سيطر رواد التكنولوجيا على المراكز العشرة الأولى، في قائمة مجلة فوربس لأثرياء العالم لعام 2025، بإجمالي ثروات تقارب 2 تريليون دولار، حيث باتت التكنولوجيا في السنوات الأخيرة الصانعة الأولي لميارديرات العالم إثر الطفرة الهائلة التي شهدتها في كافة المجالات المتصلة بها وبفضل الابتكارات السريعة في الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، مما جعل قطاع التكنولوجيا محور اهتمام المستثمرين العالميين.
ورغم هذا الحراك العالمي، ومايقابله مع الفارق من نمو قياسي في قطاع التكنولوجيا المصري ومستويات النشاط التشغيلي والتجاري في الفترة الأخيرة، إلا أننا مازلنا عالقين في معادلة مفادها غياب شبه تام لرجال الأعمال المصريين الكبار، عن الاستثمار في القطاع رغم كونه المحرك الرئيسي لتكوين الثروات في العقود الأخيرة على مستوى العالم والمنطقة أيضا، ومميزات انخفاض تكاليف بدء المشاريع التكنولوجية مقارنة بالأنشطة التقليدية في بعض الأحيان، والحراك المالي والاقتصادي المدعوم بالتحول الرقمي المستمر وانتشار تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وهو مايعطل الكثير من محركات تطور القطاع، الذي يشهد نموًا مستمرًا فى السوق المحلي، إذ يتمتع العنصر البشرى فيه بتعليم جيد ويتعلم لغات متعددة، مما يسهل عليه التواصل مع أسواق مختلفة، بالإضافة إلى انطلاق العديد من الشركات الناشئة في مجالات التقنية المختلفة والتي نجحت في الحصول على العديد من جولات التمويل الخارجية
وفقاً لبيانات منصة MAGNiTT وتحديثات من الهيئة العامة للاستثمار، بلغ حجم التمويل الذي تلقته الشركات الناشئة المصرية في عام 2024 فقط حوالي 461 مليون دولار، وجمعت الشركات الناشئة نحو 226 مليون دولار خلال النصف الأول فقط من العام الحالي، ويستمر تمركز هذه الاستثمارات في ثلاث قطاعات رئيسة: التكنولوجيا المالية و الصحة الرقمية والتطبيب عن بُعد والتجارة الإلكترونية والبنية التحتية اللوجستية.
الاستثمارات المحلية الحكومية
الاستثمارات المحلية الحكومية أيضا شهدت زيادة مطردة لتوفير بيئة عمل جاذبة للاسثتمار الأجنبي وأيضا المحلي، وأبرزها استثمارات الدولة في البنية الرقمية، والتي تجاوزت 150 مليار جنيه، بهدف رفع كفاءة الإنترنت الثابت، وإنشاء شبكة كابلات ألياف ضوئية متطورة، وفي أبريل 2025، أعلنت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية عن خطة استثمارية بقيمة 13 مليار جنيه لتحديث البنية التحتية الرقمية، تضمنت إنشاء 40 ألف برج محمول جديد، وتوسيع رقمنة الخدمات الحكومية، وتعزيز أمن الشبكات، كما ركزت الخطة على تطوير الكوادر البشرية، عبر برامج تدريب تستهدف أكثر من 600 ألف متخصص في تكنولوجيا المعلومات .
