في مقال سابق تناولنا الصعوبات التي تواجة الشركات الناشئة وما يعيقها عن أداء دورها المنشود في المجتمع والاقتصاد، وأفردنا بالشرح عددا من النقاط التي تقف حائلاً بين الشركات الناشئة ودورها وكان منها جدية فكرة الشركة من الأساس، على أن نقوم بتناول باقي الأفكار في المقالات التالية تباعًا.
وبداية، لكي تؤسس شركة بشكل جاد وطموح لابد أن تتوافر فكرة لدى صناع هذه الشركة ومؤسسيها وأن تكون هذه الفكرة جادة وجديدة وبالنظر إلى الأسواق العالمية سنجد أن الفكرة لكي تنجح لابد أن تتوافر لها عدد من المقومات منها أن تكون هذه الفكرة جديدة وجادة وقابلة للتنفيذ، وأن يكون هناك احتياج لها، وهو غالبا لا يتحقق في الشركات الناشئة المصرية، فطبقا لإحدى الدراسات التي قامت بها مؤسسة CB Insights للاستشارات التسويقية فإن 55% من الشركات الناشئة تفشل بسبب قصر النظر عن الفكرة التي سيتم تأسيس شركة لها.
إذاً فنخلص إلى أن اللبنة الأولى في بناء الشركة هو الفكرة التي ستقوم عليها الشركة ومدى تعلقها باحتياج السوق لها وهذه تمر بعدة مراحل، منها:
المرحلة الأولى: ابتكار فكرة مُبدعة
وفي هذه المرحلة لا يشترط أن يكون منفذ الفكرة هو منشئها الأول بل يكفي بأن تكون الفكرة غير مستهلكة في المجتمع الذي سيتم تنفيذها فيه ومبدعة بشكل كبير، فوفقًا لتقرير توقعات الاقتصاد الإبداعي الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD)، تضاعف حجم السوق العالمية للسلع الإبداعية – التي يهيمن عليها التصميم – الأزياء – السينما – من 208 مليار دولار إلى 509 مليار دولار وهو ما يشير إلى أن الأفكار المبدعة أو تلك التي تتعلق بأسواق تحتاج إلى الإبداع بشكل متكامل يكثر فيها حجم الاستثمار عن غيرها من الأفكار أو الأسواق مما يؤكد على أهمية إبداع الفكرة.
المرحلة الثانية: العمل على الفكرة
وهنا يتعيّن أن يتم موائمة الفكرة بالاحتياج لها في الواقع العملي والسوق فهناك الكثير من الأفكار التي بعد إنشائها ضمرت وفشلت، إما بسبب عدم جديتها أو لعدم وضوح التصور الخاص بها وما ستؤديه في الأسواق المحلية والعالمية وهو ما تسبب في فشلها، ومثال للمشروعات التي فشلت بسبب فكرتها Google Glass.
فعلي الرغم مما لاقته نظارة جوجل المستقبلية من استحسان رهيب عند الإعلان عنها كنسخة تجريبية غالية الثمن للمطورين لأول مرة، إلا أن هذا لم يغفر لها بعد أن استمر تطويرها مغلقًا على المطورين لسنوات، قبل أن تندثر الأخبار عنها وحول وجودها على ارض الواقع.
أما الشركات التي نجحت بسبب جودة ووضوح أفكارها فنجد أن فكرتها كانت مُعينا لها في الأزمات التي تصاحب انطلاق أي فكرة جديدة، على سبيل المثال شركة نتفلكس.
فبدأت “نتفليكس” خدمة البث الحي حسب الطلب للأفلام والمسلسلات عبر الإنترنت عملها عام 1989 بتقديم خدمة بيع وتأجير الأقراص المدمجة وتوصيلها عبر البريد، وبعد نحو عقد بدأت الشركة تقدم خدماتها عبر الإنترنت.
ثم اتخذت الشركة قراراً بفصل اشتراكات الأقراص المدمجة عن اشتراكات خدمة البث الحي وزادت أسعارها، وقررت إطلاق اسم “Qwikster” على خدمة اشتراكات الأقراص المدمجة، إلا أن ذلك أدى إلى تراجع أسهم الشركة، وخسارتها نحو 800 ألف مشترك بعد الإعلان عن ذلك مباشرة عام 2011.
بعد ذلك بعامين تم عرض مسلسل “هاوس أوف كاردز” كأول عمل من إنتاج الشبكة، ثم بدأت الشركة من وقتها في إنتاج المزيد من المحتوى الأصلي وفاز العديد من أعمالها بجوائز مهمة مثل جولدن جلوب والأوسكار، وبدأ عدد المشتركين في الشبكة يتزايدون بشكل كبير، ولم تتعرض الشركة لإخفاقات من وقتها، حيث أنقذها المحتوى الأصلي من أزمة كانت على وشك الدخول فيها.
فجودة الفكرة هنا أثرت بشكل كبير على استمرارية الشركة وتخطيها العقبات التي تصاحب وتلازم بدء أي نشاط اقتصادي جديد، فعلي سبيل المثال ووفق احد الدراسات فإن 46+ من الشركات الناشئة تفشل بسبب عدم الكفاءة وبالتالي يتعين المحاولة على رفع كفاءة الشركة قبل وبعد تأسيسها بشكل مستمر.
المرحلة الثالثة: دراسة الفكرة وتقييمها من قبل متخصصين
وتبرز أهمية تنفيذ الفكرة من خلال عدد من المتخصصين في مجال تقييم الأفكار والشركات وذلك نظرا لأنه في كثير من الأحيان ما تكون نظرة صاحب الفكرة قاصرة على جوانب وغير مراعية لجوانب أخرى، وبالتالي فيتعين تقييم الفكرة وجودتها من خلال متخصصين في هذا المجال لتقييمها ووضع التصورات الحقيقة لإنشائها ولدراسة جدواها بشكل حقيقي.
وفي النهاية فإننا يمكن تلخيص ما سبق في الآتي:
تلعب الفكرة حجر الأساس في تكوين الشركة ومستقبلها، وبالتالي فيتعين أن تكون الفكرة قابلة للتنفيذ وجديدة، وأن يكون هناك احتياج لها من قبل قطاع كبير من المستهلكين، فضلا عن ضرورة مرونة الفكرة وأن تكون قابلة للتغير في وقت نتيجة لتغير الظرف المكاني او الزماني أو الظرف الاقتصادي أو اختلاف وسائل التمويل أو الجمهور المستهدف وإلا ستقف الشركة عاجزة عند أول مرحلة من مراحل تأسيسها، وفي هذا الصدد يمكن لنا ان نشير الي ان شركة منتورز تقوم بتقديم خدمة دراسات ما قبل الدخول للسوق وتقييم الشركات بشكل دولي بحيث يمكن الشركات من الوقوف علي حقيقة التقييم الخاص بالفكرة والشركة معًا.
تحليل كتبه المهندس/ محمد السري
مؤسس مجموعه كابيتال ومينتورز ومستشار ومحاضر دولي للتحول الرقمي وريادة الاعمال