في يوليو الماضي، أبلغت إحدى منشئات المحتوى الشهيرات على منصة تيك توك في ماليزيا الشرطة المحلية عن تلقيها تهديدات بالاغتصاب والقتل من قبل مستخدمين على المنصة.
وبعد يوم واحد، أقدمت راجسوري أباهو، المعروفة على الإنترنت باسم “إيشا”، على الانتحار. في وقت لاحق، أقر أحد المتهمين بالتنمر الإلكتروني عليها بالذنب في جرائم الاتصالات عبر تيك توك، وتم تغريمه 100 رينغيت ماليزي (ما يعادل 23 دولاراً أميركياً).
وصف وزير الاتصالات الماليزي انتحار إيشا بأنه “القشة التي قصمت ظهر البعير”، وذلك في سياق دفاعه عن متطلبات الترخيص الجديدة واسعة النطاق لمنصات التواصل الاجتماعي في البلاد، والتي من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ العام المقبل. ورغم ذلك، يثار التساؤل حول ما إذا كان هذا التنظيم الشامل وغير الواضح لشركات التكنولوجيا الكبرى سيمنع وقوع مثل هذه المآسي.
أصبح السؤال حول كيفية محاسبة شركات التكنولوجيا على الأضرار الواقعية الناجمة عن خدماتها أحد أهم التحديات في الوقت الراهن، وهو موضوع نقاش عالمي واسع.
على سبيل المثال، توقفت منصة “إكس” (تويتر سابقاً) عن العمل في البرازيل هذا الأسبوع بسبب خلافات تنظيمية، وفي الأسبوع الماضي، وجهت فرنسا تهماً إلى مؤسس تطبيق “تيلجرام”، بافيل دوروف، تتعلق بتواطئه في جرائم ارتُكبت عبر تطبيقه. في المقابل، اتهم مارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذي لشركة “ميتا” المالكة لفيسبوك، الحكومة الأميركية بممارسة ضغوط عليه لفرض رقابة على المحتوى المتعلق بالجائحة، وهو ما اعتبره بعض السياسيين انتصاراً لحرية التعبير.
هذا الجدل المعقد غالباً ما يقع في فخ التبسيط المفرط، حيث يُصوَّر أي تنظيم للشركات التكنولوجية الكبرى على أنه اعتداء على حرية التعبير، بينما يُنظر إلى مراقبة المحتوى كنوع من الرقابة.
لكن الواقع أكثر تعقيداً، خصوصاً في ماليزيا، الدولة التي يبلغ عدد سكانها حوالي 34 مليون نسمة وتتميز بتنوع عرقي وديني وثقافي، إلى جانب الاستخدام الواسع للإنترنت. في هذا السياق، من المتوقع أن تواجه البلاد نقاشاً حاداً حول هذه القضايا.
أعلنت الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا أنها ستلزم جميع منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات التراسل التي تضم أكثر من 8 ملايين مستخدم بالحصول على ترخيص تنظيمي والالتزام بشروط لم تُحدد بعد. من جهة أخرى، ترى الشركات أن هذه الخطوة ستؤثر سلباً على الأعمال التجارية، مطالبةً بالتنظيم الذاتي.
وفي المقابل، تخشى عشرات المنظمات المدنية من أن تؤدي هذه الإجراءات إلى تقليص حرية التعبير، مما يدفع البلاد نحو الاستبداد. ورغم هذه الانتقادات، تواصل الحكومة الماليزية المضي قدماً في خطتها، مؤكدةً أن الهدف هو الحد من الاحتيال والتنمر الإلكتروني، وحماية الشباب عبر الإنترنت.
ومع ذلك، تبقى تفاصيل هذه اللوائح غير واضحة، حيث لم يتم استكمال الإرشادات التنظيمية بعد.
ورغم هذه التطورات، يحق للماليزيين أن يشعروا بالقلق بشأن القيود المحتملة على حرية التعبير، بعيداً عن مصالح المليارديرات الذين يسعون لحماية مصالحهم الشخصية. فقد أشار تقرير لمنظمة العفو الدولية لعام 2024 إلى أن مساحة حرية التعبير قد تقلصت في البلاد، مع استمرار الحكومة في استخدام قوانين قمعية لإسكات الأصوات المنتقدة.