المحللون أشاروا إلى أن العوائق التنظيمية مازالت تشكل تحديا للاستثمار في القطاع بالشكل الملائم من جانب رجال الأعمال ، إلى جانب غياب الثقافة المتعلقة بالاستثمار في الرقمنة خاصة وأن الشركات العائلية ورجال الأعمال الكبار في مصر يميلون إلى الاستثمار في القطاعات التقليدية ذات العوائد الأكثر استقرارًا مثل العقارات والإنشاءات، حيث يسهل تقييم الأصول وضمان استرداد رأس المال في مقابل أن الشركات التقنية فغالبًا ما تتسم بدرجة عالية من المخاطرة وعدم اليقين
وأشاروا إلى أن تقارير الاستثمار في إفريقيا أوضحت أن مصر من بين الدول الأكثر نشاطًا في الصفقات وعدد الشركات الناشئة خلال السنوات الأخيرة، لكن طبيعة هذه الاستثمارات تتركز غالبًا في رأس المال المخاطر القادم من صناديق إقليمية ودولية أكثر استعدادًا لتحمل نسب عالية من عدم اليقين، وفي المقابل، يظل المستثمر المحلي الكبير أكثر تحفظًا، ما يعزز الفجوة بين حجم النمو الذي يحققه القطاع وبين ضعف الإقبال المحلي المباشر عليه.
ولفتوا إلى ضرورة تفعيل مجموعة من الآليات المحفزة، أولها إنشاء صناديق مشتركة بين القطاعين العام والخاص بحيث تشارك الحكومة أو الصناديق السيادية بجزء من التمويل لتقليل المخاطر عن المستثمرين المحليين، وهو نموذج أثبت نجاحه في عدة دول نامية، إضافة إلى تقديم حوافز ضريبية وتشريعية تستهدف رجال الأعمال والشركات العائلية، مثل تخفيف الضرائب على الأرباح الناتجة عن الاستثمار في الشركات الناشئة، أو منح إعفاءات خاصة عند إعادة استثمار الأرباح في القطاع التقني.
أوضحت المهندسة هالة الجوهري، الرئيس التنفيذي الأسبق لهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات “ايتيدا”، أسباب العزوف عن الاستثمار في التكنولوجيا في مصر إلى نظرة المخاطرة المرتفعة، فعلى الرغم من النمو الكبير، لا يزال القطاع التكنولوجي يُعتبر عالي المخاطرة بالنسبة لمستثمر اعتاد على مشاريع ذات تدفقات نقدية أكثر قابلية للتنبؤ.

وأضافت إن الإطار التنظيمي والتشريعي يحتاج إلى تطوير ليناسب الوتيرة السريعة لقطاع تكنولوجيا المعلومات، فبعض التشريعات الخاصة بالقطاع يحتاج إلى آليات تنفيذ، وبعضها يحتاج إلى لائحة، وبعضها لم يصدر بعد، بالإضافة إلى أن التشريعات الخاصة بالشركات الناشئة والاستثمار في التكنولوجيا لا تزال في طور النضوج، كما تشكل نماذج الاستثمار التقليدية، بحسب الجوهري، عائقا أيضا أمام حركة الاستثمار في التكنولوجيا، حيث يفضل بعض رجال الأعمال المصريين القطاعات التقليدية المألوفة التي يفهمونها جيداً ويتوقعون عوائدها، إلى جانب نقص أو عدم استغلال الخبرات المحلية في إدارة الصناديق الاستثمارية المتخصصة في القطاع التكنولوجي.
وأكدت الجوهري أن تباطؤ القطاعات الأخرى، مثل العقارات، يمكن أن يدفع بعض المستثمرين للبحث عن فرص جديدة، وتوجيه الاستثمار نحو التكنولوجيا، لكن هذا التحول يحتاج برامج للتعلم وفهم القطاع للمستثمرين من خارجه، وبناء شبكات علاقات بين القطاعات الأخرى والخبراء التقنيين، إلى جانب تطوير آليات تقييم مختلفة عن تلك المستخدمة في القطاعات التقليدية.
