في منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة الأخيرة، ويقصد بمصطلح التكنولوجيا العقارية التطبيقات التكنولوجية المستخدمة في القطاع العقاري، والتي تشمل الخدمات المتطورة التي تقدمها الحلول الذكية لإدارة العقارات، وحلول حجز وتأجير العقارات، وتكنولوجيا التخطيط والبناء، والتكنولوجيا المالية العقارية.
وبكل تأكيد، أصبح القطاع العقاري أحد المؤشرات الدالة على حيوية الاقتصاد ومرونته، ويشكل مرآة عاكسة لازدهاره وتنوعه، ولذا فإن صعود قطاع التكنولوجيا العقارية ستكون له آثارا كبيرة ستعمل على إحداث تغييرات نوعية في واقع الصناعة العقارية، في ضوء حالة التنمية العمرانية التي تشهدها مصر الآن.
بالتالي، وبكل تأكيد، فإن مؤشرات التكنولوجيا العقارية، والمرتبطة على سبيل المثال بتحليل البيانات، ستؤثر بإحداث تغييرات كبيرة داخل الصناعة العقارية نفسها، مما سيجعلها توفر كثيرا من الفرص لجعل بيئة القطاع العقاري أكثر شفافية وفاعلية، إلى جانب جعل معالجة عمليات التداول في القطاع العقاري أكثر سهولة، ما سيؤدي إلى إعادة تصميم وتغيير الدور التقليدي لملف التطوير العقاري، ومن ثم تحقيق الاستدامة العمرانية، وتحفيز تصدير العقار المصري للخارج، حيث ستقدم تقنيات جديدة لعمليات البيع والشراء، كتقنيات الواقع الافتراضي، التي ستتيح قطاع العقارات في مختلف الأمكنة، وأن يكون العميل في قلب العقار المستهدف من دون وجوده الفعلي، وهو ما سينعكس على قرارات الشراء، وسيؤثر على حجم المبيعات العقارية، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى، فإن آليات ومفردات التكنولوجيا العقارية ستتيح تقنيات أخرى، مثل التقنية المرتبطة بنموذج التقييم الآلي، التي ستتيح استخدام نماذج رياضية وقواعد بيانات، وكذلك إمكانية أن يتم حساب قيمة الممتلكات وإجراء المقارنات مع عقارات أخرى، بالإضافة إلى تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، التي ستختزل كثيراً من عمليات إنشاء العقارات، والتقنية الذكية التي سهلت بيع وشراء العقار بصورة كبيرة، ومع وجود التطبيقات في مجال إنترنت الأشياء، بات هناك الكثير من الخيارات التي من شأنها ستسهم بالتعجيل بآليات الاستدامة العمرانية.
ووفق تقرير أعدته مؤسسة كي بي إم جي، فإن نحو 60 في المائة من صناع القرار في القطاع العقاري عالميا يعتقدون في التأثير الكبير للتكنولوجيا على مجال عملهم، في حين أن 25 في المائة من العينة التي شملها التقرير ترى أن «التكنولوجيا العقارية» ستوفر الفرص والتحديات في آن واحد.
ولاشك أن تبني التكنولوجيا العقارية في منطقة الشرق الأوسط يصاحبه بعض التباطؤ في التنفيذ، لكنه وكما يبدو عالمياً أمرا لابد منه، ومع ما يشهده العالم الآن من تطورات تكنولوجية وتحولات رقمية، فما بين عامي 2020 و2023 شهدت التكنولوجيا العقارية زيادة في التمويل بمعدل نمو سنوي مركب قدره 63 في المائة، وفقا لـ “فنتشر سكانر”، ومن المتوقع أن يتسارع النمو بشكل أكبر مع زيادة القدرات والإمكانيات التي تتيحها تقنية إنترنت الأشياء وتخدم بها الصناعة العقارية.
ولعل من أهم مميزات الاعتماد والتوجه نحو استخدام التكنولوجيا الحديثة في نظم العمران، انخفاض الكلفة التشغيلية لمشروعات الاستثمار العقاري، كما أنها توفُّر عدد كبير من المشاريع متعددة الاستخدامات والقابلة للتملك الحر للمستثمرين الأجانب، كما أنها تسهم في تعزيز الشفافية والاستقرار في القطاع العقاري، وكذلك تخدم التكنولوجيا العقارية فرص التحول نحو التحول الرقمي وتعزيز مستوى الابتكار في قطاع الاستثمار العقاري، كما أنه سينعكس إيجابا على دخول المزيد من شركات التكنولوجيا العقارية في السوق المصرية، وزيادة التنافسية في هذا المجال، وتعزيز الثقة في البيئة التكنولوجية المتطورة.
كما تظهر أهمية التوجه نحو استخدام التكنولوجيا العقارية في تعظيم دور القطاع العقاري وتحقيق الاستدامة، ولعل ذلك قد يحقق مكاسب قوية في ظل حرص الدولة المصرية في مواكبة أحدث ما توصل إليه العلم في جميع المجالات، تماشياً مع حالة النهضة العمرانية والتنمية الاقتصادية المستدامة، التي تشهدها مصر الآن في ضوء رؤية مصر للتنمية المستدامة 2030.
تحليل كتبه: الدكتور محمد راشد
عضو غرفة صناعة التطوير العقاري باتحاد الصناعات المصرية