يُعتبر استخدام نظام الترخيص وسيلة شائعة لاستغلال الرقابة التحريرية على وسائل الإعلام. وفي هذا السياق، تراجعت ماليزيا هذا العام إلى المرتبة 107 في مؤشر حرية الصحافة العالمي الصادر عن منظمة “مراسلون بلا حدود”، بعدما كانت تحتل المركز 73 في العام السابق. مع تقلص دور المؤسسات الإعلامية التقليدية، اتجه العديد من الماليزيين إلى الإنترنت للتعبير عن آرائهم ومعارضتهم، لكن يبدو أن السلطات تحاول الآن فرض رقابة على هذا المحتوى أيضاً.
في هذا الإطار، تقدمت الحكومة الماليزية بأعلى عدد من طلبات إزالة المحتوى من منصة “تيك توك” على مستوى العالم العام الماضي. فقد ارتفع عدد هذه الطلبات من 5 طلبات فقط في عام 2021 إلى 2202 طلب في عام 2023، مما يشير إلى تصاعد جهود الحكومة للسيطرة على المحتوى المتداول عبر الإنترنت.
المخاوف من أن محاولة تنظيم وسائل التواصل الاجتماعي قد تُستخدم كأداة لإسكات حرية التعبير في ماليزيا مشروعة تماماً. فقد نقلت وسيلة إعلام محلية عن نائب رئيس الوزراء قوله إن الترخيص يمكن أن يساعد في الحد من انتشار “التصورات السلبية” عن الحكومة. من حق المسؤولين الماليزيين أن يسعوا لتنظيم هذه الصناعة، ونظام الترخيص قد يحمل بعض الإمكانات، إلا أنهم مطالبون بتقديم تفاصيل واضحة حول كيفية تحميل شركات التكنولوجيا الكبرى المسؤولية بشكل فعّال.
إلى حين تقديم هذه التفاصيل، لا يزال من غير الواضح كيف يمكن أن يساهم نظام الترخيص في منع حالات التنمر الإلكتروني، مثل تلك التي أدت إلى وفاة إيشا. وعلى الرغم من أن التهديدات بالعنف ضد النساء على الإنترنت لا يمكن اعتبارها بأي حال من الأحوال ضمن حرية التعبير، فمن الصعب تصور أن مثل هذه القوانين يمكن أن تحقق هذا الهدف بشكل كامل.
يجب أن يكون هناك انطلاق نحو حلول فعّالة. يُناقش المشرعون الماليزيون حالياً مسألة تجريم التنمر الإلكتروني، وإيجاد سبل لتعزيز المساءلة على منصات التواصل الاجتماعي، حتى في غياب قانون الترخيص. في هذا السياق، صرح المسؤولون بأن منصة “تيك توك” تعهدت بالنظر بجدية في ما حدث في قضية إيشا، وتقديم الدعم اللازم، بما في ذلك زيادة عدد مشرفي البث المباشر والمشرفين على المحتوى بلغة التاميل. قد تكون هذه الخطوة البسيطة كافية لتجنب وقوع مثل هذه الهجمات مستقبلاً.
ما يحدث في ماليزيا يذكرنا بأن هذه المنصات، التي أصبحت منتشرة وقوية للغاية، لا يمكن الاعتماد عليها كأدوات أساسية للنقاش المدني. فهي ليست وسائل إعلامية تقليدية ولا ساحات عامة، بل شركات تسعى إلى تحقيق النمو من خلال نماذج عمل قد تتعارض في جوهرها مع التماسك الاجتماعي. في كثير من الأحيان، يجذب المحتوى المثير للجدل والانقسام مزيداً من التفاعل مقارنة بالحقائق المعقدة أو المملة.
لذا، يجب على صناع السياسات أن يركزوا على معالجة الأضرار الحقيقية أثناء صياغة التشريعات. أثبت المجتمع الماليزي قوته في مقاومة محاولات قمع حرية التعبير، لكن تزايد الانتهاكات عبر الإنترنت أظهر الحاجة إلى حماية أكبر. هذه المواجهة في ماليزيا قد تكون اختباراً لمدى نضج استجابات دول أخرى لمثل هذه التحديات.
كاثرين ثوربيك
كاتبة عمود في بلومبرج أوبينيون تغطي التكنولوجيا