ونوهت إلى أن ضعف الاستثمار المحلي الخاص أثر على مستقبل القطاع التكنولوجي ككل، وأدى إلى هجرة العقول والشركات الواعدة للخارج بحثاً عن التمويل، إلى جانب ضعف البنية التحتية للابتكار المحلي وتباطؤ وتيرة النمو رغم الإمكانات الكبيرة، وتباطؤ في بلوغ الحجم الحقيقي للسوق المحلية، والاعتماد المفرط على التمويل الأجنبي مما يؤثر على القرار الاستراتيجي للشركات ، وانعكس ذلك، على مشهد التنمية الاقتصادية في مصر، فقد أهدر فرص التحول نحو اقتصاد المعرفة، وأضعف التنافسية الدولية في القطاعات الأكثر نمواً عالمياً، وحول الاعتماد في معظمه على استثمارات أجنبية قد لا تخدم الأولويات المحلية بالكامل، وخلف فجوة بين التعليم وسوق العمل حيث لا يتم استغلال الكفاءات التقنية المحلية.
وأكدت الجوهري أن مصر تحتاج إلى جهد متكامل لتشجيع الاستثمار المحلي في التكنولوجيا، من خلال تطوير البيئة التشريعية الداعمة، وبناء قدرات المستثمرين من خارج القطاع على فهم الفرص التكنولوجية، وإنشاء آليات استثمارية وسيطة تخفف من مخاطر الدخول المباشر، إلى جانب تسليط الضوء على النجاحات المحلية لتحفيز الاقتداء بها.
وكما تقول، فإن الاستثمار في التكنولوجيا ليس رفاهية بل ضرورة استراتيجية لمصر لتحقيق التنمية المستدامة والمنافسة في الاقتصاد العالمي الجديد
التحديات التنظيمية
قال الدكتور محمد سيد الخبير الاقتصادي، إنه يمكن إرجاع عزوف رجال الأعمال الكبار عن الاستثمار في مجال التكنولوجيا، إلى مجموعة من الأسباب أولها التحديات التنظيمية والبيئة التشريعية حيث تواجه الشركات الناشئة تحديات تنظيمية كبيرة، وكثيرة التعقيدات في الأطر القانونية والضريبية التي تثقل كاهل المستثمرين المحتملين.

أشار إلى أن التعقيدات التنظيمية تمثل عائقاً رئيسياً أمام النمو المستدام لقطاع التكنولوجيا المالية، مما يؤثر على جاذبية القطاع للمستثمرين المحليين، وكذا ضعف الثقافة الرقمية ومخاطر الأمن السيبراني الذي يمثل تحديا أمام نمو قطاع التكنولوجيا، مما يؤثر على ثقة المستثمرين المحليين و أهمها أن الشركات العائلية ورجال الأعمال الكبار في مصر يميلون إلى الاستثمار في القطاعات التقليدية ذات العوائد الأكثر استقرارًا مثل العقارات والإنشاءات، حيث يسهل تقييم الأصول وضمان استرداد رأس المال.
ولفت إلى أن الشركات الناشئة التقنية فغالبًا ما تتسم بدرجة عالية من المخاطرة وعدم اليقين، إذ تحتاج إلى دورات طويلة للوصول إلى الربحية، مما يجعلها أقل جاذبية للمستثمرين الذين يسعون للحفاظ على الثروة لا المخاطرة بها، إضافة إلى ذلك، فإن ضعف أسواق التخارج وصعوبة تحقيق سيولة سريعة، بجانب التحديات التنظيمية والاضطراب في أسعار الصرف، كلها عوامل تزيد من حذر المستثمر المحلي.
ونوه “سيد” بأن الدراسات الدولية تشير إلى أن الشركات العائلية عمومًا تتسم بنزعة محافظة واستراتيجية دفاعية في إدارة أموالها، وهو ما ينعكس على محدودية مشاركتها في قطاع التكنولوجيا داخل مصر، إضافة إلى عدم وجود حوافز ضريبية كافية لتشجيع الاستثمار في القطاع، مقارنة بقطاعات أخرى تحظى بدعم حكومي أكبر.
وحول تصنيف قطاع التكنولوجيا والشركات الناشئة على أنه عالي الخطورة، قال إن قطاع التكنولوجيا يُصنَّف عالميًا كأحد القطاعات مرتفعة المخاطر نظرًا لاعتماده على الابتكار والتغير السريع في الأسواق، إلا أن التجارب الإقليمية والدولية أثبتت أن هذه المخاطرة يمكن إدارتها من خلال أدوات التمويل المخاطر وصناديق الاستثمار المتخصصة.
نشاط الصفقات
وذكر أن تقارير الاستثمار في إفريقيا أوضحت أن مصر من بين الدول الأكثر نشاطًا في الصفقات وعدد الشركات الناشئة خلال السنوات الأخيرة، لكن طبيعة هذه الاستثمارات تتركز غالبًا في رأس المال المخاطر القادم من صناديق إقليمية ودولية أكثر استعدادًا لتحمل نسب عالية من عدم اليقين، وفي المقابل، يظل المستثمر المحلي الكبير أكثر تحفظًا، ما يعزز الفجوة بين حجم النمو الذي يحققه القطاع وبين ضعف الإقبال المحلي المباشر عليه.
وفيما يخص التناقض بين التمويل الخارجي وغياب الاستثمار المحلي، قال إن المشهد الاستثماري في الشركات الناشئة المصرية يكشف عن مفارقة لافتة؛ ففي الوقت الذي تجذب فيه هذه الشركات جولات تمويل كبرى من مستثمرين أجانب وإقليميين، يظل حضور رؤوس الأموال المحلية ضعيفًا نسبيًا.
أضاف: “على سبيل المثال، أظهرت تقارير الاستثمار أن مصر كانت من بين أكبر ثلاث دول في إفريقيا جذبًا لصفقات رأس المال المخاطر خلال عامي 2022 و2023، مدعومة بصناديق خليجية وأجنبية. ورغم ذلك، فإن مساهمة رجال الأعمال المصريين المباشرة في هذه الصفقات لا تكاد تذكر مقارنة بالمستثمرين الدوليين. هذا التناقض يعكس فجوة ثقة؛ إذ يبدو أن المستثمر الأجنبي أكثر استعدادًا لتحمل المخاطرة والرهان على إمكانيات السوق المصرية، بينما يظل المستثمر المحلي أسيرًا للتفضيلات التقليدية ولغياب أدوات تقلل المخاطر أمامه”.
وأشار إلى أن التباطؤ الذي تشهده بعض القطاعات التقليدية في مصر، وعلى رأسها العقارات، قد يفتح المجال أمام إعادة توجيه بوصلة رجال الأعمال نحو قطاعات بديلة أكثر ديناميكية، ومنها التكنولوجيا، مشيرًا إلى أنه مع الضغوط المرتبطة بارتفاع تكاليف التمويل وأسعار مواد البناء، وتراجع القدرة الشرائية في السوق العقاري، قد يبحث المستثمرون عن قنوات تحقق لهم نموًا أسرع وعوائد مستقبلية أعلى.
وأضاف أن قطاع التكنولوجيا، بما يضمه من فرص في الفنتك، والتعليم الرقمي، والصحة الرقمية، يُعد أحد أبرز البدائل الممكنة، موضحًا أن هذا التحول يظل مشروطًا بقدرة الدولة وصناديق الاستثمار على توفير آليات تقلل المخاطرة وتضمن للمستثمر المحلي إطارًا أكثر وضوحًا للاستثمار والتخارج.
الآليات المحفزة
وبالنسبة للآليات المقترحة لجذب رؤوس الأموال المحلية للاستثمار في التكنولوجيا والشركات الناشئة، أوضح الخبير الاقتصادي، أنه لكي يتحقق تحول حقيقي في توجه رؤوس الأموال المحلية نحو قطاع التكنولوجيا، هناك حاجة لتفعيل مجموعة من الآليات المحفزة، أولها إنشاء صناديق مشتركة بين القطاعين العام والخاص بحيث تشارك الحكومة أو الصناديق السيادية بجزء من التمويل لتقليل المخاطر عن المستثمرين المحليين، وهو نموذج أثبت نجاحه في عدة دول نامية، إضافة إلى تقديم حوافز ضريبية وتشريعية تستهدف رجال الأعمال والشركات العائلية، مثل تخفيف الضرائب على الأرباح الناتجة عن الاستثمار في الشركات الناشئة، أو منح إعفاءات خاصة عند إعادة استثمار الأرباح في القطاع التقني.
شدد على أهمية تطوير أسواق ثانوية وآليات تخارج منظمة مثل الطروحات الجزئية أو عمليات الاندماج والاستحواذ، مما يزيد من سيولة الأصول ويعطي المستثمرين المحليين الثقة في إمكانية استرداد أموالهم عند الحاجة، مع أهمية تشجيع إنشاء صناديق استثمار عائلية مشابهة لتجربة مجموعة منصور العالمية، التي نجحت عبر ذراعها الاستثماري في توجيه استثماراتها إلى التكنولوجيا على مستوى دولي، وهو نموذج قابل للتكرار محليًا إذا توافرت البيئة المناسبة.
وقال إن التطورات في السوق المصرية تُظهر أن هناك مجموعة من القطاعات التكنولوجية تمثل فرصًا واعدة يمكن أن تشكل نقطة انطلاق آمنة نسبيًا لرجال الأعمال، يأتي في مقدمتها؛ التكنولوجيا المالية (FinTech) التي تنمو بسرعة بفضل التوسع في استخدام المحافظ الإلكترونية وخدمات الدفع الرقمي، مدعومة بسياسات الدولة لتعزيز الشمول المالي حيث شهد القطاع نمواً بمقدار 5.5 ضعف خلال السنوات الخمس الماضية، مدفوعاً بخدمات المدفوعات الرقمية والإقراض والأسواق التجارية بين الشركات (B2B) .
ولفت إلى أن مصر كانت أول دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتبنى مبادئ منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حول الذكاء الاصطناعي المسؤول و من المتوقع أن يساهم الذكاء الاصطناعي بأكثر من 42 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2030 .
قطاع التعليم الرقمي
وأضاف أن من ضمن القطاعات التكنولوجية التي تمثل فرصًا واعدة، يبرز قطاع التعليم الرقمي في ظل الاعتماد المتزايد على المنصات الإلكترونية في التدريس والتدريب، إلى جانب الصحة الرقمية، حيث أصبحت خيارًا استراتيجيًا مع تزايد الحاجة إلى خدمات الرعاية عن بُعد، خاصة بعد تداعيات جائحة كورونا، كما تُعد التقنيات الزراعية والطاقة النظيفة من المجالات ذات الأهمية المستقبلية، لتوافقها مع أولويات الأمن الغذائي والتحول نحو الاقتصاد الأخضر، مؤكدًا أن هذه القطاعات تمثل فرصًا عملية يمكن أن تساعد على جذب رأس المال المحلي وتقليص الفجوة القائمة بينه وبين الفرص الاستثمارية المتاحة.
وحول أبرز رجال الأعمال المصريين المتصلين بالاستثمار في التكنولوجيا، قال الدكتور محمد سيد: “رغم أن الغالبية العظمى من رجال الأعمال المصريين ما زالوا يميلون إلى القطاعات التقليدية مثل العقارات أو الصناعة، إلا أن هناك بعض الاستثناءات التي أظهرت اهتمامًا واضحًا بالتكنولوجيا. من أبرز هذه الأسماء علي عيسى، رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين، الذي ناقش أهمية قانون الاستثمار في جذب الاستثمارات ورؤوس الأموال الأجنبية والمحلية، ونجيب ساويرس، الذي ارتبط اسمه منذ عقود بقطاع الاتصالات، وبدأ في السنوات الأخيرة في التوسع نحو الاستثمارات الرقمية على المستوى الدولي، إضافة إلى مجموعة منصور عبر ذراعها الاستثماري Man Capital، والتي اتجهت إلى الاستثمار في شركات تكنولوجية عالمية مثل منصة أوبر”.
وأضاف أن غياب رجال الأعمال المصريين عن الاستثمار المباشر في التكنولوجيا لا يقتصر تأثيره على الشركات الناشئة فحسب، بل يمتد ليؤثر على مسار التنمية الاقتصادية ككل، إذ أن ضعف مشاركة رأس المال المحلي يعني اعتمادًا متزايدًا على الاستثمارات الأجنبية، وهو ما قد يضعف قدرة مصر على التحكم في توجهات القطاع واستدامة نموه، كما يحرم السوق من الاستفادة من خبرات رجال الأعمال المحليين وشبكاتهم الواسعة في دعم الشركات الناشئة بالتوجيه والشراكات.
ذكر أن هذا الغياب يؤدي إلى بطء في تحويل الابتكارات التقنية إلى منتجات وخدمات ذات قيمة مضافة داخل الاقتصاد الوطني، مما يضع مصر في موقف المتلقي للتكنولوجيا بدلًا من كونها منتجًا لها، وعلى المدى الطويل، قد يترتب على ذلك فجوة في خلق فرص العمل النوعية وحرمان الاقتصاد من أحد أهم محركات النمو في القرن الحادي والعشرين.
تابع أن نموذج الشراكة بين رجال الأعمال المصريين والمستثمرين الأجانب، قد يمثل مدخلًا عمليًا لتقليص فجوة الاستثمار في قطاع التكنولوجيا، فهذه الشراكات توفر ميزة مزدوجة: من ناحية يحصل المستثمر المحلي على خبرة فنية ومعرفية متقدمة تقلل من حجم المخاطر، ومن ناحية أخرى يستفيد المستثمر الأجنبي من فهم الشريك المحلي للسوق والبيئة التنظيمية.
أضاف أن التجارب الدولية أثبتت أن الشراكات العابرة للحدود تساهم في خلق بيئة أكثر جاذبية لرأس المال الوطني، عبر تقاسم المخاطر وتحقيق عوائد مشتركة، لكن نجاح هذا النموذج يتطلب وضع أطر واضحة للشراكات وضمان نقل المعرفة إلى الداخل، حتى لا تظل التكنولوجيا محتكرة في يد الشريك الأجنبي، بذلك، يمكن أن يكون التعاون الدولي خطوة انتقالية ضرورية لبناء قاعدة استثمارية محلية أقوى وأكثر ثقة في قطاع التكنولوجيا.
أكد على أن مستقبل الاقتصاد المصري لن يكتمل دون حضور فعّال لرأس المال المحلي في قطاع التكنولوجيا والشركات الناشئة، إذ أنه رغم الإنجازات الحكومية في البنية التحتية الرقمية، ورغم الجاذبية التي يظهرها القطاع أمام المستثمرين الأجانب، يظل غياب رجال الأعمال المصريين فجوة تعيق تعظيم الاستفادة من هذه الطفرة.
وأضاف أن المطلوب اليوم هو حزمة إجراءات عملية تبدأ بتفعيل صناديق استثمار مشتركة تقلل المخاطرة، مرورًا بحوافز ضريبية وتشريعية موجهة لرجال الأعمال والشركات العائلية، وانتهاءً بتطوير أسواق ثانوية تضمن لهم مخرجًا استثماريًا واضحًا. كذلك، تمثل الشراكات مع المستثمرين الأجانب فرصة لنقل الخبرات وبناء جسور الثقة، شرط أن تكون هذه الشراكات قائمة على تقاسم المعرفة لا مجرد استثمارات مالية.
تأسيس الشركات بالخارج
قال الدكتور خالد شريف، مساعد وزير الاتصالات الأسبق ومستشار وزير السياحة السابق للتحول الرقمي، إن الحديث عن عزوف رجال الأعمال المصريين عن الاستثمار في التكنولوجيا غير صحيح على الإجمال، لأن رأس المال المصري يساهم في شركات تكنولوجية لكنها موجودة في الخارج، لافتاً إلى وجود نحو 4000 شركة أنشئوا خلال الثلاث أعوام الماضية معظمها شركات تكنولوجية برأسمال مصري، بالتالي رجال الأعمال يساهمون في تأسيس الشركات التكنولوجية الناشئة لكنها للأسف خارج مصر.

وأرجع سبب اتجاه رجال الأعمال المصريين للاستثمار في الخارج، إلى مناخ الاستثمار في مصر والبيروقراطية بكافة أشكالها، منوها إلى أن الدولة مازالت في حاجة لمزيد من التسهيلات لجذب الاستثمارات سواء المحلية أو الأجنبية واتخاذ مخاطرة مدروسة خاصة في قطاع التكنولوجيا، كون الاستثمار في التكنولوجيا مرتبط بمخاطر بصفة عامة، لكنها مخاطرة مدروسة.
وللتعامل مع هذه المشكلات وتشجيع رجال الأعمال على الاستثمار في مصر، رأي المهندس خالد شريف أن حل المشكلات السابق ذكرها هو البداية وتسهيل إجراءات التعامل إضافة إلى تنفيذ تعليمات الوزراء والحكومة، مشدداً على ضرورة وجود خطة واضحة المعالم لتشجيع رجال الأعمال على الاستثمار في قطاع التكنولوجيا ومن ثم متابعة دورية لتنفيذ بنود الخطة على مختلف المستويات والأجهزة الإدارية في المستوى الأقل.
واختتم حديثه بضرورة تكامل الجهود بين وزارات “المالية والاستثمار والتنمية المحلية ومصلحة الشركات”، لافتاً إلى أن وزارة الاتصالات غير مسئولة عن غياب الاستثمار في التكنولوجيا ولكن جميع الوزارات الأخرى المعنية.
واتفق معه في الرأي المهندس خالد نجم، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأسبق، قائلاً لا يمكننا القول بأن هناك عزوف من جانب رجال الأعمال المصريين عن الاستثمار في القطاع التكنولوجي لأن هناك مصريين قائمين بالفعل على شركات محلية ويتمتعون بخبرة واسعة، وتشجعوا ليقودوا الاستثمار في هذا القطاع الواعد، وأضاف: بالفعل لدينا شركات مصرية بدأت وتوسعت وأخذت الريادة على مستوى العالم، ضاربًا المثل بشركة “فاليو”.
شراكات محلية أجنبية
واقترح عدد من الإجراءات لتشجيع مزيد من الاستثمارات المحلية في قطاع التكنولوجيا، بداية من تقديم التسهيلات لجذب رجال الأعمال الأجانب للدخول في شراكة مع رأس المال المحلي، فلدينا فرصة ذهبية وهي استغلال موقع مصر الذهبي في منتصف الشرق الأوسط بالتالي والربط بين الشرق والغرب.

كما أشار إلى أهمية الاهتمام بملف إنشاء مراكز البيانات، قائلاً: ما زلنا غائبين عن هذا القطاع في وقت يتجه فيه العالم لإنشاء مراكز البيانات وذلك لعدم وجود تسهيلات خصوصاً بتوفير الأراضي وبيعها بسعر رخيص نوعاً ما، ففي المغرب وجيبوتي مثلا تقدم الأراضي يعتبر بشكل مجاني يتم تسديدها على 40 أو 50 سنة بمبالغ بسيطة لتشجيع رجال الأعمال على نقل أعمالهم للبلاد.
ورأي أن مستقبل قطاع التكنولوجيا واعد في مصر، قائلاً: نحن نمتلك الموارد فنحن نصدر الطاقات لكن علينا استغلال تلك العقول محلياً في أعمال تفيد البلد والشركات المحلية وتفيد العلاقة بين الحكومة والقطاع الخاص.
فرصة جيدة للاستثمار
قال الدكتور حمدي الليثي، رئيس مجلس إدارة شركة «ليانتل» لحلول الاتصالات، إنه لا يمكننا القول إن هناك عزوف عن الاستثمار في قطاع التكنولوجيا، فلا يوجد رجل أعمال يرى أن هناك فرصة جيدة للاستثمار ويبتعد عنها، لكن الأمر يتعلق ببيئة العمل والاستثمار.
وأوضح أن رجال الأعمال قد لا يرون الفرصة بصورة جيدة بسبب ظروف معينة، لكن لا يتعلق الأمر بكونه قطاع عالي الخطورة فلدينا شباب وأفكار واعدة فقد تنجح فكرة أو فكرتين من أصل 10 أفكار فتغطي تكلفة باقي الأفكار، مضيفا أن الأمر يتعلق بغياب البيانات وتكاملها وغياب الشفافية وعدم وجود لوائح وقواعد واضحة وبيروقراطية شديدة فلابد من تهيئة الظروف لتشجيع الاستثمارات.
وتابع أن هناك جزء آخر يتعلق بكون it قطاع عالمي لا يخص مصر وحدها، بالتالي لابد من تسهيل التعامل في العملات الصعبة، وهو جزء من المشكلة فمعظم رجال الأعمال لديهم عملة محلية لكن صعب تحويلها إلى دولارات وهو ما يتطلب تضافر كافة الجهات سواء جهات حكومية أو وزارة الاتصالات أو الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بأذرعه وخاصة “إيتيدا” بحيث يعقد الجهاز القومي لقاءات مع المستثمرين ورحال الأعمال التعرف على معوقات الاستثمار والعمل على حلها.

وتابع أن قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات من أعلى القطاعات نموًا في مصر في الأعوام الأخيرة، وذلك بفضل الدور الذي يلعبه الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات كونه يحمي وينظم العلاقة بين الاضلاع الثلاثة متمثلة في المستهلك والجولة ومقدم الخدمة، فالتوازن بينهم أمر مهم لكي ينجح القطاع.
وذكر أن صناعة التكنولوجيا هي الأقل تكلفة بين الصناعات المختلفة، فقط تعتمد على فكرة بسيطة وشباب عبقري يسعي لتحقيق الأرباح عبر تنفيذ أفكاره، مضيفاً أن قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات هو قطاع عرضي يتدخل ويخدم كل القطاعات ولا غنى عنه خاصة مع ظهور التقنيات الجديدة وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، لذا يجب الاهتمام به وتشجيع الاستثمار فيه.
التخوف من المخاطر
قال الدكتور محمد أنيس الخبير الاقتصادى، إن سبب عزوف رجال الأعمال في الأسواق الناشئة عن الاستثمار في مجال التكنولوجيا، يرجع إلى نوعية رأس المال، والتخوف من المخاطر التي تعتري هذه الاستثمارات في الشركات الناشئة، خاصة وأن نوعية رأس المال في مصر تأتي من موارد طبيعية حقيقية، بخلاف السوق الأمريكي الذي يتمتع فيه المستثمر برأسمال رخيص نتيجة طباعة عملة، مما يجعل هناك قابلية للتجربة أكثر من مرة.
أضاف أن هناك بعض المشاكل الهيكلية في الاقتصاد المصري التي تؤثر على جودة عمل الشركات الناشئة، مثل البيروقراطية وتغير القوانين بشكل مستمر ونقص التمويل، على عكس الأسواق المتقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي تتمتع ببيئة مناسبة لعمل الشركات الناشئة والتكنولوجية.
أكد على أنه رغم من هذه التحديات، إلا أن قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مصر لديه فرصًا واعدة، خاصة الشركات الكبرى، ولكن يجب الاهتمام بالشركات الناشئة ومنحها مزيد من الحوافز وتهيئة البيئة المواتية لعملها بعيدًا عن البيروقراطية.